كلمة الأسبوع

شهر رجب والوقائع التاريخية فيه

فضيلة الشيخ أحمد سامر القباني


شهر رجب والوقائع التاريخية فيه

شهر رجب, رجب الفرد، قيل عنه إنه الفرد لأنه انفرد عن الأشهر الحرم، فالأشهر الحرم عند الله عز وجل أربعة أشهر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، ثلاثة متتالية وواحد منفرد عنها وهو رجب، وكلمة رجب في اللغة العربية مُشتق من التَّرجيب، والترجيب في اللغة هو التعظيم، وكانت العرب قبل الإسلام تُعظم شهر رجب وتفخمه، ولذلك سمي رجب بشهر رجب، فبأي شيء أنا وأنت سنعظم رجب؟! بما أنه الشهر المعظم بأي شيء سوف نُعظم هذا الشهر؟ وسوف نكرم أنفسنا فيه في هذا الشهر؟.

انظر إلى سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين كيف عظَّموا شهر رجب وما فعلوا من وقائع عظيمة تستحق أن نعلمها لأنها موضوع أمة وليس موضوع فرد وشخص.

الواقعة الأولى: في شهر رجب في الخامس مِنه عام ثلاثة عشر للهجرة، 13 هجري، قاد سيدنا خالد بن الوليد معركة اليرموك ضد الروم البيزنطيين المحتلين، وانتصر فيها المسلمون في رجب، وكانت مفتاحاً للفتوحات في بلاد الشام، في الخامس من رجب سنة ثلاث عشرة للهجرة في شهر رجب كانت معركة اليرموك مفتاحاً لكل فتوحات بلاد الشام.

الواقعة الثانية: في السنة الرابعة عشر للهجرة في شهر رجب فتحت دمشق مَن الذي فتح دمشق؟ سيدنا أبو عبيدة بن الجراح وسيدنا خالد بن الوليد، فتحاها صُلحاً لا حَرباً، فتح لهم أهل دمشق الأبواب، لأنهم كانوا قد عانوا الأمرين من الروم البيزنطيين المحتلين، لأن مسيحيي هذه البلاد من السريان كانوا مِن الموحدين، وجاءت بيزنطا بجيوشها من الغرب، واحتلت هذه البلاد واستعمرت أهلها بما فيهم المسيحيين السريان، وجعلوهم عبيداً عندهم، وكانوا يبيعون الأرض مع العبيد، ويقصدون بالعبيد: المسيحيون السريان، فكانوا يُعاملونهم معاملة قاسية جداً، ويستعبدونهم، لما سمعوا عن المسلمين دلوهم على مخابئ الروم البيزنطيين وهم ليسوا من المسلمين، وفتحوا لهم أبواب دمشق.

والعجب كل العجب بعد أن فتحت دمشق يروي هؤلاء السريان حادثة عجيبة، قال: دخل الجيش المنتصر فأخرج جنوده وقادته دراهمهم ودنانيرهم ليشتروا طعاماً ليأكلوه، أليس هذا عجباً؟ جيش منتصر يدخل إلى بلد وهو قادر على أن يفعل فيها ما يشاء، يُخرجون الأموال من جيوبهم لأنهم كانوا جَوعى، فيشترون طعاماً وشراباً ليأكلوا، فقام أهل دمشق بتقدمة الطعام مجاناً فرفضوا، قالوا: دخلنا البلدة صلحاً، ودفعوا ثمن طعامهم، هذا في شهر رجب في السنة الرابعة عشر من الهجرة.

الواقعة الثالثة: في الخامس من رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة نزل طارق بن زياد رضي الله عنه على الهضبة المعروفة اليوم باسمه جبل طارق من جهة الأندلس، بعد عبوره المتوسط، وحقق انتصارات كبيرة مكنت المسلمين بعد ذلك من فتح الأندلس كلها، في شهر رجب هذه الحادثة الثالثة.

الواقعة الرابعة: كانت في رجب في السابع والعشرين منه، سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة للهجرة، استرد المسلمون بيت المقدس بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه، دخل القدس الشريف في السابع والعشرين من رجب، وصلى في المسجد الأقصى بعد ثمانية وثمانين عاماً من الاحتلال الفرنجي الصليبي للقدس والمسجد الأقصى، ولكنه لم يفعل بهم ما فعلوه هم بالمسلمين، لما غرقت القدس ببحر من الدماء، وانتشرت فيها الأمراض والطاعون، لأنهم دخلوا فقتلوا أكثر من عشرة آلاف إنسان في القدس وفي المسجد الأقصى عندما دخل الفرنجة الصليبيون، وإنما قام صلاح الدين بإعطائهم الأمان والعفو عنهم، ثم الحرية، وسمح لهم بالعودة إلى بلادهم.

الواقعة الخامسة: في الرابع عشر من رجب، سنة ثمانين وستمائة للهجرة، انتصر المسلمون بقيادة المنصور قلاوون سلطان مصر على التتار في معركة حمص، وكان انتصاراً هائلاً، وكان مفتاحاً لهزيمة التتار، وردعهم وانحسار دولتهم.

معركة اليرموك، فتح بلاد الشام، فتح دمشق، استعادة القدس، هزيمة التتار والأندلس، كلها حصلت في شهر رجب، فماذا نحن فاعلون في شهر رجب؟ على الأقل اجعل من هذا الشهر شهراً لتنتصر على نفسك، هذه النفس الأمارة بالسوء التي يقول فيها رب العزة والجلال: )قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا( [الشمس: 9]،  زكي نفسك بقراءة القرآن وذكر الله عز وجل، والإقلاع عن المعاصي والآثام والذنوب، والقرب من الله وصلاة قيام الليل، وصلاة الفجر وصحبة الصالحين، وحضور المواعظ, إذا لم ننتصر على نفوسنا في شهر رجب الذي يضاعف فيه إثم المعصية ويضاعف فيه ثواب الطاعة، وهو شهر البذر الذي نبذر فيه الحسنات فنسقيها في شعبان ونحصد الخير في رمضان فمتى؟ إن لم يكن في رجب فمتى؟!.

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=3766