الجمعة 17 شوال 1445 - 26 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2015-08-29 الساعة 00:45:47
الكبرياء رداءي والعظمة إزاري
الشيخ مأمون رحمة

لقد قتل الإنكليز الألوف في بورسعيد ولم يروا في عملهم هذا نُكراً، فلما اضطرت حكومة مصر إلى إخراج الرعايا الإنكليز من البلاد قال آنذاك وزير خارجية بريطانيا: إن مصر تُعاملنا بقذارة.

إن هذا المنطق هو منطق الفراعنة في كل مكان وزمان، وإننا لنحسب أن تاريخ العالم لا يَعرف في سجله الطويل أسوأ من مدنية الغرب في معاملة الآخرين وتجاهل مصالحهم ومصادرة حقوقهم، بل إنه لا يعرف أسوأ من هذه المدنية في إراقة الدماء بغزارة، والتهام الحرمات بنهم، وتجسيم الأثرة الباغية تجسيماً يَحجب كل ما وراءه من خير وعدل، لا بَل إنه هذه المدينة تَتميز ببراعتها الفائقة في فرض إثمها على أنه شَرف، وإبراز شهواتها وكأنها قوانين نزيهة.

هنا سؤال يَطرح نفسه: لماذا حذا السلاطنة العثمانيون حذو الغرب في محاربة العرب؟ وكيف قامت بما يُسمى بالخلافة العثمانية؟.

يا سادة: في الأمثال العامية الشائعة يُقال: [مَن اعتدى أكلك ساعة يشوفك يجوع].

إنَّ الطابع الغالب على السلاطين العُثمانيين أنهم قُساة قلوب، وأن بَطشهم بالعرب يَتَّسم بالجبروت والفظاظة، وأن تدمير المدن وإزهاق الأرواح وإهلاك الحرث والنسل أعمالٌ ترتكب وكأنها تسلية هيّنة  أو عبث مأمون الجزاء.

لما سقطت بغداد أمام غزو التتار في عام ألف ومائتين وثمانية وخمسين نزح عنها الخليفة العباسي ولجأ إلى القاهرة، وأصبحت الدولة العربية تركة يتوارثها الطامعون وتتنازعها المطامع، وهبط العرب من مستوى أصحاب الرسالة إلى درك الرعايا لسلاطين وأمراء تمردوا على الخلافة وتناحروا فيما بينهم، وبذلك دب الضعف والتخاذل في الدولة العربية، مما أطمع أول ما أطمع الأتراك الذين بدت قوتهم عندما بدؤوا يُنافسون العرب في حكم المسلمين وتولي شؤونهم، وسيطر الأتراك والسلاجقة على جانب من الدولة العربية، وكان لا بُدَّ لأولئك الأتراك الذين كانوا قَد خرجوا حِينئذٍ من الظلام إلى النور، وبدأوا يَشعرون بما تَشعر به الدولة الفَتِيَّة من القوة والشباب أن يَفرضوا وجودهم في الدولة العربية وبين العرب لا كأتراك بل كَمسلمين يَعملون من أجل رفع شأن الإسلام والدفاع عن المسلمين، وهكذا بدأ التسلسل التركي إلى الدولة الإسلامية، إلى الدولة العربية، وأصبح للأتراك من الحماس الديني ما كان من قبل للعرب، ومِن ثَمَّ فقد سيطروا على بلاد العرب وانتزعوا لقب الخلافة لأنفسهم، وإذا بالعرب يَتبين لهم بَعد فوات الأوان أنهم بالنسبة للأتراك قد أَصبحوا شعباً مَغلوباً يَلقى مِن غالبه مُعاملة المنتصر للمهزوم، وأصبح لا مَناص للعرب من أن يَعيشوا تحت سلطان تركيا، ويَخضعوا لقوانينها ويَقبلوا الأتراك كسادة يَأتَمِرُ العرب بأوامرهم، ولم يحاول الأتراك أن يندمجوا في الأمة العربية برغم وحدة الدين، بل إنهم ضربوا بينهم وبين هذه الأمة سياجاً سميكاً حتى تمكنوا من استغلال العرب والانتفاع بخيرات بلادهم كسادة لهم، ولقد غلفت الدولة العثمانية الغازية إخضاعها وغزوها للعرب بغلاف الخلافة الإسلامية، فَمِن هذه الخلافة استمدت لنفسها شرعية حكم المسلمين، ومِن هذا اللقب شرعت لنفسها أو استمدت لنفسها خضوع المسلمين لها، ومِنه اتخذت لنفسها منزلة السيطرة المشروعة على العرب، وكان مِن اليسير على العرب أن يَتَبَيَّنوا خُروج الدولة العثمانية عن واجبات الخلافة ونكوصها عن التزاماتها نحو سائر العرب والمسلمين، ولكن الحكام العرب والشيوخ العرب وأمراءهم لم يَكن لهم من مصلحة شخصية في الكشف عن هذه الآثام، فكان مِن الطبيعي -والحال على هذه الصورة- أن تنعزل البلاد العربية بعضها عن بعض، وأن تضعف الروابط بينها، وأن ينتهي الأمر فيصبح العربي في بلده غريباً عن العربي في البلد الآخر، لا يَشعر أحدهما بآلام الآخر ولا يُفكر أن ينهض بالدفاع عن عربي في بلد آخر، وإذا كان هذا هو موقف الحكام العرب فإن الأمة العربية قد

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1101
1  2  3  4  
تحميل ملفات
فيديو مصور