الاثنين 20 شوال 1445 - 29 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-12-27 الساعة 13:17:35
فضل تلاوة القرآن الكريم
الشيخ أحمد سامر القباني

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلَهِي لا تُعَذِّبنِي فَإِنِّي
وَمَا لي حِيلَةٌ إِلا رَجَائِي
وَكَمْ مِن زَلَّةِ لِذِي الخَطَايَا
إِذَا فَكَّرتُ في نَدَمِي عَلَيهَا
أَهِيمُ بِزَهرَةِ الدُّنيَا فُتُوناً
وَلَو أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهدَ فِيهَا
يَظُنُّ النَّاسُ بِي خَيرَاً وَإِنِّي

 

مُقِرٌّ بِالذِي قَدْ كَانَ مِنِّي
لِعَفوِكَ إِنْ عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنِّي
وَأَنْتَ عَلَيَّ ذُو فَضلٍ وَمَنِّ
عَضَضْتُ أَنَامِلِي وَقَعَرْتُ سِنِّي
وَأَقْطَعُ طُولَ عُمرِي بِالتَّمَنِّي
قَلَبْتُ بِأَهلِهَا ظَهرَ الْمِجَنِّ
لَشَرُّ الخَلقِ إِنْ لم تَعْفُ عَنِّي

اللهم اعف عنا يا عفو، واغفر لنا يا غفار، وقنا عذاب النار.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربي من حَصَر وعيٍّ

 

ومن نفس أعالجها علاجاً

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: إذا ذهبنا نستقري ونتتبع الأدلة الشرعية التي بُني عليها إسلامنا وديننا وتشريعنا؛ لوجدنا أنها أدلة أربعة مُتفق عليها: الكتاب وهو القرآن الكريم، والسنة، والإجماع والقياس، فضلاً عن أدلة تَشريعية أُخرى مُختلف فيها بين أئمة المذاهب رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، الذين كان اختلافهم رحمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فأول مصادرنا التشريعية هو القرآن الكريم، وديننا جَاء فيه معجزات كثيرة حصلت مع سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، برهاناً على صدق نُبوته ورسالته، ولكن المعجزة الخالدة التي تَبقى على مَرِّ الدهور والعصور هي معجزة القرآن الكريم، الذي تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه مِن التغيير والتبديل والتحريف والتصحيف، فقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظون﴾ [الحجر: 9].

منبع تشريعنا وجِماع أمرنا كله كتاب الله عز وجل، فَلا أعظم ولا أرقى ولا أجمل ولا أعذب مِن كلمات الله سبحانه وتعالى، عندما نسمعها من قارئ يتلو القرآن، أو عندما تلفظها ألسنتنا، وعندما تتسرب تلك المعاني العظيمة إلى أرواحنا، فنزداد خشوعاً بل ونزداد إيماناً، كما قال رب العزة والجلال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ * الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * أُولـئِكَ هُمُ الْمُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريم﴾ [الأنفال: 2-4].

ونحن نَلحظ في شهر رمضان المكرم أن جُلَّ النَّاس يَنصرفون بهممهم العالية -ولله الحمد والمنة- صغيراً وكبيراً، رجلاً وامرأةً، فقيراً وغنياً، جميع المسلمين تنصرف قلوبهم -سبحان الله- في شهر رمضان المبارك إلى كتاب الله عز وجل، فما هو السِّرُّ في ذلك؟ السِّرُّ في ذلك بل مَبدأ الأمر من قول الله سبحانه وتعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: ١٨٥]. وفي البخاري ومسلم، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس) -أي أكثر الناس كرماً، وأطيبهم ندىً، وأكثرهم إنفاقاً- يقول عبد الله بن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان), يزداد عليه الصلاة والسلام جوداً وكرماً وإنفاقاً في شهر رمضان، ولا ننسى قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه لحضراتكم في الأسبوع المنصرم أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((مَن تقرب فيه -أي في رمضان- مَن تقرب فيه إلى الله بخصلة من الخير -من النوافل والسنن والمندوبات- كان كمن أدى فريضة فيما سواه, ومن أدى فريضة فيه -أي في رمضان- كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه)).

لذلك الإنسان المؤمن يزداد من الخير ومن الإنفاق في شهر رمضان أُسوة بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، حين يلقى جبريل سيدنا رسول الله، كم مرة يا ابن عباس رضي الله عنك، كم مرة كان يلقى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ يُتِمُّ سيدنا عبد الله بن عباس: (وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يَلقاه في كل ليلة يُدارسه القرآن)، يتدارس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القرآن، لكن ليس مع شيخ مِن البشر، مع عالم جليل أو قارئ متقن، لقد كان يتدارس القرآن مع سيدنا جبريل، الروح الأمين، رسول رب العالمين إلى أنبيائه ورسله، نعم، من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بالحق، جبريل من الملائكة المقربين، فرسول الله مع جبريل يتدارسان القرآن الكريم، وكان يلقاه في كل ليلة في رمضان يدارسه القرآن، يقول ابن عباس: (فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)، يعني كثير الإنفاق في رمضان، لا يبقي شيئاً عنده أبداً، والشاهد: (وكان جبريل يلقاه في كل ليلة في رمضان يدارسه القرآن)، هذا هو السر، أن أفئدتنا وقلوبنا وأرواحنا تهفو إلى كتاب الله عز وجل في شهر رمضان المبارك، فما هو الأجر الذي يترتب على ذلك؟.

نَستمع إلى الإمام الترمذي وإلى أبي داود في سننهما رضي الله عنهما، يَنقلان لنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: ((مَن قرأ حرفاً من كتاب الله عز وجل كان له به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن أقول: -المتكلم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم- ولكن أقول: ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف))، فتصور كم حسنة قد حَصَّلت عندما تقرأ القرآن الكريم، هذا في الدنيا عندما تُكتب الحسنات، وعندما يأتي الإنسان لكي ينظر في نفسه مَا الذي حَصل له عندما قرأ كتاب الله، يَشعر ببركة قراءة القرآن الكريم في الدنيا قبل الآخرة، يَشعر أن روحه ارتقت، وأن نفسه قد بَدأت بالذُّبول، لأن الإنسان مُكون من نفس ومن روح، فإما أن تطغى نفسه الأمارة بالسوء على روحه فتكون هي المشرفة، وإما ان تكون الروح هي المسيطرة على الإنسان من خلال ما يقوم به مِن تغذية هذه الروح، وأعظم ما يغذي هذه الروح كلام الله عز وجل.

سيدنا أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه يقول: يا رسول الله أوصني، فيقول له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((عليك بتقوى الله))، فيقول: يا رسول الله أوصني، فيقول له: ((عليك بتلاوة القرآن، فإنه ذخرٌ لك في السماء ونور لك في الأرض))، ماذا تعني كلمة: ((نور في الأرض))؟ ورب العزة والجلال يقول: ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [التحريم: 8]، أي هو نور منهج حياتي متكامل لك في حياتك الدنيا، نور لقلبك، نور لروحك.

لذلك -أيها الإخوة- الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا عظيم منزلة تلاوة القرآن وقراءة القرآن يوم القيامة، كما أن الجنة درجات جهنم أيضاً دركات، ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥]، والجنة درجات، فهناك الفردوس الأعلى، وهناك الغرفة مكان في الجنة، وهناك طوبى مكان في الجنة، وهناك أسماء كثيرة لمناطق عديدة في الجنة، لكن المغنم كل المغنم أن نكون مع سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا يوم القيامة في الجنة مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واسقنا مِن يده شربة لا نظمأ بعدها أبداً يا أكرم الأكرمين.

يقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الترمذي: ((يُقال لِقارئ القرآن يوم القيامة -الإنسان الذي كان يَقرأ القرآن في الدنيا، يُقال له يوم القيامة- اقرأ وارتقِ -ارتق في درجات الجنة- فمنزلتك اقرأ وارتق ورتل -ورتل- كما كنت ترتل في الدنيا، فمنزلتك عند آخر آية تقرؤها))،كل آية ترتفع بها درجة، فكم آية قرأت، وكم ختمة ختمت في شهر رمضان المبارك؟.

إذا كنت تُصلي وراء إمام يقرأ في التراويح ختمة كاملة أنت تستمع إلى الإمام وهذا أمر رائع جداً، ولكن أنت لنفسك كم ختمة ختمت من كتاب الله عز وجل؟ ربما ختمة أو ختمتان أو ثلاثة، لكن نسمع بل نسأل مِن كثير من الشباب أنهم يبدؤون في بداية رمضان بهمة عالية، ثم تبدأ هذه الهمة بالانحطاط والخبو، فبذلك ترى أنهم يبدؤون بالختمة، كل يوم يقرأ جُزأين أو ثلاثة، بعد أربعة أو خمسة أيام تضعف الهمة، فيقرأ جزء أو عشر صفحات أو خمس صفحات، إن استطاع أن يُكمل ختمة لآخر رمضان.

وأنتم تَعلمون أن الدعاء عند ختم القرآن مُستجاب، وما أحوجنا اليوم إلى الدعاء بل إلى استجابة الدعاء، فهذه الهمم يَجب أن نُوقظها عندما نسمع هذا الأجر العظيم مِن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم على تلاوة القرآن الكريم، والأعظم من ذلك أيها -الأخوة والأخوات- الأعظم مِن ذلك أن هذا الإنسان بحاجة إلى التدبر، فكثيرون يَقرؤون كلام الله ولا يفهمونه، البعض قال: إنه قال له إنسان مُتعمق في الدين أو شيخ قال له: إذا كنت لا تفهم ما تقرأ فلا تقرأ القرآن، فهل هذا صحيح؟ قلت له: هذا الكلام غير صحيح، نحن نَقرأ القرآن سواء فهمناه أو لم نفهمه، ونأخذ عليه الأجر والثواب فهمناه أو لم نفهمه، لأن رسول الله قال: ((مَن قرأ حرفاً من كتاب الله)) و ((يُقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارتق)) الأعاجم كانوا يحفظون كلام الله ويرتلونه ويقرؤونه في صلواتهم ولا يفقهون منه شيئاً، وكذلكم الأمم في الأرض من الشعوب الملاوية في أندونيسيا وماليزيا وفي بقاع كثيرة يحفظون كلام الله ولا يفهمونه، ولكن دعانا القرآن الكريم إلى الفهم وإلى التدبر، فقال سبحانه وتعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]، وقال سبحانه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]، دعانا القرآن إلى التدبر وإلى التفكر، ولكن هذا الشيء لا يعني أن لا نَقرأ القرآن إذا كنا لا نفهم معانيه، ما أجمل أن يكون أمامك وأنت تقرأ القرآن تفسير مُبسط في شهر رمضان، فتقرأ القرآن فإذا مَرَّت كلمة لم تفهمها فتحت هذا التفسير وقرأت معنى هذه الكلمة التي لم تفهمها، حينئذ تجمع بين قراءة القرآن وبين فهمه وبين تدبره.

نعم -أيها الإخوة- هذا الشهر هو شهر القرآن الكريم، نسأل الله عز وجل أن يَحشرنا وإياكم جميعاً مع سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى، وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا، وأن يعلمنا منه ما جهلنا، وأن يُذكرنا منه ما نُسينا، وأن يجعله يوم القيامة حجة لنا ولا يجعله حجة علينا.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1168
تحميل ملفات
فيديو مصور