الاثنين 20 شوال 1445 - 29 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-12-05 الساعة 11:48:44
موجبات الاستسقاء
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 25 من صفر 1437 هـ - 25 من تشرين الأول 2016 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة, وعمنا جميعاً بفضلك الكبير.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: أخرج ابن ماجة في سننه، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه -أي البخاري ومسلم-، أن رجلاً جاء إلى سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فسأله عن إسدال العمامة، فقال له: إني أُعلمك علماً رأيته وسمعته، كنت عاشرَ عشرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أبو بكر -عد هؤلاء العشرة- رسول الله، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخامس ابن مسعود، وتتمتهم: حذيفة، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، قال: كنت عاشر عشرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فتىً -أي حدث السن صغير ليس كبيراً- قال: فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس، فقال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((أحسنهم خلقاً))، ثم قال الفتى: يا رسول الله، أي المؤمنين أكيس؟ الكياسة هي الفطانة والذكاء، أي المؤمنين أكيس؟ من الذكي بين المؤمنين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم له استعداداً قبل أن ينزل، أولئك هم الأكياس، يقول رسول الله بهذا التذييل الجميل: ((أولئك هم الأكياس)) أولئك هم الأذكياء، أكثرهم للموت استعداداً قبل أن ينزل بهم، يقول سيدنا عبد الله بن عمر راوي الحديث، يقول: ثم جلس النبي صلى الله عليه وسلم برهة من الزمن، ثم التفت إلى مَن حوله، إلى هؤلاء التسعة وهو عاشرهم، ثم قال لهم: ((يا معشر المهاجرين)) لأن جميع من هو مذكور من المهاجرين، من هو جالس في المجلس، ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن ونزل فيكم -والعياذ بالله أي عذاب الله- وأعوذ بالله أن تدركوهن)) خمس، ما يَهمنا في هذا المقام منها ثلاثة من أجل الاختصار، فقال عليه الصلاة والسلام: ((خمس إذا ابتليتم بهن -ونزل فيكم- وأعوذ بالله أن تدركوهن)) ما هي الخمسة؟

الأولى: ((لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعملوا بها)) ليس ظهرت مجرد كلام، بل عملوا بها ((إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن ماضية في أسلافهم))، الطاعون مرض معدي، ولا يشترط أن يكون مرض الطاعون نفسه، أي مرض معدي معضل معدي يُحدث مشكلة في المجتمع، وباء ينتشر، يُقال عنه طاعون، ((إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم)) أمراض جديدة ما أحد يعرفها.

الثانية: قال عليه الصلاة والسلام: ((ولم يمنعوا الزكاة إلا مُنعوا القطر))، أي منعوا المطر من السماء ((ولولا البهائم لم يمطروا)).

الثالثة: ((ولم يُنقصوا الكيل والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة))، السنين القحط والجدب، وشدة المؤونة ما عندهم مؤونة ما عندهم طعام وشراب.

هذه الثلاثة من الخمسة، يَستعيذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله أن يدركها المهاجرون، ونحن اليوم -أيها الإخوة- كما ترون نحن على مشارف الشهر الثاني عشر في عام 2016م، وحتى الآن لم تر دمشق قطرة ماء واحدة، وما أشد حاجتنا إلى غيث السماء ومطر السماء، ولكن هُناك أسباب لمنع القطر كما رأينا، ظُهور المعاصي والآثام فيما بيننا، التلاعب بالكيل والميزان، ومثلها المواصفات لمن يستورد بضاعة، فيضع فيها مواصفات هذه المواصفات تضر بالناس، ولا تحقق المطلوب، وتجعل عُمُر السلعة قصيراً عوض أن يكون طويلاً، هذا من الغش، وكذلكم كثير مِن هذه العقود الفَاسدة التي تَجري فيما بين الناس، يَدخلها شروط تَقتضي فساد العقد، أو شروط غير متلائمة مع العقد، يَظلم بعضنا بعضاً، ويأكل بعضنا حقوق بعض، وقطعنا أرحامنا، فترى كثيراً من الناس لا يكلم الواحد منهم أخاه، ودَخلت الدنيا ففرَّقت بين الزوج وزوجته، والابن وأبيه، والأخ وأخيه، كل ذلكم مِن هذه الأسباب الموجبة لمنع القطر من السماء، وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات التي ينبغي أن تكون مِنحة لنا، وسبيل تواصل صحيح بين المؤمنين، يتناصحون فيما بينهم، ويتعلمون شؤون دينهم من خلالها، يوسعون ثقافتهم ويزيدون علمهم، ويرتقون بأمتهم لتكون أمة قوية في مصافِّ الدول المتقدمة، كل ذلك أعرض عنه هذا الجيل، واكتفى مِن وسائل التواصل الاجتماعي بما يُسكن شهوته أو بما يُهيجها، بما يُخرجه عن الصراط المستقيم، ويُخرجه من مكارم الأخلاق، وقد سبق سؤال هذا الفتى الكيِّس، عنده كياسة وفطنة، يَسأل رسول الله على حداثة سنه، أي المؤمنين أفضل؟ لم يذكر رسول الله أي وصف عقائدي، ولم يذكر أي وصف عبادي، مع أهميته وركنيته، أكيد شيء مهم جداً العقيدة والعبادة، ولكن رسول الله ذكر أمراً كثر عدمه بين الناس اليوم، قال: ((أحسنهم خلقاً)) هذا أفضل المؤمنين، وهذه الوسائل تؤدي إلى انعدام الأخلاق، ومَن ظن أنها إنما فتحت على مصراعيها في الدول العربية والإسلامية، ونُشرت بهذا الانتشار الفائق، إنما كان انتشارها من أجل العولمة، ويظن أن العولمة هو شيء إيجابي، فهو مخطئ، لأن العولمة تعني أن يأكل القوي الضعيف، وأن ينماس الضعيف أمام القوي، الأمة الضعيفة تذوب، هذه هي العولمة التي يريدها الغرب، وجعلوا أداتها وسائل التواصل الاجتماعي التي لم نُحسن استخدامها، وكثير يظن: هل هذا سبب رئيسي أو سبب رئيس في منع القطر؟ وبيوتنا ملأى -إن شعرنا أو لم نشعر- بالآثام والمعاصي والمخالفات الشرعية من جراء ذلك، يُريد لهذه الأمة ولهذا المجتمع ولسوريا ولبلاد الشام أن تنهض وأن تتغير، لا تنهض ولا تتغير ما دُمنا لا نُحسن إدارة وقتنا واستخدامه فيما ينفع الأمة في حُسن صلتنا بالله وحسن تعاملنا مع بعضنا البعض.

أيها الإخوة الكرام: مَنع الزكاة سبب مِن أسباب انعدام القطر وعدم نزول الغيث من السماء، ونحن في بلاد الشام -ولله الحمد والمنة- فِينا تجار أفاضل، وفينا تجار يقومون بحقهم بل فوق حقهم، ولله الحمد والمنة، ولكنه تذكير، )وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ([الذاريات: 55]، أروي لكم حديثاً هو بالنسبة لنا موعظة وذكرى، هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله عليه وسلم: -صلوا على رسول الله-، يقول: بينا رجل -يعني بينما رجل- بفلات من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة تقول: (اسق حديقة فلان) الحديقة في اللغة العربية البستان، ممكن تكون خمسين دنم ومائة دنم، مو شرط تكون حديقة صغيرة لمنزل اسق حديقة فلان يقول هذا يقول رسول الله فتنحى ذلك السحاب غير مجراه وذهب باتجاه حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة، -الحرة هي المكان المرتفع، حجاره سوداء- قال: فإذا شَرجة من تلك الشراج -فتحة مسيل ماء من تلك الشراج- قد استوعبت ذلك الماء كله، الحديث في صحيح مسلم، نزل الماء كله فتجمع في تلك الأكمة، ثم نزل الماء لحديقة فلان فقط، فتتبع هذا الرجل ذلك الماء، قال: فإذا رجل قائم في حديقته يُحول الماء بمسحاته، نزل الماء على أرضه فهو يوجهه على هذه المسكبة وهذه المسكبة وهذه المسكبة، بمسحاته أي بمجرفته، قال: فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، فقال: يا عبد الله، ولم تسألني عن اسمي؟ قال: قلت له: والله إني لأسير بفلات فسمعت صوتاً في سحابة، يقول الصوت: اسق حديقة فلان، فتبعت السحابة والماء حتى وصلت إليك، قال: أما إذ قلت هذا -لأنك أنت سمعت ورأيت، قال: هذا الشيء أنا لا أنشره، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل تصدق بصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) هو لا يُذيع ذلك، مع أن الصدقة بنية تَشجيع الناس والجهر بها جائز شرعاً، لكن هذا الرجل كَتم سِرَّه، لَكن بما أن هذا الرَّجل سَمع ورأى وتتبع قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها -من الأرض- ما تُخرج من الثمار والزروع، قال: فأتصدق بثلثه، وليس اثنين ونصف بالمائة، ولا العشر فيما يخرج من الأرض إذا سقيت بماء السماء، ولا نصف العشر إذا سقيت عبر  الموتورات والمضخات، الثلث، 33% تقريباً، فإني أتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي الثلث، وأرد فيها ثلثه، أَرُدُّ الحبوب لأزرع في السنة القادمة، (اسق حديقة فلان) كان السبب كثرة عطائه.

أيها الإخوة الكرام: قال عُلماؤنا أخذاً من كتاب الله وسنة رسول الله، قالوا: مِن أسباب نزول الغيث الاعتصام بالله، أي بشرع الله، والتقوى، والإقلاع عن المعاصي والآثام، ورد في صحيح الترغيب والترهيب للمنذري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياك والمعصية، فإن المعصية حلَّ بها سخط الله))، ((إياك والمعصية، فإن المعصية حل بها أي بسببها -الباء للسببية- سخط الله))، ويقول مجاهد التابعي الجليل المعروف: (إن البهائم تَلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر)، والعياذ بالله، لا سمح الله أن يكون ذلك حالنا، (إن البهائم تلعن عصاة ابن آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر)، وتقول البهائم: (هذا بشؤم معصية ابن آدم)، هذا كلام مجاهد التابعي الجليل، وعكرمة أيضاً التابعي الجليل يقول: (دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنعنا القطر بذنوب ابن آدم)، (منعنا القطر بذنوب ابن آدم).

الاعتصام بالله، والتقوى، والإقلاع عن المعاصي، والتوبة والإنابة إلى الله عز وجل، أين نجد ذلك؟

نجده في قول الله سبحانه وتعالى: )وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا( [الجن: 16]، لو استقاموا على الطريقة التي ارتضيناها لهم في شرعنا في الإسلام الحنيف، لو استقاموا، الاستقامة عين الكرامة.

نجد ذلك في قول الله عز وجل: )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة( [فصلت: 30]، ليس فقط يوم القيامة، أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ومن كان الله وليه لم يحبس عنه القطر أبداً، لا يعذبه بمنع القطر من السماء وجدب الأرض وإذهاب الرزق، )وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا( [الجن: 16].

وقال سبحانه وتعالى: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ( [الأعراف: 96], إيمان وتقوى، فتحنا عليهم بركات فقط من الأرض؟ قال: لا من السماء والأرض.

التوبة والاستغفار، يقول رب العزة والجلال: )فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا( [نوح: 10-12]، الاستغفار الحقيقي أن قول بلساننا: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وقد عزمنا على التوبة، وقد عزمنا على طلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى، وليس كلاماً باللسان دون أن يُقارنه تصميم الجنان القلب على الإقلاع عن المعصية، فنحن أمام أمر عظيم، ربما لا نَكترث له الآن، تفتح صنبور الماء في بيتك فينزل الماء، فتتوضأ وتغتسل وتطبخ وتنظف بيتك وتقمه وأنت مرتاح، ولكن إذا استمر ذلك ستفتح صنبور الماء ولن تجد فيه ماء، ربما أنت في بنائك يُوجد بئر ماء لتعبئة الخزانات، غيرك لا يوجد عنده بئر ماء، ولا تَصل إليه الماء أو لا يصل الماء إلى بيته إلا ساعتين في اليوم، وفي بعض المناطق ساعة، وفي بعض المناطق كل يومين يأتي الماء حوالي ساعتين كل يومين، والكهرباء قد تستغني عنها، ولكن الماء لا يمكنك أن تستغني عنه، إنه أمر جلل.

هذي دمشق التي تتغذى على نبع عين الفيجة، إذا لم ينزل القطر على بلاد الشام فمن أين سيَتغذى هذا النبع؟.

التوبة ربما أمر يَشِقُّ على كثير من الشباب والفتيات، يَشِقُّ عليهم لأنه يعني انتهاء المعاصي وهو يتلذذ بالمعصية، أقول: يتلذذ لا أقول يسعد، هناك فرق بين اللذة وبين السعادة، اللذة شيء أمرٌ آني أمر محدود، ولكن السعادة شيء دائم، السعادة في طاعة الله، اللذة قد تكون بطاعة الله وقد تكون بمعصية الله، فربما يثقل على النفوس أمر التوبة وهو الإقلاع عن الذنب، يثقل عليه، ولكن والله -أيها الأخ المؤمن- إن الله عز وجل يُبدلك مِن تلك اللذة التي كُنت تجدها بالمعصية، تَضر بها جسدك، وتضر بها من حولك، ويكون بسببها حبس القطر من السماء، يُبدلك الله عنها سبحانه وتعالى بسعادة روحية وإيمانية لا تَكاد تجدها أو يجدها أحد في هذه الدنيا، جَرِّب فقط جرب، حاول أن تتغير، ضع قدمك في الطريق الصحيح، الخطوة الأولى هي البداية هي الأهم، لكن كثيراً مِن الناس يرهبون ذلك، الإقدام على التوبة، أقلع عن كل المعاصي والآثام فجأة؟!.

سبحان الله، سأروي لك هذا الحديث عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، رُبما بعد هذا الحديث أخجل ألا أتوب إلى الله، ربما بعد هذا الحديث نخجل أن نَعصي الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لله أفرح بتوبة عبده)) الله يفرح بتوبتي، مَن أنا؟ الأب عندما ابنه يصير رجلاً نافعاً في المجتمع بين الناس يفرح، يرفع رأسه، إذا كان تقياً صالحاً يباهي فيه الناس، أو على الأقل يكون سروره في قلبه، يُسر جداً عندما يرى أبناءه قد كبروا وصاروا صالحين، ولهم مكانة في المجتمع، هذا فرح نوع من أنواع الفرح، الله يَفرح بتوبة عبده؟ مَن أنت حتى يفرح الله بك، أنت الذي خلق الله من أجلك كل شيء، أنا؟ وبعدها لا نستحي من الله، أنا؟ نعم، أنا ربي خلق من أجلي كل شيء؟ نعم، قال رب العزة والجلال في كتابه العزيز )أَأَنْتُمْ -أيها البشر- أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ( [النازعات: 27]، ما الجواب؟ نحن خلقنا أصعب أم خلق مليارات المجرات؟ على الله لا يوجد صعب وسهل، لكن مِن حيث التفكير البشري، الجواب في قوله تعالى: )لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( [غافر: 57]، من أنت؟ ما وزنك، ستين سبعين كيلو؟ أمام مليارات المجرات، كل مجرة فيها مليارات الكواكب، كل هذا الكون من أجلي؟ )أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ( الجواب: يا رب السماء، قال: )....بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُم( [النازعات: 27-33]، ما هو إعراب (متاعاً) قال: مفعول لأجله، لأجلك فعل كل ذلك، )مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُم(، عرفت لماذا يفرح الله بتوبتنا؟ ((لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم أو من رجل كان في فلات على ناقة له، عليها متاعه وعليها طعامه وشرابه، فنام واستظل تحت ظل شجرة، فاستيقظ فلم يجد هذه الناقة)) هذا المركب لم يَجده وهو في الصحراء، وأيقن أنه هالك، عنده 600 كيلو متر يقطعهن من غير ماء ومن غير طعام، ولا يوجد حوله لا بيت من البيوت ولا قرية من القرى، أيقن الهلاك، فقال: ((أنتظر موتي ونام تحت هذه الشجرة))، يَنتظر الموت، انتهى الموضوع، قال: ((ثم استيقظ فوجد راحلته -وجد الناقة- وعليها متاعه وطعامه)) قال مِن شدة فرحته قال: ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك))، يقول عليه الصلاة والسلام: ((أخطأ مِن شدة الفرح))، مِن شدة فرحه أنه رجعت له الحياة قال: ((اللهم أنت عبدي)) بدل: ربي، قال: ((أنت عبدي وأنا ربك))، يتبسم رسول الله قال: ((أخطأ مِن شدة الفرح))، كم هذا يَفرح أنه عادت الحياة إليه بعد الموت، يقول رسول الله: الله يفرح بتوبتنا أكثر من فرح هذا الرجل، كل الكون مخلوق لأجلك، والله يَفرح بتوبتك، وبعدها تخاف من الإقدام على مشروع التوبة؟.

لعل هذا اليوم يكون نقطة فارقة في حياتك، يكون مساراً جديداً تسيره، وقد علمت أن الله خَلق الكون من أجلك، وأنه يَفرح بتوبتك، عسى الله عز وجل أن يغيثنا بغيث السماء.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم, استغفروه يغفر لكم, فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1159
تحميل ملفات
فيديو مصور