الأحد 19 شوال 1445 - 28 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-12-27 الساعة 14:09:19
فضل رمضان والعبادة فيه
الشيخ أحمد سامر القباني

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة, وعمنا جميعاً بفضلك الكبير.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: في آخر يوم من شهر شعبان وقف سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وخطب صحابته الكرام، في مثل هذا الموقف، لكن في الليلة الأخيرة من شهر شعبان، وهي كانت الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك، خَطب الناس فقال لهم -والحديث عند ابن خزيمة في صحيحه، وعند النسائي وعند ابن ماجه، واللفظ لابن خزيمة في صحيحه، راوي الحديث هو سيدنا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في آخر يوم من شعبان فقال: ((يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك -ومعنى أظلكم أي صار على مقربة منكم بينكم وبينه ساعات قليلة، كما يكون الظل بعيداً عن الإنسان بُعداً قليلاً، فيستظل به من حر الشمس- قَد أظلكم شَهر عظيم مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر -وقلنا في خطبة سابقة: ((إن لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص)) الله سبحانه وتعالى خالق الكون وخالق الإنسان، له أن يختص ما يشاء وله أن يعامل ما يشاء معاملة عادية، فليلة القدر من خواص الله عز وجل في الأزمنة- فيه ليلة خير من ألف شهر، قد جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، مَن تقرب فيه بخصلة من الخير -في شهر رمضان يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم- مَن تقرب إلى الله في شهر رمضان بخصلة مِن الخير -أمر من أمور البر والخير من النوافل ومن السنن- كان كمن أدى فريضةً فيما سواه))، إذاً مَن يُؤدي نافلة في رمضان كمن يؤدي الفريضة، وهُنا يأتي السؤال: فهل ثواب الفريضة أكبر مِن ثواب النافلة؟ يقول العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" يقول: (وليس هناك أعظم من الأجر والثواب على أداء الفرائض إذا أُديت على وجهها الشرعي، بشروطها وأركانها وآدابها)، ليس هناك أجر وثواب يأخذه الإنسان أكثر مما يأخذه على أداء الفرائض، صلاة وصيام والحج والزكاة، إذا أُديت على وجهها بشروطها وأركانها وآدابها الشرعية، قال: وذلك تصديق قول الله سبحانه وتعالى -هذا كلام الفقهاء أخذوه من كلام الله عز وجل، أين؟- في الحديث القدسي الذي يقول فيه رب العزة والجلال: ((وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه))، إذاً في رمضان -بما أن الفرض ثوابه أكبر وأعظم- في رمضان من يقوم بشيء من النوافل والسنن كمن يؤدي فريضة في غير رمضان.

يقول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: ((ومن أدى فريضة فيه -في شهر رمضان- كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه))، فالفرض يُضاعف، والنفل يُصبح أجره وثوابه أجر الفرض، ومِن ها هنا فإن أداء الفرائض في شهر رمضان على وجهها وبشروطها وآدابها وأركانها يُضاعف سبعين ضعفاً، ومِن هاهنا كان الذَّكاء لتجار بلاد الشام وللمسلمين في شهر رمضان، صَحيحٌ أن الزكاة واجبة، ولكن يقول رسول الله: ((مَن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه))، فهم يُؤدون زكاة أموالهم في شهر رمضان المبارك مِن أجل أن تُضاعف هذه الصدقات سبعين ضعفاً في أجرها وثوابها، ولَيس في حسابها، في أجرها وثوابها تُضاعف سبعين ضعفاً، فيُخرج الناس زكاة أموالهم في رمضان، والزكاة ركن من أركان الإسلام وفريضة.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة من فطر فيه صائماً -يقول عليه الصلاة والسلام- مَن فطر فيه صائماً كان مغفرة له من ذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره لا ينقص من أجرهم شيء))، إذا فَطَّرتُ صائماً في رمضان كان هذا الإفطار بهذا الصائم مغفرة لذنوب وعتق رقبتي من النار، وكان لي مثل أجره لا ينقص من أجرهم شيء؟ والله هذا أجر عظيم وجزاء عظيم على أمر يسير، فلماذا لا نقوم به في شهر رمضان المبارك، وخصوصاً في هذه الأيام الصعبة، ((مَن فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وله مثل أجره لا ينقص له من أجره شيء)).

يقول عليه الصلاة والسلام: ((وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار))، لاحظوا البرنامج الإيماني كله في حديث واحد، حديث سيدنا سلمان، يعطينا رسول الله البرنامج الإيماني لشهر رمضان المبارك:

((جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً)).

((فيه ليلة خير من ألف شهر)) حتى نجتهد في العبادة.

((من فطر فيه صائماً)) يَحثنا رسول الله على أن نُفطر المحتاجين والمنكوبين والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام.

يُعطينا رسول الله برنامجاً متكاملاً، وبعد ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: ((هو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة))، يُبين لنا أن نَصبر على الصيام، فرب صائم ليس له من صيامه كما قال عليه الصلاة والسلام: ((رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم -أي في الليل- ليس له من قيامه إلا السهر)) إذا صُمت -يقول سيدنا جابر بن عبد الله-: ((إذا صمت فليصم سمعك وبصرك)).

حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).

إذاً يحثنا رسول الله أن يكون صيامنا صياماً حقيقياً صحيحاً، قُربة إلى الله.

قال عليه الصلاة والسلام في نفس الحديث: ((وهو شهر المواساة)) أي للفقراء.

يقول عليه الصلاة والسلام: ((فاستكثروا فيه -في شهر رمضان- مِن أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم وخصلتان لا غناء لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فتوحدون الله -لا إله إلا الله- فتوحدون الله وتستغفرونه))، نُكثر في شهر رمضان من كلمة لا إله إلا الله، ونكثر من الاستغفار، فالاستغفار مِفتاح الفرج لما نحن فيه، مفتاح الرزق لما نحن فيه، مفتاح كل خير، ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12]، ﴿وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم -يا محمد- وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم -طيب قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال- وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ﴾ [الأنفال: 33].

أستغفر الله، نستغفر الله العظيم ونتوب إليه، ((فتوحدون الله)) وفي رواية: ((فتشهدون أن لا إله إلا الله وتستغفرونه))، ((وأما الخصلتان اللتان لا غناء لكم عنهما، فتسألونه الجنة وتعوذون به من النار))، فنكثر في شهر رمضان: اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

يقول عليه الصلاة والسلام في ختام الحديث: ((مَن سقى فيه -في شهر رمضان- صائماً شربة ماءٍ سَقيته مِن حوضي شربةً لا يَظمأ بعدها أبداً)).

لذلك نَرى هذا التَّسابق عند الإفطار مِن الأولاد للأب للأم للزوجة للزوج، كلٌّ يُريد أن يُفطر الآخر، يأتيه بكأس الماء، هذا يأتيه بالتمرة، مِن أجل أن يحوز هذا الفضل والأجر من الله عز وجل، هذه لَيست عادات اجتماعية -أيها الإخوة- فحسب، هذه عادات شرعية، هذه مَكرمة من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للأجر والثواب، من أجل أن نرتقي بأحوالنا.

والسؤال أيها الإخوة، سمعنا الحديث، سمعنا هذا البرنامج الإيماني الذي أعطانا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلام، صيام، قيام، مواساة للفقراء، سعي في مغفرة الله، ذكر لله، الدعاء، تفطير صائمين، أن نَنظر وأن نَحِنَّ على المحتاجين، هذا هو البرنامج المتكامل، وكما سنرى في خطبة قادمة إن شاء الله بأن رمضان هو شهر القرآن، ولكن هل سنقوم بهذا البرنامج؟ يعني نحن نعلم كثيراً من الشباب همتهم جيدة في أول رمضان، تبدأ هذه الهمة بالانخفاض والخبو، يأتي آخر رمضان -التي ينبغي أن تكون هممنا فيه أعلى وأكبر- فنجد أن هذا الإنسان المؤمن عوض أن تزداد همته في العشر الأواخر من شهر رمضان نرى أنها خبت ونرى أنها ضعفت، هل سنُطبق هذا البرنامج: الصيام على وجهه الحقيقي، قيام رمضان الذي هو صلاة التراويح، الذي لا يستطيع الخروج من منزله يُمكنه أن يَضع مُصحفاً وأن يقرأ ختمة ويصلي التراويح في بيته، وعلى الأقل كل مسلم يجب أن يَختم ختمة في شهر رمضان المبارك: ختمة مع صلاة التراويح وختمة يقرؤها وحده، نُكثر الصلاة مع الجماعة ونحرص بل نحرص ألا نصلي إلا مع الجماعة، نُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذكر الله عز وجل كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: هل سنتمكن من ذلك؟ سنتمكن إن شاء الله من ذلك، ذلكم لأن هذا الموسم إذا فاتنا فلن نَستطيع تعويضه إلى موسم قادم، رمضان -كما رأينا- من الأزمنة الخواص، رمضان تغفر فيه الذنوب، تصفد فيه الشياطين، تفتح فيه أبواب الجنة، لذلك إذا انتهى رمضان كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يدعون الله: اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على الصيام والقيام، ينتظرونه بفارغ الصبر لأنه موسم مغفرة وخير ورحمة وعتق من النار، لذلك يقول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: ((لو تعلم أمتي ما رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان))، سنغتنم هذه الأيام.

ولكن أريد أن أقول لك شيئاً: أخي المؤمن أنت في حرب أعانك الله عليها في رمضان، في حياتنا الدنيوية نحن في حرب دائمة مع الشيطان وأعوانه، ثلاثة أشياء تتنازع الإنسان في حياته: أولاً: الشيطان، وثانياً: النفس الأمارة بالسوء، النفس الأمارة بالسوء إذا أعطيت هواها انقلبت إلى هوى مُتبع، فهناك ثلاثة أشياء تثني الإنسان عن فعل الخير عن الاستقامة عن طاعة الله عز وجل، أراحك الله من واحد منها، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا جاء شهر رمضان صفدت الشياطين))، طيب هذه الوساوس التي نسمعها في رمضان داخل أنفسنا للمعاصي والآثام من أين تأتينا إذا كانت الشياطين مصفدة ومقيدة؟ قال: تأتينا مِن النفس الأمارة بالسوء وليس من الشيطان، لأن الشيطان مُقيد طيب هناك حديث نفس قوي لا أظنه من الأمارة بالسوء، هذا الهوى المتبع، لأن النفس إذا أعطيت هواها تصيح تُسير الإنسان، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣]، هكذا يقول رب العزة والجلال، إبليس نحن في معركة طيلة حياتنا معه، الآن الشياطين مصفدة، تعلمون أن الله عز وجل عندما أنزله إلى الأرض قال له: ﴿فَبِعِزَّتِكَ -أقسم إبليس بعزة رب العالمين- قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: 82]. وفي آية أخرى: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ﴾ [الأعراف: 17]، فنحن في حرب دائمة، لذلك تقسيم القرآن كان دائماً: عباد الرحمن، وحزب الله، ويأتي التقسم الآخر: حزب الشيطان، ويأتي الذين يَعبدون ويتبعون أهواءهم، وشياطين الإنس والجن، هكذا التقسم القرآني، لا تقسم ثالث، ﴿مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم﴾.

رحم الله الشيخ متولي الشعراوي قال: (الجهات ستٌ، لماذا لم تذكر جهة العلو وجهة السفل؟ ﴿مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم﴾ لماذا لم يقل: ومن فوقهم ومن تحتهم إبليس؟ قال رحمه الله: لأن من تحقق بذل العبودية لله عز وجل وعلَّق قلبه بمعاني الربوبية العلوية لا يأتيه الشيطان)، ذُل العبودية بين يدي الله، وعَلِم أن الله هو الفعال لما يريد، ولا يكون شيء في هذا الكون إلا بأمر الله، قال: لا يأتيه الشيطان.

إذاً نحن في حرب المنتصر فيها نحن إن شاء الله، لماذا؟ لأن الشياطين مصفدة مقيدة، ولأن موسم الخير قد آن، ولأننا سنغتنم كل دقيقة، ولمسألة هامة جداً أن الله عز وجل خلقنا لنربح عليه لا ليربح علينا، فتَجد أن الله عز وجل رَغمَ أننا نُخطئ كثيراً ونأثم كثيراً، والإنسان مُنغمس في الشهوات والمعاصي والآثام، نسأل الله أن يغفر لنا، تجد أن المرغبات في مغفرة الله كثيرة:

((مَن قال دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين سبحان الله، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وختم مائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر)).

يقول عليه الصلاة والسلام: ((مَن قال حين يلبس ثوباً جديداً: الحمد لله الذي كساني هذا وألبسنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غفرت ذنوبه)).

((رمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والصلاة إلى الصلاة -بين الظهر والعصر- مُكفرات لما بينهن -أي من الذنوب- إذا اجتنبت الكبائر)) ما هذا الفضل العظيم من الله سبحانه وتعالى.

نختم الخطبة بهذا الحديث العظيم، الحديث القدسي الصحيح، الذي يقول فيه رب العزة والجلال مخاطباً عباده: ((يَا عِبَادِي, إِنَّكُمْ تُخْطِئونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)) فرب العزة والجلال غفار للذنوب، والحديث الآخر القدسي: ((لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ غفرت لك ما كان منك ولا أبالي)).

فالله خلقنا لنربح عليه، لأنه يريد أن يُنقذنا، يعلم الله سبحانه وتعالى أنها حرب مصيرية بين البشر وبين إبليس، فيريد الله عز وجل أن يَنصرنا على إبليس، فيُعطينا المرغبات، ويُصفد الشياطين في شهر رمضان المبارك، لتكون انطلاقة خير وفرصة توبة لنا مدى الحياة كلها، وإلا لو لم يكن الله عز وجل خلقنا لنربح عليه لماذا يُعطنا الأسئلة قبل الامتحان؟ إذا أرادت جامعة ما أن تُنجح كل الطلاب ماذا تفعل؟ أو مدرسة أرادت أن تُنجح كل الطلاب ماذا تفعل؟ تُعطيهم الأسئلة، لذلك أعطانا ربنا الأسئلة في الدنيا قبل الآخرة لنربح عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن ماله فيم أفناه، وعن عمره فيم أبلاه، وعن ...))، إذا الله يُعطينا الأسئلة لكي نجهز الأجوبة، وخلقنا في الحياة وأعطانا ما الذي ينجينا من النار.

إذاً الله عز وجل رحيم بنا وغفور وعطوف علينا، خلقنا لنربح عليه، ولكن المشكلة ليست في فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته ومغفرته، المشكلة فينا، ولكننا سننتصر إن شاء الله على إبليس وعلى شهواتنا وعلى أهوائنا في شهر رمضان المبارك وخارج شهر رمضان المبارك.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 977
تحميل ملفات
فيديو مصور