وَمِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ فِيهَا يَومُ عَرَفَة، وَهُوَ اليَومُ التَّاسِعُ مِن ذِي الحِجَّة، وَهُوَ يَومٌ مَعرُوفٌ بِالفَضل، وَكَثرَةِ الأَجرِ وَغُفرَانِ الذَّنب. وَقَد رُوِيَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: "يَومُ عَرَفَةَ بِعَشرَةِ آلافِ يَوم" أي في الفَضْلِ والأجرِ والثَّوَاب.
ومِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ فِيهَا يَومَ النَّحر، وَهُوَ اليَومُ العَاشِرُ مِن ذَي الحِجَّة، وَهُوَ مِن أَفضَلِ الأَيَّام، وَفِيهِ مُعظَمُ أَعمَالِ مَنَاسِكِ الحَجّ، مِنْ رَميِ الجَمرَةِ وَحَلقِ الرَّأس، وَذَبحِ الهَديِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعي، وَصَلاةِ العِيدِ وَذَبحِ الأُضحِيَة، وَاجتِمَاعِ الْمُسلِمِينَ فِي صَلَاةِ العِيد، وَتَهنِئَةِ بَعضِهِم.
أيها الإخوة المؤمنون: فَضَائِلُ العَشرِ كَثيرَةٌ وَعَظِيمَة، لا يَنبَغِي لِلمُسلِمِ أَن يُضَيِّعَهَا، بل يَنبَغِي أَن يَغتَنِمَهَا وَيُحَصِّلَهَا، وَأَن يُسابِقَ إِلَى الخَيرَاتِ فِيهَا، وَأَن يَشغَلَهَا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَة:
فمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ في هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة، كَثرَةُ الذِّكر: لِقَولِهِ تَعَالَى: )لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسمَ ٱللهِ فِي أَيَّامٍ مَعلُومَـاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ ٱلأنعَام( وَرُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام قَال: (مَا مِن أَيَّامٍ أَعظَمُ عِندَ اللهِ وَلا أَحَبُّ إِليه، مِنَ العَمَلِ فِيهِنَّ مِن هَذِهِ الأَيَّامِ العَشر، فَأَكِثُروا فِيهِنَّ مِنَ التَّهلِيلِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّحمِيد).
وَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة، كَثرَةُ نَوَافِلِ الصَّلَوَات: كَصَلَاةِ الضُّحَى وَقِيَامِ اللَّيلِ وَالتَّهَجُّد، فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى النَّوَافِلِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لِلعَبد، وَمَن نَالَ مَحبةَ اللهِ حَفِظَهُ اللهُ وَأَجَابَ دُعَاءَه، وَأَعَاذَهُ وَرَفَعَ مَقَامَه.
وَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة، كَثرَةُ الصَّدَقَة: إِذ الصَّدَقَةُ فِيهَا أَفضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ في رَمَضَان، وَمَا أَكثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ فِي أَيَّامِ العَشر، مِنَ النَّفَقَةِ وَالاستِعدَادِ لِلحَجِّ وَالعِيد، وَطَلَبِ الأُضحِيَةِ وَنَحوهَا. وَبِالصَّدَقَةِ يَنَالُ الإِنسَانُ البِرَّ وَيُضَاعَفُ لَهُ الأَجر، وَيُظِلَّهُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ القِيَامَة، وَيَفتَحُ بِهَا أَبوَابَ الخَيرَات، وَيُغلِقُ بِهَا أَبوابَ الْمُوبِقَات، فَيُحِبُّهُ اللهُ وَيُحِبُّهُ الخَلق.
وَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة، كَثرَةُ الصِّيَام: فَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام يَدَعُ الصِّيَامَ في هَذِهِ الأَيَّام.
فيا أيها الإخوة: يَنبَغِي لِلمُسلِمِ أَنْ يُسَارِعَ في هَذهِ العَشْرِ إلى كُلِّ عَمَلٍ صَالح، عَسَى أَن يُكتَبَ مَعَ حُجَّاجِ بَيتِ اللهِ الحَرَام، فَقَد قَالَ ابنُ رَجَب رَحمهُ الله: "لَمَّا كَانَ اللهُ قَد وَضَعَ فِي نُفُوسِ الْمُؤمِنِينَ حَنِينَاً إِلَى مُشَاهَدَةِ بَيتِهِ الحَرَام، وَلَيسَ كُلُّ أَحَدٍ قَادرَاً عَلَى مُشَاهَدَتِهِ كُلَّ عَام، فَرَضَ اللهُ عَلَى الْمُستَطِيعِ الحَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً في عُمُرِه، وَجَعَلَ مَوسِمَ العَشرِ مُشتَرَكَاً بَينَ السَّائِرِينَ إِلَيهِ وَالقَاعِدِينَ عَنه، فَمَن عَجَزَ عَنِ الحَجِّ فِي عَامٍ قَدَرَ في العَشرِ عَلى عَمَلٍ يَعمَلُهُ في بَيتِه، يَكُونُ أَفضَلُ مِنَ الجِهَاد، والجهاد أَفضَلُ مِنَ الحَج".
فيا أيها الإخوة: إِنَّ هَذِهِ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ مَوسِمٌ عَظِيم، فَلَا يَقُولَنَّ قَائِل: إِنَّ التَّمَتُّعَ بِهَذَا الْمَوسِمِ وَالحُصُولَ عَلَى هَذَا الفَضلِ الكَبيرِ خَاصٌ بِمَنْ شَدَّ الرِّحَالَ إِلى بَيتِ اللهِ لِأَدَاءِ الْمَنَاسِك، أَمَّا مَن قَعَدَ فِي بَلَدِهِ فَلَيسَ لَهُ في ذَلِكَ نَصِيب، وَلَئِنْ فَاتَ المقِيمَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِمَنَاسِكِ الحَج، فَلَنْ يَفُوتَهُ العَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ في بَلَدِهِ وَبَيتِه، لِيَحظَى بِالْمَغفِرَةِ وَالرَّحمَةِ وَالعِتقِ مِنَ النَّار، فَاللهُ تَعَالَى كَرِيمٌ حَلِيم، وَفَضلُهُ وَاسِعٌ عَظِيم، وَهُوَ بِالْمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم.
يَا سَائرينَ إلى البَيتِ العَتيقِ لَقد *** سِرْتُم جُسُومَاً وَسِرْنَا نَحنُ أَرْوَاحَا
إِنَّا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وقَدْ رَحَلُوا *** ومَنْ أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ فَقَدْ رَاحَا