يقول تعالى: )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب( [الزمر: 9].
قال رسول الله r: (فضل العلم خير من فضل العبادة) [أخرجه الحاكم].
أيها الأحبة:
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: "العلم هاد، وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصّدور، ورياض العقول، ولذّة الأرواح، العلم حاكم مفرّق بين الشّكّ واليقين، والغيّ والرّشاد، والهدى والضّلال، بالعلم يُعرف اللّه ويعبد، ويذكر ويوحّد، ويحمد".
نوجه اليوم رسائل عاجلة مع بداية العام الدراسي، رسالة للآباء، ورسالة للأغنياء، رسالة للمعلمين، ورسالة للأبناء.
الرسالة الأولى: رسالة إلى الآباء:
أيها الوالد الكريم: أعانك الله تعالى فيما أقامك.
كلنا نعلم أن ظروف الحياة صعبة، وأن الغلاء فاحش، ونعلم أنه بالكاد تُؤمن طعامك وشرابك، لكن ذلك لا يُلغي حقيقة كبرى نَضعها بين يديك، أن تعليم أولادك مسؤولية أنت تحملها، قال رسول الله r: (والرّجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيّته) [أخرجه البخاري] فتعليم أولادك ضرورة لا بُد منها، تعليمهم عبادة تتقرب بها إلى الله تعالى، تعليمهم سبب من أسباب الحياة الكريمة. نشكر كل أب قال وصدق في قوله: "لو اضطررت أن أقطع من لحم كتفي لأولادي حتى يكملوا تعليمهم لفعلت".
قلّب بصرك في دول العالم جميعها ترَ الدول المتقدمة متعلمة، وترَ الدول المتخلفة جاهلة.
كلما زاد العلم ارتفعت القيمة، وكلما زاد الجهل رخصت القيمة.
في المؤسسات والشركات المتطورة تجد عاملاً يَكدح شهراً كاملاً يَتعرض لحرارة الصيف وبرد الشتاء ليتقاضى في نهاية الشهر عشرين ألف ليرة، وفي الشركة نفسها يَجلس شاب وراء مكتب فَخم، وتكييف مُريح، ليتقاضى مائة ألف وهي لا تُعجبه، ويطالب بالزيادة، لا تَستغرب، فالأول يَعمل ببدنه وعضلاته، والثاني يعمل بعقله وشهاداته.
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
فيا أيها الوالد الكريم: أخلص نيتك في تعليم أولادك، واحتسب ذلك عند الله تعالى، أنفق على تعليم أولادك وأبشر بحديث رسول الله r: (دِينار أنفقتَه في سبيل الله، ودِينار أنفقتَهُ في رقبة، ودينار تصدَّقْتَ به على مسكين، ودِينار أنفقتَهُ على أهلك، أعظَمُها أجرا الذي تنفقه على أهلك) [أخرجه مسلم].
الرسالة الثانية: رسالة إلى الأغنياء الميسورين:
أيها الغني الكريم، بارك الله لك في أهلك ومالك.
نَعلم أنك تبذل في رمضان، فتطعم الصائمين، وإذا جاء العيد سَاهمت في كسوة الفقراء.
نَعلم أنك لا تُقصر في دَعم قَريبِكَ لِشراء وقود الشتاء.
والآن أمامك خَير جَديد، فهل أنت جاهز؟
دخل ولي أمر طالب إلى غرفة الإدارة، قال للمدير: والله إن كلفتم ولدي بشراء الكتب والدفاتر سأسحب ولدي من المدرسة، لا أستطيع النفقة، أنت قل لي: أأجلب له كتباً أم أجلب لأمه وإخوته خبزاً؟
أيها الغني الكريم: بالله عليك، ماذا لو كان ولدك سيترك المدرسة من أجل بضعة آلاف؟
هل لك أن تكفل طالب علم فقير، تضمه إلى ولدك؟.
لقد بدأت مبادرات أهلية تستحق كل الاحترام: جمعية قدمت لكل أسرة مقبولة عندها مَبلغ ألفي ليرة سورية إضافية، لِتَحمُّل أعباء المدرسة، سيقول قائل وماذا يفعل هذا المبلغ؟ هي خطوة على الطريق، ساعدنا لنكمله معاً.
قدمت الجمعية قرابة خمسة ملايين، وما زال المستفيدون بحاجة دعمكم، وجمعية أُخرى قدمت قرابة ألف حقيبة مَليئة بالقرطاسية والدفاتر.
تعالوا نصنع مبادرات فَردية، قام بمثلها رجال طيبون من بيننا، أن يتحمّل القادر من الأسرة مَصاريف طالب من أقربائه المتضررين، قَدِّمها هدية بمناسبة بداية العام الدراسي.
اكفل طالباً وضمه إلى ولدك، اجعل الحقيبة التي تَشتريها لولدك حقيبتين، أو اجعل الدفاتر العشرة التي تشتريها له عشرين، وأهدها لفقير.
اذهب إلى مكتبة واهمس في أذن صاحبها: إذا جاءك من يَطلب قرطاسية وهو لا يَملك ثمنها، أعطه وخذ حسابه مني.
اقصد مدرسة حيك وقابل مديرها، وقل له: أرجوك يا سيدي إن جاءك مَن تَقف النفقة عثرة في وجه تعليمه فأنا جاهز لمساعدته.
تعالوا نتبادل الكتب المستعملة: فمن كان لديه نُسخة كتب ونجح في صفه وانتقل لصف أعلى، لم لا يُقدم كتبه المستعملة لقريبه أو جَاره أو صديقه في المدرسة.
مَن كان لديه حقيبة مستعملة صَالحة زَهِدَ أبناؤه فيها، وطلبوا منه حقيبة جديدة، فلا يُلقينها، وليقدمها لجمعية خيرية تَرعى أصحاب الحاجة.