تحدثنا في الخطبة السابقة عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وتعامله مع المخطئين والمذنبين، كان ينظر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى العاصي نظرة شفقة، وإلى المذنب نظرة حنان، ذلكم لأن الله سبحانه وتعالى أرسله رحمة للعالمين، فعندما يرى واحداً من أمته قَصَّر في جناب الله، أو حاد عن الطريق المستقيم، فإنه يُشفق عليه، فلم يكن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم جَرَّاحاً، وإنما كان طبيباً، لم يكن قاضياً، وإنما كان مُداوياً، بَيَّن عليه الصلاة والسلام مِن خلال كتاب الله عز وجل، ومن خلال حديثه وسنته وهديه وسلوكه، أن المخطئ يُحاسب في الدنيا، حتى لا تتفلت الأمور، ولكنه لا يُؤاخذ يوم القيامة، وكلامنا عن المخطئ، فإذا قتل مؤمن مؤمناً خَطأً يُحاسب في الدنيا، فيدفع الدّية وتجب عليه الكفارة، وإذا أتلف لإنسان شيئاً خَطأ فإنه يَضمن قِيمته، وإذا أفطر عمداً بجماع في رمضان فعليه الكفارة بإجماع المذاهب الأربعة، وإذا ظاهر من زوجته فعليه الكفارة، وهكذا يحاسب في الدنيا، لأنك إن لم تُحاسب المخطئ في الدنيا فيتعمد الإنسان أي فِعل من الأفعال فيفعله عمداً ثم يَدَّعي أنه أخطأ، ويقول: لا تؤاخذونا يا أخي والله أخطأنا، هذا الكلام في الدنيا غير مقبول، يُحاسب عليه الإنسان في الدنيا، ولكن يوم القيامة ربنا علمنا أن ندعو فقال سبحانه وتعالى: )رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا( [البقرة: 286] والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) [كنز العمال] أي إثم الخطأ وإثم النسيان وإثم ما استكرهوا عليه، هذا هو المنهج الفقهي، وبعد أن تحدثنا عن المنهج الفقهي نتحدث عن سلوك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .