الجمعة 17 شوال 1445 - 26 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-12-28 الساعة 10:37:11
وللآخرة خير لك من الأولى
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 3 من شوال 1437 هـ - 8 من تموز 2016 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِرُ وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا الله, وعمَّنا جميعاً بفضلك الكبير.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربي من حَصَر وعيٍّ

 

ومن نفس أعالجها علاجاً

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: لقد كنا وإياكم في شهر رمضان المبارك في حالة عالية من القرب إلى الله سبحانه وتعالى، عبر ذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن الكريم، وصلاة قيام الليل قيام رمضان وصلاة التهجد، والمحافظة على صلاة الجماعة، ولاسيما صلاة الفجر، وكثير من الطاعات والعبادات بما فيها الصيام، حملتنا على أن نكون قريبين من رب العزة والجلال في هذا الشهر العظيم، ولعل أجلى نعمة نتحسسها في شهر رمضان هي نعمة القرآن الذي كنا نتلوه في شهر رمضان، فخرجنا من تحذير الله سبحانه وتعالى )وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا( [الفرقان: 30]، فلم نهجر القرآن الكريم، كثير مِنَّا قرأ ختمة أو ختمتين أو ربما أكثر، هَنَّأ الله عز وجل أهل القرآن بتلاوته وحفظه، ولكن من المهم جداً -أيها الإخوة- أن تستمر هذه الطاعات بعد شهر رمضان المبارك، وأن يكون لنا ورد دائم، لأن الإنسان -كما ذكرت لكم- مُؤلف من جسد وروح، فنغذي أجسادنا بالطعام والشراب، ونزينها باللباس، وإذا كان الشاب أو الفتاة بحاجة إلى زواج لإرضاء هذا الجسد يتزوج، وإذا كان بحاجة إلى راحة وطمأنينة يستأجر أو يشتري منزلاً، وإذا أراد أن يتنقل ويُريح جسده ركب وسيلة نقل أو اشترى سيارة إن كان يستطيع، وهكذا كل ما نقوم به في هذه الحياة الدنيا إنما هو لغذاء الجسد وراحته، وننسى أرواحنا وهي الجزء الأهم في تركيبة الإنسان، وهذا الغذاء وهذه الرَّاحات كلها للجسد مُكلفة جداً وغالية جداً، وغذاء الروح مجاني، غذاء الروح ذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن الكريم، والسجود بين يدي الرحيم الغفار سبحانه وتعالى، وقيام الليل، والمواظبة على صلوات الجماعة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بهذه الأعمال كلها تغذى الأرواح، ويشعر الإنسان أنه أقرب إلى الله سبحانه وتعالى، لا ينبغي لإنسان مؤمن تذوق لَذَّة الطاعة والقرب من الله سبحانه وتعالى أن يفضل غيرها عليها.

من الأخير مَن كان له حال مع الله في رمضان وشعر بلذة القرب من الله في رمضان وشعر بلذة ومتعة قراءة القرآن الكريم وذكر الله وقيام الليل فإنه لا يَعدلها بأي متعة أو أي لذة أخرى، فإنها نعيم أهل الجنة في الأرض، ولكن مَن كان يشعر أن رمضان سِجن له أو أن رمضان كان مقيداً لشهواته وأهوائه، وأنه أسره عن كثير من الأشياء التي كان يقوم بها، وإذا برمضان ينتهي وهو يتحلل منها، فهذا الإنسان -اسمحوا لي أن أقول عنه عبارة أنه- لم يشعر بلذة القرب من الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان المبارك، ولكن ماذا نفعل؟.

كثير مِن الشباب والفتيات والرجال والنساء يَشتكي بأنه حاول مراراً وتكراراً أن يُقلع عن معصية، فربما ينجح بأسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، ولكن يعود إلى تلك المعصية مرة ثانية وثالثة ورابعة.

كثير مِن الناس يشتكون بأنهم يَشعرون أنهم بعيدون عن رب العزة والجلال، ما هو المفتاح للقرب من الله سبحانه وتعالى؟.

البعض يَشعر أنه في هذه الحياة قد سَئِمَ ويَبحث عن شيء يُغني حياته، فإذا كان يَظن أن إثراء الحياة وإغناءها بالمتعة يكون في جلب المال فهو إنسان واهم، لأن الله عز وجل يقول: )المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا( [الكهف: 46]، زينة، والآية الأخرى في سورة آل عمران: )زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ(، كل هذه المذكورات الآن يقول عنها ربنا في بداية الآية زُيِّنَ )زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ( -حتى الأولاد- )وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ( -قناطير: أكوام مقنطرة- )وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ( –في زمانهم الخيل المسومة هي السيارات الفارهة والضخمة في زماننا- )وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ(، الحرث: الأراضي, الأنعام: الشياه والأبقار والجمال، لأن طبيعة الجزيرة العربية أكثر مالاً وأكثر أنعاماً، فكان المقياس في ذلك الوقت مَن يملك ألفين رأس غنم، من عنده 200 جمل، هذا إنسان غني، لم تنته الآية، قال رب العزة والجلال في ختامها: )ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا( -نِساء وأولاد، وذهب وفضة، وأراضي وعقارات وسيارات، قال: )ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(، لم تنته الآية، قال سبحانه وتعالى: )وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ( [آل عمران: 14]، المآب: المرجع، فالذي عند الله أفضل من الذي تعرفوه، وأفضل من كل هذه المذكورات، ثم يقول بعدها: )قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ( -ما رأيكم أن أدلكم على ما هو أفضل من كل هذه الأشياء، أفضل من النساء والبنين والذهب والفضة والأراضي والعقارات والممتلكات- )قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ( -نعم يا رب نَبِّئنَا- قال: )لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّات( [آل عمران:15]، التَّقوى عرَّفها سيدنا علي كرم الله وجهه بأنها الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، وكان يَجلس في محرابه رضي الله تعالى عنه سيدنا علي ويقول: يا دنيا غُرِّي غيري غري غيري، طلقتكِ ثلاثاً البَتَّة لا رجعة فيها، ألي تشوفتي ولي تطلعتي، عُمرك قصير وسفرك طويل، آه آه من قلة الزاد ومن طول السفر، آه آه مِن قلة الزاد، الزاد الأعمال، ومن طول السفر يوم القيامة، اسمه يوم، )وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون( [الحج: 47]، يا رب يا رب، يوم واحد كألف سنة!؟ يوم الحساب، تصور حالنا ألف سنة على أقدامنا نقف للحساب، يا رب أدخلنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب، يا رب نريد أن نتدلل عليك أن تدخلنا الجنة بغير حساب، ومن غير عتاب ومن غير عذاب، وما ذلك على الله بعزيز.

سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قرأ القرآن حتى إذا وصل إلى قوله تعالى: )إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع( [الطور: 7-8]، قال: إي ورب الكعبة، إنه وعد صادق، ثم مرض شهراً في بيته يَعوده الناس ولا يعرفون لماذا، يبكي يبكي، سيدنا عمر الذي كانت من الجوع معدته تُقرقر، أي يُسمع لها صوت لأنها فارغة، فيقول لها: قرقري أو لا تقرقري، لن تذوقي السَّمن حتى تَشبعه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لو عَثرت شاة بالعراق أو باليمن لَسُئِلَ عنها عمر، يقول عندنا يَقرأ قوله تعالى: )إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع( [الطور: 7-8]، إي ورب الكعبة، إنه وعد حق، ثم يبكي ويمرض شهراً في بيته.

)قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُم لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( [آل عمران: 15]، فيا سيدي قد يغرني ويغرك طول الأمل، إنه صحة وعافية، الحمد لله نحن نذهب ونرجع ولسنا مرضى، الحمد لله نسأل الله تعالى أن يعافي جميع المرضى، يَغرنا طول الأمل، فترى الإنسان أحياناً يَنسى، يأتي رمضان يُذكره، ينتهي رمضان فتراه بعيداً عن الله سبحانه وتعالى، لذلك يَجب علينا أن نجعل برنامجاً لنا خارج شهر رمضان المبارك، برنامج عمل، ما هو برنامج العمل خارج شهر رمضان المبارك، حتى نَشعر بالقرب من الله؟.

أولاً: من كان عنده معصية وهو يحاول أن يتركها ولا يستطيع تركها نقول له: اعلم أن إبليس يتنازعك وهو عدو لك، )إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا( [فاطر: 3]، يجب أن تتخذه عدواً ونفسك الأمارة بالسوء التي تقول لك: اعمل المعصية، فإذا وصل الشيطان والنَّفس الأمارة بالسوء إلى درجة تُسمى الهوى المتبع هلك صاحبه، )أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ( [الجاثية: 23]، هل من أحد يتخذ هواه إلهاً له؟! نعم، لأنه يُصبح موجهاً له، الإله هو الذي يُوجهنا لما فيه خيرنا ومصلحتنا، وهذا الإنسان مِن كثرة سيطرة الشيطان عليه والنفس الأمارة بالسوء عليه انقلب، يعني هذه الدرجات اسمها درجات السوء في البعد عن الله، شيطان، نفس أمارة بالسوء، ثم تتطور فتصبح هوى المتبع، الهوى المتبع يصير يوجهك إلى كل معصية فيها بعد عن الله عز وجل، فتصير تتبع هواك، )أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ( [الجاثية: 23]، هو يصلي الجمعة، يصلي الصلوات، ويعلم أن هذا حرام، )وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ(، هذه المرحلة خطيرة، كيف نتخلص منها؟ نتخلص منها بأن تضع برنامجاً مكتوباً، وأن تُطبقه على نفسك.

ثانياً: دائماً تقول بين يدي الله عز وجل: يا رب، الشيطان يدعوني للمعصية، ونفسي الأمارة بالسوء تقول لي أن أعصيك وأخالفك، وأنا يا رب أقف بين يديك وأنا مشغول عن الصلاة، لا أعرف كم صليت، يا رب خلصني من نفسي والشيطان، يا رب دلني عليك، وسُقني إليك، من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة. تُناجي الله عز وجل بالسجود، ترجو الله فتقول: أنا يا رب نازل بالأعتاب، يا رب أنا واقف على الباب، نفسي وشيطاني يشدوني للبعد عنك، وأنا أريد أن أقترب منك، يا رب سثقني إليك ودلني عليك. هناك أناس الله يسقهم الله إليه بعد حدوث حادث عظيم وكرب كبير، فيأتوا إلى الله، يا رب سُقني إليك ودلني عليك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، ناجي الله عز وجل وقل له: يا رب أنا عبد إحسان ولست عبد امتحان، لا أستطيع أن أتحمل المحنة، أنا عبد إحسان يا رب، أنت أحسنت إلي، خُذ بيدي ودلني عليك، لست عبد امتحان، لا تمتحني يا رب.

بهذا البرنامج، وبهذا الذل بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ يُمكن أن ننجو من هذا الهوى المتبع، وهذه النفس الأمارة بالسوء، وهذا الشيطان، ضَع برنامجاً لنفسك، كل يوم اقرأ على الأقل عشر صفحات من كتاب الله عز وجل، كل يوم اجعل لنفسك ركعتين من قيام الليل، بعض الناس يتكاسلون ولا يستيقظون إلى ما بعد أذان الفجر، فلا يستيقظون قبل الفجر بنصف ساعة، فصل بعد صلاة العشاء ركعتين سنة، وركعتين قيام الليل، اقرأ فيهن من مصحفك أمامك، واقرأ بكل ركعة صفحتين أو ثلاثة، واسجد سجدة طويلة ناجي الله، وادعه بما تريد، لأن الله كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يَنزل في الثلث الأخير من الليل، أي تَنزل رحمته، فيقول: ((ألا من مستغفر فأغفر له، -شوفوا العرض الرباني- ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من طالب حاجة فأعطيه، حتى يطلع الفجر)). وفي رواية: ((حتى تطلع الشمس)) لذلك هذه الأمور هي التي تجعلك تقلع عن الذنوب.

يقول قائل: فعلت هذه الأشياء وما زلت أعصِ الله، هذا يحتاج أن تواظب، وتنزل بباب الذل بين يدي الله عز وجل، وتواظب على ذلك، فتجد أن الله تعالى يُنقذك شيئاً فشيئاً، يخلصك مِن هذه المعاصي والآثام، ويُنزلك بالطاعات والقرب منه سبحانه وتعالى، فإذا صِرت قريباً من الله تذوق لذة القرب من الله، يقول رب العزة والجلال في الحديث القدسي: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل -سنن، وقيام الليل، يقرأ القرآن، ويذكر الله- حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) ما تريد أعظم من هذا؟ المواظبة أكبر شيء نجح فيه أعداؤنا أعداء الإسلام، أنهم خَلقوا جيلاً فاقداً للإرادة.

يشهد الله أنه لم تكن هذه هي الخطبة، أنا كنت حضرت شيئاً آخر، لكن الله تعالى ببركة الحاضرين -قال علماؤنا: الكلام رزق يسوقه الله للمتكلم- ببركة الحاضرين، فأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهله خاصته، ومن أهل القرآن إن شاء الله، أعظم شيء نجح به أعداؤنا هو أن يخلقوا جيلاً من غير إرادة، ما عندو إرادة، يريد القعود للدراسة فما يستطيع، يمل مباشرة، وضعوا له وسائل التواصل الاجتماعي: الجوال، والواتس، والفايبر، والفيس بوك، من أجل أن يُضيِّع أوقاته هنا وهناك، ويصير عنده إدمان عليها، وضعوا له القنوات الفضائية، قنوات الأفلام الأجنبية والعربية، من أجل أن يواظب عليها، الأغاني من أجل أن يسمع دائماً الأغاني، حتى يصير جيلاً بلا إرادة، أنا بسبب قربي من الشباب بشكل دائم يَشتكون لي، والله أحياناً ترى الواحد من هؤلاء الشباب يبكي، يبكي ويقول لي: لا أستطيع، لا يوجد عندي إرادة، هو يشكو أنه ليس عنده إرادة ليتوب إلى الله، يستغفر الله، وبعد ساعتين يرجع للمعصية، وبعد يومين يرجع للمعصية، تقول له: احفظ القرآن، فيحفظ عشر صفحات ثم يتوقف، تقول له: واظب على صلاة الفجر، يواظب أياماً ثم ينقطع عنها، ليس عنده إرادة، هذا أعظم شيء نجح فيه أعداء الإسلام، خلقوا جيلاً من غير إرادة، الدواء هو الذُّل بين يدي الله، والتضرع إلى الله، بأن يَجذبك إليه من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، وتضع برنامجَ عمل: لقراءة القرآن، لحفظ القرآن، للصلاة مع الجماعة، العشاء والفجر، ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله)) ركعتين قبل الفجر أو ركعتين بعد صلاة العشاء، اجعل لك ورداً دائماً من ذكر الله سبحانه وتعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تصنع برنامجاً لك، ربما ستجد أنك في الفترة الأولى تَعصي الله وتقوم بهذا البرنامج، ولكن شيئاً فشيئاً سوف ينتشلك الله عز وجل.

اللهم إنا نسألك أن تنقلنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة، اللهم أعزنا بطاعتك، واجعلنا من أهل طاعتك، وأهل معروفك وفضلك وإحسانك، أنت القائل: )وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ( [الأعراف: 156]، يا رب ونحن شيء، )وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ(، نحن شيء يا رب، اللهم اشملنا برحمتك.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1041
تحميل ملفات
فيديو مصور