الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في ذكرى ولادة الحبيب الأعظم سيدنا محمد ، إنما نذكر ولادة رسالة إلهية عالمية خاتمة أصّلت وأكّدت عقيدة التوحيد والتوجيه الذي جاء به الأنبياء قبله وجددت التشريع وعممته ليكون صالحاً للبشرية إلى قيام الساعة ، كما قال تعالى :
) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( [المائدة/3]، وكما قال سبحانه :
)مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ( [الأنعام/38] لا بد أن نُذكر أنفسنا أنه الأسوة والقدوة لنا جميعاً، كما قال تعالى :
) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ( [الأحزاب/21]
وأنه المعلم والمربي والمرشد لكل الناس ، فقد قال رسول الله : صلى الله عليه وسلمإنما بُعثت مُعلماً) ، وقد بُعِثَ النبي رحمة للخلائق كلها كما قال تعالى :) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( [الأنبياء/107] ، ودالاً لهم على طريق الهداية والنجاة ، ومبيناً الخبيث من الطيب ، والطالح من الصالح ، والمنكر من المعروف ، والباطل من الحق ، والكفر من الإيمان ، راسماً لنا خطين واضحين متوازيين ، أحدهما يرشدنا إليه لأنه يوصلنا إلى الجنة ، والآخر يحذرنا منه لأنه يوصلنا إلى النار .
كما قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ/28]
هذا الحبيب الأعظم مُعلمٌ للأجيالِ قاطبة على اختلاف الأزمنة وعلى امتداد الأمكنة ، يقولُ لهم: صلى الله عليه وسلمفمن رغب عن سنتي فليس مني) ، ورسولُ الله هو قدوتنا في كل شيء ، يَدعونا للعبادة فنجد أنه أكثرنا عبادة ، ويدعونا للعلم فنجد أنه أكثرنا علماً ، ويدعونا للبذل والإنفاق فنجد أنه أكثرنا إنفاقاً في كل شيء ، ويدعونا للزهد في الدنيا فنجد أنه أكثرنا زهداً فيها ، ويُذَكِّرُنا بالآخرة فنجد أن الآخرة كانت رأيَ العينِ أمامَهُ ، ويَدعونا للجهاد في سبيل الله فنجد أنه كان دائماً لابساً لأمَةَ الحرب لا يَنزعها ، بل ويشارك في المعارك والمواقع ، ويتمنى أن يُقتل فَيَرْجِع ، ثم يُقتَل فَيَرجِع ، ثم يُقتل فَيَرجع ، ترغيباً لنا بالشهادة في سبيل الله ، ويَطلب منا أن نَكون غَيورين على ديننا وعرضنا وأرضنا فنجد أنه أشدَ الناسِ غَيرةً ، بل إذا انتُهِكَت محارمُ اللهِ لا يَقُومُ لِغَضَبِهِ شَيء ، ويرغبنا بالشجاعة والنجدة فنجد أنه أكثر الناس شجاعة ونجدة ، وقد سُمِعَتْ رَجَّةٌ في أطرافِ المدينةِ ذات ليلة ، فَخَرَجَ الناسُ فَزِعِيْنَ في العَتَمَات ، وَإِذْ بالنبي راجعٌ بعد أن استطلعَ الخبر ، وهو يقول لهم: صلى الله عليه وسلملن تُراعوا لن تُراعوا) فقد كان أولَ الناس وصولاً إلى مكان الخَطَر .
فرسولُ الله حينما يدعوك إلى الثبات على الحق ، ولو كُنتَ في هذه الدنيا وحيداً غريباً ، فهو يُعطيك في ذلك المثلَ عن نفسه في الثبات على المبدأ ، أليس هو القائل : صلى الله عليه وسلموالله يا عماه ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه) .
وفي يوم حنين وقد تَفَرَّقَ عنه أصحابُه ، وبَقِيَ في الميدان وحده وهو يَحُثُّ بَغْلَتَهُ نحو الأعداء ويقول: صلى الله عليه وسلمأنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) .