الجمعة 24 شوال 1445 - 03 مايو 2024 , آخر تحديث : 2024-04-29 12:42:38 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2015-09-06 الساعة 10:24:09
قــل هــــل يــسـتوي الـــذين يعلمون والــذين لا يعلمون
الشيخ مأمون رحمة

مُنذ أربعة عشر قرناً وقف أبو هريرة رضي الله عنه في السوق ونادى: (يا أهل السوق، أنتم هنا وميراث محمد صلى الله عليه وسلم يُقسم في المسجد! فذهب الناس إلى المسجد ثم عادوا يقولون: ما رأينا إلا أناساً يَقرؤون القرآن ويتعلمون، قال: ويحكم، وهل تَرك مُحمد ميراثاً إلا هذا؟).

أما سألت نفسك -أيها المسلم-: من ألهم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم رِسالة تفخر العقول الذكية في الفقه فيها، وتؤلف في شرح دقائقها وبيان وجوه حكمتها وغرائب أسرارها مَكتبات فيها ألوف من الرسائل والمجلدات؟ هَذا النبي الأمي صلوات ربي وسلامه عليه لم يدخل مدرسة، ولم يسلك إلى أستاذ جامعة، ولكنه هو الذي شاد صرح العلم ووضع حجر الأساس بالمدارس والجامعات بما خلف من ثروة علمية تطلع على الشمس وتبقى على الآباد، وتأكيداً على هذه الحقيقة خاطبه الله بقوله: )وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُون( [العنكبوت: 48-49].

يا سادة: بعد الحرب العالمية الثانية أصبح التقدم العلمي يَسير بخطوات فسيحة ومعدلات خيالية، وثبت أن ثمانين بالمائة من الدخل الموجود في الدول الصناعية يرجع إلى هذا السباق العلمي، وأن عشرين بالمائة يرجع إلى تراكم رأس المال، أدرك الغرب كله أهمية التقدم العلمي من الناحيتين النظرية والتطبيقية، فشرعوا يتجهون إليه، وصفوة العلماء في الدول الكبرى قد عكفوا على دراسة القشرة الأرضية وما تحتوي عليه من يابسة وماء وهواء، وقد أقروا نظرية التركيبات الأرضية اللوحية، ولهذه النظرية ارتباط مباشر بعدة قضايا منها: احتمالات العثور على الثروات المعدنية والنفطية ومستودعات الغاز الطبيعي، واختيار الأماكن التي تدفن فيها النفايات الناتجة عن المفاعلات الذرية، ومتابعة الحركة المعقدة للمحيطات وتياراتها، ومعرفة الأسس لتغير الجو وحدوث الجفاف، ورسم صور لأعماق البحار، واستخراج عينات من صخورها، وأخطار زيادة غاز الكربون في الجو، وظهر التطبيق العلمي الواعي في ميادين الصناعة والزراعة والطب وغيرها، حتى استطاع عالم إنكليزي تحضير مركبات كيماوية تحل محل الصبغات الطبيعية المعروفة، ونتج عن ذلك  الكشف ظهور الأصبغة والأدوية والأسمدة المخصبة والمبيدات الحشرية والألياف وغيرها، وتنافست في هذا المجال انكلترا وفرنسا وألمانيا، ثم لَحِقَت بهم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي واليابان، وعمل الغرب بَعدها على غزو الفضاء، وعملوا أيضاً على إطلاق الأقمار الصناعية لكي تخدم مجتمعاتهم ومصالحهم في عالم الإعلام والبث الإذاعي، فهذا التطور العلمي الهائل هو الذي جَعل أيادي الغرب باطشة وأسلحتهم فاتكة.

ونستطيع أن نقول إن أوربا تفور وتمور بالثروات الصناعية التي تَخدم أنفسهم ومجتمعهم، وبلاد العرب والمسلمين -مع الأسف- تَفور وتمور بالثروات المزيفة التي يَقصدون مِن وراءها أمن واستقرار بني صهيون.

العلم الواسع في الدنيا والقدرة التامة عليها كانت أموراً بديهية عند أسلافنا، وقد نصروا الحق بهذا الإدراك السديد، ثم خلف من بعدهم من نفض يديه من شؤون الدنيا فخذل نفسه ودينه على سواء.

لقد كان من أسباب انهيار الحضارة الإسلامية -اسمع أيها المسلم، اسمع أيها العربي- لقد كان من أسباب انهيار الحضارة الإسلامية سوء الموقف من الدنيا وعلومها، وبناء التربية الدينية على أفكار غيبية شاعت بين فريق من المتصوفة والزهاد والفقهاء الصغار، إن الإسلام بريء من هذه البلادة، وقد كان المسلمون حتى عهد محمد الفاتح مُتفوقين على خصومهم حضارياً ومدنياً وعسكرياً، ثم غلبهم الضعف العلمي والعجز النفسي، فأخذوا يَتهاوون حتى ذهبت ريحهم وطمع فيهم عدوهم،

يا سادة: إن الأمة التي تنحدر إلى هذا الدرك تتعرض يَقيناً للاغتصاب والمهانة، وإنك لَتعجب من أُناس يدعون التدين ولا يُحِسُّون هذه الحقائق، وبدل أن يَطلبوا النجاة لدينهم وأمتهم من هذا الضياع يتحسرون على طول الثياب وقصر اللحى، إذا رأيت شخصاً يَفقد ولده فيضحك ويفقد نعله فيبكي فلا تَشُكَّن في أنه مجنون، وبعض المتدينين -مع الأسف- يَستبيحون هذه الغرائب، فترى صوته يعلو بالحفاظ على القشور التي لا فائدة منها، ويخفت في الوقت الذي يجب فيه أن ينصر دينه وأمته من الغرق.

إننا نذكر هذا الكلام -يا سادة- لكي يشعر العرب والمسلمون بأن ضِيق الأفق قاتلهم لا محالة، وأن العزلة عن الكون وعلومه جَريمة في حق الإسلام وأهله، وأن تَأييد الحق الذي شرفهم الله فيه لا يَتم بالقصور العلمي أبداً، وحسبان الدين مراسم جوفاء، وأن العبادة كما تكون مناجاة لله تكون مدارسة لعلمه الجليل بكونه الكبير.

معاشر السادة: يَستعد طلاب الجامعات والمعاهد والمدارس لاستقبال عام جديد يَنهلون فيه من العلم، لِكَي يكونوا في المستقبل السلاح المدافع عن أوطانهم وعن بلادهم وعن أعراضهم وعن تاريخهم وعن مجتمعاتهم، ولا شيء في الدنيا أشرف من العلم، ولا شيء في الدنيا أكرم من العلم والعلماء، فَحِرٌّ بنا نحن كسوريين كيمنيين كليبيين كعراقيين، أخص هذه الدول التي حاربها آل سعود بأموالهم النتنة والقذرة، أخص هذه الدول لأن البلاد التي تتعرض للحروب والدمار والخراب من الحاقدين والمتآمرين لا تحتاج إلى هروب أبنائها منها أبداً، إنما تحتاج إلى رجالها، تحتاج إلى

مفكريها وعلمائها وعباقرها،

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1076
1  2  3  4  
تحميل ملفات
فيديو مصور