ولكنَّ النَّبي عليه الصلاة والسلام لم يأتِ عليه العامُ المقبلُ إلا وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى . فيُكره صيامُ يَومِ عَاشوراء مُنفرداً عن اليومِ التَّاسِعِ أو عَنِ اليَومِ الحادي عشر ، والسُّنَّةُ أن يَصومَ المسلمُ التَّاسِعَ معَ العَاشِرِ مِنْ هَذا الشهر المبارك ، شَهْرُ اللهِ المحرم . ولقد كان صِيَامُ يَومِ عَاشُوراءَ فَريضَةً في بِدَايَةِ الإسلام ، قَبلَ فَريضَةِ صِيَامِ شَهْرِ رَمضان ، فلما نَزَلت فَرِيضَةُ صِيَامِ شَهرِ رمضان ، نُسخت فَريضةُ صِيامِ يَومِ عاشوراء ، فقال رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام عن صَومِ يَومِ عَاشوراء: (مَنْ شَاء صَامه ومَن شَاء أفطره) وقال عليه الصلاة والسلام: (هذا يومُ عاشوراء ، ولم يُكتَبْ عَليكم صِيَامُه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر) فهذه الأحاديث تَدُلُّ على أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك أَمْر الناس بصيام يوم عاشوراء بعد فريضة رمضان ، وهذا يُؤَكِّدُ سُنِّيَّةَ صِيَامِ هذا اليوم ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يَتْرُكْ صِيَامَ يَومِ عاشوراء ، وعَزمَ في آخر حياته عليه الصلاة والسلام على أنْ لا يَصومَهُ مُنفرداً ، بل يَضُمَّ إليهِ يَومَاً آخر معه ، وذلك مُخالفة لليهود في صِيامهم . فيومُ عَاشوراء يومٌ له حُرمة وفَضلٌ عَظيم ، ففي يَومِ عَاشوراءَ أَنجى اللهُ تعالى سيدنا نوح ، واستوتْ سَفينَتُهُ على جَبَلِ الجُودي ، فَصامَهُ سيدنا نُوحٌ شُكراً لله تعالى ، وفي يَومِ عَاشوراء تابَ اللهُ تعالى على سيدنا آدم ، وفيه أُهبطَ مِنَ الجَنَّةِ إلى الأرض ، وفي يومِ عَاشوراءَ تَابَ اللهُ تعالى على قومِ سيدنا يُونس ، فصامَهُ شُكراً لله عز وجل ، وفي يومِ عَاشوراءَ نَجى اللهُ تعالى سيدنا مُوسى ، وأغرقَ فِرعَونَ وَقَومَه ، وهو يَومُ الزِّيْنَةِ الذي نَصَرَ اللهُ فيه سيدنا مُوسى على سَحَرَةِ فِرعون ، وقد قَالَ سَيِّدُنَا محمد عليه الصلاة والسلام: (هذا يومٌ تَابَ اللهُ فيه على قَومٍ ، فَاجَعُلوهُ صَلاةً وصِيَامَاً) وقال نَبِيُّنَا عليه الصلاة والسلام: (ويَتُوبُ اللهُ تَعالى فيه على آخرين) ويقولُ حَبيبنا رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام: (إنَّ العَبْدَ إذا اعترف بذنبه ثم تابَ تابَ الله عليه) وقد أوحى الله تعالى إلى سيدنا مُوسى عليه الصلاة والسلام أن مُرْ قَومك يَتقربوا إليَّ في أَوَّلِ عَشرِ المحرم ، فإذا كانَ اليَومُ العَاشِرُ فليخرجوا إليَّ حتى أغفِرَ لهم . وتُستحبُّ الصدقةُ يَومَ عَاشوراء ، وقد رُوي أن الصدقةَ فيهِ كَصَدَقَةِ سَنة ، وأمرنا حبيبنا عليه الصلاة والسلام بالتوسعة على العيال في يوم عاشوراء ، فقال عليه الصلاة والسلام: (من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته) فأفضل الأعمال في هذا اليوم المبارك ، أن نصوم في اليوم التاسع والعاشر من هذا الشهر ، وأن نَتصدق وندعو ونستغفر ، ونتوب إلى الله تعالى ، إنه سميع قريب مجيب.