الجمعة 17 شوال 1445 - 26 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2014-10-04 الساعة 13:38:40
عـــيــش الـــسعـــداء
أ. محمد خير الطرشان

أيها الإخوة: إذن عيش السعادة والطمأنينة، وحياة الإيمان الحقيقية إنما تكون بالفرار إلى الله، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [الذاريات: ٥٠] ليس أمامنا ملجأٌ ومهربٌ وملاذٌ إلا إلى الله، وليس أمامنا من باب نطرقه إلا باب الله، كما يقول الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين: في القلب شعثٌ -تفرقٌ وشتات- لا يلمه -لا يجمعه- إلا الإقبال على الله. في القلب شعثٌ، وهذه حالة الشكوى التي يشتكي منها كثيرٌ من الناس، يقول: ما هذه الحال؟ ما هذا الضيق؟ ما هذه الحيرة التي نعيش بها؟ إنه الشتات، شتات القلب بسبب إعراضه عن ذكر الله سبحانه، نعم "في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يُزيلها إلا الأنس بالله في خلوته، وفيه حزن لا يُذهبه إلا السرور بمعرفة الله وصدق معاملته، وفيه قلق لا يُسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يُطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى لقائه).

)فَفِرُّوا إِلَى اللَّـه( والفرار إلى الله لا يَعني الهجرة وترك الديار، بقدر ما هو ترك وإعراض عن الدنيا، وقذفها وراء الظهر، والإقبال على الله، كما أقبل النبي  وكان لنا نموذجاً عملياً في حياته، وكان النبي يُعلم هذا الأمر أصحابه. فيروي هذا لنا سيدنا عبد الله بن عمر الصحابي الجليل الزاهد المتعبد فيقول: كان النبي إذا فرغ من صلاته سأل أصحابه، أيكم رأى رُؤيا؟ فكانوا يَقصُّون رُؤاهم على رسول الله ، وكنت أتمنى أن أرى رُؤيا لأقصها على رسول الله.

وذات يومٍ استيقظت على رؤيا رأيت فيها كأني مُقبلٌ على النار، ورأيت أهلها فيها، وعرفت منهم أشخاصاً، فقلت: أعوذ بالله من النار، فقال لي ملك من الملائكة: لم تُرَعْ، لم تُرَعْ، أي: لا تخف، فإنك في أمان. فاستيقظت وقصصت الرؤيا على حفصة ، فقصَّت حفصة على سيدنا رسول الله رؤيا أخيها، فقال: (نِعْمَ الرجل عبدَ الله، لو كان يقوم من الليل) نعم الرجل عبدُ الله، أي: ابن عمر، لو كان يقوم من الليل. يقول سيدنا نافع مولى سيدنا عبد الله بن عمر وخادمه: "فما ترك عبد الله بن عمر قيام الليل بعد ذلك".

أيها الإخوة: نحن في هذا الزمن الصعب الشديد الذي حَدثت فيه تغيرات كبيرة على مستوى العالم العربي والإسلامي، ونمر بأزمات خطيرة وشدائد مستطيرة، ألسنا بحاجة أن نفزع إلى الله؟ ألسنا بحاجة أن نُفَعِّل فينا عبادة قيام الليل؟ إنه حال أهل الله، حال المتهجدين بالأسحار، حال القائمين في الليل، الخاشعين البكَّائين، الذي يضرعون إلى الله في الليل، ويناجونه في السجود. ألسنا نشتهي أن نتشبه بالملائكة؟ عندما يُريد أحدنا أن يُثني على أحدٍ فيقول: والله فلان كأنه ملائكة. لماذا؟ لأن الله تعالى وصف الملائكة فقال: ﴿لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦]

فلماذا نُصِرُّ على المعصية وإن كانت صغيرة؟ فالإصرار على الصغيرة يُؤدي للوقوع في الكبيرة، ولقد تهاون قومٌ في الصغائر فأدت بهم إلى الوقوع في الكبائر. لقد تهاون سيدنا آدم  أن يأكل من الشجرة، فما كانت النتيجة؟ أُهبط إلى الأرض لأنه عصى الله بأكله من الشجرة التي نُهي عنها. ألم يُلعن إبليس ويُطرد من رحمة الله لأنه أبى أن يسجد سجدة واحدة؟ طُرد من رحمة الله إلى قيام الساعة. ألم يُعاقب اليهود فيمسخون قردةً وخنازير لأنهم عصوا الله تعالى في يوم السبت فاصطادوا الحيتان؟ إنها صغائر ولكنهم أصروا عليها وتهاونوا فيها فتحولت إلى كبائر. أما العبد المؤمن الصالح إذا وقعت منه زلة فإنه يُبادر إلى التوبة الصادقة، ويُبادر إلى الإقبال على الله.

من الصحابة رجلٌ يقال له ماعز بن أنس ، هذا الرجل صحابيٌ جليلٌ صالحٌ عابد، أغرته امرأةٌ جاريةٌ فوقع بها بعد أن وسوس له الشيطان، ولما نزع الشيطان عنه وسوسته انتبه إلى ما وقع فيه، فوجد أن الدينا كلها قد اسودت في وجهه، وعاد إلى الله تائباً منيباً، وجاء إلى النبي وقال: يا رسول الله، إن ماعزاً قد زنى فطهره، فأنكر النبي ذلك وهو يعرف ماعزاً من المقربين الطاهرين، فأعرض عنه النبي  ، فجاءه من جهة أخرى، ثم جاءه قبل وجهه، فقال له النبي : (أتعرف ما الزنا؟) قال: نعم يا رسول الله، أن يأتي الرجلُ المرأة حراماً كما يأتي الرجل أهله حلالاً. قال: أتريد أن أُقيم عليك الحد؟ قال: طهرني يا رسول الله. فأمر به النبي أن يُرْجم، فَرُجم حتى الموت. ومات ورُفعت روحه تائبةً نقيةً إلى الله سبحانه، فمرَّ رجلان ورأيا ذلك المشهد وخاضا في ماعز وتكلَّما في عرضه، وسمعهما النبي ، وبينما هو يمشي في الطريق رأى جِيفَةَ حمار، فقال لهما: فلان وفلان، فجاءا، فقال لهما: كُلَا من هذا اللحم. فقالا: لم يا رسول الله؟ فقال: ما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشدُّ من أكل الميتة، لقد تاب توبة لو قُسمت بين أمة لَوسعتهم، والذي نَفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة يَنغمس فيها.  

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يُكرمنا جميعاً فتكونَ حياتنا حياة السعداء، ومصيرنا ومنزلتنا منزلة الشهداء، وأن يُكرمنا الله تعالى بِرِفقة الأنبياء والنصر على الأعداء، وأن يُرضينا بالقضاء، وأن يصبرنا على ما أصابنا، إنه على كل شيءٍ قدير وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1797
1  2  

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *