الخطابة الدينية » منابر دمشق

فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة

الشيخ بلال سلمان


فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة
الحَمدُ للهِ ثُمَّ الحَمدُ لله، الحَمدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَنْ هَدَانَا الله، وَمَا تَوفِيقِي إِلا بِالله، وَمَا تَوَكُّلِي وَلا اعتِمَادِيَ إلا عَلَى الله، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً عَبدُهُ وَرَسُولُه، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُه، خَيرُ نَبِيٍّ اجتَبَاهُ وَرَحمَةً للعَالَمِينَ أَرسَلَه.

اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِين، وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحَسَانٍ إِلى يَومِ الدِّين.

إِنَّ مَوَاسِمَ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَات، وَأَسوَاقَ الحَسَنَاتِ وَالدَّرَجَات، لا تَزَالُ تَترَى تَتَوَالَى عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ الْمَرحُومَةِ في الحَيَاةِ وَبَعدَ الْمَمَات، فَإِنَّهَا لا تَخرُجُ مِن مَوسِمٍ إِلا وَتَستَقبِلُ مَوسِمَاً آخَر، وَلا تَفرُغُ مِن عِبَادَةٍ إِلا وَتَنتَظِرُهَا أُخرَى، فَهَا هُوَ عَشرُ ذِي الحِجَّةِ قَد أَقبَلَ عَلَينَا، بِخَيرَاتِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَفَضَائِلِه، فَأَعظَمُ الزَّمَنِ بَرَكَةً هَذَا العَشر؛ إِذْ لَهُ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ عِندَ الله تَعَالَى، تَدُلُّ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَتَعظِيمِهِ لَهَا، فَهِيَ عَشرٌ مُبَارَكَاتٌ كَرِيمَات، كَثِيرَةُ الحَسَنَاتِ قَلِيلَةُ السَّيِئَات، عَالِيَةُ الدَّرَجَاتِ مُتَنَوِّعَةُ الطَّاعَات.

فَمِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقسَمَ بِهَا فَقَال: )وَالفَجرِ وَلَيالٍ عَشْر(، وَلا يُقسِمُ اللهُ تَعَالَى إِلا بِعَظِيم، وَلَم يُقِسم رَبُّنَا فِي القُرآنِ إِلا بِأَعظَمِ الأَزمِنَةِ وَأَعظَمِ الأَمكِنَة، فَاللهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُقسِمَ بِمَن شَاءَ مِن خَلقِه، وَلَكِن لا يَجوزُ لِأَحَدٍ أَن يُقسِمَ إِلا بِاللهِ سُبحَانَه، فَالقَسَمُ بِهذِهِ الأَيَّامِ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهَا وَرِفعَةِ مَكَانَتِهَا وَتَعظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا.

وَمِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَرَنَهَا بِأَفضَلِ الأَوقَات، فَقَالَ اللهُ سُبحَانَه: )وَالفَجرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر(، وَكُلٌ مِن هَذِهِ الأَوقَاتِ لَها فَضَائِلُ عَظِيمَةُ القَدرِ جَلِيلَةُ الفَضل، فَلَقَد اختَارَ اللهُ الزَّمَان، فَأَحَبُّ الزَّمَانِ إِلَى اللهِ الأَشهُرُ الحُرُم، وَأَحَبُّ الأَشهُرِ الحُرُمِ إِلَى اللهِ ذُو الحِجَّة، وَأَحَبُّ ذِي الحِجَّةِ إِلَى اللهِ العَشرُ الأَوَّلُ مِنه، فَهُوَ أَفضَلُ أَيَّامِ السَّنَة، لِقَولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((سَيِّدُ الشُّهُورِ رَمَضَان، وَأَعظَمُهَا حُرمَةً ذُو الحِجَّة))، وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (مَا مِن عَمَلٍ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ أَفضَلُ مِنهُ فِي العَشرِ مِن ذِي الحِجَّة)، وَهِيَ العَشرُ التِي أَتَمَّهَا اللهُ لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلام.

ومِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ اللهَ تعالى أَكمَلَ فِيهَا الدِّين؛ فَلَقَد حَسَدَنَا اليَهُودُ عَلَى هَذَا الكَمَال، فَقَالَ حَبرٌ مِن أَحبَارِ اليَهُودِ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: آيَةٌ فِي كِتَابِكُم لَو نَزلَتْ عَلَينَا مَعشَرَ اليَهُودِ لاتَّخَذنَا ذَلِكَ اليَومَ الذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِيدَاً: )اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسلاَمَ دِينَاً(، فَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (إِنِّي أَعلَمُ أَيَّ يَومٍ نَزَلَت هَذِهِ الآيَة، نَزَلَتْ يَومَ عَرفَةَ فِي يَومِ جُمُعَة) وَكَمَالُ الدِّينِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الأُمَّة.

وَمِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ اللهَ تَعَالى أَتَمَّ فِيهَا النِّعمَة بِأَنوَاعِ الطَّاعَاتِ القَولِيَّةِ وَالفِعلِيَّةِ وَالتَّعَامُلِيَّة، وَمِن تَمَامِ النِّعمَةِ أَنَّ اللهَ فَتَحَ قُلُوبَ العِبَادِ لِلإِسلَام، فَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللهِ أَفوَاجَاً، وَمِن تَمَامِ النِّعمَةِ مَنعُ الكُفَّارِ مِن دُخُولِ الحَرم، وَاختِصَاصُ الْمُسلِمِينَ بِذَلِكَ إِلَى يَومِ القِيَامَة، وَمِن تَمَامِ النِّعمَةِ مُضَاعَفَةُ الأُجُورِ وَالحَسَنَاتِ فِي هَذَا العَشر.

وَمِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ كَثِيرَاً مِن العِبَادَاتِ تَجتَمِعُ فِيهَا وَلا تَجتَمِعُ فِي غَيرِهَا، فَفِيهَا دُعَاءٌ وَاستِغفَار، وَصَلَوَاتٌ وَصَدَقَات، وَصَومٌ وَحَجّ، وَذِكرٌ وَتَلبِيَة، فَاجتِمَاعُ هَذِهِ العِبَادَاتِ شَرَفٌ عَظِيمٌ لِهَذَا العَشرِ الْمُبَارَك.

وَمِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّهَا أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا عَلَى الإِطلَاق، دَقَائِقُهَا وَسَاعَاتُهَا وَأَيَّامُهَا وَأُسبُوعُهَا، فَهِي أَحَبُّ الأَيَّامِ إِلَى الله، وَالعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى الله، لِأَنَّهَا مَوسِمٌ لِلرِّبحِ وَالفَوز، وَهِيَ طَرِيقٌ لِلنَّجَاةِ وَالفَلَاح، وَهِيَ مَيدَانُ السَّبقِ إِلَى الخَيرَات، لِقَولِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((مَا مِن أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِن هَذِهِ الأَيَّام)) يَعنِي أَيَّامَ عَشرِ ذِي الحِجَّة، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَلا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله؟ قال: ((وَلا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، إِلا رَجُلٌ خَرجَ بِنَفسِهِ وَمَالِه، فَلَم يَرجِعْ مِن ذَلِكَ بِشَيء)) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ العَمَلَ فِي أَيَّامِ العَشرِ أَفضَل مِنَ الجِهَادِ بِالنَّفسِ وَالْمَال، وَأَفضَلُ مِنَ الجِهَادِ بِهِمَا، وَالعَودَةِ بِهِمَا أَو بِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ لا يَفضُلُ العَمَلُ فِيهَا إِلا مَن خَرَجَ بِنَفسِهِ وَمَالِه وَلَم يَرجِعْ لا بَالنَّفسِ وَلا بِالْمَال. وَقَد رُوِيَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: (كَانَ يُقَالُ فِي أَيَّامِ العَشر: كُلُّ يَومٍ بِأَلفِ يَوم، وَيَومُ عَرَفَةَ بِعَشرَةِ آلافِ يَوم) يَعنِي فِي الفَضل. ورُوِيَ عَن الإِمَامِ الأَوزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: (بَلَغَنِي أَنَّ العَمَلَ فِي يَومٍ مِن أَيَّامِ العَشرِ كَقَدرِ غَزوَةٍ في سَبِيلِ الله، يُصَامُ نَهَارُهَا وَيُحرَسُ لَيلُهَا، إِلا أَنْ يَختَصَّ امرُؤٌ بِالشَّهَادَة).

وَمِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ فِيهَا يَومُ عَرَفَة، وَهُوَ اليَومُ التَّاسِعُ مِن ذِي الحِجَّة، وَهُوَ يَومٌ مَعرُوفٌ بِالفَضل، وَكَثرَةِ الأَجرِ وَغُفرَانِ الذَّنب، وَهُوَ يَوْمٌ مَجِيْدٌ وَعَظِيْم، يُعْرَفُ أَهْلُهُ بِالتَّوْحِيْد، تَحْقِيْقَاً لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَة، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّوْنَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَه، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْر)). وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: (يَوْمُ عَرَفَةَ بِعَشْرَةِ آلافِ يَوْم) أَيْ فِي الفَضْلِ وَالأَجْرِ وَالثَّوَاب. وَوَرَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: (إِذا كَانَ عَشِيَّةُ يَوْمِ عَرَفَةَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيْمَانٍ إِلا غُفِرَ لَه، فَقِيْلَ لَهُ: أَلِلْمُعَرِّفِ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّة؟ فَقَالَ: بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّة). فَالرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ تَعُمُّ جَمِيْعَ الْمُؤْمِنِيْنَ الطَّائِعِيْن، وَلَيْسَتْ خَاصَّةً بِأَهْلِ عَرَفَة. وَوَرَدَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: (لَيْسَ فِي الأَرْضِ يَوْمٌ إِلا وَللهِ فِيْهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّار) وَلَيْسَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقَاً لِلرِّقَابِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَة، فَأَكْثِرْ فِيْهِ يَا أَخِيْ أَنْ تَقُوْل: اللهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِيْ مِنَ النَّار، وَأَوْسِعْ لِيْ مِنَ الرِّزْقِ الحَلَال، وَاصْرِفْ عَنِّيْ فَسَقَةَ الجِنِّ وَالإِنْس. وَلْيَحْذَرِ الْمُؤْمِنُ مِنَ الذُّنُوْبِ التِيْ تَمْنَعُ الْمَغْفِرَةَ وَالعِتْق، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ ذُنُوْبَ سَنَتَيْن، لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ وَالتِي بَعْدَه))، وَقَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِي فَضْلِ يَوْمِ عَرَفَة: ((هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيْهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَه))، فَأَفْضَلُ هَذِهِ الأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَة كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم.

ومِن فَضَائِلِ هَذِهِ الأَيَّام: أَنَّ فِيهَا يَومَ النَّحر، وَهُوَ اليَومُ العَاشِرُ مِن ذَي الحِجَّة، وَهُوَ مِن أَفضَلِ الأَيَّام، وَفِيهِ مُعظَمُ أَعمَالِ مَنَاسِكِ الحَجّ، مِنْ رَميِ الجَمرَةِ وَحَلقِ الرَّأس، وَذَبحِ الهَديِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعي، وَصَلاةِ العِيدِ وَذَبحِ الأُضحِيَة، وَاجتِمَاعِ الْمُسلِمِينَ فِي صَلَاةِ العِيد، وَتَهنِئَةِ بَعضِهِم بَعضَاً.

أيها الإخوة: إِنَّ فَضَائِلَ العَشرِ كَثيرَةٌ وَعَظِيمَة، لا يَنبَغِي لِلمُسلِمِ أَن يُضَيِّعَهَا، بل يَنبَغِي أَن يَغتَنِمَهَا وَيُحَصِّلَهَا، وَأَن يُسابِقَ إِلَى الخَيرَاتِ فِيهَا، وَأَن يَشغَلَهَا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَة:

فَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة كَثرَةُ الصِّيَام: فَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَدَعُ الصِّيَامَ في هَذِهِ الأَيَّام، وَأَخْبَرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّ فَضْلَ الصِّيَامِ وَأَجْرَهُ عَظِيْمٌ فِيْهَا، فَقَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيْهَا مِنْ عَشْرِ ذِيْ الحِجَّة، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَة)).

وَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة كَثرَةُ القِيَام: فَيُسْتَحَبُّ قِيَامُ لَيْلِهَا، وَأَخْبَرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّهُ يَعْدِلُ قِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْر، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُوْل: (لا تُطْفِئُوْا سُرُجَكُمْ في لَيَالِي العَشْر)، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَن طُولِ القِيَامِ فِي لَيَالِي العَشَر.

فَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ في هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ كَثرَةُ الذِّكر: لِقَولِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في سُورَةِ البَقَرَة: )وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَات(، وَلِقَولِ اللهِ تَعَالَى في سُورَةِ الحَجّ: )لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسمَ ٱللهِ فِي أَيَّامٍ مَعلُومَـاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ ٱلأنعَام(، وَرُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَال: ((مَا مِن أَيَّامٍ أَعظَمُ عِندَ اللهِ وَلا أَحَبُّ إِليه مِنَ العَمَلِ فِيهِنَّ مِن هَذِهِ الأَيَّامِ العَشر، فَأَكِثُروا فِيهِنَّ مِنَ التَّهلِيلِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّحمِيد)).

وَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة كَثرَةُ نَوَافِلِ الصَّلَوَات: كَصَلَاةِ الضُّحَى وَقِيَامِ اللَّيلِ وَالتَّهَجُّد، فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى النَّوَافِلِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لِلعَبد، وَمَن نَالَ مَحبةَ اللهِ حَفِظَهُ اللهُ وَأَجَابَ دُعَاءَه، وَأَعَاذَهُ وَرَفَعَ مَقَامَه.

وَمِنَ الطَّاعَاتِ الْمَشرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَة كَثرَةُ الصَّدَقَة: إِذ الصَّدَقَةُ فِيهَا أَفضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ في رَمَضَان، وَمَا أَكثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ فِي أَيَّامِ العَشر، مِنَ النَّفَقَةِ وَالاستِعدَادِ لِلحَجِّ وَالعِيد، وَطَلَبِ الأُضحِيَةِ وَنَحوهَا. وَبِالصَّدَقَةِ يَنَالُ الإِنسَانُ البِرَّ وَيُضَاعَفُ لَهُ الأَجر، وَيُظِلَّهُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ القِيَامَة، وَيَفتَحُ بِهَا أَبوَابَ الخَيرَات، وَيُغلِقُ بِهَا أَبوابَ الْمُوبِقَات، فَيُحِبُّهُ اللهُ وَيُحِبُّهُ الخَلق.

فيا أيها الإخوة: يَنبَغِي لِلمُسلِمِ أَنْ يُسَارِعَ في هَذهِ العَشْرِ إلى كُلِّ عَمَلٍ صَالح، عَسَى أَن يُكتَبَ مَعَ حُجَّاجِ بَيتِ اللهِ الحَرَام، فَقَد قَالَ ابنُ رَجَب رَحمهُ الله: (لَمَّا كَانَ اللهُ تَعَالَى قَد وَضَعَ فِي نُفُوسِ الْمُؤمِنِينَ حَنِينَاً إِلَى مُشَاهَدَةِ بَيتِهِ الحَرَام، وَلَيسَ كُلُّ أَحَدٍ قَادرَاً عَلَى مُشَاهَدَتِهِ كُلَّ عَام، فَرَضَ اللهُ عَلَى الْمُستَطِيعِ الحَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً في عُمُرِه، وَجَعَلَ مَوسِمَ العَشرِ مُشتَرَكَاً بَينَ السَّائِرِينَ إِلَيهِ وَالقَاعِدِينَ عَنه، فَمَن عَجَزَ عَنِ الحَجِّ فِي عَامٍ قَدَرَ في العَشرِ عَلى عَمَلٍ يَعمَلُهُ في بَيتِه، يَكُونُ أَفضَلُ مِنَ الجِهَاد، والجهاد أَفضَلُ مِنَ الحَج).

وَإِنَّ هَذِهِ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ مَوسِمٌ عَظِيمٌ لِجَمِيعِ الْمُسلِمِين، فَلَا يَقُولَنَّ قَائِل: إِنَّ التَّمَتُّعَ بِهَذَا الْمَوسِمِ وَالحُصُولَ عَلَى هَذَا الفَضلِ الكَبيرِ خَاصٌ بِمَنْ شَدَّ الرِّحَالَ إِلى بَيتِ اللهِ لِأَدَاءِ الْمَنَاسِك، أَمَّا مَن قَعَدَ فِي بَلَدِهِ فَلَيسَ لَهُ في ذَلِكَ نَصِيب، وَلَئِنْ فَاتَ المقِيمَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِمَنَاسِكِ الحَج، فَلَنْ يَفُوتَهُ العَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ في بَلَدِهِ وَبَيتِه، لِيَحظَى بِالْمَغفِرَةِ وَالرَّحمَةِ وَالعِتقِ مِنَ النَّار، فَاللهُ تَعَالَى كَرِيمٌ حَلِيم، وَفَضلُهُ وَاسِعٌ عَظِيم، وَهُوَ بِالْمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم.

يَا سَائرينَ إلى البَيتِ العَتيقِ لَقد *** سِرْتُم جُسُومَاً وَسِرْنَا نَحنُ أَرْوَاحَا

إِنَّا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وقَدْ رَحَلُوا *** ومَنْ أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ فَقَدْ رَاحَا

 

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=94&id=3462