الأحد 19 شوال 1445 - 28 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-11-21 الساعة 13:45:02
علــــــوّ الهمــــــة
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 11 من صفر 1437 هـ - 11 من تشرين الأول 2016 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة, وعمنا جميعاً بفضلك الكبير.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: ما زلنا وإياكم نَتحدث عن واقع هذه الأمة العربية والإسلامية، نتحدث عن هذا الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة، مِن الفُرقة والتجزئة، من العنف والقتل، من الدمار والخراب، الذي خُطط وبيت له بليل من قبل أعداء هذه الأمة، الصهيونية العالمية ومن وراءها من قوى الاستكبار العالمي، ذلكم لأننا أُخذنا على حين غِرَّة، فكانوا هم يخططون ويعملون ليل نهار، وكنَّا نحن في سُبات عميق، لأن هذه الأمة حِينما تَبتعد عن الأخلاق، وتبتعد عن القيم، المبثوثة في كتاب الله سبحانه وتعالى وهدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فإنه سيُصيبها الذي أصابها وربما أكثر، ولكن إن تَمسكت هذه الأمة بالمنظومة الأخلاقية، إن تَمسكت بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، إن تَراحمت فيما بينها، عملاً بأنها الأمة الوسطية، الأمة المحمدية التي بُعث نبيها تحت شعار: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(، حِينها يُمكن لهذه الأمة أن تنهض من هذا السُّبات العميق.

وتكلمنا مع حضراتكم في الأسبوع المنصرم عن التَّغيير الذي ينبغي أن يكون على مستوى الفرد والجماعة في المجتمع، وأن هذا التَّغيير شيء لا يُطالب به الآخرون، وإنما يُطالب به الإنسان نفسه قبل أن يطالب الآخرين، فينظر في جنبات نفسه، هل هو إنسان صالح؟ صالح في علاقته مع الله؟ صالح في علاقته مع عبيد الله؟ في التعامل مع إخوانه في الإنسانية وفي الوطن وفي الأسرة والعائلة الواحدة؟ هل هو إنسان صالح لكي يكون خليفة على هذه البسيطة ليقتدي به الناس ويتأسوا به؟ فإذا كان الجواب لا فيجب أن يغير نفسه، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: )إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم( [الرعد:11[.

وأولى مراحل هذا التغيير هو أن تكون صاحب هدف وقضية، فالإنسان الذي يعيش بلا هدف في هذه الحياة وبلا قضية كما خطط أعداؤنا أن يكون الإنسان العربي والإنسان المسلم منشغلاً بقوت يومه، مُنشغلاً بوسائل التواصل الاجتماعي التي لا تُغنيه في علمه ولا تُفيده في قضيته، منغمساً خلف الفضائيات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، ولا تُمده بعنصر العلم في حياته، والفضائل والأخلاق في مسيرته، كما خطط أعداؤنا إذا لم تكن صاحب هدف وقضية فمعنى ذلك أنك ما زلت بعيداً عن التغيير، يجب أن يكون الإنسان العربي المؤمن صاحب قضية، وإذا كان صاحب قضية فليس هناك على وجه البسيطة رجل أقوى منه، لأنه عندما استيقظت هذه الأمة وقد أخذ بيدها الإسلام، فصاغها صياغة جديدة بلغت آفاق المشرق والمغرب في غضون سنين قصيرة، عندما يَدرس تلك الوقائع المؤرخون لا يُصدقون ما حصل، وكأن هذا الأمر أمر عجيب، لا يمكن أن يكون في ماديات الدِّراسات السياسية والعسكرية، بل وفي كل المعطيات التاريخية، كيف بلغوا ذلك؟ عندما كانوا صاحب هدف سَامٍ في حياتهم وقضية كبرى يسعون إلى تحصيلها في الحياة.

ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبدَ الدَّهر بين الحفر

ولكن هذا يحتاج إلى قوة إرادة وعزيمة، وإلى جُهد مضاعف، وخصوصاً في هذه الأزمة، لكي نَستطيع التغيير الحقيقي، همة وجهد مضاعف.

وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجساد

يتعب الجسد لأنك صاحب قضية.

وتكلمنا عن إدارة الوقت، وكيف أن الوقت عنصر هام جداً، وكثير من أفراد المجتمع لا أقول يضيعه وإنما أقول يقتله قتلاً، وكأنه لا قيمة له، وهناك عالم جليل من علماء المسلمين ألف كتاباً سماه: "قيمة الزمن عند العلماء"، وأنا أرجو من حضراتكم وهو موجود على الشابكة، أن تقرؤوا هذا الكتاب، وكيف أن الإنسان المؤمن يَضع دائماً نُصب عينيه قوله تعالى: )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقنَاكُمْ عَبَثَاً وَأَنَّكُم إِلَينَا لا تُرجَعُون(؟ أنت لست صاحب قضية، أنت مخلوق عبثاً، تعيش لتأكل وتشرب وتتزوج وتلعب، وتنسى أنك صاحب قضية؟ وكيف أنَّ الإنسان هو أيام، كما قال الحسن البصري: (يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، وإذا ذهب البعض أوشك أن يذهب الكل، فاعمل في حياتك).

نقلت لحضراتكم تلكم الأحاديث عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: ((لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به))، ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) ، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))، هذه كلها أحاديث شريفة صحيحة عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: ((إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة -غرسة- فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل))، وكذلك عندما نسمع أن الله سبحانه وتعالى يقسم في القرآن الكريم بالعصر، بوقت العصر، والفجر، بوقت الفجر، والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، عندما يقسم بالوقت، والله لا يقسم إلا بعظيم، تعلم قيمة الوقت في حياتك أيها الإنسان المؤمن.

ولذلك نقلت لحضراتكم قصة علمين من أعلام الأمة في الخطبة الماضية، الإمام أبو حاتم الرازي صاحب الجرح والتعديل، كيف كان يدير الوقت إدارة عجيبة، وكيف استطاع أن يؤلف هذه المؤلفات الكبيرة، والعالم الثاني الجليل ابن جرير الطبري، صاحب التفسير الكبير، وصاحب التاريخ، كيف كان هؤلاء يحرصون على أوقاتهم في العلم.

ومِن آخر العبارة التي يقولون عندها في عاميتنا "نقطة انتهى"، هذه الأمة أول كلمة نزلت في دينها )اقرأ( وذكرت )اقرأ( مرتين، و)علم( مرتين، وذكر فيها القلم، لَن تنهض نهضة ثانية إلا بالعلم، ولِذلك دَعوني أختصر -أيها السادة- وأنقل لحضراتكم شيئاً مِن قصص هؤلاء السلف الصالح، مِن عجائب إدارتهم للوقت واغتنامِهم له، حتى أصبحوا سادة وصارت هذه الأمة قوية، لماذا القصص وأقوالهم؟ عندما نستقرئ ونتتبع القرآن الكريم نجد أن معظمه قصص، يا رب لم كان معظم هذا الكتاب الدستوري الخالد قصصاً؟ قال سبحانه وتعالى: )لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عَبرَةً لِأُوِلي الأَلبَاب مَا كَانَ حَدِيثَاً يُفتَرَى(، ليس عبثاً، )لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَة( لَكن انظر إلى التتمَّة )لِأُوِلي الأَلبَاب(، فمن أثَّرت فيه قصص القرآن وقصص الحديث الشريف وقِصص السلف الصالح، فغيرت في نمط حياته وغيرت في سلوكه، وأصبح إنساناً آخر صاحب قضية، فمعنى ذلك أنَّه مِن أولي الألباب، العقول الراجحة، وما عدا ذلك فيجب أن يَبحث عن شخصيته لأنها ضاعت، ابحث عنها جيداً إذا لم تتأثر، لأن شخصيتك ضاعت، ربما تجدها في أمم أخرى وفي أوقات أخرى.

العلامة ابن عقيل، أبو الوفا ابن عقيل رحمه الله، هذا الرجل من كبار العلماء الفقهاء الأصوليين اللغويين المفسرين المحدثين، المشاركين في العلوم الكونية الأخرى، هذا الرجل كان فلتة في زمانه، فكيف وصل إلى هذه الدرجة؟ يحدثنا هو فنسمع من كلام ابن عقيل رحمه الله نسمع هذه الكلمات، قال: (لا يحلُّ -يرى الموضوع حراماً بالنسبة له- لا يَحل أن أُضيع ساعة من عمري، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين)، بلغ فوق الثمانين، يحرص على كل دقيقة وكل ساعة من وقته، لا يضيع، (لا يحل لي أن أضيع شيئاً من وقتي) ويقول رحمه الله: (إن أجلَّ تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء هو الوقت) إذا استطعت أن تحصل الوقت أنت أعظم إنسان، ليس أن تضيع وقت، أن تحصل الوقت، أن تستثمر الوقت، أنت أعظم إنسان، قال: (بإجماع العلماء هو الوقت، فهو غنيمة تُنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات قليلة)، يتكلم أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله عن ابن عقيل فيقول: (كان ابن عقيل دائم الاشتغال بالعلم) ليس دائم الاشتغال بالعمل، والعمل شيء هام لقوت أولادنا وأهلنا لا شك، لكن لا يكفي هذا فقط، يجب أن يكون هناك عنصر رئيس في حياتنا هو العلم، دائم الاشتغال بالعلم وليس بالشابكة، "النت"، بكل وسائطها: الفيس بوك، والوتس أب، والفايبر، وما شابه ذلك مما لا ينفع، لأنها سلاح يُستعمل في الخير والشر، لكن معظم استعمال الناس لها في شر، (كان ابن عقيل رحمه الله دائم الاشتغال بالعلم، وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغوامض والدقائق) يحب دائماً التدقيق في العلم، لا يقرأ قراءة سطحية، لا يريد أن يفهم فهماً عادياً، يُحب أن يتعمق، قال: (وجعل كتابه الفنون -ابن عقيل له كتاب اسمه "الفنون"- جعله مناطاً لخواطره -أي موقعاً- يعلق به كل صغيرة وكبيرة مما يخطر له من العلم)، الحافظ الذهبي، وكلكم يسمع بالإمام الحافظ الذهبي الدمشقي، المدفون ها هنا، يقول عن كتاب "الفنون" الذي ألفه ابن عقيل يقول: (لم يُصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب)، قال ابن رجب الحنبلي: قال بعضهم هو ثمانمائة مجلد، 800 مجلد، لذلك قال الحافظ الذهبي: (لم يؤلف أكبر منه في الدنيا)، ويقول الحافظ ابن رجب الحنبلي مُعلقاً على ذلك: (إن حفظ الوقت ليثمر ثمرات لا تكاد تصدق)، وإنها لصدق، يثمر ثمانمائة مجلد، يُثمر أكبر كتاب في الدنيا يُؤلفه فرد واحد، إلى جانب تآليفه الأخرى، ابن عقيل ألف في كل الفنون، وهذا كتاب واحد فقط، لأنه قال: (لا يحل لي أن أضيع شيئاً من وقتي)، يقول ابن النحاس رحمه الله: (إن ضم القليل إلى القليل مع الدوام عليه يَتكون منه الكثير الهائل، وإنما السيل اجتماع النقط) السيل كيف ينزل السيل -إخواننا- من الجبال؟ سيل عارم يأخذ كل شيء في طريقه، يتكون مِن قطرات المطر، (وإنما السيل اجتماع النُّقط، فقليل دائم خير مِن كثير منقطع، فكيف إذا كان كثيراً دائماً).

القصة الثانية عن العلامة أبي الفرج ابن الجوزي الصوفي، هذا الرجل الذي كان فلتة من فلتات زمانه في العلم، في كل أنواع العلوم، كان يقول رحمه الله: (أعوذ بالله مِن صحبة البطَّالين) إخواننا نستثمر مِن كلامهم أشياء نحفظها قَبل أن نخرج من المسجد: (وإنما السيل اجتماع النقط، إذا ضُمَّ القليل إلى القليل -كما قال ابن النحاس- مع الدَّوام عليه يَتكون منه الكثير الهائل) خُذه منهجاً لك في حياتك، المنهج الثاني الآن نَحفظه قبل أن نخرج من المسجد، كلام أبي الفرج ابن الجوزي قال: (أعوذ بالله مِن صُحبة البطَّالين)، مَن هم البطالون؟ قال: (لقد رَأيت خلقاً يُكثرون الزيارة ويُطيلون الجُلوس، ويَجرون أحاديث الناس، وما لا يعنيهم، ويتخلل كلامهم غيبة) قال هؤلاء بطالون ليس عندهم عمل؟ هل بهذا ستنهض الأمة؟ (أعوذ بالله من صحبة البطالين، لقد رأيت خلقاً يُكثرون الزيارة ويُطولون الجلوس، ويجرون أحاديث الناس وما لا يعنيهم، ويتخللها غيبة) أنت ماذا كنت تصنع يا أبا الفرج ابن الجوزي عندما يزورك إنسان؟ يقول عن نفسه: (أقمت أعمالاً لأوقات لِقاء الزُّوار) جعل لنفسه أعمالاً في زيارة الزوار له حتى لا يَضيع الأوقات، ماذا تفعل؟ قال: (أقمت أعمالاً لأوقات لقاء الزوار لئلا يمضي الزمان، فَجَعلت لِلِقَائِهم قَصَّ الورق وبَري الأقلام وحَزم الدَّفاتر) أثناء جلوسه مع زواره يقص الورق ويبري الأقلام ويخيط الدفاتر، هذا ما أعده للقاء الناس والزوار، ويقول رحمه الله ابن الجوزي: (شرف العمر) هِي الفائدة الثالثة، أنت لست من البطالين، أنت عنصر هام في المجتمع، لم تُخلق لأحاديث الناس، ولم تخلق للقيل والقال والغيبة والنميمة، أنت عربي مسلم صاحب قضية، وترى ما حل بالأمة، وتجب أن نتغير جميعاً نحو الأفضل، لننقذ هذه الأمة، ولن تنقذ إلا إذا انطلق كل واحد منا من نفسه، لست من  البطالين، الفائدة الثالثة يقول ابن الجوزي رحمه الله: (شرف العمر لا يعرفه إلا الموفقون) لا يعرفه إلا الموفقون، شرف العمر قيمة الوقت، معنى ذلك أننا ننظر، فإذا وجدنا عندنا أوقات كثيرة ضائعة لَسنا من المتفوقين، لا يَكون التوفيق قد حالفنا، ورحم الله مشايخنا كانوا يقولون: (يا أولادي يا أبنائي، لأن التوفيق من الله سبحانه وتعالى نادر لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة: )وَمَا تَوفِيقِي إِلا بِالله()، أما التوفيق بمعنى الصلح بين الخصوم فَذُكر: )إِنْ أَرَدنَا إِلا إِحسَانَاً وَتَوفِيقَاً(، يعني توفيقاً بين الناس وإصلاحاً بين الناس، أما التوفيق بمعنى العناية الإلهية لم يُذكر إلا مرة واحدة: )وَمَا تَوفِيقِي إِلا بِالله(، يقول: (شرف العمر لا يَعرفه إلا الموفقون، ولم يُطلع الله سبحانه وتعالى على شرف العمر ومعرفة قَدر الأوقات إلا مَن وفقه لاغتنام ذلك، ثم قرأ قوله تعالى: )وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيم()، إنسان قُسم له نصيب من توفيق الله سبحانه وتعالى يَعرف قيمة الأوقات وكيف ينفق هذه الأوقات.

أختم هذه الخُطبة بهذه القصة، هذه القصة ربما لأننا ابتعدنا كثيراً عَن حِفظ أوقاتنا وإدارة أوقاتنا، ولأننا ابتعدنا كثيراً عن كلام ربنا وسنة نبينا في حرصنا على الأوقات، وألا نَكون أصحاب أهداف وقضية في الحياة، ربما الآن نظن أن هذه القصة ضرب من الخيال، الإمام أبو يوسف، وكلكم يَسمع بالإمام أبي يوسف، يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، هو من أهل المدينة المنورة، وكان التلميذ الأول للإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، الإمام أبي يوسف قاضي القضاة، شيء كبير، صاحب المؤلفات الكبيرة، وهو الذي نقل المذهب الحنفي حتى وصلنا إلى القرن الخامس عشر، يَقول تِلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي المصري، يقول: (مرض أبو يوسف فأتيته أعوده، فوجدته مُغماً عليه، فما هي إلا ساعة حتى أفاق، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم) انظر إلى أهل الله، هو على فراش الموت، لكن ربنا عز وجل لما استثمروا أوقاتهم في العلم حَفظ عليهم ذاكرتهم، أدركنا مشايخنا مِن القُراء ومن الفقهاء ومن الأصوليين مَاتوا وهم يحفظون كل الكتب التي وَعوها ودرسوها في حياتهم، لأن لِسانهم ما كان يَشتغل إلا بالعلم وذكر الله سبحانه تعالى، يتذكر اسمه وهو على فراس الموت، قال: (يا إبراهيم، ما تقول في مسألة ...) وأراد أن يُكمل، فقاطعه إبراهيم، قال: (فقاطعته قلت: يا أبا يوسف في مثل هذه الحالة؟ قال: لا بأس بذلك، لَعله ينجو به ناجٍ من الأمة) الله أكبر، يَحرص على الأمة، أرأيت الهدف الذي يفكر به، أنا إذا اجتهدت في هذه المسالة رُبما ينجو بها ناجٍ من الأمة، قال: (فذكر مسألة ثم قال: يا إبراهيم، أيها أفضل في رمي الجمار في الحج، أن يرميها ماشياً أو راكباً؟) [بتعرفوا من ضمن مناسك الحج رمي الجمرات ويلي حج منكم إن شاء الله ربي يكرموا بالنافلة ويلي ما حج ربي يطعمنا الحج بمعيتكم إن شاء الله والعمرة ونسأل الله أن لا يقطعنا بجاه اسم الله الأعظم قولوا آمين ربي لا تقطعنا عن بابك يا الله] قال: (يا إبراهيم، أيها أفضل في رمي الجمار في الحج، أن يرميها ماشياً أو رَاكباً، قلت: ماشياً، قال: لا أخطأت، قلت: إذاً راكباً، ماشياً، قال: لا أخطأت، قلت: قل فيها رضي الله عنك، قال: يا إبراهيم، أما ما كان يُوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه ماشياً -حتى يقف ويدعو- وأما ما لا يُوقف عنده فلا بأس بأن يرميه راكباً)، يقول إبراهيم بن الجراح –وتلميذه هذا ليس إنسان عادياً مِن كبار القضاة إبراهيم بن الجراح، يقول: (ثم قُمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سَمعت الصُّراخ عليه، فإذا هو قد مات رحمه الله) رحمه الله.

الوزير الصالح يحيى بن غبيرة يقول رحمه الله:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع

هو أثمن شيء، وأنت أسهل شيء عليك إضاعة الوقت.

رضي الله عن سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول: (القوة في أعمالكم ألا تأخروا عمل اليوم إلى الغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال، فلم تدروا بأيها تأخذون فأضعتم) تكونوا الأمة ضائعة.

وسيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل يقول: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غَربت شمسه نَقُص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي).

)لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عَبرَةٌ لِأُوِلي الأَلبَابِ مَا كَانَ حَدِيثَاً يُفتَرَى( ، )إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلبٌ أو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيد(.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 799
تحميل ملفات
فيديو مصور