الاثنين 20 شوال 1445 - 29 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-12-21 الساعة 10:22:14
معاني ذكرى المولد وأثر الشمائل في سلوكنا
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 10 من ربيع الأول 1437 هـ - 09 من كانون الثاني 2016 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة, وعمنا جميعاً بفضلك العظيم.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: فبعد يومين تُطل علينا ذِكرى عظيمة وغالية على قلوبنا جميعاً، وهي ذكرى ولادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، هذا النبي العظيم الذي عندما نفرح بذكرى ولادته فإنما نفرح بهديه وشريعته، لأن بعض الإخوة يَسأل: لماذا تفرحون بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والقرآن يقول: )قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم(؟ فقلنا له تمم الآية: )قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلـهُكُم إِلـهٌ واحِدٌ( [الكهف: 110]، فلذلك هو واحد من البشر، ولكن أوحي إليه شرع وأُمر بتبليغه، فهو الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، فإذاً فرحنا بولادته فرحنا بشريعته وهديه، ولكن ما هو شرعه وهديه؟ هناك نصوص آيات وأحاديث لا بد أن نحفظها وأن نُحفظها لأبنائنا، يتبين من خلالها ما هو هدي رسول الله، وما هي شريعته، باختصار وإيجاز لا بتطويل وإطلاق:

النص الأول: قوله سبحانه وتعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107].

النص الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا رحمة مهداة رحمة))، رحمة وهذه الرحمة هي هدية من الله، ما هي الرحمة الهدية من الله؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((إنما أنا رحمة مهداة)).

النص الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق))، أي الأخلاق الصالحة، وفي رواية: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).

النص الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً))، لا مُعنفاً ومشدداً للآخرين، ولا أنا مُتشدد متكلف، ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً))، هل تلاحظون -أيها الإخوة- أنا أروي لكم الأحاديث التي فيها "أرسلناك" "بعثني" "بُعثت" لنبين سبب البعثة، ولنبين الهدي، هذه الأحاديث والنصوص يجب أن نحفظها ونحفظها لأبنائنا، وكلها آيات في كتاب الله عز وجل وأحاديث صحيحة عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، وإنما بعثني هادياً ومعلماً)) صلى الله عليه وسلم، صلوا على رسول الله، كلما ذكر فصلوا عليه، فـ ((البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي))، وكلكم يحفظ ذلك الحديث الصحيح عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتقي المنبر، فلما رقي الدرجة الأولى من منبره الجديد قال: ((آمين))، فلما رقي الثانية قال: ((آمين))، فلما رقي الثالثة قال: ((آمين))، ولم يكن رسول الله عندما يَصعد إلى المنبر لم يكن يقول: ((آمين)) عند كل درجة، فسأله صحابته بعد الخطبة قالوا: يا رسول الله، ما آمين؟ فقال: ((لما رقيت -أي صعدت- الدرجة الأولى جاء جبريل فقال: يا محمد، بُعداً لمن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة)) المتكلم مَن؟ جبريل، فقال رسول الله: ((آمين))، الذي يقول آمين رسول الله، ما هذا الدعاء العظيم، الذي يدعو سيدنا جبريل، والذي يقول: آمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، بُعداً لمن أدرك أبويه أو أحدهما يعني على قيد الحياة فلم يبرهما، وعندما لم يبرهما لم يدخلاه الجنة أي لم يكونا سبباً في دخوله الجنة، فقال رسول الله: ((آمين))، قال: ((فلما رقيت الدرجة الثانية قال جبريل: يا محمد بُعداً -ومعنى بعداً أي بعداً عن الرحمة وعن الجنة- بُعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آمين))، فلما رقي الدرجة الثالثة قال: يا محمد بعداً لمن ذكرت عنده فلم يصل عليك, فقال رسول الله: ((آمين))، فلذلك كلما ذكر صلى الله عليه وسلم نُصَلِّ عليه، ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً وإنما بعثني هادياً ومعلماً)).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بالحنيفية السمحة))، أي الفطرة السليمة، وهذا الدين الذي هو تسامح ويسر، وديننا عقائد شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأركانه خمسة: ركن عقائدي وأربعة عبادية، إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، فهذه أركان الإسلام عقائد وعبادات، ومعها إيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ومعها إحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ومعها أحوال شخصية ومعاملات، طلاق وزواج وبيع وشراء وشركات وإيجارات، ومعها باب القضاء، هذه أبواب وفصول الفقه الإسلامي هذا هو الدين، ولكن عندما عرف رسول الله الدين، ما قال: إن هذا الدين عقائد وعبادات ومعاملات وأحوال شخصية وقضاء، مع أن هذا هو الدين حقيقة، فنحن عندما نعرفه بهذه الأشياء نعرفه بأركانه، وهي أقوى أنواع التعريفات عند المناطقة أن تعرف الشيء بركنه، ولكن رسول الله عرفه بأثره، فقال: ((إن هذا الدين يسر)) يسر، لذلك نحن نحتفل بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((إن هذا الدين يسر -يعرف الدين بأنه يسر- ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فيسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وسددوا وقاربوا))، ((بعثت بالحنيفية السمحة)).

وأول كلمة نزلت في ديننا اقرأ، وعندما جاء سيدنا الأقرع بن حابس وكان أعرابياً من البدو رضي الله تعالى عنه، فربط ناقته على باب المسجد، ثم دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فبال فيه، من البول، يبول في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فهم به الناس ليزجروه ويمنعوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوه))، وفي رواية: ((لا تزرموا عليه بوله))، لا تقطعوا عليه بوله، عجيب يبول في مسجد النبي، ورسول الله يقول: اتركوه حتى يبول في مسجد النبي، لماذا لا يقطعوا بوله ويبول خارج المسجد؟ ((لا تزرموه، وأريقوا على بوله ذنوباً))، أو قال: ((سجلاً من ماء -الدلو الممتلئ ماء- فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين))، الصَّحابة ما بُعثوا يا أخي، صحابة رسول الله لم يُبعثوا، كيف يقول لهم رسول الله: ((فإنما بعثتم))، قال: فشبه رسول الله بِعثته كأنها بِعثة المسلمين أجمعين، ((فإنما بُعثتم ميسرين -هي رسالة لنا- بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)).

هذه نصوص لا بد أن نحفظها وأن نُحفظها أبناءنا، حتى إذا سئلنا، لماذا نحتفل بذكرى ولادة رسول الله؟ نقول لهم: نحتفل بهديه وشريعته، وما هديه وشريعته؟ رحمة للعالمين: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107]، تتميمٌ لصالح الأخلاق ومكارمها: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) أو ((صالح الأخلاق))، العلم وهي من أهم الرسائل: ((وإنما بعثت هادياً –الهداية- ومعلماً -العلم-))، وبُعث بالفطرة السليمة، ((بعثت بالحنيفية السمحة))، وباليسر: )وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ( [الحج: 78]، )فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( [الانشراح: 5-6]، هذه أركان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وأركان هديه، وما أعظم هذا الدين الذي عنوانه الجميل كل هذه الكلمات، وتحيتنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فالسلام والرحمة رسالة الإسلام، وتحية أهل الجنة في الجنة: سلام عليكم، وما هي البركات؟ جمع بركة، وما هي البركة؟ قال: جعل الكثير في القليل، احفظ تعريف البركة، ربما يَسألك كثير من الناس عن تعريف البركة فلا تعرف أنت، ما هو تعريف البركة؟ كيف تُعبر عن البركة؟ فقال علماؤنا: البركة جعل الكثير في القليل، هو شيء قليل من المال الله بارك لك فيه، فقضيت فيه كثيراً من الحاجات، وكثيراً من الأمور، هو وقت يسير قليل ولكن ربي بارك لك بهذا الوقت فقضيت فيه كثيراً من الأعمال، هذا هو ديننا، وهذه هي تحيتنا، وهذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة: الأحكام التكليفية خمسة، فهذا الشيء في شرعنا، إما أن يكون فرضاً، وواجباً، وإما أن يكون مندوباً يعني سنة، وإما أن يكون حراماً، وإما أن يكون مكروهاً، وإما أن يكون مباحاً، فهي خمسة: الفرض، والسنة يعني المندوب، والحرام، والمكروه، والمباح، خمسة أحكام شرعية تكليفية، والسؤال الآن ونحن نتكلم عن ذكرى ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، السؤال: ما هو حكم التعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأن كثيراً من المسلمين والمؤمنين يجهلون رسول الله، ولأن كثيراً من المسلمين يجهلون أن مولده هو في الثاني عشر من ربيع، ولأن كثيراً من أبناء المسلمين لا يحفظون أصلاً الأشهر العربية والأشهر الهجرية، هذه طامة كبيرة، لذلك سؤال: تعرفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو حكمه؟ قطعاً ليس حراماً، ولا مكروهاً، طيب هل هو مباح، يعني مباح يستوي فيه طلب الفعل وطلب الترك، إن شئت فافعل وإن شئت لا تفعل، كالأكل والشرب عندما يكون الإنسان يريد الأكل والشرب، وليس إذا أكل أو شرب أو إذا امتنع عن الأكل والشرب يموت في الحالة الطبيعية، إن شئت كُل وإن شئت لا تأكل، إن شئت فاشرب وإن شئت فلا تشرب، هذا هو المباح، فهل التعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم مُباح؟ قطعاً لا، هل التعرف على رسول الله أي على أخلاقه وشمائله وسيرته والحوادث والوقائع اليومية التي كانت تحصل معه، بمعنى أنه كيف كان يتعامل مع زوجته وأولاده وأسباطه وصحابته وآل بيته، كيف كان يتعامل مع الرجال، كيف كان يتعامل مع النساء، كيف كان يتعامل مع الضعفاء ومع الأيتام، وكيف كان يتعامل مع الدواب وهوام الأرض، كيف كان يتعامل مع هذا الكون بما فيه؟ هل هو مندوب، يعني مِن السنة أن تتعرف، مسنون أمر مندوب إليه، هل هو مسنون التعرف على رسول الله؟ ما هو حكم السنة؟ السنة إذا فعلتها تثاب عليها وإذا تركتها لا تأثم، فهل رسول الله إذا تركت التعرف عليه لا تأثم؟ يقول شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله في كتابه عن شمائل رسول الله الذي سماه: (محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا مَأخوذ من كتاب الله: )مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ -أي الصحابة- تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ( [الفتح: 29]، نعم محمد رسول الله، يقول الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله: اعلم أنه يَجب على كل المؤمنين أن يتعرفوا حقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً يجب وليس يندب، وليس يُباح، يَجب، نريد التعليل يا سيدنا، نحن قوم نأخذ بالأدلة والحجج، لماذا يجب التعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لثلاثة أدلة:

الدليل الأول: أن الله تعالى أمرنا بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، الله أمرنا بالإيمان برسول الله؟ قال: نعم، فالله عز وجل يقول في القرآن الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ( [النساء: 136]، قال: وكيف تؤمن بشيء لا تعرفه؟ أي إنسان يدخل في عقيدة يجب أن يؤمن بها يجب أن يتعرف عليها أولاً، قال: يجب الإيمان به فيجب التعرف عليه.

الدليل الثاني: أن الله عز وجل أمرنا بإتباعه، أمرنا باتباعه فقال: )قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ( [آل عمران: 31]، و(اتبعون) فعل أمر، وقال سبحانه وتعالى: )يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم( [الأنفال: 24]، و(استجيبوا) فعل أمر، وقال سبحانه وتعالى: )أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ( [النساء: 59]، فتجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال سبحانه وتعالى: )وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا( [الحشر: 7]، و(خذوه) فعل أمر، وكل الآيات فيها فعل أمر، والأمر في أصول الفقه للوجوب، فكيف تتبع رجلاً لا تعرفه؟ إذاً يجب التعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والدليل الثالث: أن الله عز وجل أوجب محبته، أوجب محبته، وتعرفون قصة سيدنا عمر: (إنك لأحب الناس إلي، إلا من نفسي التي بين جنبي) فرفض رسول الله ذلك، وقال: ((لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك))، قال: إنك الآن يا رسول الله أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، والآية في القرآن واضحة: )قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ -إذا كان آباؤك وأبناؤك وأزواجك وإخوتك وعشيرتك وكل من حولك وأموالك وتجارتك وبيوتك ومزارعك وسياراتك، إذا كانت هذه الأشياء يقول القرآن أحب إليك من الله ورسوله- وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّـهُ بِأَمرِهِ -أي انتظروا حتى يأتي الله بعذابه، هكذا فسرها سيدنا عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة- وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ( [التوبة: 24]، إذاً لا يجب أن تكون هذه الأشياء أحب إلينا من رسول الله، رسول الله أحب إلينا منها، والسؤال: كيف تُحب رجلاً لا تعرفه؟ بهذه الأدلة الثلاثة قال علماؤنا: يجب التعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعيدها حتى نحفظها:

أولاً: يجب الإيمان به، ولا نؤمن إلا بشخص نعرفه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ( [النساء: 136].

ثانياً: يجب الاقتداء به واتباعه: )وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا( [الحشر: 7]، ولا نتبع رجلاً حتى نعرف هديه وشريعته.

ثالثاً: يجب علينا أن نحبه، أن نحب رسول الله، وهذا حاصل ولله الحمد، ولا تحب إنساناً لا تعرفه.

كيف نتعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والآن الإنترنت مباح؟ وهو متوفر ومنتشر بكثرة عند الناس كلهم؟ أي كتاب من كتب الشمائل كل يوم تقرأ شيئاً عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ كتاب من كتب الشمائل: كتاب (المواهب اللدنية)، كتاب (محمد رسول الله)، كتاب (الحبيب المصطفى)، كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض، وما أكثر كتب الشمائل، كتاب (الشمائل) للإمام الترمذي، ما أكثر كتب الشمائل، كل يوم نقرأ شيئاً من هديه، ونتعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هل تعرفون ما المشكلة؟ المشكلة أن أمة اقرأ لا تقرأ، هذه هي المشكلة، كل شيء سهل علينا نحن المسلمين والعرب، نفعل كل شيء إلا أن تقول لنا اقرؤوا نصف ساعة، يا رجل افتح كتاب واقعد اقرأ، والله هكذا يا إخواننا، قال لي كثير من الناس قلت لهم: لماذا لا تقرؤون؟ قالوا: والله جربنا مرات عديدة، ما هي إلا أيام قليلة يبدأ يَضيق صدرنا، أمة لا تقرأ وأول كلمة نزلت في ديننا اقرأ.

أيها الإخوة الكرام: في هذه الذكرى أولاً نحتفل بحفلات في المساجد، البعض يقول: إنها بدعة، نحن نطالبه بتعريف البدعة؟ والبدعة عرفها الإمام الشاطبي بأنها ما لا يندرج تحت أصل من أصول الشريعة، والمولد هو بدايته بالقرآن الكريم، وهو مدح للذات الإلهية، ومدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوم واحد من أهل العلم فيعظنا بكلام فيه كلام الله وفيه حديث رسول الله وفيه شمائل هذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ثم يُختم هذا الحفل بالدعاء، فأي من هذه الأشياء لا تندرج تحت أصل من أصول الشريعة؟ هذا رأيهم وشأنهم، ولهم اعتقادهم ونحن نخالفهم في هذا الاعتقاد، فاحفظه حتى إذا نوقشت به تعرف الجواب، ما هو تعريف البدعة؟ البدعة ما لا يندرج تحت أصل من أصول الشريعة، وكل ما في حفل المولد يندرج بل هي أصلاً هذه هي أصول الشريعة.

الشيء الثاني: يجب أن تكون هذه الذكرى نقطة تحول، ونحن في حديثنا قَطعنا الكلام عن التغيير لنتكلم عن هذه الذكرى، فنستغل ذلك ونستثمره، ((إن لله في دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها))، هذه ذكرى ولادة رسول الله، إذا كنت ترتكب المخالفات الشرعية والمعاصي والآثام، قل: أنا إن شاء الله من هذه الذكرى أنا تائب لله عز وجل مستقيم على نهجه، فما أجمل أن تكون هذه الذكرى نقطة انطلاقة لك إلى الله، وأن تكون موعداً لتجديد العهد مع الله، وأن تكون توبة نصوحة عنوانها ولادةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجميعاً ننوِ هذه النية من الآن إن شاء الله.

الشيء الثالث: هو أن نفرح أولادنا، ليتذكروا، وأن نفرح زوجاتنا وأولادنا في المنزل ليتذكروا هذا الموعد، يا رجل كثير من أولادنا لا يعرفون أن ولادة الرسول في الثاني عشر من ربيع، كيف ترسخ هذا في ذهنهم، خذ لهم هدية، قل لهم: اليوم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، طيب هذه الأحداث يجوز الاحتفال فيها بالطاعة؟ قال: هي الهدية صدقة أم لا؟ هدية أم لا؟ ((تهادوا تحابوا))، الهدية فيها حث من رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، حث من رسول الله، تأخذ الأجر والثواب أم لا؟ تأخذ الأجر والثواب، طاعة أم ليست طاعة؟ طاعة، لما صام اليهود عاشوراء في المدينة المنورة سأل رسول الله لماذا يصومون يوم عاشوراء؟ قالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى من فرعون، قال: فنحن أحق منهم بصيامه، لأن الله نجا موسى من فرعون صامه رسول الله، إذاً الأحداث لها ذكريات عندنا نحتفل بها، احتفالنا يكون بالطاعات، والهدية طاعة، رسول الله صام عاشوراء ثم خالفهم، قال: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر))، لأنهم قالوا: محمد يخالفنا ويصوم صومنا ويتبع قبلتنا، فقال: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر))، فإذاً رسول الله احتفل بنجاة سيدنا موسى من فرعون، احتفل فيه بالصيام، طاعة، والهدية والصدقة طاعة، نحتفل بالأحداث، ليس هناك مانع شرعي، شريطة أن لا نتشبه بغير المؤمنين.

نعم -أيها الإخوة- نفرحهم ونحفظهم، ليس فقط نفرحهم، هي النصوص نحفظها التي ذكرناها ونُحفظهن إياها، يوم الأحد الثاني عشر من ربيع، وهذا كان موعد ولادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله عز وجل أن يدخل الفرح والسرور على قلوبكم وقلوب عائلاتكم وجميع المؤمنين في هذا البلد الطيب، وفي كل بلدان العالم العربي والإسلامي.

اللهم إنا نسألك أن تُصل على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، صلاة ترضيك وترضيه، وترضى بها عنا أجمعين، وتسلم تسليماً كثيراً.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

 

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 985
تحميل ملفات
فيديو مصور