الجامع الأموي » خطب الجامع الأموي

سنشد عضدك بأخيك

الشيخ مأمون رحمة


سنشد عضدك بأخيك

بتاريخ: 4 من جمادى الآخرة 1438 هـ - 3 من آذار 2017 م

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل مخاطباً موسى عليه السلام: )سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ([القصص: 35].

معاشر السادة: إن الشعوب في مجموعها تتميز باتجاهها إلى تحقيق مصير أفضل، يَحدوها أمل في أن يقودها في سبيلها هذا ذوي الكفاية عقلاً وخُلقاً من أبنائها، لِيُطوروها وفقاً لتقاليدها وعاداتها وعقائدها، ويُسخروا موارد الدولة لخدمة الشعب متجردين عن الغرض والهوى، ولكن هل تستطيع قيادات الشعوب أن تقوم بهذا العِبءِ بمفردها؟ لا, لا بُدَّ من دعم الجبهة الداخلية لقادتها في ذلك، وذلك لأن دعم الجبهة الداخلية لقادتها هو السبيل الوحيد للازدهار والانتصار.

إن النجاح لا يمكن أن يكتب لشعب لم يحدد سلفاً أهدافه ووسائله، وعلى الشعب أن يدرك أهمية وضرورة دعم وتقوية الجبهة الداخلية، وتكريس الجهد مِن أجل البناء الداخلي، وعلى الشعب أن يحرص على بناء مستقبله وازدهاره، وأن يَجتهد لكي يتجنب كل ما يؤدي إلى هلاكه.

إن المهاجرين والأنصار لما رأوا تكتل قريش وحلفائها على رسول الله، وأنهم من وراء هذا التكتل يبغون القضاء على الإسلام وعلى أتباعه، هذا الأمر دفعهم على تعزيز الجبهة الداخلية والوقوف مع قائدها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وتجلى هذا الصدق والإخلاص والتماسك يوم بدر، عندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، حيث وقف المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أردت فنحن معك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ظل ينظر إلى القوم، ويقول لهم: ((أشيروا علي أيها الناس))، فإن النبي يريد اليد الثانية، يد الأنصار، فقال له سعد: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: ((أجل))، فقال سعد: لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أنما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك.

لما ضمن النبي صلى الله عليه وسلم تماسك الجبهة الداخلية ووعيها ويقظتها أدرك أنه منتصر، وعندها قال: ((سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين)).

وتجلى هذا الصدق والإخلاص والتماسك يوم الخندق أيضاً، حيث التحمت سواعد الجبهة الداخلية مع قائدها ونبيها محمد صلى الله عليه وسلم، حيث عملت ذراعاه في حفر الخندق وتهشيم صخره ورفع ثراه، واختلط العرق المتصبب بالغبار الثائر من هذه الجهود المتواصلة، وكانت حناجر المؤمنين ترتفع بين الحين والحين بغناء حماسي تَستريح على نشيده نفوسهم المتعبة، ويتجدد على يقينه نشاطهم الدائب:

والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا

لقد اكتنفت الأحزاب آطام يثرب، ولمعت عيون الكافرين الوافدين من كل فج ببريق الإصرار، على أن يستردوا من المسلمين ثأرهم، وعلى أن يضربوا محمداً وأنصاره ضربة تطوي أعلام هذا الدين الناهض، وفي هذه الفترة العصيبة نقض اليهود معاهدة الصداقة، وسعى رسلهم إلى قريش يُفاوضونهم في تدبير هجوم مُشترك على أصدقاء الأمس، وفي هذه الساعة الحرجة أيضاً وجد الضعفاء مِن مرضى القلوب جواً يتنفس فيه نفاقهم ويتحرك فيه لؤمهم، وماذا عليهم إذا استغلوا هذه المفارقة التي يُعاني المسلمون شدتها، لِيَضحكوا مِلئ أفواههم، وليرسلوا النُّكت الساخرة من قوم كانوا إلى أمد قريب يتحدثون عن مبادئهم التي ستسود الدنيا، وهم اليوم لا يأمن أحدهم أن يخرج من داره، بل هم كما يُرجف المنافقون سيكونون بعد أيام ما بين قتيل وأسير، وفي داخل المدينة حال غريبة النقائض، فالإيمان المذخور في هذه القلوب الكريمة كان مِن شأنه أن يُشيع الثقة في جوانب النفوس، وينتظر مِن خلال الغيب بشائر النجاة المرجوة في جوار الله، ولكن أنى هذا، والواقع المفزع يتربص بهم على مدى سهم وجهاد الأعوام الطوال، يُوشك أن يأتي عليه هذا الحصاد الشيطاني مِن مناجل قريش وحلفائها، وقد عبر الله عن ذلك الموقف بقوله سبحانه:) إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ([الأحزاب: 10-11].

حقاً كانت حدود المدينة على مَن بها من المؤمنين أشبه بجدران المصيدة، ولكن في وسط هذه الأمواج اليائسة كان في المدينة رجال تتساقط هموم الدنيا عند أقدامهم، والتفت الجبهة الداخلية حول قائدها ونبيها، ولا شيء في قلوبهم إلا العزم المبرم على مواصلة الكفاح معه، والسير في أنحاء المدينة المهددة، يُغالبون دعاية المترددين والمتلونين والرماديين، ويَبثون معاني الرجاء في النفوس، وكأن لسان حالهم ينطق بأنه يجب علينا أن نثبت قدر ما تطيقه قوى البشر، وعلى الله بعد كشف الكربة وإزاحة الغمة، وإلى هذا الموقف الإيماني والعقائدي أشار القرآن بقوله سبحانه: )وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ([الأحزاب: 22].

معاشر السادة: إنَّ النَّاظر في صفحات التاريخ والقارئ له يَجد أنَّ الأمم والشعوب قد أدركت أنه لا يُمكن أن يتحقق انتصار ويَزول عدوان إلا بتماسك الجبهة الداخلية مع زَعيمها.

كانت فرنسا تَسعى للقضاء على وحدة ألمانيا، تلك الوحدة التي كانت المحور الذي دارت حوله سياسة "باسمرك"، لقد آمن "باسمرك" بأن الوحدة هي أسمى أهداف الشعب الألماني، بل الهدف الوحيد الذي يكفل له البقاء، وكان "باسمرك" يذكر الألمان دائماً بهذه الحقيقة فيقول: [علينا نحن الألمان الذين يعيشون في قلب أوروبا أن نؤمن بضرورة تماسكنا وارتباطنا أكثر مِن أي شعب آخر، إذ لا توجد حدود طبيعية تحمينا مِن أعدائنا، وإذا أردنا ألا تذهب تَضحياتنا عن الأجيال هباء منثوراً، وإذا أردنا ألا يكون مصيرنا الفناء فعلينا أن نتحد وأن نقف جميعاً مُتراصين كتفاً إلى كتف].

إن تماسك الشعب الألماني ووحدته جعل "كاليمنسو" يقول: [إنه مِن العسير على الإنسان أن تمتد يده إلى وحدة تأصلت في النفوس وأثبتت قدرتها على البقاء].

كان الجنرال "لودناداروف" ثاني قوات ألمانيا يُذكر الشعب الألماني بوصية "باسمرك"، ويقول: [لا تدعوا روح الحزبية تتسرب إليكم وتسيطر عليكم وتدفع الأمة إلى الانحراف، فتحطم بيدها كيانها الوطني].

وفي السابع مِن مارس من عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر قال الرئيس الأمريكي "ولسن": [إنني لأتوسل إلى الله أن يمنحني الحكمة والحذر لكي أؤدي واجبي بما يتفق مع مصلحة هذا الشعب العظيم الذي أنا خادمه والذي لا أستطيع أن أنجح مالم أحظَ بتأييده وبثقته وما لم يرشدني بنصحه].

وعندما زار القائد المؤمن "بشار الأسد" -سيد الوطن حفظه الله تعالى ورعاه- محافظة الرقة قال كلمته المشهورة: [بقدر ما نكون أقوياء في الداخل نَكون أقوياء في الخارج].

وكأن طبيب العيون كان يُدرك أن عيون الحاقدين تتوجه إلى هذا الوطن الحبيب، مع شعورنا بصدق الحديث الشريف: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب)) ومَع ما بَلوناه من عواقب الاسترخاء في تنفيذ قوله سبحانه:) وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم ([الأنفال: 46].

مع ذلك كله فإن المسلمين والعرب بقوا أحزاباً متخاصمة، على حين يتجه مَن عداهم إلى التقارب والاندماج.

ونحن نسأل: ما هي صورة المستقبل؟ ما هي صورة المستقبل؟.

إن اليهود الصهاينة مصرون على مُطاردة العرب، وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.

إن البيت العربي تَندلع نيران الخلاف في جنباته، وتُرى ألسنتها مِن نوافذه، إن المسلمين والعرب ينتحرون، نعم, إن المسلمين والعرب ينتحرون، هل العقل الديني عندنا أصيب بخبل، أم غلب عليه الهوى فهو لا يدري ما الطريق؟.

أما آن لنا -يا سادة- أن تُوقظنا هذه المحن الموجعة المتتابعة.

معاشر السادة: إنَّ الفيتو الروسي والصِّيني هذا الفيتو المزدوج، تلك اليد التي تصفع أعداء هذا الوطن، تلك اليد الشريفة والنزيهة التي وقفت بحق وأمانة أمام الله وأمام الأجيال والتاريخ، إلى جانب هذا الوطن الحبيب، وإلى هذا الشعب العملاق، وقفت بحق لتصفع الخونة والكاذبين والمنافقين على وجوههم، ابتداء من النظام السعودي الغاشم المجرم السفاح أبو جهل سلمان بن عبد العزيز، وانتهاء بأردوغان هذا الأحمق المتهور والمتدهور، هذه اليد التي تصفع هؤلاء على وجوههم، لتقول لهم: يا خونة، أنتم من أرسل غاز الكلور إلى سوريا، أنتم مَن قذف الشعب السوري الأعزل بغاز الكلور، بهذا الغاز السام القاتل، وتريدون أن تسيروا هذه الكذبة والنفاق علينا نحن في مجلس الأمن، علينا نحن القيادات الكبرى في العالم علينا، نحن الذين كنا وما زلنا نصنع السلام في العالم؟ خسئتم، خسئتم سنقف دائماً - هذا حالهم معنا حال الأشقاء معنا- سنقف دائماً إلى جانب الجيش العربي السوري أولاً، وإلى جانب الشعب العظيم، وإلى جانب القائد المؤمن "بشار الأسد"، الذي لولاه لقتل الشعب بأسره، والله لولا القائد لولا صموده لولا ثباته، لولا دفاعه عن هذا الوطن لرأيت القتلى بالألوف، نقولها بكل صراحة، لا نبالي بمن ينقضنا، لا نبالي بمن يشتمنا، لا نبالي بمن يهددنا، نحن هنا أقوياء بحقنا، أقوياء بكلمتنا، أقوياء بجبهتنا الداخلية، أقوياء بعزتنا بسيادتنا بقائدنا بعلمنا بدستورنا بمنهجنا، لا نبالي، لا نخاف، لا نركع، لا نساوم، أبداً أبداً، نحن أصحاب حق، نموت بآجالنا، نعيش بآجالنا، المهم أننا نُدافع، أننا سنتكلم، أننا سنقف، ورسالة الجبهة الداخلية في هذا الوطن الحبيب للعالم بأسره، أننا لن نتخلى عن قائدنا "بشار الأسد"، لأنه حمانا، لأنه حرسنا، لأنه وقف إلى جانبنا، لأنه صان دماءنا، لأنه يقف إلى جانب آلامنا وأحزاننا وكل ما يعترينا بسبب هذه الحرب الغادرة الحاقدة الغاشمة، لن نتخلى أبداً عن قائدنا، ولا عن علمنا ولا عن جيشنا المغوار.

وها هم رجال الله رجال الجيش العربي السوري يُحررون مدينة تدمر مرة ثانية، هي رسالة للعالم بأسره، كما كان يقول "عمر المختار" رحمه الله: [إن الأرض التي يأخذونها في النهار نستردها في الليل]، ونحن بفضل الله جل جلاله نسترد الأراضي يوماً بعد يوم في الليل وفي النهار، هي وطننا وهو علمنا، لا نبالي بجماعة أبي بكر البغدادي، لا نبالي بمن يلوذ بهم، لا نبالي بمن يوجههم، إنما نقف وسنقف دائماً مدافعين عن أرض هذا الوطن، لنقول للعالم بأسره: أنا عربي أنا سوري.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.

 

 

 

 

 

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم زدنا ولا تنقصنا, وأعطنا ولا تحرمنا, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين, اللهم إنا نسألك أن تنصر رجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم, وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=336&id=4176