الخميس 23 شوال 1445 - 02 مايو 2024 , آخر تحديث : 2024-04-29 12:42:38 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2016-03-01 الساعة 13:14:50
الـــرحمـــة فــي القــــرآن
الشيخ أحمد سامر القباني
الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.
وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة،
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلَهِي لا تُعَذِّبنِي فَإِنِّي
وَمَا لي حِيلَةٌ إِلا رَجَائِي
وَكَمْ مِن زَلَّةِ لِذِي الخَطَايَا
إِذَا فَكَّرتُ في نَدَمِي عَلَيهَا
أَهِيمُ بِزَهرَةِ الدُّنيَا فُتُوناً
وَلَو أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهدَ فِيهَا
يَظُنُّ النَّاسُ بِي خَيرَاً وَإِنِّي

 

مُقِرٌّ بِالذِي قَدْ كَانَ مِنِّي
لِعَفوِكَ إِنْ عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنِّي
وَأَنْتَ عَلَيَّ ذُو فَضلٍ وَمَنِّ
عَضَضْتُ أَنَامِلِي وَقَعَرْتُ سِنِّي
وَأَقْطَعُ طُولَ عُمرِي بِالتَّمَنِّي
قَلَبْتُ بِأَهلِهَا ظَهرَ الْمِجَنِّ
لَشَرُّ الخَلقِ إِنْ لم تَعْفُ عَنِّي

اللهم اعف عنا يا عفو، واغفر لنا يا غفار، وقنا عذاب النار.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.
أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.
وبعد أيها الأخوة المؤمنون: كنا نتكلم في الأسابيع المنصرمة، نتكلم عن الحرب على الإسلام إعلامياً، وهي الآن في أشد مراحلها وفي أقوى درجاتها، على حين غفلة من المسلمين، انشغل المسلمون بما فيهم من مصائب ورزايا وبلايا، انشغلوا عن رسالتهم الخالدة، هذه الرسالة التي بدأت أكثر من ثمانين فضائية تبث يومياً وهي ناطقة بغير العربية مَظاهر العنف والقتل في البلاد العربية والإسلامية، وتُسوِّق للشعوب بأن هذا الذي ترونه على شاشاتكم هو الإسلام، وما ذلك إلا لأننا أولاً: يقول سيدنا علي رضي الله عنه: (ما انتصر باطل بقوة باطلهم، ولكن بتخاذل أهل الحق عن نصرة حقهم)، نحن تخاذلنا أولاً، وثانياً: رأوا هذا الضعف يستشري في هذه الأمة، وليس هناك دَالٍّ على عالمية هذا الدين العظيم وهدايته وعلمه وسماحته وفطرته ورحمته، علموا أنهم في خطر لأن تزايدهم السكاني سوف يقضي بقلته عليهم في وقت قريب، وسوف يسطع نور الإسلام من بلادهم، من الغرب، من أوربا وأمريكا، كما رأينا في الخطبة السابقة، عن إحصائياتهم بأن الإسلام سيسطع نوره من الغرب، ولكن -أيها الأخوة- ما تزال هذه المسؤولية معلقة بأعناقنا، فكل ما ترونه اليوم هو حرب على الإسلام، علم ذلك مَن علم وجهل ذلك مَن جهل، وإن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم، هذا يتطلب منا أن نكون على مستوى القضية منافحين عن هذا الدين بكل ما أوتينا من قوة، كل فرد فينا يستطيع أن يكون منافحاً ومدافعاً عن دينه عبر تحسين صلته بخالقه، وعبر تحسين معاملته مع أخيه المؤمن، وأن يَنشر بل أن يَتعلم -قبل أن ينشر- أن يتعلم هذه الأركان العظيمة التي قام عليها الإسلام العظيم، لِيَنشرها فيما بعد، ويبثها للناس أجمعين. أحد هذه الأركان -أيها الأخوة- التي قام عليها ديننا العظيم: الرحمة، والرحمة في ديننا رحمة عالمية، وليست رحمة محلية، يجسد ذلك قول الله عز وجل: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( [الأنبياء: 107].

نحن -أيها الأخوة- يجب أن نتعلم عن ديننا ماذا تعنيه كلمة الرحمة، بدأ من رحمة الإنسان بنفسه، ثم رحمته مع زوجته وأولاده، ثم مع إخوته وأبيه وأمه، ثم مع أسرته ورَحِمِه، ثم مع رَبِّ عمله، ورب العمل مع عماله في مهنته التي يُزاولها، طباً كانت أو هندسة أو مَكاناً في مسؤولية ما، أو تاجراً أو صناعيا أو مدرساً في جامعة أو في مدرسة، أو طالباً، كل يعلم ماذا تعنيه كلمة الرحمة، التي هي عالمية في ديننا العظيم، وكيف أو وماذا تعني عالمية الرحمة في ديننا إنها تنعكس علينا سلوكاً فيما بيننا حقيقياً، يتراحم الناس به فيما بينهم، في وقت لا نرى فيه أي مظهر من مظاهر الرحمة، وخصوصاً في الأزمة، اللهم إلا ما رحم ربك، هذه الرحمة التي فقدناها اليوم فارتفعت آجار المنازل، ولم يراعِ بعضناً بعضاً أبداً، وارتفعت أسعار السلع في الأسواق، فلا يرحم الناس بعضهم بعضاً، فكيف ترجون من عدو يتربص بنا ليلاً نهاراً ويحاول تشويه ديننا، كيف تتأملون منه أن يرحمنا؟. قال علماؤنا: العدو عدو، وأنت تعلم ذلك، وسمي عدواً لمعاداته لك، فأنت تكون دائماً يقظاً اتجاه عدوك، لأنك تعلم أنه يكن لك العداء، ولكن المصيبة أن يصدر العداء منا، نحن المسلمين، نحن المؤمنين، بعضنا لبعض، وإذا كنا لا ندرك فنحن لا نتعامل بمظاهر الرحمة التي جاء بها ديننا العظيم. وأريد -أيها الأخوة الكرام- أريد أن أُسَلِّطَ الضوء على كلمة الرحمة، فاسمحوا لي أن آخذ من وقتكم هذه الدقائق القليلة، نحن كل يوم نَفتتح أي عمل بقولنا: (بسم الله الرحمن الرحيم)، والحديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بالحمد لله رب العالمين)) وفي رواية: ((بذكر الله)) وفي رواية: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ((فهو أبتر))، ومعنى أبتر: مقطوع البركة، ليس فيه بركة، ما هو تعريف البركة أيها الأخوة؟ هو جعل الكثير في القليل، فالعمل الذي لا يتوج بالرحمة منزوع البركة، ليس فيه بركة، أن تجعل الكثير من الفوائد في القليل، هذه هي البركة، هكذا عرف علماؤنا البركة، إذا سألت عنها: ما هو تعريف البركة؟ جعل الكثير في القليل. نحن كل يوم في صلواتنا فرائضها وسننها ورواتبها ونوافلها نقرأ الفاتحة، ولزاماً على المؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يبسمل وأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فانظروا كم نذكر الرحمة في كل يوم، وأنتم تعلمون أن الرحمة ذُكرت في كتاب الله عز وجل مئات المرات، على حين إن كثيراً من المعاني في كتاب الله عز وجل لم تُذكر إلا مرة أو مرتين، ونذكر على سبيل المثال كلمة التوفيق، كلمة التوفيق بمعنى العناية الإلهية والتَّسديد الإلهي بِكَ ذُكرت مرة واحدة: )وَما تَوفيقي إِلّا بِاللَّـهِ( [هود: 88]، وأما التوفيق بمعنى التوفيق بين الخصوم والإصلاح بين الخصوم فذكرت: ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [النساء: 62]، أي بين الخصوم، لكن التوفيق شيء رائع من الله عز وجل لنا، هو تأييد إلهي، دعم إلهي، اهتمام إلهي بك، اللهم أكرمنا بالتوفيق ولا تسلب عنا نعمة التوفيق: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: 48]، قال رب العزة والجلال لأنبيائه: ﴿إِنَّني مَعَكُما أَسمَعُ وَأَرى﴾ [طه: 46]، هذا هو التوفيق الإلهي، شيء رائع، لكن لم يُذكر بمعنى التأييد والعناية الإلهية إلا مرة واحدة، الرحمة تُذكر مئات المرات بألفاظها ومعانيها في كتاب الله عز وجل، لماذا؟ قال: لأن هذا القرآن العظيم سوف ينتشر في الأصقاع، ويجب أن يعلم الناس كل الناس كافرهم ومؤمنهم أنه دين الرحمة، فإذا قرؤوا أياً ما قرؤوا فيه، في أي سورة، سيجدون أنني ذكرت الرحمة في كتابي لكي يتراحم الناس فيما بينهم، وليعلموا أن هذا الدين هو دين الرحمة. قال الله عز وجل في سورة الأنعام: ﴿ وَإِذا جاءَكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِآياتِنا فَقُل سَلامٌ عَلَيكُم كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ( [الأنعام: 54]، وكتب معناها فرض، ولا يفرض على الله أحد، ولكن الله عز وجل هو الذي ألزم نفسه سبحانه -وهو لا يخلف الميعاد- ألزم نفسه بالرحمة: ﴿كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُم سوءًا بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِن بَعدِهِ وَأَصلَحَ فَأَنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ (  [الأنعام: 54]، مرة ثانية غفور رحيم، والشاهد: (كتب ربكم على نفسه الرحمة). ويقول رب العزة والجلال في سورة الأنعام أيضاً: ﴿وَرَبُّكَ الغَنِيُّ ذُو الرَّحمَة﴾ هو غني عن العالمين، غني لا تنفد خزائنه، ولكن ﴿وربك الغني ذو الرحمة إِن يَشَأ يُذهِبكُم -يهلككم- وَيَستَخلِف مِن بَعدِكُم ما يَشاءُ كَما أَنشَأَكُم مِن ذُرِّيَّةِ قَومٍ آخَرينَ﴾ [الأنعام: 133]، ولكن الله لم يفعل ذلك، لماذا؟ قال: لأنه الغني ذو الرحمة سبحانه وتعالى. وقال سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: ﴿فَإِن كَذَّبوكَ فَقُل رَبُّكُم ذو رَحمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأسُهُ عَنِ القَومِ المُجرِمين﴾ [الأنعام: 147]. ﴿فَقُل رَبُّكُم ذو رَحمَةٍ﴾ عادية؟ لا، ذو رحمة واسعة. ويقول رب العزة والجلال في سورة الحجر: ﴿وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالّون﴾ [الحجر: 56]، ﴿مَن يقنط -مَن ييئس- من رحمة ربه إلا الضالون﴾؟ يعني: ضل الهدف، هنا لاحظوا أخواننا ما قال: (وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الظالمون، إلا المجرمون، إلا المذنبون) قال: (الضالون)، معنى الضال هو عكس المهتدي، يعني هذا الإنسان بالأصل ما فهم الإسلام، الذي قنط من رحمة الله لم يَفهم بالأصل الإسلام، إذاً فهو ضال، لذلك جاءت الآية: ﴿وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالّونَ ﴾ [الحجر:56]، لم يفهموا حقيقة الإسلام أنه دين الرحمة، هم ضلوا الطريق. ويقول رب العزة والجلال في سورة الإسراء ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ﴾ [الإسراء: 82]. القرآن في حد ذاته رحمة، ويقول رب العزة والجلال في سورة الإسراء: ﴿قُل لَو أَنتُم تَملِكونَ خَزائِنَ رَحمَةِ رَبّي إِذًا لَأَمسَكتُم خَشيَةَ الإِنفاقِ وَكانَ الإِنسانُ قَتورًا﴾ [الإسراء: 100]، ﴿لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم﴾ الحمد لله -يا أخواننا- أن خزائن ربي بيد ربي، بيد الله وليس بيد عبد الله، لأنه ربنا كريم سبحانه وتعالى، الكافر الذي يجحد وجود الله يرزقه الله، جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، نحن من أحسن إلينا نحسن إليه، ومن أساء إلينا جُبلت النفوس أن تُسيء إليه، الإسلام علمنا أن نعكس، أن نُحسن إلى من أساء إلينا، وسنرى كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن إلى من أساء إليه، ولكن )لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم(، الحمد لله أن خزائن رحمة ربي، وليس خزائن ربي، هناك خزائن رب العالمين الملئ بالأموال والعطايا والأرزاق للناس، وهناك خزائن رحمة ربي، رحمة ربي لها خزائن، سنرى ذلك من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال رب العزة والجلال في سورة الكهف، وكلكم يحفظ هذه الآية: ﴿وَرَبُّكَ الغَفورُ ذُو الرَّحمَةِ لَو يُؤاخِذُهُم بِما كَسَبوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذاب﴾ [الكهف: 58]، )وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بِما كسبوا لعجَّل لَهم العذابَ( لو ربنا يريد أن يُحاسبنا على أعمالنا لعجل لنا العذاب، لكن الله هو الغفور ذو الرحمة. وقال سبحانه وتعالى: ﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّـهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ عندما يفتح الله للناس رحمة فلا ممسك لها، ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾ [فاطر:2]، إذا رحمة ربنا تفتح للناس ولا يستطيع أحدهم أن يمسكها. وقال رب العزة والجلال: )أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ( [ص: 9]، عزيز وهاب، خزائن رحمة ربك، تكرر هذا اللفظ في القرآن الكريم. وقال ربي سبحانه وتعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( [الأنبياء: 107]. وقال ربي سبحانه وتعالى: )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ( وليس أذنبوا، في فرق بين أذنبوا وبين أسرفوا )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللّه -لا تيأسوا من رحمة الله- إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾ [الزمر: 53]، انظر إلى هذا المؤكدات التي اجتمعت في هذه الآية، (قل يا عبادي الذين أسرفوا) ولاحظ كلمة أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والآثام، (لا تقنطوا) لا تيأسوا (من رحمة الله) إن حرف توكيد ونصب، (إن الله يغفر الذنوب) ممكن الواحد يَظن بعضها يُغفر بعضها لا يُغفر، فجاءت كلمة جميعاً، (إن الله يغفر الذنوب جميعاً) مرة ثانية (إنه) إن حرف توكيد ونصب، والهاء هنا الضمير يعود إلى رب العزة والجلال، والإضمار بعد الإظهار فيه توكيد، (إنه هو) ضمير الفصل في اللغة العربية من أجل التأكيد، (إنه هو الغفور الرحيم) هل تنظرون إلى عظيم رحمة ربنا سبحانه وتعالى؟ هل تنظرون إلى أن عماد ديننا قائم على هذه الرحمة؟. وقال ربي سبحانه وتعالى: ﴿عَذابي أُصيبُ بِهِ مَن أَشاءُ وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ﴾ [الأعراف: 156]، الله أكبر، )ورحمتي وسعت كل شيء(. وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعون﴾ [يونس: 58]، لماذا نفرح برحمة الله؟ ونحن ما قيمتنا لولا رحمة ربنا عز وجل، لولا فضل ربنا ما قيمتنا؟ يا أخواننا نحن وإياكم وأي إنسان لولا فضل الله عز وجل ورحمة رب العالمين ما قيمتنا نحن وإياكم؟ جئنا من بطون أمهاتنا صغاراً، صرنا كباراً، جهالاً علمنا الله، فقراء أغنانا الله، عطشى أروانا الله، جوعى أطعمنا الله وأشبعنا الله، جعل لنا مكانة بين الناس، كرمنا سبحانه وتعالى، لولا فضل الله ورحمته ماذا يحل بنا؟ ﴿قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعون﴾. وقال رب العزة والجلال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ -نصيبين من رحمته- وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾ [الحديد: 28]، رحمة كفلين: نصيبين من رحمة، وليست رحمة واحدة، )ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم(. أختم هذه الخطبة بهذين الحديثين: الحديث الأول: في صحيح البخاري، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة، -الحديث في البخاري- فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة))، كل هذه الرحمة التي نراها هي رحمة واحدة من الله، وأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، خَبَّأهُن عنده، كل ما نراه من الرحمة قال هو رحمة واحدة، وتسعة وتسعين رحمة مُدخرة لعباد الله يوم القيامة، ((وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة)) فلو هنا انظر إلى هذا الحديث العظيم، والحديث في البخاري ((فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن النار)). الحديث الثاني أيضاً رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه لكن في صحيح مسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة، فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام)) الهوام: النمل الذباب البعوض، هذه تسمى هَوام الأرض، والبهائم معروفة، والجن عالم الجن، وعالم الإنس، رحمة واحدة لكل هذه العوالم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تَعطف الوحش على ولدها، وأَخَّرَ الله تسعاً وتسعين رحمة يَرحم بها عباده يوم القيامة)). اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا الله، وعمنا جميعاً بفضلك الكبير. هل رأيتم -أيها الأخوة- تلوت على حضراتكم فقط حوالي عشر آيات من كتاب الله عز وجل فيها كلمة الرحمة، الآيات مئات، بألفاظها ومعانيها مئات، ومن أسماء الله عز وجل أنه الرحمن الرحيم، وأنه الرؤوف الرحيم، وأنه الغفور الرحيم، فيجب أن نعمم ثقافة الرحمة في دين الله عز وجل، وأن لا تكون الصورة المرسومة في أذهاننا عن ديننا أنه دين القسوة، هو دين الجِدِّ؟ نعم، دين الاستقامة؟ نعم، دين العلم؟ نعم، دين العمل؟ نعم، ولكن مع هذا كله لا يمكن أن تقوم برسالة الإسلام الحقيقية إلا عبر أركان الإسلام الخمسة التي أولها أنه دين الرحمة وعالمية الرحمة في ديننا، لأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: ((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا، وسددوا وقاربوا)). نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُؤتينا كفلين من رحمته، كما آتى عباده الصالحين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يُقنطنا من رحمته: )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾ [الزمر: 53].

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1125
تحميل ملفات
فيديو مصور