الخميس 23 شوال 1445 - 02 مايو 2024 , آخر تحديث : 2024-04-29 12:42:38 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-05-16 الساعة 13:38:28
ترسيخ الأخلاق من خلال شعب الإيمان
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 6 من شعبان 1437 هـ - 13 من أيار 2016 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم اعف عنا يا عفو، واغفر لنا يا غفار، وارحمنا يا رحمان، وقنا عذاب النار.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: أخرج أصحاب السنن والإمام أحمد في مسنده وغيرهم، عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم داعياً وقاضياً إلى اليمن، قال له: ((يا معاذ، بم تحكم؟))، قال: بكتاب الله، قال: ((فإن لم تجد؟))، قال: فبسنة رسول الله، قال: ((فإن لم تجد))، قال: أجتهد رأيي ولا آلُ، ومعنى لا آلُ: أي لا أُقصر، أَبذل قُصارى جهدي. فنرى مِن خلال هذا الحديث -طبعاً نهاية الحديث- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بكلام سيدنا معاذ بن جبل, وقال له: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله)) أي أَصبت يا معاذ بترتيبك لهذه الأدلة: الكتاب، ثم السنة، ثم الاجتهاد.

نَلحظ من خلال هذا الحديث أن هناك في ديننا سُلَّماً للأولويات.

صحابي كريم يأتي إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويقول: يا رسول الله أوصني، أو دلني على عمل أعمل به، لا أسأل عنه أحد بعد، قال: ((قل آمنت بالله ثم استقم))، الإيمان ثم الاستقامة.

وسأل صحابي آخر الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قال: ثم أي؟ -وثم للترتيب مع التراخي- قال: ((بر الوالدين))، قال: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).

وكلكم أصبح يَعرف أن الجهاد في سبيل الله عندما نَتكلم عنه فالمقصود به رد العدوان عن أنفسنا عندما يُعتدى علينا، امتثالاً لأمر الله عز وجل: )وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين( [البقرة: 190]، وليس الجهاد الذي يُنادي إليه هؤلاء، بأن يَقتل المؤمن المؤمن والمسلم المسلم.

الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله.

فإذاً نَلحظ مِن خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن هناك سُلَّماً للأولويات في ديننا، فلا يجوز أن نَبحث في الفروع قبل أن نُتم الأصول، ولا يجوز أن ننظر في الأحكام قبل الإيمان، فالإيمان قبل الأحكام، والأصول قبل الفروع، وإذا أرادت أن تنهض هذه الأمة مِن سُباتها، وإذا أرادت أن تَرقى إلى مَصَافِّ الأمم المتقدمة، فيجب عليها أن تعود إلى دينها عوداً حميداً، ويجب أن تنظر في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، ما الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل كل شيء، من أجل أن يَبدأ ببنيان هذه الأمة، لكي يَبني هذه الأمة، ما الذي فعله رسول الله يجب أن ننطلق منه، وإذا بك عندما تدرس السيرة والشمائل ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة يُصحح عقيدة الناس، فالدين عقيدة وعبادات ومعاملات، الدين أخلاق، الدين المعاملة، ثلاث عشرة سنة يُصحح عقائد الناس، ويدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، ونبذ وترك عبادة الأصنام والأوثان، الحجارة التي لا تضر ولا تنفع، يَنهاهم عن وأد البنات وهن أحياء، ينهاهم عن قتل الأبناء خشية الفقر، ويُرَكز على الإيمان.

ولقد شغلت هذه الفكرة كثيراً من علماء المسلمين من سلفنا الصالح، ثلاث عشرة سنة يُركز على العقيدة وعلى الإيمان، هل الإيمان صعبٌ جداً حتى نَبقى ثلاث عشرة سنة نُركز عليه؟.

أولاً: كانت عادات آبائهم وأجدادهم، وكانوا قد طُبعوا عليها منذ نعومة أظفارهم، وتغيير عقول الناس وأفكارها يَحتاج إلى وقت طويل، هذا أولاً.

ثانياً: قال علماؤنا: إن رسول الله لم يَكن فقط في هذه الفترة يُركز على العقيدة فحسب، كان يُركز على العقيدة تركيزاً كبيراً، وكان يُركز معها على شعب الإيمان، وعلى تقوية الإيمان في نفوس الناس، تقوية الإيمان في نفوس الناس، وبعد ذلك عندما يَكونوا جاهزين لكي يَبنوا هذه الأمة وهذا المجتمع نكون قد أنجزنا الإنجاز الكبير.

الإيمان قبل الأحكام، كيف؟ ثلاث عشرة سنة في مكة لم تُفرض من العبادات إلا الصلاة فقط، ثلاث عشرة سنة الصلاة فقط عقب الإسراء والمعراج، الصيامُ متى فرض؟ في المدينة، الزكاة والحج؟ كله في المدينة، المعاملات المالية، البيوع، الإيجارات، العقود؟ في المدينة، الأحوال الشخصية، الزواج والطلاق وما يتبعهما؟ في المدينة، القضاء وأبوابه وما يتعلق به؟ في المدينة، أما في مكة العقيدة والإيمان وشعب الإيمان.

وعندما نَقرأ شعب الإيمان -أي أقسام الإيمان وأنواع الإيمان- سوف نجد حديثاً عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وغير البخاري ومسلم، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: ((الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون)) ورواية: ((بضع وسبعون)) أقوى، بضع وسبعون شعبة، البضعة قال القاضي عياض في شرح هذا الحديث: هو مِن الثلاثة إلى العشرة، وقيل: من الثلاثة إلى التسعة، والخليل بن أحمد الفراهيدي قال: البضع سبعة، وقيل: من اثنين إلى عشرة، وعلى كلٍّ الإيمان بضع وسبعون شعبة، الشعبة هي القطعة من الشيء، والجزء من الشيء والقسم منه، فالإيمان أقسام إذاً، كم قسم؟ بضع وسبعون شعبة، لم يُحدد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا البضع ما هو، فيقول الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان -معروف صاحب صحيح ابن حبان- يقول رحمه الله ورضي عنه: تَتَبَّعت هذا الحديث مُدة، لأن هذا الحديث، ولأن موضوع الحقبة المكية ثلاث عشرة سنة، والرسول صلى الله عليه وسلم -معظم العبادات والمعاملات في المدينة- ماذا كان يفعل في مكة ثلاث عشرة سنة؟ فشغل هذا الموضوع علماءنا السابقين، فتتبعوا هذا الحديث عندما رأوا رسول الله يُركز على العقيدة والإيمان، قالوا: فالإيمان ليس فقط الوارد في حديث سيدنا عمر: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره))، لا بُدَّ أن هناك أشياء أخرى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُركز عليها، فتتبعوا هذا الحديث، يقول أبو حاتم ابن حبان رحمه الله: (تتبعت هذا الحديث مدة، عددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيراً أكثر مِن بضع وسبعين -الطاعات لله عز وجل أكثر، قال- فرجعت إلى السنن، أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، ثم رجعت إلى كتاب الله عز وجل فقرأته بالتَّدبر، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت -يعني قَرنتُ- الكتاب إلى السنة، وحذفت المعادة -يعني المكرر منها- فإذا كل شيء عَدَّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تِسع وسبعون شعبة للإيمان لا تزيد ولا تنقص، تسع وسبعون، الإمام ابن حبان يقول رضي الله تعالى عنه.

فإذاً شغلهم ذلك، فالإمام البيهقي ماذا فعل؟ ألف كتابه [شعب الإيمان]، كل حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كل آية في كتاب الله عز وجل، تتكلم تربط شيئاً بالإيمان نذكرها في هذا الكتاب، والإمام الحُليمي رضي الله عنه أيضاً ألف كتاباً سماه: [شعب الإيمان].

ما هي أقسام الإيمان؟.

سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول: ((بضع وسبعون شعبة)) ما هي؟ سأقرأ عليكم بَعضاً من عناوين شعب الإيمان للحليمي، وعناوين شعب الإيمان للبيهقي، لنرى ما هي هذه الشعب للإيمان، الذي كان يرُكز عليها صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية، بالإضافة إلى تَصحيح عقائد الناس، ما هي؟ يقول الحليمي والبيهقي رضي الله عنهما: أعلاها كما ورد في الحديث: ((قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))، إذاً إماطة الأذى عن الطريق بسمار، حجر، شيء مؤذي للنظر، إذا أمطته هذا جزء من الإيمان، أي جزء من الإيمان، هذا من عندك؟ لا والله، هذا كلام سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ومسلم، جزء من الإيمان، إماطتك للأذى عن الطريق.

ويقول صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث: ((والحياء شعبة من الإيمان))، الحياء إذا كان الإنسان حَيِيَّاً هو جزء من الإيمان، قسم من الإيمان؟ قال: نعم، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويقول للسيدة عائشة رضي الله عنها: ((يا عائشة، إن حسن العهد من الإيمان))، الوفاء وإنجاز المواثيق والعهود والوفاء بالوعود من الإيمان، جزء من الإيمان، لا تَكون مؤمناً أنت حقاً حتى تفي بالموعد وبالوعد، وتنجز العهد.

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((الإيمان حُسن الخلق)).

فانظر كيف جَعل النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأشياء مِن الإيمان، ضربت لكم أمثلة، يعني كيف تتبعوا شعب الإيمان، كل حديث فيه الإيمان ربط به شيء من الإيمان ذكروه في هذا الكتاب.

انطلاقاً مِن هذا الحديث يقول البيهقي والحليمي شعب الإيمان، تَعداد فقط وبسرعة:

لا إله إلا الله، يعني العقيدة، الإيمان بالرسل، الإيمان بالملائكة، الإيمان بالكتب، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالقدر خيره وشره، إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والعدل من الإيمان، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والرحمة، والصدق، والصبر، والحلم، والتواضع، وإكرام الضيف، وأداء الأمانة، وذكر الله وشكره، والطاعة، والتوبة، والطهارة، والخوف من الله، والرجاء في الله، والطمع فيما عند الله، ومحبة الله، والتوكل على الله، والخشوع لله، والحب في الله، والوفاء بالعقود، والقول الحسن للناس، والإحسان إلى الناس، وطلب العلم، والعفو عن المسيء، وأكل الحلال، وشهادة الحق والمسلم جعلوها قسماً برأسه من شعب الإيمان، حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))، والتوسط في الإنفاق، لا تبذير ولا تقتير، والحياء، وحسن الخلق، وإماطة الأذى عن الطريق.

لم أنقل لحضراتكم كل ما ذكروه، نقلت بعضه، والسؤال: ماذا نَستشف من هذا الكلام؟ نستشف منه أن إيماننا بحاجة إلى إعادة نظر، ربما نحن نُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، نصلي ونصوم ونزكي، ونعبد الله عز وجل، ونحج البيت، ولكن هناك شعب للإيمان لا بد أن نَقوم بها، موجزها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، والرواية الأصح: ((لأتمم صالح الأخلاق))، أي الأخلاق الصالحة، هذا خلاصة الأمر، فامرئ بغير أخلاق إيمانه ناقص، لست أنا الذي يقول، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالإيمان ((بِضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))، فهل علمتم وعرفتم على أي شيء كان يُركز رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة طيلة ثلاث عشرة سنة؟ دائماً الأصول قبل الفروع، سُلَّم أولويات يجب أن نبحث في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله كي نَنهض بهذه الأمة، كيف قامت هذه الأمة، كيف قام هذا المجتمع، وكيف نَجح، وكيف وصل إلى أصقاع الدنيا، يَجب أن نَبحث عندما جاء إلى المدينة المنورة أول شيء فعله ما هو؟

أولاً: بناء المسجد، بناء المسجد إلى أي شيء يرمز؟ بناء المسجد فقط لأنه مَكان للعبادة؟ يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله شهيد المنبر والمحراب في كتابه فقه السيرة النبوية يقول: المسجد رمز لوحدة الأمة، لكي يَجتمعوا فيه ويتآلفوا، ليحب بعضهم بعضاً، ويألف بعضهم بعضاً، المسجد عنوان للعلم، فلم يَكن ثم جامعات ولا مدارس ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية أو حضانة ولا دراسات عليا ولا كليات، كان هناك المسجد، فكل شيء كان في المسجد، الوحدة وحدة الأمة أكبر فَرض على المسلمين، أن نجمع الأمة وأن لا نفرقها.

ثانياً: الحب والوئام بين أبناء المجتمع، آخى بين المهاجرين والأنصار، وهو الأساس الثاني، والأخوة في الله شجرة لا تقاس بطولها أو كثرة فروعها، ولكن تُقاس بعمق جذورها، ولذلك كان يرث بعضهم بعضاً، وبقي هذا إلى ما بعد غزوة بدر الكبرى، عندما نزل قول الله تعالى: )وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّه( [الانفال: 75]، فنسخت الموارثة بين المؤاخاة التي آخى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ابحث دائماً على أي شيء قامت دولة الإيمان، على أي شيء قام ذلك المجتمع المؤمن وتلك الأمة على الأخوة؟ وذلك يَعني أن يُحب بعضنا بعضاً، وأن نتكافل فيما بيننا تكافلاً اجتماعياً حقيقياً، يرث بعضهم بعضاً، يُقاسمونهم أموالهم يا رجل، ليس بالكلام أنا أحبك والله، أحبك مثل أخي، وفي الواقع لا تجد شيئاً من تطبيق، هذه الأخوة.

الأساس الثالث الذي فعله في المدينة ما هو وضع دستوراً للمدينة المنورة، سماها علماؤنا وسلفنا الصالح وثيقة المدينة المنورة، دستور وثيقة المواطنة، أقدم وثيقة في المواطنة، أجمع على ذلك كل من كتب في تاريخ السيرة، وفي تاريخ الأمم والملوك، أقدم وثيقة في المواطنة ما فعله رسول الله من كتابة دستور المدينة وثيقة المدينة، وفي هذه الوثيقة بنود مادة الدستور، سنقوم إن شاء الله بدراسة هذه المواد، من فوق هذا المنبر، دستور المدينة على أي شيء قام؟

المسلمون والمؤمنون ويهود بني عوف والمشركون الذين يعبدون الأصنام في المدينة يد واحدة على مَن سواهم، يد واحدة على من سواهم، للمسلمين دينهم ولليهود دينهم، لا إكراه في الدين، وثيقة مواطنة، وربما هذا المصطلح لم يكن رائجاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا موجوداً، لكن كل معانيه كانت موجودة، هذه الوثيقة تعني وجود دستور، يعني نظام، إذاً الأمة لا تَقم إلا على نظام العشوائية التي تعودناها في حياتنا، مشكلة كبيرة، ننام متى نريد، نستيقظ متى نريد، نذهب متى نريد، ونأتي متى نريد، حياتنا كلها هكذا، عشوائية بعشوائية، لا ننظم أوقاتنا، ولا أفكارنا، ولا مستقبلنا، ولا نَضع الحلول، وأحدنا يَعيش في هذه الدنيا ليأكل ويشرب، هذه مشكلة كبيرة جداً.

هذه الأسس التي قامت عليها الأمة: العقيدة الصحيحة، الإيمان بشعبه كلها، بما فيها مكارم الأخلاق، الوحدة، وحدة الأمة في المسجد، العلم أول كلمة نزلت في ديننا اقرأ، الحب بين الناس، أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، والأخوة والتكافل الاجتماعي، والنظام والدستور، النظام أن نَعيش حياتنا في نظام دائم.

هذه الأمة إذا وَعت حقيقة هذه السيرة وهذه الشمائل قد تَستطيع يوماً من الأيام إذا بَدأت بالتنفيذ والتطبيق أن تَنهض مِن سباتها، لكن ما دُمْنَا نتعلق بالقشور ونترك الأصول، ونترك الإيمان وشعبه، ونأتي إلى الأحكام قبل الإيمان، قبل أن نرسخ الإيمان في قلوب أبنائنا وبناتنا وإخواننا ومن حولنا... فمعنى ذلك أننا بَعيدون عن نهضة هذه الأمة.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.

اذكروا الله يذكركم، اذكروا الله يذكركم، استغفروا الله العظيم يغفر لي ولكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1402
تحميل ملفات
فيديو مصور