الخميس 23 شوال 1445 - 02 مايو 2024 , آخر تحديث : 2024-04-29 12:42:38 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-04-21 الساعة 09:27:26
شهر رجب والوقائع التاريخية فيه
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 8 من رجب 1437 هـ - 15 من نيسان 2016 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِرُ وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا الله, وعمَّنا جميعاً بفضلك الكبير.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربي من حَصَر وعيٍّ

 

ومن نفس أعالجها علاجاً

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: دخل شهر رجب, رجب الفرد، وإنما قيل عنه إنه الفرد لأنه انفرد عن الأشهر الحرم، فالأشهر الحرم عند الله عز وجل أربعة أشهر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، ثلاثة متتالية وواحد منفرد عنها، فالمتتالية عرفتموها، والمنفرد هو رجب، ومن المعيب والمشين على كثير مِن المسلمين أن لا يَعلموا الأشهر القمرية أو الهجرية على حين يحفظون ويعلمون الأشهر الميلادية، أشهر السنة الشمسية، فقد سألتُ كثيراً من الشباب ومِن الفتيان، بل وممن طعن في السن، عن كثير من الأشهر فلم يعرفها، وسألت من عرفها عن ترتيبها فلم يعرف ترتيبها، بأي شهر تبدأ السنة الهجرية وبأي شهر تنتهي، لا يعرف كثير من أبنائنا ذلك، وهذا مما يُؤسف له، أمة فقدت تاريخها وفقدت حضارتها، وفقدت مع ذلك تقويمها الهجري، أمة ميؤوس منها إلا ما رحم ربك، ورحمة الله وسعت كل شيء، ولذلك نحن متفائلون.

فرجب -أيها الإخوة- هو أحد الأشهر الحرم، قال أهل الله: رجب هو شهر البذر، تبدأ فيه بالطاعات، وشعبان شهر السقاية، ورمضان شهر الحصاد.

نبدأ برجب لأنه في اللغة العربية مُشتق من التَّرجيب، والترجيب في اللغة هو التعظيم، وكانت العرب قبل الإسلام تُعظم شهر رجب وتفخمه، وتوقف القتال فيه وفي كل الأشهر الحرم، ولذلك سمي رجب بشهر رجب، فهو إذاً معناه في اللغة المعظَّم، فبأي شيء أنا وأنت سنعظم رجب؟! بما أنه الشهر المعظم بأي شيء سوف نُعظم هذا الشهر؟ وسوف نكرم أنفسنا فيه في هذا الشهر؟.

يقول رب العزة والجلال في سورة التوبة: )إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ....( [36]، في الأشهر الحرم لا تظلموا أنفسكم.

الأشهر الحرم كانت العرب قد منعت فيها القتال، ولكن بعض العرب كان يجعل هذا التحريم كيفياً، فينقل شهر رجب مِن مكانه إلى مكان آخر، ويُسمي به شهراً آخر، ليقاتل في شهر رجب، مع أن القتال ممنوع في الأشهر الحرم، وقال تعالى يصف ذلك: )إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ...( [التوبة: 37]، النسيء: التأخير، كانوا يُؤخرونه شهر أو شهرين لينهوا المعارك، فجاء واستقر الأمر على رجب مضر، لأن مضر لم تكن تُغير رجب، يبقى في مكانه، أما نزار من قبائل العرب فكانت تغيره حسب غزواتها وحروبها، والشاهد في الأمر أن سيدنا عطاء ابن أبي رباح التابعي الجليل قال: لم تُنسخ حُرمة القتال في الأشهر الحرم، وخالفه بقية التابعين والأئمة الأربعة الفقهاء، فقالوا: نسخ ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا عدة غزوات وأرسل عدة سرايا في الأشهر الحرم، فكان ذلك منسوخاً. ولذلك قال الإمام القرطبي رحمه الله ورضي عنه في تفسيره التفسير المشهور تفسير القرطبي عند تفسير هذه الآية قال: )فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ( قال ابن عباس: أي في القتال في هذه الأشهر، والقول الثاني: )فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ( أي: بارتكاب الذنوب والمعاصي، قال: وهو الأرجح، لأن الثواب في الأشهر الحرم مضاعفاً.

قال القرطبي: ولا يُنكر مضاعفة الثواب ومضاعفة العقاب في الأزمنة والأمكنة، فكما جعل الله الثواب في الحرم بمئة ألف جعل السيئة بمئة ألف، فإذا كان ذلك في المكان فاعتبر به الزمان، أي فقس عليه الزمان، فيكون الإثم مُضاعفاً في الأشهر الحرم.

وقال علماؤنا: مَن أصر على ذنب في الأشهر الحرم فإن ذلك الذنب سيُلاحقه بالحرمان، كيف يُلاحقه الذنب في الأشهر الحرم بالحرمان؟ قال لأن الله قال: )فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ( وأنت ظلمت نفسك بارتكابك الآثام والمعاصي في شهر رجب أو في الأشهر الحرم، قال: فتُصاب بالحرمان، كيف؟ قال: ستُحرم من الطاعات فلا تستيقظ على صلاة الفجر، وتتوجه لخير فيصرف عنك، ولثواب فلا تأخذه، وتشعر نفسك محاصراً لأنك أذنبت في الأشهر الحرم، قال: وهذا من خصوصية الأشهر الحرم، قال: وقد جَرَّبه كثير من الناس فوجده حقاً، أن الله عندما يرتكب الإنسان ذنباً في الأشهر الحرم يُلاحقه هذا الذنب بالحرمان من الطاعات، وهذا من مضاعفة الإثم على صاحبه.

وعلى كلٍ أحببت أن أنقل لكم هذه المعلومات التي يجهلها كثير من المسلمين عن شهر رجب وعن الأشهر الحرم، وأختصر وأُوجز، لأنتقل إلى موضوع آخر، هذا الموضوع هو موضوع الأمة، ليس موضوع فرد وشخص، موضوع أمة، لكن سأتكلم عن موضوع هذه الأمة بعد أن أنقل لكم هذه الوقائع:

في شهر رجب في الخامس مِنه عام ثلاثة عشر للهجرة، 13 هجري، قاد سيدنا خالد بن الوليد معركة اليرموك ضد الروم البيزنطيين المحتلين، وانتصر فيها المسلمون في رجب، وكانت مفتاحاً للفتوحات في بلاد الشام، في الخامس من رجب سنة ثلاث عشرة للهجرة في شهر رجب كانت معركة اليرموك مفتاحاً لكل فتوحات بلاد الشام.

في السنة الرابعة عشر للهجرة في شهر رجب فتحت دمشق التي نحن فيها، فإذا سألك إنسان في أي سنة فتحت دمشق وأنت من أهل دمشق؟ في السنة الرابعة عشر للهجرة، مَن الذي فتح دمشق؟ سيدنا أبو عبيدة بن الجراح وسيدنا خالد بن الوليد، فتحاها صُلحاً لا حَرباً، فتح لهم أهل دمشق الأبواب، لأنهم كانوا قد عانوا الأمرين من الروم البيزنطيين المحتلين، لأن مسيحيي هذه البلاد من السريان كانوا مِن الموحدين، وجاءت بيزنطا بجيوشها من الغرب، واحتلت هذه البلاد واستعمرت أهلها بما فيهم المسيحيين السريان، وجعلوهم عبيداً عندهم، وكانوا يبيعون الأرض مع العبيد، ويقصدون بالعبيد: المسيحيون السريان، فكانوا يُعاملونهم معاملة قاسية جداً، ويستعبدونهم، لما سمعوا عن المسلمين دلوهم على مخابئ الروم البيزنطيين وهم ليسوا من المسلمين، وفتحوا لهم أبواب دمشق.

والعجب كل العجب بعد أن فتحت دمشق يروي هؤلاء السريان حادثة عجيبة، قال: دخل الجيش المنتصر فأخرج جنوده وقادته دراهمهم ودنانيرهم ليشتروا طعاماً ليأكلوه، أليس هذا عجباً؟ جيش منتصر يدخل إلى بلد وهو قادر على أن يفعل فيها ما يشاء، يُخرجون الأموال من جيوبهم لأنهم كانوا جَوعى، فيشترون طعاماً وشراباً ليأكلوا، فقام أهل دمشق بتقدمة الطعام مجاناً فرفضوا، قالوا: دخلنا البلدة صلحاً، ودفعوا ثمن طعامهم، هذا في شهر رجب في السنة الرابعة عشر من الهجرة.

الواقعة الثالثة: في الخامس من رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة نزل طارق بن زياد رضي الله عنه على الهضبة المعروفة اليوم باسمه جبل طارق من جهة الأندلس، بعد عبوره المتوسط، وحقق انتصارات كبيرة مكنت المسلمين بعد ذلك من فتح الأندلس كلها، في شهر رجب هذه الحادثة الثالثة.

الحادثة الرابعة: كانت في رجب في السابع والعشرين منه، سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة للهجرة، استرد المسلمون بيت المقدس بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه، دخل القدس الشريف في السابع والعشرين من رجب، وصلى في المسجد الأقصى بعد ثمانية وثمانين عاماً من الاحتلال الفرنجي الصليبي للقدس والمسجد الأقصى، ولكنه لم يفعل بهم ما فعلوه هم بالمسلمين، لما غرقت القدس ببحر من الدماء، وانتشرت فيها الأمراض والطاعون، لأنهم دخلوا فقتلوا أكثر من عشرة آلاف إنسان في القدس وفي المسجد الأقصى عندما دخل الفرنجة الصليبيون، وإنما قام صلاح الدين بإعطائهم الأمان والعفو عنهم، ثم الحرية، وسمح لهم بالعودة إلى بلادهم.

الحادثة الخامسة: في الرابع عشر من رجب، سنة ثمانين وستمائة للهجرة، انتصر المسلمون بقيادة المنصور قلاوون سلطان مصر على التتار في معركة حمص، وكان انتصاراً هائلاً، وكان مفتاحاً لهزيمة التتار، وردعهم وانحسار دولتهم.

معركة اليرموك، فتح بلاد الشام، فتح دمشق، استعادة القدس، هزيمة التتار والأندلس، كلها حصلت في شهر رجب، فماذا نحن فاعلون في شهر رجب؟ هذا سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين ماذا سنصنع في شهر رجب؟ هل سنعده كبقية الشهور ونستمر على ما نحن عليه كعاداتنا التي كانت في البعد عن الله سبحانه وتعالى والاستمرار على المعاصي والآثام؟ على الأقل اجعل من هذا الشهر شهراً لتنتصر على نفسك، هذه النفس الأمارة بالسوء التي يقول فيها رب العزة والجلال: )قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا( [الشمس: 9]،  زكي نفسك بقراءة القرآن وذكر الله عز وجل، والإقلاع عن المعاصي والآثام والذنوب، والقرب من الله وصلاة قيام الليل، وصلاة الفجر وصحبة الصالحين، وحضور المواعظ والدروس التي دمشق الآن مليئة بها في كل مسجد، زكِ نفسك، لنزكي أنفسنا، لا آمركم آمر نفسي أولاً، لنزكي أنفسنا، قد أفلح: أي فاز من زكاها )وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا( [الشمس: 9]، انظر إلى تعبير دساها، )يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا...( [آل عمران:30]، هل انتهت الآية؟ قال ربنا عز وجل: )...وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ( [آل عمران: 30]، )وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ( لكن الله عز وجل ختم هذه الآية بقوله: )...وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ( [آل عمران: 30]، ليعيش المؤمن بين الخوف وبين الرجاء الخوف من الله سبحانه وتعالى والرجاء لمغفرة ورحمة الله، لا ليبقى المؤمن في مكانه، لا ليبتعد عن الله أكثر، وكم وكم سألت من رواد هذا المسجد، بيني وبينهم كل من يوقفني يسألني سؤال اسأله أنا سؤال شخصي: هل تشعر أننا في هذه الأزمة التي عصفت بنا في سوريا، تحسنت أوضاعنا وتحسنت أخلاقنا، وتحسن حال شبابنا وبناتنا ورجالنا وتجاراتنا ومعاملاتنا وصدقنا واستقامتنا وأمانتنا، والله اشتهيت واحد يقول لي نعم، الحمد لله أحسن، والله كله الجواب: نحن إلى الأسوأ، أزمتنا أزمة أخلاق.

أيها الإخوة: إذا لم ننتصر على نفوسنا في شهر رجب الذي يضاعف فيه إثم المعصية ويضاعف فيه ثواب الطاعة، وهو شهر البذر الذي نبذر فيه الحسنات فنسقيها في شعبان ونحصد الخير في رمضان فمتى؟ إن لم يكن في رجب فمتى؟!.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1071
تحميل ملفات
فيديو مصور