الثلاثاء 04 ربيع الثاني 1446 - 08 أكتوبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2012-07-23 الساعة 12:51:43
خلق التعاون والتراحم والمواساة
فضيلة الشيخ نذير مكتبي

                                                   خُلق التعاون والتراحم والمواساة

والحاجة عند تفاقم الأزمات

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد :

فلقد جاء دين الإسلام دعوة إلى أنبل المعاني الإنسانية وأكرم القيم الأخلاقية وأصدق مظاهر التعاون والتراحم بين الناس وخاصة عندما تشتد عليهم الأزمات وتتفاقم في حياتهم الكروب وتصيبهم ضوائق العيش .

وحسبنا ما نقرؤه في القرآن الكريم وهو دستور الإسلام العظيم , من الآيات البينات التي تفيض فيها الدعوة إلى هذه المعاني الإنسانية الفاضلة من التعاون والتراحم بين الناس والثناء على أهلها بما يرسم الصورة الناصعة للمجتمع الإنساني الفاضل وذلك نحو قوله تعالى :

(( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ))

وقوله : (( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم )) .

وقوله : (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) .

وقوله : (( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا )) .

وجاءت توجيهات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاصة على هذه القيم الإنسانية النبيلة فقال : (( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته )) وقال : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) , وقال : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) وقال : 
(( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) .

وربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين على معنى التواسي والتعاون والتراحم فيما بينهم فكان إذا رأى فيهم شيئاً من هذه الخصال الكريمة أثنى عليهم وأعلن افتخاره بهم , فروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "" إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو وقل طعام  عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم "" .

انظر يا أخي إلى هذه الصورة الرائعة من التعاون والتباذل والتواسي بين الأشعريين فما كان أغنياؤهم والواجدون منهم يخبئون أرازقهم وما عندهم عن الآخرين من المكروبين والمحتاجين ويعتذرون أمامهم بالعدم وإنما كانوا يخرجون ما عندهم ليقتسموه مع سائر الناس بالسوية معبرين بذلك عن خالص إيمانهم وصدق إخوتهم وحقيقة تمسكهم بدينهم .

وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد ً فليعد به على من لا زاد له )) فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل )) .

فبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما زاد عن حاجة المؤمن من ثياب وطعام وخير هو حق لأخيه المحتاج , وهذا لا ريب هو المعنى الحقيقي للتكافل الذي يقوم على أساسه المجتمع الصالح وتتكون به الأمة الراشدة , وأَجْدِرْ بمثل هذا المجتمع المتواسي المتكافل أن يكون مجتمعاً قوياً مترابطاً متماسكاً عزيزاً كريماً تنأى عنه الكروب وتحفٌّ به العناية الإلهية حيث قال سبحانه :

(( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) .  

ولقد عاش المسلمون الأوائل هذه الروح الإنسانية الطاهرة من التراحم والتبادل والتواسي فيما بينهم وضربوا بذلك أروع الأمثلة , وحسبك منهم الأنصار الذين فتحوا بيوتهم في المدينة لإخوانهم المهاجرين عندما جاؤوهم تاركين أموالهم وبيوتهم في قلة فارين بدينهم وعقيدتهم , فكان الأنصاري يشاطر أخاه المهاجر بيته وماله ورغيف خبزه , فأثنى الله عليهم بقوله : 
(( والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حَاجَةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) .

وحسبنا أيضاً من أخبارهم في ذلك أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يقول : (( أتى علينا زمان , وما كان أحدنا يرى نفسه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم )) .

وذكر عن أويس القرني رضي الله عنه أنه إذا أتى عليه المساء أخرج من بيته كل ما زاد عن حاجته من طعام ومتاع وأشياء فأنفقه في سبيل الله ثم دعا فقال : (( اللهم من مات من عبادك جوعاً فلا تؤاخذني به ومن مات من عبادك عرياً فلا تؤاخذني به )) .

فكان يخشى أن يُسأل يوم القيامة عن كل محتاج من جائع أو عار لم يؤازره ويقض حاجته .

أخيراً : أقول ما أحوجنا اليوم في ظل ما تمر به من ظروف معاشية قاسية وأوضاع  أليمة ومحن وشدائد , ما أحوجنا إلى أن نتحلى بهذه الخصال الكريمة من التعاون والتراحم والإيثار فيما بيننا فإنه والله من أهم عوامل رفع البلاء وتفريج الكروب ونزول الرحمة على العباد .

والحمد لله رب العالمين
أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 3024

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *