الاثنين 20 شوال 1445 - 29 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-11-21 الساعة 13:41:18
قوة الإرادة وإدارة الوقت
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 4 من صفر 1437 هـ - 4 من تشرين الأول 2016 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلَهِي لا تُعَذِّبنِي فَإِنِّي
وَمَا لي حِيلَةٌ إِلا رَجَائِي
وَكَمْ مِن زَلَّةِ لِذِي الخَطَايَا
إِذَا فَكَّرتُ في نَدَمِي عَلَيهَا
أَهِيمُ بِزَهرَةِ الدُّنيَا فُتُوناً
وَلَو أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهدَ فِيهَا
يَظُنُّ النَّاسُ بِي خَيرَاً وَإِنِّي

 

مُقِرٌّ بِالذِي قَدْ كَانَ مِنِّي
لِعَفوِكَ إِنْ عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنِّي
وَأَنْتَ عَلَيَّ ذُو فَضلٍ وَمَنِّ
عَضَضْتُ أَنَامِلِي وَقَعَرْتُ سِنِّي
وَأَقْطَعُ طُولَ عُمرِي بِالتَّمَنِّي
قَلَبْتُ بِأَهلِهَا ظَهرَ الْمِجَنِّ
لَشَرُّ الخَلقِ إِنْ لم تَعْفُ عَنِّي

اللهم اعف عنا يا عفو، واغفر لنا يا غفار، وقنا عذاب النار.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربي من حَصَر وعيٍّ

 

ومن نفس أعالجها علاجاً

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: فما زلنا وإياكم في الحديث عن واقع هذه الأمة العربية والإسلامية، ما زلنا في الحديث عن هذا الواقع الأليم الذي تعيشه، وقلت لحضراتكم في خطب سابقة: إن الحل يكمن في تغيير شامل على مستوى الفرد والجماعة، لتعود هذه الأمة إلى مجدها، إلى وحدتها، إلى الحب والتآلف بين أفرادها، فقد أخذ منا العدو مأخذه، والصهيونية العالمية ومن وراءها من قوى الاستكبار العالمي والغرب المتصهين كادوا لهذه الأمة كيداً كبيراً، وهذا الكيد أثمر ثمرات كثيرة في الواقع، فانظر إن شئت إلى سوريا، هذا البلد الحبيب والغالي على قلوبنا جميعاً، كيف كان وكيف صار، وانظر إلى العراق، وانظر إلى ليبيا، وانظر إلى اليمن، وانظر إلى الصومال، وانظر إلى أي بقعة من بقاع العرب والمسلمين، حينها يتضح لك من غير شك أن الأمر لم يأت عفو الخاطر، ولم يأت مصادفة، وإنما كان بتخطيط طويل ومُضنٍ، نقلت لحضراتكم بعض هذه الخطط الصهيونية والغربية التي كِيدت لعالمنا العربي والإسلامي، وهي تنفذ بحذافيرها وكما خُطط لها تماماً، الأمر الذي يَستدعي منا نهضة كبيرة، نهضة على مستوى الفرد، وعلى مستوى الجماعة، وعلى مستوى الدول، ولكن ربما النهضة على مستوى الدول والجماعة أُسُّها وجذرها النهضة على مستوى الفرد، فإذا لم أتغير وإذا لم تتغير فلن يتغير شيء في هذا العالم العربي والإسلامي، هذه هي الحقيقة، انطلاقاً من قول الله سبحانه وتعالى: )إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم(، وانطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى: )ذلك بأن الله لم يكُ مُغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم(.

فأقول أيها الإخوة: عَرضنا في الخطبة السابقة كَلاماً هاماً جداً عَن نَموذج مِن هذه النماذج العظيمة في حَياة هذه الأمة، وهو سيدنا مصعب بن عمير، ذلك الشاب الذي نَشأ في النعيم، ونشأ في الثياب الحريرية والعطر الباذخ، ثم استشهد في غزوة أحد، لم يجدوا إلا نَمِرة أي قِطعة من قماش فيها جلد، إذا غطوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غُطيت رجلاه بدا رأسه، كان صاحب قضية وصاحب هدف، فالأمر الأول في التغيير أن يكون هدفك سامياً، وأن يكون عندك قضية تعيش لأجلها وتموت من أجلها، بغير هذا الأمر لا تُتعب نفسك ولا تَشق عليها، لأنك لن تصل إلى نتيجة.

وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسادُ

الهدف الكبير يحتاج إلى همة عالية، يحتاج إلى جهد مضاعف.

ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر

رحم الله أبا القاسم الشابي صاحب هذا البيت، ولذلك جاءت قريش إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن شئت مالاً جمعنا لك من أموالنا فتكون أغنانا، وإن شئت نساء زوجناك أجمل نسائنا، وإن شئت جاهاً ورفعةً سودناك علينا، جعلناك سيداً علينا، يقولها له عمه أبو طالب، فيقول: ((والله يا عماه، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه))، القضية والهدف في الحياة.

وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، عندما ارتد الناس بعد وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومنعت القبائل الزكاة، بعض القبائل، فأراد سيدنا أبو بكر أن يقاتلهم، ولكن كان رأي بعض الصحابة ألا يفعل ذلك، فقال: (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يُعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)، الإنسان صاحب الهدف والقضية إنسان سام في تفكيره، سما فوق النزوات النفسية والشهوات الجسدية، وجعل نُصب عينيه أمر يبلغه وهدفاً يريد الوصول إليه، ولذلك تجد تفكيره مُختلفاً وتَجده بين أقرانه مُميزاً، لا لنفس التمييز وذات التمييز، فالتمييز بِغير الحق لا يكون تمييزاً، والتمييز بين الأقران إذا لم يكن صاحبه صاحب قضية فلا قيمة له، فكثيرون هُم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، حَجَّ معه في حجة الوداع ما يربو على مئة ألف، وعاش بعدها زمناً ليس بالطويل، فالصحابة إذاً أكثر من مئة ألف، كم تحفظ من أسمائهم؟ لأن هؤلاء المميزين، لأنهم كانوا أصحاب قضية، يشتمل في ذلك أو يجتمع في هذه الصفة كل الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، لكن أرادوا أن يكونوا مميزين، لماذا؟ لأن أمامهم هدفاً هو نصرة هذا الدين، وإقامة المجتمع الحقيقي الفاضل، لا كمجتمع أفلاطون المبني على الأحلام، ولأنه كان أمامهم رسالة، وهي تبليغ شرع الله، تبليغ هذا الدين الذي عنوانه: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين(، عنوانه: ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، إنما بعثني هادياً ومعلماً))، عنوانه: ((بُعثت بالحنيفية السمحة))، عنوانه: )اقرأ باسم ربك الذي خلق(، كانت هذه قضية هؤلاء الصحابة، فبرز منهم أفراد، كان عليهم على هؤلاء الأفراد، على هؤلاء الصحابة الكرام، على هؤلاء التابعين العظام، قام هذا الدين ووصل إلينا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعم فيهم هذا التمييز، وليس يكبته، يدعمه صلى الله عليه وسلم مع علمه بأن الأقران يغار بعضهم من بعضهم، فإذا مدحت إنساناً وله صديق ولم تمدح صديقه فيجد في نفسه، فرسول الله يعلم أن الأقران بينهم غيرة، ولذلك قال علماء الجرح والتعديل في علم السند في الحديث: (لا يقبل كلام الأقران بعضهم ببعض إلا مقروناً بالعِلة)، فلان لا يكتب حديثه لماذا؟ لا تقبل هذه الكلمة، يجب أن تبين السبب، لماذا لا يكتب حديثه؟ لا تقبل شهادة الأقران بعضهم ببعض إلا مفسرة، أي ببيان السبب، فرسول الله يعلم أن صحابته بشر، وأنه عندما يمدح بعضهم سيغار البعض الأخر، لكن نشأت هذه الأمة وقيام هذه الأمة أهم من هذه الغيرة، لأنها ستكون ممدوحة حينئذ، لأن الله عز وجل أمرنا بقوله: )في ذلك فليتنافس المتنافسون(، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من أثر وفي أكثر من حديث، أحاديث متفرقة ملخصها: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأكثرهم حياء عثمان)) في أحاديث متفرقة: ((وأقضاهم علي)) أي أكثرهم علماً بالقضاء ((وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضكم زيد))  زيد بن ثابت الأنصاري ((وأقرؤكم أُبَي)) أبي بن كعب، يمدحهم بعلمهم، بالمواريث، بقراءة القرآن الكريم، بالفقه معاذ بن جبل، بالقضاء سيدنا علي، كل إنسان له مزية، الإنسان المؤمن لا يرضى أن يأتي الدهر عليه ويغيب الدهر دون أن تكون له بصمة يتذكرها يوم القيامة، تكون عنواناً له يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أيها الإخوة الكرام: بعد الهدف السامي، وبعد القضية الكبرى التي يجب أن يضعها كل واحد منا في نفسه، وأهمها إنقاذ هذه الأمة التي وصلت إلى الحالة التي تراها، أن تغير في نفسك، وألا نضع اللوم على الأخرين، وألا يكون نقدنا للدول والجماعات والمجتمعات شماعة نُعلق عليها مآسينا، أهم شيء بعد أن تكون صاحب قضية، أن تتغير في نفسك، ومفتاح هذا التغيير علو الهمة وإدارة الوقت، علو الهمة: نبذ الكسل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلعت عليه الشمس وغربت، كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين ومن قهر الرجال))، الكسل قتَّال لصاحبه، علو الهمة كما كان صحابة رسول الله، وكما كان آل البيت رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

ودعوني -حتى لا أطيل عليكم- دعوني أنقل لكم نبذة عن هؤلاء العظماء، عن سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم، الذين رأوا الرؤية الحقيقية لنهضة هذه الأمة بالعلم، والذين عرفوا تماماً كيف يُطبقون حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الحاكم في مستدركه، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، صحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))، خمسة أشياء اغتنمها، ثلاثة منها الوقت، شبابك قبل هرمك وقت، فراغك قبل شغلك وقت، حياتك قبل موتك وقت، صحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك ليست للوقت، يعني ثلاثة أخماس ما تغتنمه في حياتك هو الوقت.

وأخرج الترمذي في سننه وغير الترمذي، هذا حديث تعرفونه جميعاً، عن سيدنا معاذ بن جبل وروي عن صحابي أخر أيضاً رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن تزولا قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)).

والحديث الثالث أخرجه البخاري والترمذي، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) صحتك وعافيتك وفراغ، مغبون فيهما أي مخدوع فيهما كثير من الناس، كيف يخدع الإنسان بالصحة والفراغ، الغبن هو الخداع، كان أحد الصحابة يُخدع في البياعات، يُغبن في البياعات، أي يُخدع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ابتعت فقل لا خلابة -أي لا خداع- ولي الخيار ثلاثة أيام)) فالغبن في البيع أن يشتري الإنسان السلعة بأكثر مما تستحق، وأن يبيعها بأقل من رأس مالها، هذا كله غبن. ((نعمتان مغبونٌ فيهما))، لا يقدرهما الناس: ((الصحة والفراغ)).

والحديث الرابع حديث يعطينا معنى الأمل ومعنى اغتنام الوقت لكن بحقيقته ولو كان قصيراً، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة -غرسة صغيرة يزرعها- وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يَقوم حتى يغرسها فليفعل))، إذاً نَغتنم الوقت حتى لأدق التفاصيل، إذاً إدارة الوقت مع الهدف الكبير السامي، اليوم تكلمنا عن شيئين: الهدف السامي القضية، يَجب أن تكون صاحب قضية، وعن إدارة الوقت، إذا لم تُدِرْ وَقتك الإدارة الصحيحة لن تتغير، يَجب أن يكون هناك نظام في حياتك، ما لم تنظم حياتك لن تتغير.

الإمام أبو حاتم الرازي ربما تسمعون به وربما لا تسمعون به، هو صاحب كتاب الجرح والتعديل في تسعة مجلدات، وصاحب كتاب التفسير، وصاحب كتاب السند، والسند هو ألف جزء، أبو حاتم الرازي هذا الإنسان شيء عجيب، يقول ابنه عبد الرحمن: ربما كان أبي يأكل وأقرأ عليه، أثناء الأكل، ويمشي وأقرأ عليه، ويَدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه، يأكل يمشي يدخل البيت ويخرج وابنه يلحقه بالكتاب ويقرأ عليه وهو يسمع، الثمرة مؤلفات كثيرة جداً، لأن العلم به تنهض الأمم.

حماد بن سلمة هو شيخ الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما، حماد بن سلمة مُحدث ومن أفذاذ الدنيا علماً، هذا الرجل يقول تلميذه عبد الرحمن بن مهدي: (لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً) لو قيل له: غداً ستموت ما من أعماله شيئاً، لأنه كان سابقاً لا يُضيع ثانية، لا يزيد في العمل، لأنه كان يعمل كل يوم بالعلم وبطاعة الله وعبادة الله، كأنه يموت الساعة، لو أن أحدنا ابتلي بمرض عضال، وقالوا له: دقائقك معدودة، ساعاتك معدودة، أيامك معدودة، ما الذي يحصل؟ ولو كان من كبار الأغنياء، ولو كان من كبار الفقراء، يُفرغ نفسه للعبادة وطاعة الله، حماد بن سلمة لو قيل له: إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في عمله شيء، حماد بن سلمة يقول عنه تلميذه موسى بن إسماعيل التبوذكي: (إني والله ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً) سيدنا الرسول r كان يضحك، ليست القضية ضاحكاً يعني أنه كان عبوساً، ما عنده وقت للضحك والمزاح، (ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً أبداً، لو حلفت هذا اليمين لصدقت، والله كان مشغولاً: إما أنه كان يحدث الناس بحديث رسول الله، أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، وقسم النهار على ذلك) على هذه الأعمال. يونس المؤدب يقول: (مات حماد بن سلمة وهو في الصلاة) رحمه الله، هنيئاً له.

الشيخ سعيد الأحمر الله يرحمه مات بجامع القطط في القيمرية وهو ساجد في سنة الفجر، لأنهم همهم في الدنيا كان أن يكونوا في طاعة الله عز وجل، هذا بالنسبة لهم كل ما يريدونه في حياتهم.

أحمد بن عبد الله العِجلي يقول: (كان حماد بن سلمة لا يُحدث حديثاً حتى يقرأ مئة آية) إذا أراد أن يجلس بمجلس الحديث ويعطي الدرس قبل ما يقرأ الدرس يقرأ مئة آية من القرآن.

ابن جرير الطبري، صاحب التفسير، وصاحب التاريخ المعروف تاريخ الطبري، وتفسير الطبري، قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ عندكم نشاط وهمة لنشتغل بتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قَدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، يريد أن يُفسر القرآن بثلاثين ألف ورقة، فقالوا له: هذا مما تَفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره، فاختصره في ثلاثة آلاف ورقة، كتاب التفسير، ثم قال لهم: أتنشطون لتأريخ العالم من وقت آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ نحو التفسير ثلاثون ألف ورقة، قالوا: تَفنى الأعمار قبل أن يتم، فاختصره في ثلاثة آلاف ورقة، مَا هذا الكلام؟ كلام عجيب، كأننا نتكلم عن أناس لَيسوا من بني جلدتنا، أو كأنهم يعني مخلوقات فضائية أو شيء، لا هؤلاء بشر مثلنا، سبحان الله.

تلميذه أبو عبد الله الفرغاني، هو ألف كتاب التاريخ الطبري، جاء تلميذه أبو عبد الله الفرغاني ألف كتاب الصِّلة كمل فيه كتاب شيخه تاريخ الطبري، سماه الصلة، يعني تتمة التاريخ، فيقول أبو عبد الله الفرغاني: (إن قوماً مِن تَلاميذ ابن جرير أحصوا أيام حياته مُنذ بلغ الحلم منذ أن أصبح في سن التكليف إلى وفاته ثم قسموها على مصنفاته فبلغت أربع عشرة ورقة كل يوم) كل يوم يكتب أربع عشرة ورقة.

سليم بن أيوب الرازي المتوفى سنة 447 هـ من أعلام المسلمين، يقول عنه ابن عساكر: (كان يُحاسب نفسه في الأنفاس)، كان يُحاسب نفسه على أنفاسه، وليس على الدقائق والساعات والأيام، على الأنفاس، لا يَدع وقتاً يَمضي بغير فائدة، إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ، وكان يُحرك شفتيه إلى أن يَقط القلم، بينما يَبري القلم يشتغل بذكر الله عز وجل، هذه أشياء عجيبة أليس كذلك؟.

يحيى بن معين المحدث المعروف، يقول: (كتبت بيدي ألف ألف حديث، وخلف له أبوه ألف ألف درهم -مليون- فأنفقها في تحصيل علم الحديث، حتى لم يبق له نعل يلبسه).

عمار بن رجاء يقول: (أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث) طبعاً ربما تقولون هذه قصص، يعني في ألف ليلة وليلة، إن شئتم فارجعوا إلى كتاب (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) للعلامة الخطيب، وارجعوا إلى ما كتب عن عظماء تاريخنا في هذه الأمة العربية والإسلامية، سترون هذه القصص مذكورة بالتوثيق والسند، وهذا غيضٌ من فيض من استثمارهم لأوقاتهم وعملهن بما ينفع أمتهم وآخرتهم.

أمثال هؤلاء يشدون فينا الهمة، ويُقوون فينا العزيمة، ولكن يَجب أن تكون قلوبنا حية، لكي نتبعهم، فقلب ميت لا يُؤثر فيه كل هذا الكلام، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، آية في القرآن، طيب يا رب كل الناس لها قلوب، قال: لا قلب حاضر مع الله، )إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد(، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 865
تحميل ملفات
فيديو مصور