هو الشهر الخامس والسادس من التقويم الهجري ، والشهور العربية كلها مُذكرة إلا جُمادَى الأولى وجمادى الآخرة فإنهما مؤنثتان ، ويُخطئ مَن يُسميه جمادى الثاني أو جمادى الثانية ، فلم يَرِدْ عن العرب قبل الإسلام أو بعده إلا جمادَى الآخرة ، وقد سُمّي الجماديان بهذا الاسم في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك نحو عام 412م ، وتذكر الروايات أن السبب في تسمية هذا الشهر بهذا الاسم أنه اتَّفق عند تسميته أن الماء كان يَتجمد فيهما من شِدَّة الصِّر ؛ أي البرد القارس . ومن العرب مَن كان يُسمي فصل الشتاء كله جُمادى ، سواء اتفق أن جاء الشتاء فيها أو في غيرها . وكان العرب إذا قالوا جُمادى ستة يَعنون به جمادى الآخرة ، وهي تمام ستة أشهر من أول السنة بعد: (الصفران): محرم وصفر ، و(الربيعان): ربيع الأول والآخر، وجمادى الأولى . - شهر جمادى يسمونه بجَمَادْ ، بفتح الجيم وإسكان الدال في آخره[1]. -سُمِّيت جُمادى لجمود الماء فيها ؛ لأنّها وافقَتْ تلك الأيّامُ أياماً سمِّيت الشُّهورَ[2]. - واسْمُ جُمادى الأُولى: رُبَّى ورُبُّ ، والآخِرَةِ: رُبَّى ورُبَّةُ[3]. - والعَرَبُ تُسَمِّي جُمادى الآخِرَةَ: الحَنِيْنَ والحِنِّيْنَ[4]. النفس مفهوم النفس: وهي نفس الإنسان وذاته ، ولكنها تُوصف بأوصاف مختلفة بحسب أحوالها: النفس المطمئنة: وهي التي سكنت تحت الأمر ، فصفت وتجلت بذكر الله ، ومحي عنها آثار الشهوات والصفات الذميمة ، قال الله تعالى في مثلها: )يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية( . النفس اللوامة: وهي التي لم يتم سكونها ، ولكنها صارت مُدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها ، وهي التي تلوم على المعاصي ، ولا تركن إليها ولا ترضى بها ، تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاه ، قال الله تعالى: )لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة( . النفس الأمارة بالسوء: وهي التي تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان ، فهي لا تأمر بالخير ولا تلوم على الشر ، قال الله تعالى إخباراً عن سيدنا يوسف عليه السلام أو امرأة العزيز: )وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي( ، أي أن نفوسَ العباد تأمرهم بما تهواه ، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله . فالنفس الأمارة بالسوء هي حضيض النفس ، والنفس المطمئنة سماكها ، والنفس اللوامة بينهما ، لا هي ترضى بالشر فتركن إليه ، ولا تستطيع الاطمئنان فتطمئن إلى الخير وهو ذكر الله تعالى . -النفس تكون في أول الأمر أمارة ، تأمر بالشر وتنهى عن الخير ، فإن جاهدها الإنسان وصبر على مخالفة هواها صارت لوامة متلونة ، لها وجه إلى المطمئنة ووجه إلى الأمارة ، فهي مرة هكذا ومرة هكذا ، فإن رفق بها وسار بها يقودها بأزمة الرغبة فيما عند الله صارت مطمئنة تأمر بالخير وتستلذ وتأنس به ، وتنهى عن الشر وتنفر عنه وتفر منه . وصاحب النفس المطمئنة يعظم تعجبه من الناس في إعراضهم عن الطاعات مع ما فيها من الروح والأنس واللذة ، وفي إقبالهم على المعاصي والشهوات مع ما فيها من الغم والوحشة والمرارة ، ويحسب أنهم يجدون ويذوقون في الأمرين مثل ما يجد ويذوق ، ثم يرجع إلى نفسه ويذكر ما كان يجد من قبل في تناول الشهوات من اللذات وفي فعل الطاعات من المرارات فيعلم أنه لم يصل إلى ما هو فيه إلا بمجاهدة طويلة وعناية من الله عظيمة . الروح مفهوم الروح: هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان ، وهو الذي أراده الله تعالى بقوله: )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي( ، وهو أمر عجيب رباني ، تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك كُنه حقيقته . -عندما يتحدث القرآن عن الروح يقول: )وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا( ، وعندما يتحدث القرآن عن النفس يقول: )كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت( ، وهذا يعني أن النفس تموت بخلاف الروح ، وأن الروح هي أمر لا يعلمه إلا الله ، وعلمنا قليل أمام علم الله تعالى . -إن الروح باقية بعد مفارقة الجسد ، إما معذبة وإما منعمة ، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها ، فإن الأعضاء آلات الروح تستعملها ، حتى أنها لتبطش باليد وتسمع بالأذن وتبصر بالعين ، وتعلم حقيقة الأشياء بالقلب ، والقلب ههنا عبارة عن الروح والروح تعلم الأشياء بنفسها من غير آلة ، ولذلك قد يتألم بنفسه بأنواع الحزن والغم والكمد ، ويتنعم بأنواع الفرح والسرور ، وكل ذلك لا يتعلق بالأعضاء ، فكل ما هو وصف للروح بنفسها فيبقى معها بعد مفارقة الجسد ، وما هو لها بواسطة الأعضاء فيتعطل بموت الجسد إلى أن تعاد الروح إلى الجسد ، ولا يبعد أن تعاد الروح إلى الجسد في القبر ، ولا يبعد أن تؤخر إلى يوم البعث ، والله أعلم بما حكم به على كل عبد من عباده ، وإنما تعطل الجسد بالموت يضاهي تعطل أعضاء الزمن بفساد مزاج يقع فيه وبشدة تقع في الأعصاب تمنع نفوذ الروح فيها ، فتكون الروح العالمة العاقلة المدركة باقية مستعملة لبعض الأعضاء ، وقد استعصى عليها بعضها ، والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها ، وكل الأعضاء آلات والروح هي المستعملة لها ، وأعني بالروح المعنى الذي يدرك من الإنسان العلوم وآلام الغموم ولذات الأفراح . -الرُّوح التي تمدُّ الجسم بالحياة إن اتصلت به ، كما في قوله تعالى: )فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين( [الحجر: 29] ، فإذا ما فارقتْ هذه الروح الجسد فقد فارق الحياة وتحوَّل إلى جثة هامدة ، وفيها يقول تعالى: )فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُوم( [الواقعة: 83]. -قالوا: الروح التي بها حركة الحياة إذا وُجِدَتْ في الإنسان تعطي مادية الحياة ، ومادية الحياة شيء وقيَمُ الحياة شيء آخر ، فإذا ما جاءك شيء يعدل لك قيم الحياة فهل تُسمِّيه روحاً ؟ لا ، بل هو روح الروح ؛ لأن الروح الأُولى قصاراها الدنيا ، لكن روح المنهج النازل من السماء فخالدة في الآخرة ، فأيُّهما حياته أطول؟ فالروح مِن خصوصياته هو سبحانه، وطالما هي من خصوصياته فلن يُطلع أحداً على سِرِّها . وهل هي جوهر يَدخل الجسم فيحيا ويسلب منه فيموت ، أم هي مراد (بكُنْ) من الخالق سبحانه، فإنْ قال لها كُنْ تحيا، وإنْ قال مِتْ تموت؟ إنّ علم الإنسان سيظل قاصراً عن إدراك هذه الحقيقة، وسيظل بينهما مسافات طويلة ؛ لذلك قال تعالى بعدها: )وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً( [الإسراء: 85] ، وهل عرف العقل البشري كل شيء حتى يبحث في أسرار الروح؟! فعلى المسلم بدل أن يَشغل تفكيره في مثل مسألة الروح هذه ، أنْ ينشغل بعمل ذي فائدة له ولمجتمعه ، وأيّ فائدة تعود عليك إنْ توصلت إلى سِرٍّ من أسرار الروح ؟ وأيّ ضرر سيقع عليك إذا لم تعرف عنها شيئاً؟ إذن: مناط الأشياء أن تفهم لماذا وجدت لك، وما فائدتها التي تعود عليك ؟.
|
||||||||
|