الخطابة الدينية » منابر دمشق

كيف تتفوق في الامتحان؟

الدكتور الشيخ محمد خير الشعال


كيف تتفوق في الامتحان؟

قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: 201، 202]

وقال سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ

كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77]

أخرج البيهقي بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم: «إنّ الله يُحِبُّ إِذا عَمِلَ أحَدُكُم عَمَلاً أن يتقنه»

وأخرج بإسناد ضعيف عن كليب بن شهاب الحري قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تَعَالَى يُحِبُّ منَ العامِلِ إِذا عمل أن يحسن»

وأخرج أبو داود في مراسيله عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمُوا يُثْنُونَ عَلَى صَاحِبٍ لَهُمْ خَيْرًا، قَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ فُلَانٍ قَطُّ،

مَا كَانَ فِي مَسِيرٍ إِلَّا كَانَ فِي قِرَاءَةٍ، وَلَا كَانَ فِي مَنْزِلٍ إِلَّا كَانَ فِي صَلَاةٍ، قَالَ:

«فَمَنْ كَانَ يَكْفِيهِ صَنْعَتَهُ؟ . . .» حَتَّى ذَكَرَ: «وَمَنْ كَانَ يَعْلِفُ جَمَلَهُ أَوْ دَابَّتَهُ؟» قَالُوا:

نَحْنُ، قَالَ: «فَكُلُّكُمْ خَيْرٌ مِنْهُ»

عنوان خطبة اليوم (كيف تتفوق في الامتحان؟)

 

أيها الإخوة:

بالأمس انتهى دوام المدرسة لطلاب الثالث الإعدادي والثالث الثانوي وهم الآن

يستعدون لامتحاناتهم الأخيرة، وبعد حين تبدأ الامتحانات النهائية لطلاب الصفوف الانتقالية وبعدهم بقليل تبدأ الامتحانات الجامعية.

ومهما يكن من أمر فإن الطالب المسلم مدعو للتفوق في الامتحانات ليتدرب على

التفوق في سائر شؤون الحياة، إذ ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته

لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً؛ فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة، ولا يكوننَّ المرء كَلًا على الناس.

وها أنا أجعل خطبة اليوم إعانةً لطلابنا على التفوق ودعوةً لهم ليشدوا العزم في

المضي قدماً في ساح الحياة ليخدموا بعلمهم أمتهم تقرّباً إلى ربهم.

وقد كنت فيما مضى ألقي محاضرة بهذا العنوان، لكنني اليوم أختصرها خطبةً ليعم

نفعها ويستمر أجرها بإذن الله.

 التفوق – أيها الإخوة الطلاب- مادة ممكنة ميسورة، وأكبر دليل على الإمكان الوقوعُ ـ كما يقول أهل المنطق ـ فالدليل على إمكان التفوق أن بعضاً منكم وبعضاً من زملائكم يتفوقون، ولو كان التفوق مستحيلاً معسّراً لما تفوق أحد.

وبإمكانك أن تتفوق في الامتحان بأمور ثلاثة:

1- إرادة التفوق.

2- استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان.

3- كتابة المعلومة كاملة صحيحة على ورقة الإجابة.

هذه الأمور الثلاثة هي مادة الخطبة

فأولها: إرادة التفوق: فمن أراد شيئاً وصدق في طلبه ناله، ومن لم يرده يندر أن

يناله.

 في دراسة أجرتها إحدى الدوريات عن العباقرة والمبدعين والقادة، درست نقاط

الاتفاق بينهم فوجدت أن هؤلاء العباقرة والمبدعين والقادة قبل وصولهم إلى ما

وصلوا إليه كانوا يفكرون في الوصول ويريدون، فإرادة التفوق هي أول عامل من عوامل تفوقك في الامتحان، فأرِدْ التفوق وفكّرَ به وخطّط للوصول إليه وادع الله أن

يجعلك من أهله.

ومن يتهيّب صعود الجبال        يعش أبدَ الدّهر بين الحفر

ثانيها: استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان: يتطلب استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان أمرين اثنين؛ ذاكرةً جيدة وطريقةَ حفظ جيدة، لأن التذكر الجيد مرهون بالحفظ الجيد.

ومن الأمور التي تؤذي الذاكرة فاجتنبوها: تناول المخدرات والمسكرات والإفراط في التدخين والعادة السرية. والسهر الطويل والإجهاد المتواصل وقلة النوم والراحة. و


الإفراط في تناول بعض الأدوية لا سيما المنعشات النفسية والمنشطات والمنبهات. وبعض الأمراض البدنية كالسل والسرطان.. وأمراض الغدد الصماء، وعسر الهضم والإمساك المزمن، وبعض الأمراض العصبية والنفسية.

ومن الأمور التي تؤثر سلباً في عملية الحفظ والإدراك: إشغال الذهن بأكثر من

موضوع واحد. فأنصحك ألا تدرس وأمامك جهازك المحمول؛ تردّ على مكالمة

صديقك مرة وتتابع رسالة الواتس المرسلة إليك مرة وترسل معلومة مهمة مرة ثالثة فتشتت ذاكرتك بين الدراسة والجهاز، ولكن ادرس في مكان يتفرغ فيه ذهنك لشيء

واحد هو الدراسة.

ومن الأمور التي تؤثر سلباً في عملية الحفظ والإدراك عدم وجود الرغبة في

 الموضوع أو الدرس أو قلة الاهتمام به ومن هنا أنصحك بأن تبدأ الدراسة بالمادة السهلة أو المحببة إلى أن تنفتح شهيتك للدراسة فتقرأ عندها ما صعب وعسر، أرأيت

 إلى رجل لا يشتهي الطعام تقدم له الحساء أولاً ثم السلطات ثانياً فإذا انفتحت نفسه للطعام قدمت له ما عسر هضمه وصعب طحنه.

ومن الأمور التي تؤثر سلباً في عملية الحفظ والإدراك: القلق والإرهاق. وها هنا

أنصحك أن تراعي الساعة الحيوية الموجودة في خلايا جسمك المسماة بالساعة البيولوجية، فخذ من نشاطها لدراستك ومن فتورها لراحتك.

  فنشاط جسمك الحيوي يبدأ عند الرابعة فجراً ويستمر بالصعود ليبلغ ذروته عند العاشرة صباحاً ثم يبدأ المنحني البياني له بالهبوط ليكون عند الثانية ظهراً قريباً من

الصفر ويستمر بحده الأدنى حتى الرابعة عصراً، ثم يعود ليرتفع ليبلغ ذروته عند العاشرة ليلاً ثم يهبط تدريجياً ليكون عند الثانية ليلاً قريباً من الصفر ويستمر بحده

الأدنى حتى الرابعة فجراً... وهكذا

من هنا يفيدك أن تجعل دراستك في ساعات الفجر الأولى وتستمر بها حتى الواحدة

 ظهراً مع استراحات متقطعة، وقل مثل ذلك من بعد صلاة العصر وتستمر حتى

الحادية عشر ليلا.

واجعل نومك عندما يكون النشاط الحيوي عندك مقارباً الصفر.

ثالثها: كتابة المعلومات كاملة وصحيحة على ورقة الإجابة: ويعينك على هذا أن تفهم

السؤال قبل الإجابة عليه، وأن توزع الوقت على إجاباتك بشكل صحيح، وأن تجعل

خطك واضحا قدر الإمكان وورقتك مرتبة.

فعددٌ من الطلاب يتسرعون في الإجابة على السؤال في قاعة الامتحان قبل فهمه جيداً، ولعلهم يجيبون على غير المطلوب منهم مما يُبْعِدُهُم عن التفوق.

وعدد من الطلاب يسترسل في الإجابة على السؤال الأول ويُطنب، حتى يضيق وقته

عن الإجابة على الأسئلة الأخيرة وهذا مَضْيَعَةٌ للتفوق في الامتحان.

وعدد من الطلاب يحول بينهم وبين تفوقهم خطهم الصغير أو الرديء الذي يتعب المصحح ويضجره.

أيها الأخوة:

هذا ما أردت إيصاله إليكم في خطبة (كيف تتفوق في الامتحان)، وبإمكانكم الرجوع

إلى المحاضرة مطولةً على موقعي الالكتروني تحمل العنوان نفسه.

ولكن بقيت نقطة مهمة مرت بنا العام الماضي وستمر مرة ثانية العام الحالي وعامين قادمين على ما أعتقد.

وهي رمضان والامتحانات.

تعلمون – أيها الإخوة-  أن رمضان يمر على أيام العام الميلادي  كاملة كل ثلاثين

عاماً تقريباً ، فمن عاش منا ثلاثين عاماً مر عليه صيام رمضان مع أيام العام الميلادي كاملا، فحينا في الصيف وحينا في الشتاء وحينا في العطل وحينا في الامتحانات،

وكل من صام ثلاثين عاما وكان من أهل الدراسة والجامعات مرت عليه أيام

الامتحانات في رمضان وخارجه، وما كنا نسأل عن صوم رمضان وعدمه في

الامتحانات لأن الناس علموا بالضرورة أن صيام رمضان ركن مفروض وأن صيامه

من مسلمات المؤمن.

ولكن ابتعاد بعض أبنائنا وبعض أهاليهم عن مجالس العلم الشرعي وتشويش بعض الإذاعات والأشخاص عليهم جعل بعضهم يسأل: هل يجوز لي الفطر في رمضان لأنني طالب في الثانوية العامة أو الإعدادية أو الجامعة أو عند المادة الصعبة. فأريد التفوق وأخاف أن يؤثر الصيام علي.

والجواب: صوم رمضان هو الركن الثالث من أركان الإسلام وهو فريضة على كل

 مسلم بالغ عاقل صحيح مقيم، وفطره من عدون عذر كبيرة، فمن أفطر يوما من

رمضان من دون عذر لم يقضه ولو صام العمر كله.

والأعذار المبيحة للفطر سبعة: السفر بشروطه، والمرض بشروطه، والإكراه بشروطه، والحمل والإرضاع لمن خافت منهن على نفسها أو ولدها، والهرم، وإرهاق الجوع والعطش.

فمن أصبح صائماً فأرهقه في نهار رمضان جوع أو عطش يخاف منه الهلاك أو

نقصان العقل أو ذهاب بعض الحواس، جاز له الفطر وقضى يوماً مكانه.

وقرر الفقهاء بأن صاحب العمل الشاق يتسحر وينوي الصوم ويصبح صائماً فإن

أرهقه الجوع أو العطش وخاف منه الهلاك أو نقصان العقل أو ذهاب بعض الحواس، جاز له الفطر عندها وقضى يوماً مكانه.

ولا يحل له أن يبدأ يومه مفطراً في نهار رمضان أو أن ينوي عدم الصوم.

وبناء على هذا فلا يحل لطالب أن يفطر لأجل الدراسة مالم يكن من أهل هذه الأعذار،

فإن خاف على نفسه إجهاد الجوع والعطش تسحر ونوى وأصبح صائماً فإن أرهقه الجوع والعطش في يوم الصوم وخاف منه الهلاك أو نقصان العقل أو ذهاب بعض الحواس، جاز له الفطر عندها وقضى يوماً مكانه. والله أعلم.

على أني أيها الإخوة الطلاب بدأت بجمع أسماء الطلاب الذي نالوا تفوقاً في

امتحانات الثانوية العامة بكافة فروعها العام الماضي وكانوا صائمين، وقد ساعدني

في جمعها عدد منكم، فأعياني تدوين أسمائهم لكثرتهم، فقد وجدت الكثرة الكاثرة

والغلبة الكثيرة جدا من طلابنا صائمين والحمد لله ولم يكن في أهل الفطر إلا النادر النادر، فلا يوسوسنّ الشيطان لأحدنا أن التفوق محتاج للفطر وليتذكر قوله تعالى:

{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].

اللهم افتح على أبنائنا الطلاب في دراساتهم ووفقهم في امتحاناتهم ويسر لهم سبيل

 الرشاد في حياتهم واجعل على أيديهم الخير لدينهم وأهلهم وبلدهم وأمتهم واجعل

عملهم خالصا لوجهك.

والحمد لله رب العالمين

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=94&id=5264