كلمة الأسبوع

الصــــحــــابـــــة

الأستاذ الدكتور علي جمعة


الصــــحــــابـــــة

أيُّ إنسان رباه رسول الله عليه الصلاة والسلام !!!!جعل الدنيا في أيديهم وأخرجها من قلوبهم ..ورتب لهم الأولويات.. بنى فيهم الهمة.
يروي أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه كان جائعا يسقط من طوله من الجوع ينتظر رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أن يرسل له شيئا- وأهلُ الصفة أضيافُ الإسلام، لا يأوُون على أهلٍ ولا مال ولا على أحدٍ، إذا أتَتْهُ صدَقة بعثَ بها إليهم ولم يَتناوَلْ منها شيئًا، وإذا أتَتْه هديةٌ أرسلَ إليهم وأصابَ منها وأشركهم فيها- تعرَّض لرسول الله، فرأى فيه رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أثر الجوع فقال: ألْحِقْ أبا هر - يعني اتبعني- وذهب إلى البيت، فوجد لبنا قد أهدي له فقال: (الحَقْ إلى أَهلِ الصُّفة فادعُهم لي)، وفي الطريق تُحدث نفس أبا هريرة فيقول لنفسه: كنت أولى بأن أشرب هذه الشربة من رسول الله - عليه الصلاة والسلام- تسد جوعتي..! ماذا تفعل هذه الشربة في أهل الصفة؟! لو أنني قد أتيت بهم لشربوها قبلي ولكن -وهكذا يقول- ولكن ليس هناك بد من طاعة الله ورسوله..
إذًا فقد كان يحدث نفسه وقد كان جائعا قليل الإمكانيات، ولم يستطع أن يتغلب على الحاجة البشرية من جوع أو عطش، ولكن لم يكن من طاعة الله ورسوله بد..؛
فذهب فأحضر أهل الصفة وأخذ رسول الله - عليه الصلاة والسلام - يعطي القدح لكل واحد منهم فيشرب حتى يرتوي ويشعر بالري في نفسه وبالشبع في بطنه، حتى انتهى كل من حضر من الشرب فنظر النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى أبي هريرة وقال له: (بَقيتُ أنا وأنت) قال: لم يبق إلا أنا وأنت يا رسول الله، قال: (اقعد فاشرَب) فقال: (اشرَبْ)، فشربت، فما زال يقول: (اشرب)، حتى قلتُ: لا والذي بَعثك بالحق، ما أجدُ له مَسلكًا. قال: (فأرني)، فأعطيتُه القدح، فحمدَ الله وسمَّى وشربَ الفَضْلة.
أي قائد هذا؟! وأي زعيم يشعر بأتباعه ويقف معهم ويقول: ( إنما أنا لكم مثل الوالد للولد) "كان يَخِيطُ ثَوْبَهُ، ويَخْصِفُ نَعْلَهُ، ويَعْمَلُ ما يَعْمَلُ الرِّجالُ في بُيوتِهِمْ ويَكُونُ في مَهْنَةِ أَهْلِهِ ". وصدق ربه حيث وصفه ) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( ..
مَن هؤلاء الذين خرجوا إلى العالم بنور الهداية؟


لابد من طاعة الله ورسوله، لكنَّ ماعزًا قد زنا، ولكنَّ نعيمان قد شرب الخمر، ولكن المخلفين قد كذبوا في فعلهم وصدقت أقوالهم، ولكن المنافقين في المدينة يصلون مع المسلمين ولا يؤمنون....؛
فلم تكن الأمور على سعة بل كانت الأمور في ضيق في الخارج والداخل.. وفازوا. فهل يمكن أن نستخلص من ذلك مجموعة من الصفات التي يجب علينا أن نربي أبناءنا عليها حتى نجعل الدنيا في أيديهم ولا نجعلها في قلوبهم.. حتى نعود مرة أخرى إلى الهمة العالية.. إلى ترتيب الأولويات التي رتبها ربنا لنا.. إلى أن نأمر أنفسنا بالمعروف وأن ننهاها عن المنكر، وأن نعمل بلا ملل أو كلل، من غير كسل ولا طلب لأجر سوى من الله، كل هؤلاء كانوا يعملون من غير أجر، يعملون لقضية وغاية وهدف، يلتفون حول المثل الأعلى والإنسان الكامل - عليه الصلاة والسلام - ، وهو أمرنا أن تكون لنا قضية وأن يكون لنا هدف وأن نلتف حول الأسوة الحسنة، نهانا عن أن نخرج عن ذلك على مر العصور، فخالفنا وقدمنا الدنيا على الآخرة، والمعصية على الطاعة، والفرقة على السداد والوحدة، فماذا حدث؟ تسلط علينا شرار الناس من الشرق والغرب.. من رعاة البقر وعباد البقر، وأخذوا يضربون في جسد الأمة الإسلامية كما كانت تضرب في كل وقت وحين، وبدأت الأمة الإسلامية تشكو وتئن من كثرة الضرب..! فأين نصر الله؟
نصر الله إذا ما نصرتموه في أنفسكم، فإذا فعلتم فسترون خيرا إن شاء الله تعالى في الدنيا والآخرة، وإذا تركتم فإنه سيسلط عليكم الذل كما أخبر به رسول الله - عليه الصلاة والسلام- والعاقل خصيم نفسه وليتخير كل منا ما أراد ) فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ( .
العاقل خصيم نفسه.. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
كان الإمام الشافعي رضي  الله عنه يقول:
نعيب زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا

 

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=3525