بتاريخ: 21 من ذي الحجة 1437 هـ - 23 من أيلول 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )قُل هَل مِن شُرَكائِكُم مَن يَهدي إِلَى الحَقِّ قُلِ اللَّـهُ يَهدي لِلحَقِّ أَفَمَن يَهدي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِدّي إِلّا أَن يُهدى فَما لَكُم كَيفَ تَحكُمونَ * وَما يَتَّبِعُ أَكثَرُهُم إِلّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا إِنَّ اللَّـهَ عَليمٌ بِما يَفعَلون( [يونس: 35-36].
روى الطبراني عن أبي مالك الأشعري، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: أن يُكثر لهم من الدنيا فيتحاسدوا، وأن يُفتح لهم الكتاب يَأخذه المؤمن يبتغي تأويله، ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7], وأن يَروا ذا علم فيُضيعوه ولا يُبالوا عليه)).
معاشر السادة: إنَّ اللهَ اختص نُفوساً معينة بمعرفة الحق على وجه كامل مُثمر، فهي لا تُضاء من داخل فحسب، بل تبسط أشعته أمام الناس عامة لِيَسيروا على هداه ويطمئنوا إلى سناه.
إن الحق أحوج ما يكون إلى صوت يَعضده ونصير يسنده، والصوت العاضد والنَّصير السَّاند هم العلماء الذين يحكمون بالحق، فإذا اختلطت الأمور وخِيفت المظالم قضوا بين الناس بالعدل، فجاء قضاؤهم العادل نوراً يمحو الظلم والظلام، أولئك هم المصطفون من عباد الله، والأمم التي يخرس صوت الحق بين كبارها وصغارها، والتي تتوارث هذا الصمت المعيب؛ تمشي حثيثاً في طريق الانقراض، والعالم العربي والإسلامي بحاجة اليوم إلى رجال يعشقون الحق ويعيشون به وله، ولو غضبت لِصراحتهم الدنيا كلها، فإننا نُريد رجالاً ينصرون الحق في عالم عَزَّ فيه نُصراء الحق، ونُريد رجالاً لا يَدوسون المثل العليا باسم المرونة السياسية، ونُريد رجالاً يَجمعون شتات الأمة ويَعملون على تَوحيد صفوفها وصِيانة عقائدها مِن الزَّيغ والعبث والفساد.
وإنَّ الأعناق لتشرئب اليوم إلى الأزهر الشريف وعلمائه، وإنَّ الأنظار لترنو إلى ذاك الصرح العلمي العالمي، وكلها أمل ورجاء أن يكون الأزهر مُزهراً في مواقفه ومبادئه التي كان عليها، والتي يحتاجها العرب والمسلمون اليوم.
إنَّ تاريخ الأزهر مُشتبك بتاريخ مصر، ويَكاد يَسير معه صعوداً وهبوطاً، ألف سنة أو يَزيد مَرَّت على هذا الجامع العتيق، وهو يُلقي أضواء المعرفة على العالم الإسلامي والعربي، ألف سنة مَرَّت وهو يَصون تراث العروبة والإسلام، ويَستبقي علوم اللغة والدِّين في حِرز آمن من الغزاة الحاقدين ومن أصحاب الأقلام الملوثة.
لقد كادت الثقافة العربية والإسلامية تموت وتندثر في ليل الحكم التركي الطويل، ذلك الحُكم الذي شَلَّ النشاط الأدبي في العالم العربي والإسلامي، وكاد يطوي الحضارة الإسلامية في أكفانه الكالحة، فلولا الأزهر الشريف لَضاعت العروبة ولغتها، ولَفقد الدِّين هيبته وصفاءه ونماءه.
بُني جامع الأزهر في عَهد المعز لِدِين الله مؤسس الدولة الفاطمية في مصر، وَصَار قِبلة الطلاب من المشرق والمغرب، وازدهرت فيه علوم الشريعة واللغة، وقام برسالته العتيدة في رعاية من العلماء وإعزاز من الأمة، ولم يَكن عُلماء الأزهر مُوظفين يشتغلون بالشؤون العلمية فحسب، بل كانوا حُراساً على تعاليم الإسلام، يُذكرون الحاكم والمحكوم بها، ويَنهضون بعبء التوجيه الاجتماعي دون وجل ولا ملل، ومن الصفحات النَّقية لِعلماء الأزهر انحيازهم إلى جانب الأمة كلما رأوا ظلماً يَحيق بها من الداخل أو يهبط عليها من الخارج.
ومما يَجدر التنويه به أن علماء الأزهر آزروا بطريرك الأقباط بطرس السادس في نزاع نشب بينه وبين كبير الأمراء المماليك على الأحوال الشخصية لأقباط مصر، فقد كان هذا البطريرك صلباً في دينه متشدداً في تطبيق أحكام ديانته، وعَرض الحاكم ابن إيوان أمره على علماء الأزهر، فإذا العلماء يُقرون البطريرك على مسلكه ويؤيدونه في سيرته، مما جعل كبير الأمراء يتراجع عنه ويَدعه وشأنه.
هذه القِصة تكشف عن طبيعة سماحة الإسلام، كما تَكشف في الوقت نفسه عن مدى المكانة التي كانت مُقررة للعلماء، وقد ظل الأزهر أميناً على تعاليم الدين الإسلامي، ومحافظاً على ثقافة المحبة والتسامح بين المسلمين والمسيحين.
لقد شاءت الأقدار لمصر أن تتبوأ مكان الصدارة في عالم العروبة والإسلام، وأن تَكون قطب الرحى فيما تستلزمه هذه المكانة من جهاد ثقافي وعسكري، وهذا شرف يَجب أن يَحمل علماء الأزهر أعباءه وأثقاله، وإن علماء الأزهر قَديماً وحديثاً قد وَضعوا مَبادئ اعتمدوا عليها وانطلقوا منها، فمن هذه المبادئ: أننا أمة عربية ارتضت الإسلام ديناً، فهي لا تَقبل مراء في عروبتها ولا في إسلامها، وأن هناك عللاً وأخطاء تعرضت لها أمتنا في تاريخها الطويل، تتنافى مع مقتضيات العروبة والإسلام، فيَجب أن تَبرأ منها، وأنه لا بُد من ذود الأفكار الدخيلة والشبهات الوافدة وتحصين الأجيال من وساوسها حتى تَشب مستقيمة الفكر نقية الوجدان، وأنه يَجب العمل على توحيد صفوف الأمة ونبذ الطائفية.
هذه المبادئ -يا سادة- التي عمل عليها علماء الأزهر هي التي جعلت المستشرق الإنكليزي "هاملتون جب" يقول: (الأزهر هو المعهد الذي يَجب أن يقوم بإشاعة الوعي الإسلامي).
إذاً صلاح الأمم والمجتمعات مرهون بصلاح ويقظة العلماء، وإلى ذلك أشار النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء)).
ومن أهداف الأزهر الشريف حِماية اللغة العربية، ومما لا شك فيه أنه كلما اتسعت الرقعة التي تَنتشر فيها لغة ما؛ دل ذلك على عظم الشأن وسعة النفوذ، ولعل وحدة اللسان بين الإنكليز والأمريكان كان لها أثر كبير في مسارعة الإنكليز إلى نجدة إخوانهم في حربين عالميتين مُروعتين، ونحن نعرف جُهد الإنكليز في نشر لغتهم، وجهد الفرنسيين كذلك، وقد تواطأت الدول الغربية كلها على وأد اللغة العربية، وتنظيم حرب ممنهجة ضد بقائها، وهي تَبغِي مِن ذلك سَلخَ المسلمين والعرب عن دينهم وتاريخهم ومقوماتهم المعنوية بأسرها، وذلك عن طريق تجهيلهم بلغتهم وتزهيدهم في قواعدها ومبادئها، ومن ثم فإن المحافظة على اللغة العربية هي أولى الخطوات للنجاة بأنفسنا مِن مهاوي الضياع.
ولما كان -يا سادة- ولما كان للأزهر دوره في خدمة الدين واللغة، وللعلماء مواقفهم في الدفاع عن الأمة وقضاياها؛ عَملت القوى المعادية للعروبة والإسلام على إهدار قيمة الأزهر وإهدار قيمة خِريجيه، واعتمدت في ذلك على أمرين اثنين:
الأول: الحَدُّ مِن نشاط وحركة الأزهر، بحيث يُصبح حركة مشلولة بل طاقة منبوذة.
والثاني: إفقار العلماء العاملين، وجعلهم في عيون الناس عَالة على المجتمع.
وهذان الأمران دفعا بالأزهر ورجاله إلى مُستقبل كالح.
يَجب على الأمة العربية والإسلامية اليوم أن تدعم العلم والعلماء، لاسيما المخلصين، فقد ذكر العلماء أن "صدقي باشا" عَيَّن نفراً من علماء الأزهر المتخصصين عين الواحد منهم بثلاثة جنيهات فقط، فيجب على الأمة العربية والإسلامية أن تَجعل الأزهر مُستودعاً مُعبأً بالكفايات العلمية والخلقية، لِكي نتطلق منه الإمدادات إلى أرجاء الأمة العربية والإسلامية، حتى تُضَمِّدَ جِراحها وتنهضها من كبوتها وتعمل على نصرتها.
إنَّ تَصريحات الأزهر الأخيرة في مؤتمر "كروزني" بحق الوهابية المجرمين خُدام أمريكا والماسونية العالمية هزت أركان النظام السعودي وأعوانه المأجورين.
أيها العرب, أيها المسلمون: نَحن اليوم كشعب سوري أولاً، وكشعب عراقي ثانياً، وكشعب يمني ثالثاً، وكشعب ليبي رابعاً، وكشعب فلسطيني وهو في المقدمة خامساً، كُلنا سَئِمنا مما يُسمى مجلس الأمن، كلنا سئمنا مما يسمى جامعة الدول العربية، العرب ينتقصون أرضهم يوماً بعد يوم، العرب يموتون ويقتلون في بيوتهم وفي مدنهم وفي قراهم حتى في أحيائهم، وقد أصاب الشُّعوب العربية ما أصابهم، ومع ذلك تجد "بانكيمون" قَلِق فقط، وظيفته أن يقلق، "بانكيمون" خُلِقَ لِيَقلق، لم يُخلق ليقدم دعماً إنسانياً حقيقياً يُنصف فيه الظالم من المظلوم، بل هو شريك في سفك الدم العربي والإسلامي.
ونحن اليوم نُناشد علماء الأمة أجمعين، نناشد العلماء الشرفاء الذين يضعون عمامة محمد بحق، الذين يضعون على رؤوسهم عمامة محمد بحق، ولا نُناشد أولئك العلماء الذين يَضعون على رؤوسهم قُبَّعة حاخامات اليهود، نناشد علماء الأمة أجمعين؛ أن يقفوا بحق في مؤتمراتهم وفي مواقفهم ليبينوا للعالم أجمع أن الإسلام جاء بالمحبة والتراحم والتسامح، ودعا إلى حقن الدماء بل صانها، وأن المسيحية هي دين الأخوة والمحبة والتسامح، فيجب على العلماء جميعاً في مشرق الأرض ومغاربها، أن يقفوا وقفة شرف وبحق في هذه السنوات الصعبة وفي هذه الأيام الخطيرة.
كم تتألم -أيها المسلم, أيها العربي- عندما تجد الجيش العربي السوري وفي وطنه وعلى أرض وطنه في دير الزور يُدمَّر بطائرات التحالف الأجنبي الأمريكي السعودي الصهيوني، ولماذا تآمروا علينا إنهم يعيدون التآمر الذي فعلته قريش سابقاً مع النبي صلى الله عليه وسلم، تآمرت تلك الدول أن تَضرب الجيش العربي السوري في دير الزور، حتى يَصعب أو حتى يعجز بُوتين رئيس اتحاد روسيا الكبيرة والشامخة عن محاربتهم جميعاً، فهم يُريدون أن تتفرق دماء رجال الله رجال الجيش العربي السوري بين تلك القبائل الغربية حتى لا يَستطيع أحد على محاربتهم أبداً.
فأين صوت العلماء في ذلك، أين صوت العلماء، عندما نحن نسمع من خلال الأخبار ومن خلال الإعلام أن الجيش المصري تَعرض إلى هجوم يؤلمنا ذلك، لماذا لا يؤلم الآخرين ما يتعرض له جيشنا اليوم؟ يا عرب، ألم يدافع الجيش العربي السوري عنكم وأنتم في بلادكم حين يقاتل الإرهاب على أرض وطنه، فلماذا لا تنصروه؟ ولماذا لا تنصفوه؟ ولماذا لم نسمع العلماء أبداً يَتحدثون عن مجزرة التبني في دير الزور لماذا؟ إن داعش الفواحش قبحهم الله ولعنهم، قبحهم الله ولعنهم، ولعن من يمولهم ولعن من يمدهم، وعلى رأسهم القزم سلمان والوقح والقذر أردوغان، بدل أن يُضحوا بالخرفان وبالنعاج والبقر في عيد الأضحى ضحوا بالشرفاء من أبناء هذا الوطن، ضَحوا بهم في ذاك المسلخ الذي تُذبح فيه البهائم، أين أنتم يا علماء الأمة؟ أين أنتم يا علماء الأمة يا عرب مما يجري هنا وهناك؟ ممن تخافون؟ تخافون من غاشم حاقد؟ نَحن نؤمن بالله، والذي يؤمن بالله جل جلاله يَدوس رأس الكبر تحت قدميه ولا يبالي، فنحن أصحاب حق، فلم نصمت؟ نحن أصحاب حق ولنا وطن يجب أن ندافع عنه ويجب أن نصون أبناء دمائه، ويجب أن نصون دماء أبنائه، فلم تصمتون، ولصالح من تسكتون؟.
فواجب اليوم على كل عالم شريف في هذا العالم أن يقف وقفة حق، وأن يوضح منهجه وطريقه، وأن يقول الحق لا يخاف في الله لومة لائم، فهكذا علمنا نبينا محمد بن عبد الله، وهكذا تربينا في مدرسة محمد بن عبد الله, ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك, ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً, اللهم إنا نسألك أن تنصر الجيش العربي السوري, اللهم إنا نسألك أن تنصر الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تؤيدهم بجند من عندك, وأن تؤيدهم بملائكة من عندك, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد والجندي المؤمن بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.