كلمة الأسبوع

بالرحمة تحيا الشعوب

فضيلة الشيخ نذير مكتبي


بالرحمة تحيا الشعوب
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا ومولانا رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
أما بعد فإن الله تعالى يقول في محكم التنزيل :
" و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " .
ويقول سبحانه " وربك الغفور ذو الرحمة " .
ويقول في وصف رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام : " بالمؤمنين رؤوف رحيم " .
ويقول في وصف الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين : " رحماء بينهم " .
 
لا يختلف اثنان في أنه لا تستقيم حياة الخلق , ولا يطمئن عيش العباد , ولا يستقر وجودهم آمناً سالماً إلا في ظل الرحمة التي تفيض بها قلوب الخلق , وتجري آثارها في سلوكهم وأحوالهم وسائر علاقاتهم .
 
فإذا اضمحلت الرحمة من القلوب حلّ مكانها القسوة والبغي وحب الانتقام .
 
والرحمة تعني الشفقة والرقة والإحسان , ولقد ركب الله تعالى في طباع الخلق الرقة والشفقة , وتفرد بالإحسان , فالرحمة من الله تعالى تعني الإحسان إلى خلقه , بعفوه عن المسيء وتفريجه للكروب وشفائه للمريض ونشر رزقه على الخلق ونصرته للمظلوم وإجابته دعوة المضطرّ .
 
ولقد جعل الله تعالى الرحمة من صفاه فقال : " وربك الغفور ذو الرحمة " , ووصف نفسه بقوله : " هو الرحمن الرحيم " .
 
وتحدث عن سعة رحمته فقال : " ورحمتي وسعت كل شيء " .
 
وبشر عباده المذنبين فقال : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " وقال سبحانه في الحديث القدسي : " وأهل معصيتي لا أُقنطهم من رحمتي " .
 
وتحدث جل جلاله في القرآن الكريم عن آثار رحمته في الإنعام ورفع البلاء ونشر الخير والعفو عن العباد بما يقرب من ثلاثمائة وثلاثة وعشرين موطناً " , وأعلن سبحانه محبته للمتراحمين فيه , ووعد أهل الرحمة منهم بالرحمة فجاء في الحديث : " الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " , وقال عليه الصلاة والسلام " إنما يرحم الله من عباده الرحماء " .
 
وجعل الله تعالى الصفة الرئيسية والغاية من إرسال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة فقال : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فكان عليه الصلاة والسلام يقول عن نفسه : " إنما بعثت أنا رحمة مهداة " " هادياً ورحمة " .
 
وأعلن أن رسالته كلها هي نفحة من رحمته سبحانه فقال عن دستور هذه الرسالة الخالدة - وهو القرآن الكريم – " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " .
 
وغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين معاني الرحمة ورباهم عليها متوجهاً بتوجيه الله تعالى له حيث أمره أن يعامل أصحابه بهذه الرحمة فقال له : " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر .... !! " .
 
فدعا عليه الصلاة والسلام أصحابه وسائر المؤمنين إلى أن يجعلوا الرحمة سيرتهم مع سائر خلق الله حتى مع البهائم والطيور والحشرات فقال : " عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " .
 
وعندما رأى رجلاً قد أضجع شاة وهو يحد شفرته أمامها ليذبحها قال له رسول الله : أتريد أن نميتها موتتين ؟ هل أحددت شفرتك قبل أن تضجعها
 
ورأى قرية نمل قد أحرقت فقال : من حرق هذه ؟ قالوا : نحن قتال : " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب العالمين " .
 
بهذه الرحمة امتلأت قلوب المسلمين الأوائل وصدت بهم إلى أن يعطف أقوياؤهم على ضعفائهم وكبارهم على صغارهم ورجالهم على نسائهم , ويواسي أغنياؤهم فقراءهم , ويرعى زعماؤهم رعاياهم , ويتمثلون في سلوكهم قوله صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ودفعهم إلى أن يستجيبوا لقوله عليه الصلاة والسلام " ابغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " .
 
وفي ظل هذه الرحمة التي عاشوها خلقاً كريماً صبغ حركة حياتهم , حقنت دماؤهم وحفظت أعراضهم , وحميت أموالهم .
 
واستنشقوا عبق الأمن والاستقرار في ظل دين قدس الرحمة في أخلاق الناس بل كان ينبوعها الثر وسراجها الذي تتدفق منه أنوار السعادة والأمن والسلام في ربوع الحياة .
فكم تفتقر البشرية اليوم إلى هذا الخلق العظيم خلق الرحمة لتخرج به من دوامة هذا العنف الصارخ الذي يملؤ حياتها خوفاً وقلقاً وآلاماً وأحزاناً.
 
فلنجتهد في أن تمتلئ قلوبنا بالرحمة على خلق الله لنفوز برحمته سبحانه , ونحشر يوم القيامة تحت لواء من أرسله رحمة للعالمين .
 
والحمد لله رب العالمين
    
 
Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=847