قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:185-186]. أيها الإخوة: ما من كتاب من كتب الحديث الجوامع إلا وجمع أحاديث كثيرة في فضل شهر رمضان، في فضل أيامه ولياليه وفضل العمل الصالح فيه، بدءاً من صيامه إلى قيامه إلى تلاوة القرآن في أيامه ولياليه إلى الصدقات فيه إلى تفطير صائميه إلى التخفيف عن العمال فيه إلى سقي الماء إلى السحور إلى الإكثار من ذكر الله إلى الإحسان إلى الخلق إلى حضور المساجد فيه ... إلى غير ذلك من الأعمال الصالحات. وأحب أن أقرأ عليكم طائفة من هذ الأحاديث لأختم بالنتيجة العملية منها أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيْمَانَاً وَاحْتِسَابَاً غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلةَ الْقَدْرِ إِيْمَانَاً وَاحْتِسَابَاً غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وأخرجا في حديثٍ آخر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيْمَانَاً وَاحْتِسَابَاً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ». وأخرج الإمام أحمد عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدُوْدَهُ، وَحَفِظَ مَا يَنْبَغِيْ لَهُ أَنْ يُحْفَظَ، كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ». وَأخرج الإمام أحمد عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الصّيام وَالْقُرْآن يشفعان للْعَبد يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الصّيام أَي رب منعته الطَّعَام والشهوة فشفعني فِيهِ، وَيَقُول الْقُرْآن منعته النّوم بِاللَّيْلِ فشفعني فِيهِ قَالَ فيشفعان». وأخرج النسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُبَشِّرُ أصحابه: «قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرٌ مُبَارَكٌ؛ رَمَضَان، افْتَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيْهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيْهِ أَبْوَابُ الْجَحِيْمِ، وَيُغَلُّ فِيْهِ الشَّيَاطِيْنُ، فِيْهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ». وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، لَقَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ مَا أَظَلَّ الْمُسْلِمِيْنَ شَهْرٌ قَطُّ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَا أَتَى عَلَى الْمُنَافِقِيْنَ شَهْرٌ قَطُّ أَضَرّ عَلَيْهِم مِنْهُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَكْتُبُ نَوَافِلَهُ وَأَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهُ، إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُعِدُّ فِيْهِ القُوَّةَ لِلْعِبَادَةِ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَيُعِدُّ فِيْهِ الغَفَلَات، فَهُوَ غُنْمٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَوِزْرٌ عَلَى الْمُنَافِقِ». وأخرج الإمام أحمد والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي فِيْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَمَسَ خِصَالٍ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهَا: خَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيْحِ المِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُم المَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوْا، وَتُصَفَّدُ فِيْهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِيْن، وَلَا يَخْلُصُوْنَ فِيْهِ إِلَى مَا كَانُوْا يَخْلُصُوْنَ فِيْ غَيْرِهِ، وَيُزَيِّنُ اللهُ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، وَيَقُوْلُ: يُوْشِكُ عِبَادِيَ الصَّائِمُوْنَ أَنْ يُلْقُوْا عَنْهُم المَؤُوْنَةَ وَالأَذَى وَيَصِيْرُوْنَ إِلَيْكِ، وَيُغفَرُ لَهُم فِي آخِرِ لَيْلَةٍ»، قيلَ: يا رسول الله: هي ليلةُ القَدْر؟ قال: «لَا، وَلَكِنَّ العَامِلَ يُوفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ». وأخرج ابن أبي الدنيا بسنده إلى أبي إسحاق الهمذاني قال: خرج عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه في أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان، والقناديل تُزهر، وكتاب الله يُتلى في المساجد، فقال: نوّرَ الله لك يا عمر بن الخطاب في قبرك، كما نوَّرْتَ مساجد الله بالقرآن. وبسنده عن عطاء بن أبي رباح قال: كانوا يُصَلُّون في شهرِ رمضان عشرين ركعةً، والوِتْر ثلاثاً. وبإسناده إلى ابن مسعود، قال: سَيِّدُ الشُّهور شهرُ رمضان، وسيدُ الأيَّام يومُ الجمعة. وأخرج البخاري ومسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُم يَوْمَاً صَائِمَاً فَلَا يَرْفُث، وَلَا يَجْهَل، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ». وأخرجا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوْا؛ فَإِنَّ فِي السُّحُوْرِ بَرَكَةً». وهكذا -أيها الإخوة والأخوات- تَكثُر الأحاديث في فضل هذا الشهر المبارك، وفضل العمل الصالح فيه، فما عسانا نفعل بعد معرفتنا لهذه البركة الكبيرة للشهر؟ إنِّي رأيتُ أن نَستَعِدَّ لاستقبال رمضان بأمور أربعة: أوَّلاً- التَّوبة والرجوعُ إلى الله تعالى: قبل أن يدخل رمضان، وقبل أن ننصرف من هذه الخطبة، تعالَوا نُعاهدْ ربنا بقلوبنا أنَّنا سنُقلِعُ عن الذُّنوب، وأنَّنا لن نَعُودَ إليها، وتعالَوا نستغفرِ الله تعالى «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عِنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي: غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ إِنْ أَتَيْتَنِيْ بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثٌمَّ لَقِيْتَنِيْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة» [الترمذي]. مهما كنتَ ظالماً، فربُّك غافرٌ. ومهما كنتَ ظلَّاماً، فربُّك غفّارٌ. ومها كنتَ ظلوماً، فربُّك غفورٌ، على أن تتوب وترجع إليه. ثانياً- ردُّ المظالم إلى أهلها: لأنَّه مهما عَلِقَتْ في رقبتك حقوقٌ للعباد حالَتْ بينك وبين الجنَّة، حتَّى يُرَدَّ الحقُّ لأهله، أو يسامحوك. ثالثاً- الصُّحبة الصَّالحةُ، وتركُ صُحبةِ السُّوء: مهما أردتَ أن تعمل صالحاً أعانَك صاحبُ الخير، وأعاقَكَ صاحبُ السُّوء، فإن كنتَ تُحب رجلاً وكان سيِّئاً فادْعُهُ الآن ليَسلُكَ طريقَ الخير معك، فإن فعل سَعِدَ بك في الدُّنيا والآخرة، وإن لم يستَجِبْ فدَعْهُ، وانطلقْ مقبلاً على الله تعالى، ولا تلتَفِتْ إلى قُطَّاع الطَّريق. رابعاً- علوُّ الهِمَّة: اعزمْ على أن تستقبِلَ رمضانَ بقوَّةٍ في العبادة، ومضاءٍ في العمل، وعزيمةٍ في الصِّيام، واجتهاد في تلاوة القرآن ، وهِمَّةٍ في الإقبالِ على الخير، والابتعادِ عن الشَّرِّ، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21]، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148]. أنشد بعض الصالحين مخاطبا ربه مخمسا أبيات أبي فراس الحمداني يقول:
اللهم إننا عازمون على الاجتهاد بطلب رضاك في رمضان، فارزقنا صدق الهمة في الإقبال عليك، وأعنا على ما تحبه وترضاه، وتقبله منا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وعجل لنا بالفرج واجعله محفوفا بألطافك.
والحمد لله رب العالمين
|
||||||||||||||
|