موسوعة الأسر الدمشقية

تصدير وتعريف بموسوعة الأسر الدمشقية

الدكتور محمد شريف الصواف


تصدير وتعريف بموسوعة الأسر الدمشقية
 

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد الهادي الأمين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان، ونهج نهجهم، وأحيى سنتهم إلى يوم الدين، وبعد:

فقد اهتم المؤرخون والباحثون قديماً وحديثاً بالتأريخ لهذه المدينة العظيمة
«دمشق» والتعريف برجالاتها، وكتبوا في ذلك الكثير، وتركوا لنا مصنفات شكلت مكتبة كبيرة عامرة فيها أدق التفاصيل من تاريخ هذه المدينة، وتاريخ رجالها، ومعالمها، وحياتها الاجتماعية الثرية النابضة.

وقد كان لكل مؤرخ من هؤلاء المؤرخين هدفه ومنهجه ؛ فمنهم من أرَّخ لمعالمها العمرانية، ومنهم من أرَّخ لغوطتها، ومنهم من تحدث عن مجتمعها، ومنهم من ترجم لأعلامها، ولكن لم تصدر دراسة متخصصة شاملة عن تاريخ أسرها، وأثر هذه الأسر في الحياة الدمشقية، ماخلا بعض الدراسات التي صدرت عن تأثير بعض هذه الأسر في الحركة السياسية لهذه البلدة، وبعض الأبحاث والفصول المبثوثة في الكتب العامة، وكان أوسعها ما كتبه المؤرخ الدمشقي الشيخ محمد أديب تقي الدين الحصني المتوفى (1358هـ/1940م) في كتابه «منتخبات التواريخ لمدينة دمشق»، فقد قدّم مادة ثرية ولكنها تحتاج إلى تنقيح، وتهذيب، وإتمام، وترتيب عصري مناسب.

 
الهدف من هذا العمل:
 

وكان الباعث على هذا العمل والهدف منه هو حفظ هذه المعلومات التاريخية التي قدمها المؤرخون السابقون، أو التي جمعتها مشافهة، وترتيبها على هذا الشكل لتكون شاهداً على ماقدم السابقون، وحافزاً لأبناء هذه الأسر الدمشقية العريقة يتعرفون من خلالها على تراث آبائهم وأجدادهم، وعلى ما قدموه من خير وفضل، فينهجوا منهجهم في العلم والتقوى، الجد والعمل ليحصلوا الثمرة التي حصلوها، وليكونوا خير خلف لخير سلف، ولا يقصروا فيضيع مجدهم، ويذهب أثرهم، وتتيه خطاهم.

ولا شك أن القدوة الصالحة الناجحة من أهم أسباب النجاح في الحياة، ولذلك ذكر الله في القرآن الكريم قصص السابقين من الأنبياء والصالحين .

 

مسيرة طويلة نحو ... موسوعة الأسر والأعلام الدمشقية :

 

وقد منَّ الله تعالى عليَّ ويسَّر صدور الطبعة الأولى والثانية من كتاب (معجم الأسر والأعلام الدمشقية)، وكانت تلك الطبعة تمهيداً وتأسيساً لموسوعة تأرخ لمناقب الأسر الدمشقية، وتراجم رجالها ومآثرهم.

وذكرت في مقدمة طبعات الكتاب السابقة أن هذا العمل عمل موسوعي يحتاج إلى تعاون المعنيين والمهتمين بتاريخ هذه المدينة العريقة وتاريخ رجالها، ولا يمكن لمثل هذا العمل أن يولد كاملاً، فإن الأعمال التاريخية لم تخلُ قديماً وحديثاً من النقص، والخطأ، والوهم، ولذلك كثرت الاستدراكات والتصحيحات والتعليقات عليها، وحسب هذا الكتاب في طبعاته السابقة أنه أثار اهتمام الغافلين عن هذا الأمر، وبعث الهمة من جديد في نفوس المهتمين المتكاسلين، وسد ثغرة مهمة من تاريخ هذه المدينة ورجالها.

ولذلك فقد تلقى القراء طبعات الكتاب السابقة بشغف شديد، وأقبلوا عليها وكلهم أمل أن يجدوا فيها بغيتهم، وأن يتعرفوا على تاريخ أسرتهم، ويعرفوا أبناءهم على أخبار أجدادهم، وعظماء أمتهم.

وكنت ألحظ أثناء زيارتي لمعرض الكتاب العربي في مكتبة الأسد وجوه القراء وهم يمسكون بنسخة الكتاب ويتصفحوه فأرى علامات الرضى والسرور في وجوه أكثرهم، ثم تلقيت عدداً من رسائل الشكر وكلمات الثناء من عددٍ من القراء والمثقفين، وأصبح الكتاب حديث الدمشقيين في سهراتهم وندواتهم.

 

وعلى الطرف الآخر المقابل لهذا الجمهور الذي تقبل هذا العمل بقبول حسن كان يقف عدد من القراء الذين لم يلبي هذا الكتاب رغبتهم، ولم يجدوا فيه بغيتهم، فسخط أكثرهم أشد السخط، وحاول الإساءة للكتاب ومؤلفه، وصار يسدد إليه سهام الناقد المتعسف الذي يكبر الأخطاء، ويخفي الإيجابيات، والسبب في ذلك أنه لم يجد في الكتاب ذكراً لأسرته، أو لأبيه أوجده، أو أنه لم يجد فيما كتب عنه أو عن أسرته مايرضي حسن ظنه بنفسه وبأسرته!!!

وكنت كلما سمعت نقداً من أمثال هؤلاء المتعسفين ذكرت لهم أن التأريخ أمانة ورسالة، وأني اجتهدت في إخراج الكتاب على وجه مقبول، وتقصيري في كتابة شيء عن أسرهم أو أعلامهم إنما هو بسبب تقصير أبناء هذه الأسر في خدمة أسرهم، ونشر فضائل أعلامهم، والأمر سهل الاستدراك، وأسهل مما يظن، ولو أن أحدهم أشار عليَّ برجوع إلى مرجع قديم أو حديث تحدث عن أسرهم أو أعلامهم لعدت إليه وتتبعت مافيه من معلومات ومصادر، وكتبت مايفي بحق هذه الأسرة وأعلامها.

وكان أكثرهم يعدُ بأن يقدم لي بعض الوثائق الخاصة بأسرته، أو أن يذكر لي بعض المراجع التي تحدثت عن أعلام هذه الأسرة، أو أن يزودني ببعض المعلومات الشفهية الدقيقة، ولكن أكثر هذه الوعود كانت لا تترجم على الواقع ولا حتى بأسطر معدودة، أو كلمات شفهية مفيدة !!!

 

ولذلك لم أجد بداً من العودة مرة أخرى إلى المصادر التاريخية الأولى التي كنت قد اعتمدتها سابقاً وأعيد التفتيش فيها عما يمكن أن يغني الطبعات اللاحقة من هذا الكتاب.

وأكثر ماساءني من ردود الأفعال التي صدرت تجاه الطبعات السابقة من هذا الكتاب هو الاتهامات والانتقادات التي صدرت من أناس كنت أظن فيهم الإنصاف ومنهجية البحث العلمي، ولكنني فوجئت بأنهم كانوا يلقون الاتهامات دون تدقيق أو تحقيق، وينشرونها في مجالس لا أكون فيها، فإذا رأوني هشوا وبشوا وأثنوا ثناء جميلاً، وكنت أنا كذلك ألقاهم خالي الذهن وصافي القلب، لعلمي أن الزبد يذهب، وما ينفع الناس من الخير يمكث في الأرض، وهذه قاعدة لا تتغير على مر الأيام والأعوام .

وأخيراً لا بد من التنويه إلى أن الانتقادات الإيجابية والسلبية على السواء قد أغنت الكتاب وخدمته، وهكذا خرجت هذه الموسوعة مع هذه الإضافات الهامة.

 
منهجي في العمل في هذا الكتاب:
 

وقد كان عملي في هذا الكتاب وفق المنهج التالي:

1- اعتمدت في هذا البحث على كتاب «منتخبات التواريخ لمدينة دمشق» للسيد أديب تقي الدين الحصني مصدراً أساسياً، ونواة لهذا العمل، فكل أسرة ذكرها الحصني في كتابه هَذَّبتُ ما ذكره عنها، وأضفت إلى ذلك ما تحصّل لديَّ من معلومات أخرى عن تاريخها ورجالها.

2- أضفتُ إلى ما ذكره الحصني عدداً كبيراً من الأسر الأخرى التي أهملها، والتي كان لها أثر كبير في مجتمع مدينة دمشق، وميَّزتها عن الأسر التي ذكرها بعلامة (*)، واشترطت في الأسر التي أضفتها شرطين أساسين:

الأول: أن يكون مضى على وجودها في مدينة دمشق مئة عامٍ فأكثر، وتعاقب منها في هذه المدينة أكثر من ثلاثة أجيال.

والثاني: أن يكون قد اشتهر من أبنائها عدد ممن تركوا في حياة مدينة دمشق أثراً علمياً، أو عمرانياً، أو اجتماعياً ملحوظاً.

ولا شك أنني ربما أهملت عدداً من الأسر التي لم يكن غيرها ممن ذكرتُ أولى بالذكر منها، وذلك لقلة المصادر والمعلومات حول هذه الأسر، وعدم استطاعتي الوصول إليها أو لانعدامها.

ومن أمثلة هذه الأسر: السروجي، ورمضان([1])، وأبو البرغل([2])، والبيرقدار، والرواس.

3- اعتمدت في عملي هذا على أكثر المراجع التاريخية التي تحدثت عن تاريخ مدينة دمشق خلال الأربعة قرون الماضية، ولكني جعلت الاعتماد الأكبر على سلسلة (تاريخ علماء وأعيان دمشق) في القرون (11)، و(12)، و(13)، و(14) الهجرية للأستاذين المؤرخين د. محمد مطيع الحافظ، ود. نزار أباظة، وعلى كتاب (أعلام دمشق في القرن 14 هـ) للمؤرخ الأستاذ د. محمد عبد اللطيف الفرفور، وذلك للمنهجية والموثوقية التي تتميز بها هذه الكتب عن غيرها، فإذا تكررت المعلومة في هذه الكتب، أو تعارضت مع الكتب الأخرى اكتفيت بما في هذه الكتب، وأهملت ما في غيرها.

4- حاولت في أكثر الأسر التي ذكرتها في هذه الموسوعة الرجوع إلى المهتمين بتاريخ وأنساب هذه الأسر لتصحيح وإتمام ما كتبتُ عنها، فمنهم من لبى مشكوراً، ومنهم من تلكَّـأ، ومنهم من وعد ولم يلبي، ومنهم من استصغر العمل، وأهمل الطلب، فأشكر كل من ساهم وشارك بتقديم المعلومات في هذا الكتاب.

5- اعتمدت في ترتيب الأسر على طريقة المعجم، واختصرت كثيراً من المعلومات التي ذكرتها عن أعلام هذه الأسر، وذلك لأني أردت أن يكون هذا العمل فهرساً ومعجماً لهؤلاء الأعلام، ومفتاحاً يدل على المصادر التاريخية التي ذكرت سير هؤلاء الأعلام بشكل مطولٍ، ولو أني لم أختصر هذا الاختصار لبلغ حجم العمل أضعافاً مضاعفة وفقد مقصده الأصل.

6- حاولت ضمن الأسرة الواحدة أن أذكر أبناء الفرع الواحد من هذه الأسرة، والآباء والأبناء، في مواضع قريبة قدر الإمكان، ولم أعتمد الترتيب المعجمي ولا التاريخي في ترتيب أعلام الأسرة الواحدة.

7- صدَّرت الحديث عن كل أسرة بالحديث عن هجرتها إلى مدينة دمشق، وسبب نسبتها، وأبرز سماتها، ثم أثبتُ نسبها- إن وجد- ابتداءً من أشهر رجالها.


ملاحظة حول الأنساب ومشجرات الأسر:

 

حاولت في هذه الموسوعة تتبع أنساب الأسر التي تنتسب إلى الدوحة النبوية المباركة، واستفدت كثيراً من الكتاب القيم (جامع الدرر البهية لأنساب القرشيين في البلاد الشامية) للسيد الشريف الدكتور كمال الحوت جزاه الله خيراً، الذي جمع فيه عدداً كبيراً من أنساب الأسر الدمشقية الشريفة وقد علق على بعضها تعليقات علمية مفيدة.

وهنا يجدر التنبيه إلى ملاحظة هامة حول موضوع ثبوت أنساب كثير من الأسر، فإنني من خلال بحثي وعلمي المحدود في موضوع الأنساب وجدت أن مشجرات الأنساب التي بين يدي هذه الأسر الكريمة لا تخلو من بعض السقط والأخطاء والأوهام في عمود النسب، ولكن شهرة انتساب هذه الأسرة أو تلك وتواتر هذه الشهرة بين المؤرخين قديماً تجعلنا نجزم بصحة وصدق انتساب هذه الأسرة إلى النبي ص حتى وإن لم نعثر على عمود للنسب، ومن أكبر الأمثلة على ذلك أسرة الشيخ محمد بدر الدين الحسني المراكشي؛ حيث قطع المؤرخون والنسابون بصحة انتسابها إلى الدوحة النبوية الشريفة، وإن كانوا يفتقرون إلى أسماء الأجداد القدامى التي تربطهم بالنبي r .

بينما نجد أنه بعد غياب منصب نقيب الأشراف في سورية تجرأ عدد من الناس فلفقوا أعمدة مزورة تصلهم بالدوحة النبوية الشريفة .

ولذلك لابد أن أنبه إلى أن بعض من الأسر التي ذكرت نسبها في هذا الكتاب لا أطمئن إلى صحة هذا النسب ولا صحة الأسماء في عموده، وخاصة منها الأسر التي أعلنت نسبها وشهرته بعد إلغاء منصب نقيب الأشراف في سورية، ولكني ذكرت هذا النسب نقلاً عمن ذكره وبخاصة منهم الأستاذ كمال الحوت رئيس جمعية السادة الأشراف في بيروت، والتزاماً بمبدأ شرعي أصيل هو قول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس t : الناس أمناء على أنسابهم .

ولذلك فإن سياق نسب إحدى الأسر في هذا الكتاب ليس إلا على عهدة من ذكره من النسابة والمؤرخين أو من بيده هذه المشجرات والله أعلم .

وهكذا فإنني بعد هذه المسيرة التي استمرت أكثر من عشر سنوات من الجهد في البحث والجمع والترتيب أرجو أن أكون قد وفقت في تقديم الجديد والمفيد، وأن يثيبني الله عليه، ويجعله مبروراً مشكوراً، وأضع هذه الموسوعة بين يدي القراء الكرام، راجياً منهم أن ينظروا إليها بعين الناقد المنصف، وأن يصححوا الخلل، ويتمموا النقص وفق منهج علمي رائده الإخلاص والبحث عن الحقيقة، فإن الله جعل الخطأ والنسيان صفة أصيلة لازمة في ابن آدم.

 


([1]) من الأسر التجارية القديمة في حي سوق ساروجا، نبغ منهم حديثاً عدد من كبار التجار والعلماء منهم: عبد الله: من كبار تجار سوق الحميدية في بداية القرن (14هـ) .

وولده: محمد بشير (1328-....هـ/1910-....م): نائب في البرلمان، من أعيان التجار، وفضلائهم، تخرج في كلية الحقوق، وعمل مع والده في متجره الشهير في سوق الحميدية، وشارك السيد شفيق سكر، ثم السيد محمد الكسواني في معمل للجرابات، عضو مجلس إدارة غرفة التجارة خلال السنوات (1942-1970م)، وعضو الجمعية الغراء، وجمعية المواساة . انظر المسيرة التجارية، ص 58 .

([2]) من الأسر القديمة الشهيرة في حي الميدان، ونسبتهم إلى جدهم السيد أحمد أبو البرغل
ابن الشيخ عبد المجيد ابن الشيخ ضبيان الزعبي الكيلاني  (571-670هـ/1175-1271م).

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=329&id=1566