الجامع الأموي » المعالم الزخرفية

الفسيفساء

إدارة التحرير


الفسيفساء
الفسيفساء:
يمتاز الجامع الأموي الكبير بدمشق عن غيره من الجوامع بكسوته التزينية الرائعة التي جعلته آية من آيات الفن والإبداع والجمال .
 
لقد أراد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أن يجعل من هذا المسجد آبدة دمشق الخالدة ، فأنفق عليه بسخاء كبير ، واستقدم كبار أهل الفن والعمارة في الممالك والأمصار لينفذوا مشروعه العظيم ، فتفتحت عبقرياتهم ومواهبهم وكانت الفسيفساء العنصر الأكثر إبهاراً وإدهاشاً وروعة وفناً ، كما أوعز الوليد برصف جدران الجامع وأروقته وقناطره كلها بفصوص من الزجاج الملون ، المذهب والمفضض .
 
 فغطت الفسيفساء الأقسام العليا من الجامع , في الداخل والخارج ، وفي الحرم والأروقة ، وكذلك القناطر وباطن العقود ، ومع أن أكثرها قد زال بفعل الزلازل والحرائق التي تعرض لها الجامع ، فإن ما بقي منها يعتبر ثروة فنية لا تقدر ، بثمن ونشاهد آثارها القديمة كما أبدعت في العصر الأموي في جدار رواق الصحن الغربي وفي دهليز باب البريد وعلى واجهة المجاز القاطع , تخللها أجزاء أكملت حديثاً أحيطت بخط أحمر لتمييزها عن الأصل القديم.
 
لقد رصفت جدران الجامع الأموي الكبير بآلاف الأمتار بالفسيفساء وتآلفت مواضيعها بكل ما يخطر على البال من مناظر خلابة ورسوم هندسية بألوانها الطبيعية التي تدهش كل من يشاهدها ، لذلك نالت الاهتمام الكبير من الوصف من قبل الكثير من المؤرخين والرحالة والمستشرقين ، وكان من أقدمهم الحسن بن محمد المهلبي الذي زار الجامع الأموي في القرن الرابع الهجري ، وقال في وصف فسيفسائه "والحنايا والحيطان كلها إلى حد سقفه منقوشة أبدع نقش بالفسيفساء الملون المدهون والمذهب ، كتب في حائطه القبلي سور من القرآن بالفسيفساء المذهب في تضاعيف النقش" .
 
ووصف الفسيفساء أيضاً المؤرخ والرحالة "المقدسي" في كتابه الشهير "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" فقال: "وحيطانه إلى قامتين بالرخام المجزع ثم إلى السقف بالفسيفساء الملونة والمذهبة في صور أشجار وأمصار وكتابات على غاية الحسن والدقة ولطافة الصنعة ، وكل شيء أو بلد إلا وقد مثل على تلك الحيطان وقناطر الأروقة كلها مرصعة بالفسيفساء " .
 
وتغلب في الفسيفساء الأموية الفصوص المصنوعة من الزجاج الملون ، والفصوص المفضضة والمذهبة ، وقد صنعت هذه الأخيرة بوضع ورق الذهب أو طلاء الفضة على صفحة الألواح الزجاجية ، ثم تغطى بطبقة رقيقة من الزجاج الشفاف لحفظ الذهب والفضة .
 
ويلاحظ بأن هذه الفصوص بشكل خاص ، كانت ترصف مائلة نحو الأرض كي تنعكس ألوانها على عيني المشاهد لها ، فيظهر بريقها .
 
ويتخلل الفصوص الزجاجية قليل من فصوص الحجر والرخام ، وتستخدم قطع الصدف عند الحاجة ، ولا سيما عند تصوير المصابيح المدلاة بواسطة السلاسل المثبتة في باطن عقود المباني .
 
هذا وإن حجم الفصوص بشكل عام يقارب مكعباً طول ضلعه سنتيمتر واحد.
 
وتتميز الفسيفساء الأموية أيضاً بأن مواضيعها خالية من الصور فهي قاصرة على مشاهد الطبيعة ، والعمائر ، والزخارف النباتية والهندسية ، حيث أن الشريعة الإسلامية تنهي عن تصوير الكائنات الحية تبعاً للحديث الشريف : " يعذب المصورون الذين يضاهون بخلق الله".
 
ويشاهد بين الفسيفساء الباقية إلى اليوم قطع يرجع تاريخ صنعها إلى ترميمات جرت في العهود السلجوقية والأيوبية والمملوكية ، يمكن تمييزها من طريقة الصنع ومن العناصر المعمارية الممثلة فيها. فهناك قطعة تحمل اسم الملك العادل نور الدين محمود من القرن الثاني عشر الميلادي في جدار الرواق الشرقي ، وأخرى تحمل اسم الظاهر بيبرس في دهليز باب البريد .
 
وكان يتخلل الفسيفساء الأموية كتابات وآيات قرآنية ، ولاسيما في الحرم ، تحدث عنها المؤرخون القدماء أمثال المسعودي الذي شاهد في أيامه (سنة 332هــ/943م) النص التاريخي لبناء الجامع مكتوباً بالفسيفساء ، وكانت فصوص النص مذهبة مثبتة على أرضية من الفصوص الزرقاء ، وهذا تفسير لعبارته : " أمر الوليد أن يكتب بالذهب على اللازورد الخ..." .
 
وكذلك أشار المهلبي إلى سور من القرآن مكتوبة بالفسيفساء ، وتشاهد مثل هذه الكتابة اليوم في فسيفساء قبة الصخرة الأموية ، فهي أشبه شيء بكتابات فسيفساء جامع دمشق المفقودة .
 
ومن أروع الأمثلة على الفسيفساء في الجامع الأموي واجهة المجاز القاطع الواقعة في منتصف واجهة الحرم المطلة على الصحن ، وكذلك ما وجد على جدار الرواق الغربي حيث ظهرت معالم لوحة جدارية رائعة الجمال فريدة في ألوانها ومواضعها وتكويناتها ، هي بحق تحفة رائعة من روائع الفن العالمي على امتداد العصور .
 
وتعود أغلب سطوح هذه اللوحة بالتأكيد إلى مرحلة الوليد ، وتعطي فكرة عما كان عليه الجامع من فخامة وبهاء. وقد ظهرت في بعض أقسامها مساحات سقطت منها الفسيفساء ، كما ظهرت في أقسام أخرى ملامح ترميم تعود في الغالب إلى عصري نور الدين محمود بن زنكي والملك الظاهر بيبرس ، وبقيت اللوحة على حالها حتى بداية الستينات من القرن الماضي ، حيث بدأت عملية ترميمها وأكملت في عام 1385هــ /1964م كما هو مدون عند الزاوية الجنوبية السفلى للوحة .
 
تتوضع اللوحة على جدار الصحن الغربي ، ويبلغ طولها 34.5م وعرضها 7.2م ، وارتفاعها عن مستوى أرض الرواق 5.0م ، ويحيط بأضلاعها الثلاثة العلوي والسفلي والجنوبي إطار زخرفي عريض يغيب عند ضلعها الشمالي .
 
يحتل مجرى النهر القسم السفلي من اللوحة ويجري من طرفها الجنوبي إلى طرفها الشمالي بمياهه الرقراقة الزرقاء والخضراء والسماوية اللون ، متدفقاً في البدء من تحت قنطرة كموج عارم يغطيه زبد فضي ثم يهدأ رويداً رويداً مخلفاً روافد صغيرة وملامساً حوافه التي تتوضع عليها العمائر والقرى وتنمو على أطرافها الأشجار الضخمة .
 
تشغل الأشجار كامل ارتفاع اللوحة ممتدة على طول اللوحة ويبلغ عددها عشرين شجرة تمثل ما هو موجود في وادي بردى من أشجار الجوز والإجاص والتفاح والمشمش والحور والسرو، وهي محملة بثمارها المختلفة الألوان ، وتظهر في خلفية اللوحة وبين الأشجار شجيرات رشيقة وغابات جميلة تشكل نوعاً من التباين الجذاب بينها وبين الأشجار الضخمة .
 
كما توجد على ضفة النهر وكذلك بين الأشجار وعلى رؤوس الجبال منشآت عمائرية يبلغ عددها اثنتين وعشرين منشأة تتنوع في شكلها وحجمها ومصاطبها وقناطرها وأسقفها الجملونية والمسطحة ، وتظهر فيها أدق التفاصيل كتيجان الأعمدة الدورية والكورنثية والسلاسل الفضية المعلقة بين الأعمدة ، والنوافذ والأبواب المعلق عليها قناديل الإنارة والأسقف الخشبية بدعاماتها المعدنية على شكل حرف S والأحجار القرميدية والأدراج الحجرية وغيرها.
كل ذلك ضمن تكوين رائع وتناغم فريد يجعل اللوحة بحق إحدى أجمل اللوحات الجدارية في العالم .
 
ولقد تبين أثناء الترميم الأخير (1385هـ/1964م) أن الصناع في زمن الوليد كانوا يغطون الجدران الحجرية بطبقة من الكلس الممزوج بالتبن وقشر القنب ، ثم تحزز سطوحها حتى لا تكون ملساء ناعمة ، وترسم الخطوط الرئيسية للأشكال والزخارف على هذه الطبقة بعد جفافها بسرعة ، ثم ترسم تفاصيل الرسوم عليها بآلة حادة قاطعة ، في الأقسام التي تحتاج إلى دقة في الرسم ، وتغرس فيها الفصوص والمعجونة ما زالت طرية ، ثم تغرس الفصوص التي تشكل أرضية اللوحة في المعجونة مباشرة بعد أن تمد شيئاً فشيئاً على الجدران بين الخطوط الرئيسية المرسومة سابقاً على الطبعة الأولى .
 
وهكذا تصبح الفصوص مغروسة بشكل متين ضمن مادة الجبصين القوية المتلاصقة مع الجدران وفي أعالي الجدران ، كان الصناع يغرسون فصوص الذهب والفضة بمستوى مائل عليها ، بشكل يواجه الناظر إليها من الأرض ، فتشاهد أشد لمعاناً وتوهجاً. وقد شاهد العمال أثناء الترميم قطعة فوق أحد الأقواس في مدخل باب البريد ، رسمت الرسوم فوق الطبقة الثانية من المعجونة بآلة حادة ولم يتم غرس الفصوص فيها ، وتركت هكذا منذ زمن الوليد ، إلى أن تم فكها منذ سنوات مع الأقسام التي جرى ترميمها .
 
ولقد قامت ورشات مديرية الأوقاف بترميم الفسيفساء وفق طريقة جديدة بعد أن استصنعوا فصوص الفسيفساء المماثلة للقديم ، فيقوم العمال الفنانون برسم المواضيع على لوحات مشدودة من القماش ثم ترصف عليها الفصوص ويصب فوقها اسمنت مسلح بالشريط والحديد ، وبعد تصلب الاسمنت يقلع القماش عن الفصوص وكان قد التصق بواسطة الطحين والسكر والغراء، ثم تحمل هذه الألواح لتعلق بكلاليب على جدران المسجد .
 
Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=147&id=665