كلمة الأسبوع

فــــــضـــل يـــــــوم عــاشــــــوراء

الشيخ بلال سلمان


فــــــضـــل يـــــــوم عــاشــــــوراء

الحمد لله الذي مَنَّ على أمةِ الإسلامِ بمواسمِ الطاعات والعبادات ، وجعل عليها هادياً ومرشداً سيد السادات ، عليه أفضل الصلوات وأزكى البركات ، حيث دَلَّنَا على أفضل القربات ، لنفوز عند الله عز وجل بأعلى الدرجات . فلقد جعلَ اللهُ تعالى لنا موسمَ طاعةٍ وعبادةٍ في أول العام الهجري ، ليبدأَ المسلمُ عَامَهُ الجديد ، بتوبةٍ وطاعةٍ لله تعالى . فهذا شهرُ اللهِ المحرم ، أحدُ الأشهرِ التي قال الله فيها: )إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوات وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ( أي: في هذه الأشهر المحرمة لا ينبغي أن يَظْلِمَ أحدٌ أَحداً ، لأنها آكَدُ وأبلغُ في الإثمِ مِنْ غَيرها . وقال ابنُ عَبَّاس رضوان الله عليه: )فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ( أي: في كل الأشهر ، ثم اختص منها أربعةَ أشهر ، فجعلهُنَّ حَرامَاً وَعَظَّمَ حُرمَتَهُنَّ ، وجَعلَ الذَّنْبَ فِيْهِنَّ أَعظم ، والعَملَ الصالحَ والأجرَ أعظم . وقال قتادة رضوان الله عليه: (الظُّلمُ في الأشهرِ الحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرَاً مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِواها)، وإن كانَ الظُّلمُ على كل حال عَظيماً ، ولكنَّ اللهَ يُعّظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشاء . وقال سيدُنَا رسولُ الله عليه الصلاة والسلام: ((السَّنَةُ اثنا عشر شهراً ، مِنها أربعةٌ حُرُم : ثلاثةٌ متواليات ، ذُو القَعدةِ وذو الحِجَّة والمحرم ، ورَجبُ مُضرُ الذي بين جُمادى وشَعبان))، وشهرُ المحرم سُمي بذلك تأكيداً لتحريمه ، والأشهرُ الحرمُ كانت أشهراً يَحرُمُ فِيها القِتَالُ لعظيم أمرها وشأنها ، وكانوا في الجاهليةِ يَحتالونَ على استباحتها ، فإذا بَدَا لَهُم أمرٌ وأرادوا فِعلَهُ في الشهر الحرام استباحوا الحرام ، ونقلوه إلى شهرٍ آخر ، ولذا قال الله عنهم: )إِنَّمَا النَّسِىء زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين( ، وشهرُ اللهِ المحرم هو مبدأ التاريخ الهجري لأمة الإسلام ، فقد اتفق رأي المسلمين على أنَّ الشَّهْرَ المحرَّمَ هو مبدأ العام الهجري . وإن شهرَ اللهَ المحرّمَ شَهْرٌ عَظيمٌ مُبارك ، وهو أولُ شُهورِ السنةِ الهجرية ، وفيه يَومٌ عَظيمٌ مُبارك ، إنه يَومُ عَاشوراء ، فقد جَمَعَ اللهُ تعالى فيه الكثيرَ مِنَ الفضائلِ والبركات ، وليومِ عاشوراءَ فضلٌ عظيمٌ عند الله عز وجل ، ولذلكَ يُسَنُّ صِيَامُ هذا اليومِ العَظيم ، حيث أنَّ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام ، قَدِمَ المدينةَ المنورةَ مُهاجراً ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصومونَ يومَ عَاشوراء ، فقالَ لهم: ما هذا اليومُ الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يَومٌ عَظيمٌ أَنجى اللهُ فِيه مُوسى وقومَه ، وأغرقَ فِرعونَ وَقَومَه ، فصامَهُ مُوسى شُكراً ، فنحن نصومه . فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فنحنُ أحقُّ وأولى بموسى منكم . فصامه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأمر بصيامه) وهذا اليومُ العَظيمُ كانت تَصومُهُ الأَنبياءُ مِنْ قَبل ، وصامتهُ قُريشٌ في الجاهلية ، وصَامَتهُ الأُمَمُ السابقةُ مِنَ اليهودِ والنصارى ، وكُلُّ هَذَا يَدُلُّ وَيُؤَكِّدُ عَلى عِظَمِ قَدْرِ هَذَا اليَوْمِ المبارك ، وها هو سيدنا ابن عباس رضوان الله عليه يقول: (ما رأيتُ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام صَامَ يَومَاً يَتَحَرَّى فَضْلَهُ على الأيام ، إلا هَذَا اليَوم) يعني يَوْمَ عَاشوراء . ولذلك فَإِنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام حَثَّ عل صِيَامِ يَومِ عَاشوراءَ في كثير من الأحاديث ، فكانَ عليه الصلاة والسلام يَصُومُهُ وَيَأْمُرُ بِصِيَامِه ، وأخبرَ عليه الصلاة والسلام عن عَظِيْمِ الأجرِ والثوابِ في صِيَامِهِ ، فقال حَبِيبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام: (صيامُ يومِ عَاشوراءَ إني أحتسبُ على اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الماضية) وأَمَرَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام في يومِ عَاشوراءَ رَجُلاً أَنْ يُأَذِّنَ في النَّاسِ قَائلاً: (مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَومه ، وَمَنْ لم يَكُنْ أَكَل فَلْيَصُم ، فإن اليومَ يَوْمَ عَاشوراء) وإنَّ رسولَ الله عليه الصلاة والسلام لم يَدَعْ صِيَامَ يَومِ عَاشوراءَ لا في السَفَرٍ وَلا فِي الإِقَامَةٍ ، ولكنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَنَا أَنْ لا نُفْرِدَ يَومَ عَاشُورَاءَ بِالصيام ، وَمَنْ تَأَمَّلَ الأحاديث التي وردت في يوم عاشوراء ، تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ ، ويدلُّ على ذلك أنهم لما عَلِمُوا صِيَامَ أَهْلِ الكتاب مع صيامهم مباشرةً ، سألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالوا : (إن اليهود والنصارى يَصومونَ هذا اليوم) فَكَأَنَّهُم قالوا: أنت يا رسولَ اللهِ عَلمتنا مُخالفةَ اليهودِ والنصارى ، وهم الآن يَصُومُونَ مثلنا ، فكيف نخالفهم ؟ فأمرنا أن نَصوم يوماً قَبله أو يَوماً بَعده ، فقال عليه الصلاة والسلام: (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود ، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً) وقال نَبينا عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: (لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومن التاسع) أي مع اليوم العاشر ، وفي رواية قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صُمنا اليوم التاسع) أي مع اليوم العاشر ، وذلك مُخالفة لليهودِ في صِيامهم .

 ولكنَّ النَّبي عليه الصلاة والسلام لم يأتِ عليه العامُ المقبلُ إلا وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى . فيُكره صيامُ يَومِ عَاشوراء مُنفرداً عن اليومِ التَّاسِعِ أو عَنِ اليَومِ الحادي عشر ، والسُّنَّةُ أن يَصومَ المسلمُ التَّاسِعَ معَ العَاشِرِ مِنْ هَذا الشهر المبارك ، شَهْرُ اللهِ المحرم . ولقد كان صِيَامُ يَومِ عَاشُوراءَ فَريضَةً في بِدَايَةِ الإسلام ، قَبلَ فَريضَةِ صِيَامِ شَهْرِ رَمضان ، فلما نَزَلت فَرِيضَةُ صِيَامِ شَهرِ رمضان ، نُسخت فَريضةُ صِيامِ يَومِ عاشوراء ، فقال رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام عن صَومِ يَومِ عَاشوراء: (مَنْ شَاء صَامه ومَن شَاء أفطره) وقال عليه الصلاة والسلام: (هذا يومُ عاشوراء ، ولم يُكتَبْ عَليكم صِيَامُه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر) فهذه الأحاديث تَدُلُّ على أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك أَمْر الناس بصيام يوم عاشوراء بعد فريضة رمضان ، وهذا يُؤَكِّدُ سُنِّيَّةَ صِيَامِ هذا اليوم ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يَتْرُكْ صِيَامَ يَومِ عاشوراء ، وعَزمَ في آخر حياته عليه الصلاة والسلام على أنْ لا يَصومَهُ مُنفرداً ، بل يَضُمَّ إليهِ يَومَاً آخر معه ، وذلك مُخالفة لليهود في صِيامهم . فيومُ عَاشوراء يومٌ له حُرمة وفَضلٌ عَظيم ، ففي يَومِ عَاشوراءَ أَنجى اللهُ تعالى سيدنا نوح ، واستوتْ سَفينَتُهُ على جَبَلِ الجُودي ، فَصامَهُ سيدنا نُوحٌ شُكراً لله تعالى ، وفي يَومِ عَاشوراء تابَ اللهُ تعالى على سيدنا آدم ، وفيه أُهبطَ مِنَ الجَنَّةِ إلى الأرض ، وفي يومِ عَاشوراءَ تَابَ اللهُ تعالى على قومِ سيدنا يُونس ، فصامَهُ شُكراً لله عز وجل ، وفي يومِ عَاشوراءَ نَجى اللهُ تعالى سيدنا مُوسى ، وأغرقَ فِرعَونَ وَقَومَه ، وهو يَومُ الزِّيْنَةِ الذي نَصَرَ اللهُ فيه سيدنا مُوسى على سَحَرَةِ فِرعون ، وقد قَالَ سَيِّدُنَا محمد عليه الصلاة والسلام: (هذا يومٌ تَابَ اللهُ فيه على قَومٍ ، فَاجَعُلوهُ صَلاةً وصِيَامَاً) وقال نَبِيُّنَا عليه الصلاة والسلام: (ويَتُوبُ اللهُ تَعالى فيه على آخرين) ويقولُ حَبيبنا رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام: (إنَّ العَبْدَ إذا اعترف بذنبه ثم تابَ تابَ الله عليه) وقد أوحى الله تعالى إلى سيدنا مُوسى عليه الصلاة والسلام أن مُرْ قَومك يَتقربوا إليَّ في أَوَّلِ عَشرِ المحرم ، فإذا كانَ اليَومُ العَاشِرُ فليخرجوا إليَّ حتى أغفِرَ لهم . وتُستحبُّ الصدقةُ يَومَ عَاشوراء ، وقد رُوي أن الصدقةَ فيهِ كَصَدَقَةِ سَنة ، وأمرنا حبيبنا عليه الصلاة والسلام بالتوسعة على العيال في يوم عاشوراء ، فقال عليه الصلاة والسلام: (من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته) فأفضل الأعمال في هذا اليوم المبارك ، أن نصوم في اليوم التاسع والعاشر من هذا الشهر ، وأن نَتصدق وندعو ونستغفر ، ونتوب إلى الله تعالى ، إنه سميع قريب مجيب.                                

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=3465