الخطابة الدينية » منابر دمشق

ضوابط الاختلاط في الشريعة الإسلامية

الدكتور محمد خير الشعال


ضوابط الاختلاط في الشريعة الإسلامية

خطبة الجمعة 05/09/2015م بعنوان : ضوابط الاختلاط في الشريعة الإسلامية - من سلسلة: فضيلة - أخلاق تعاملية - لفضيلة الشيخ الطبيب محمد خير الشعال

وذلك لِمَا لاختلاط النساء بالرجال من أثرٍ في عفة الفرد والأسرة والمجتمع.

النساء بالنسبة للرجل إما محرمات عليه وإما أجنبيات عنه، والمحرمات عليه:

سبع من النسب، وسبع من الرضاع، وأربع من المصاهرة.

فأما المحرمات من النسب: فأمه وبنته وأخته وعمته وخالته وبنت أخته وبنت أخيه.

وأما المحرمات من الرضاع: فمثلهن، أعني: أمه بالرضاع وبنته من الرضاع وأخته من الرضاع وعمته وخالته وبنت أخته وبنت أخيه من الرضاع.

وأما المحرمات من المصاهرة: فأم الزوجة وبنتها، وزوجة الأب والابن.

فهؤلاء النساء المحرمات يختلط بهن الرجل ضمن الأدب العام والعُرف السليم ولاحرج.

أما الأجنبيات عنه فالحديث عنهن في الخطبة.

والمراد بالأجنبيات: كل من يجوز للرجل الزواج بهن.

أيها الإخوة والأخوات:

الأصل والسلامة أن يكون الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، غير أن مفردات الحياة تتطلب أحياناً أن يختلط رجل بامرأة أجنبية، أو امرأة برجل أجنبي، كما في حالة البيع والشراء أو في حالة التعليم أو التطبيب.

وقد تعاملَ الناسُ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، النساء مع الرجال في بيع وشراء وإجارة، وكانت النساء يأتينَ إلى المسجد، ولم يكن المسجد -مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- مقسَّماً قاعة للنساء وقاعة للرجال، بل كانت النساء في المسجد الحرام تطوف ويطوف الرجال.

غير أن الناس في الأغلب الأعم كانوا ينضبطون بضوابط الشرع وقواعده في مسألة الاختلاط.

فعلى سبيل المثال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال أن يصلوا في الصفوف الأولى ثم يتبعهم بالأولاد الصغار ثم تأتي النساء.

عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: ألا أحدِّثُكُم بصلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصلاةَ، فصفَّ الرِّجالَ، وصفَّ خَلْفَهُمْ الغِلْمانَ، ثم صلَّى بهم. [أبو داود]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ صفوفِ الرِّجالِ أوَّلُها، وشرُّها آخِرُها، وخيرُ صفُوفِ النِّساءِ آخِرُها، وشَرُّها أوَّلُها». [مسلم]

وكان صلى الله عليه وسلم يطلب من الرجال أن يؤخروا خروجهم من المسجد حتى تخرج النساء.

عن أم سلمة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم قام النساء حين يقضى تسليمه، ثم يلبث في مكانه يسيراً قبل أن يقوم). [ابن ماجه]

وهكذا كان اختلاط الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم منضبطاً بقواعد الشريعة.

هذه القواعد التي تجنب الناس ويلاتِ العلاقات المفتوحة بين الرجال والنساء وأوزارَها.

وأحب أن أنقل إليكم نتيجة دراسة واحدة عن الاختلاط غير المنضبط في المدارس المختلطة:

أعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية في أمريكا في الاستبيانات والدراسات الرسمية بأن نسبة 87.8% من مجموع طلاب المدارس الثانوية في أمريكا مارسوا علاقات جنسية في حياتهم.

والمدارس عندهم نوعان:

النوع الأول: مدارس مختلطة ممنوع أن تفصل في دروسها بين الشباب والبنات.

النوع الثاني: مدارس يأذن لها القانون أن تفصل بينهم.

لاحظوا أن المدارس التي لا يؤذن لها أن تفصل، بلغت نسبة ارتكاب الفاحشة والزنا بين الطلاب فيها ضعفين ونصف عن المدارس التي يؤذن لها أن تفصل.

فأي مجتمعٍ هذا الذي ارتكب89% من طلاب مدارسه الفاحشة..! إنه اختلاط من غير ضوابط.

 وإذا كان هذا حال طلبة المدارس، فما بالك بالذين هم في الشوارع أو في أماكن اللهو والمجون!؟

سُئِل أحد الأدباء العرب المسلمين في إحدى العواصم الأوروبية، لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن، من غير أن يخالطن الرجال، ويغشين مجامعهم؟

فأجاب قائلاً: لأنهن لا يرغبنَ أن يَلِدْنَ من غير أزواجهن!

كتبت إحدى المجلات الأمريكية منذ أكثر من ربع قرن تقول: عوامل شيطانية ثلاثة يحيط ثالوثها بدنيانا اليوم، وهي جميعها في تسعير سعير لأهل الأرض:

أولها: الأدب الفاحش الخليع الذي يشعل الشهوات في قلوب القارئين والقارئات، (أغاني خليعة - أشعار خليعة - روايات ماجنة- قصص تثير الرعونة والفوضى الجنسية).

والثاني: الأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب, بل تلقنهم دروسًا عملية في بابه.

والثالث: انحطاط المستوى الخلقي عند الرجال وعند النساء الذي يظهر في ملابسهن، وفي إكثارهن من التدخين، وفي اختلاطهن بالرجال بلا قيد ولا التزام.

لذلك تجدون الشريعة الإسلامية – أيها الإخوة والأخوات- اعتنت بوضع ضوابط لاختلاط الرجال والنساء، إن اقتضت مفردات الحياة ذلك.

فما الضوابط الشرعية للاختلاط؟

الضابط الأول: أن يكون هذا الاختلاط لحاجة أو ضرورة: كما لو احتاجت امرأة للذهاب إلى طبيب لا يوجد في تخصصه امرأة غيره.

أو تنزل امرأة إلى القاضي لتشهد شهادة، ويمضي رجل إلى امرأة قاض ليقدم دعوى.

أو تشتري امرأة عقاراً أو سيارةً من رجل أو تبيعه أو تؤجره.

وإذا انتهت الحاجة أو الضرورة انتهى الاختلاط.

فإن لم يكن ثمة حاجة أو ضرورة فيكون هذا الاختلاط محرماً وممنوعاً.

والضرورة: هي الأمر الذي يحتاجه الإنسان بحيث إذا فقده يتضرر واحد من مصالحه الرئيسة: في حياته أو ماله أو عرضه أو نسبه أو عقله.

الضابط الثاني: الالتزام بغضِّ البصر من الطرفين، والجدِّية في الكلمة، وعدم الخلوة.

 فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، وهي مثله.

قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا..} [النور: 30، 31].

فالطبيب الذي يعالج المرأة، والمعلم الذي يدرس الطالبة، والقاضي الذي يستجوب المدعية، كل هؤلاء ينظرون بمقدار الحاجة والضرورة.

 وتلتزم المرأة الجدية في الكلام بعيدةً عن الإغراء والإثارة، فلا تخضع بالقول لئلا يطمع الذي في قلبه مرض، ومثلها يفعل الرجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].

 وقد نهت الأحاديث الصحيحة عن خلوتهما ببعضهما، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ». [الترمذي]

الضابط الثالث: الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي كامل البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].

الضابط الرابع: أن تتجنَّبَ المرأة كلَّ ما من شأنه أن يثير ويغري كالروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق، ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.

عَنْ أبي موسىٍ الْأَشْعَرِيِّ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ» -نسأل الله السلامة- [النسائي وأحمد].

هذه هي ضوابط الاختلاط في الشريعة الإسلامية. ولسائل أن يسأل ماذا عن اختلاط الأقارب، وماذا عن الاختلاط الالكتروني.

أما اختلاط الاقارب: وهل  يوجد فرق بين اختلاط المرأة مع الرجال الأباعد والرجال الأقارب؟ فأقول:  

ينقسم الرِّجال بالنسبة للمرأة إلى قسمين من حيث اللِّباس والكلام والاختلاط والمعاملة:

1- قسمٌ يجوز لها أن تظهر أمامهم بلباس المهنة وتخاطبهم وتخالطهم، وهم: محارمها الذين سبق تعدادهم أول الخطبة، فهؤلاء تظهر المرأة أمامهم بلباس المهنة.

والمراد بلباس المهنة: اللباس الذي ترتديه المرأة أثناء العمل بالبيت فيظهر منها الساعدان والقدمان، والرأس والعنق.

2- وقسمٌ ثانٍ من الرجال الأقارب يجوز لها أن تتزوج منهم كابن العم وابن الخال ونحوهما.

فهؤلاء تعاملهم كالأجنبي عنها من حيث المخالطة واللباس والكلام، فلا يجوز لها أن تظهر أمامهم إلَّا باللِّباس الشَّرعي الكامل، ولا يجوز لها محادثتهم ولا مخالطتهم إلا عند الضَّرورة أو الحاجة، وبالآداب الإسلامية.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ». [البخاري ومسلم]

وأما الاختلاط الإلكتروني:

فهو أن تختلط النساء مع الرجال عبر الشابكة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر المواقع الإلكترونية، فتحدث المرأة رجلاً قريباً أو بعيداً، أجنبياً أو عربياً، من أهل هذا البلد أو من غيره، تعرفه أو لا تعرفه. ويحدث شاب فتاةً أو أكثر عبر الرسائل أو الشات أو المكالمات أو عبر الماسنجر.........

وإن الاختلاط الإلكتروني قد يكون أقرب وأقوى من الاختلاط المادي، إذ تكون المرأة جالسة في بيتها تكلم رجلاً في شرق الأرض أو غربه بكلام لا يسمعه ولا يقرؤه إلا هو، والخوف كل الخوف ألا تنضبط بضوابط الشرع أو ألا ينضبط هو، في الكلمة أو الصورة أو التعبير.

ومن هنا أقدم إليكم ضوابط الاختلاط الالكتروني:

الضابط الأول: الأصل عدم الاختلاط، فالرجل يكلم الرجال والمرأة تكلم النساء، والشاب يصادق الشباب، والفتاة تصادق الفتيات عبر صفحات التواصل الاجتماعي، والرجل يشكو همومه لأصدقائه الرجال، والمرأة تشكي همومها لصديقاتها النساء، هذا هو الأصل ولا يجوز الاختلاط الإلكتروني إلا لحاجة أو ضرورة.

 الضابط الثاني: مراقبة الله عز وجل فيما تخطه بيمينك، أو تضعه من صورك، أو ترسله من رسائلك الصوتية أو المكتوبة، فما كتبته وصوَّرته يراه الله، وما قلته يسمعه الله، وما أضمرته يكشفه الله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]، والشيء الذي تحب أن يطلع عليه الله اكتبه، والشيء الذي تخاف أن يعرض أمام الناس يوم القيامة لا تكتبه.

الضابط الثالث: احذر أن تكون الكتابة تعبيراً عن حالة خاصة، كقولها: (أنا متعبة اليوم) وكقوله: (أشعر بالنشاط) لأن هذه الكتابة مستفزة للآخرين.

الضابط الرابع: احرص أن تكون الكتابة في المجموعات العامة بحيث يراها الجميع، واجتنب مراسلة النساء على الخاص لكي لا تضع نفسك ولا تضعي نفسك موضع التهمة.

الضابط الخامس: اجتنب المدح والإطراء الزائدين، إذ لا يخلو هذان من أن يُدخلا في قلب الطرف الآخر شيئاً.

كقولها:  كم أنت لبق- أنا لم أجد إنساناً محترماً مثلك، وكقوله: كم أنت أديبة- لقد رأيتك مميزة عن صديقاتك......

الضابط السادس: حاول أن لا تنادي الطرف الآخر باسمه مجرداً فذلك مما يرفع الكلفة، بل قل: السيد فلان والسيدة فلانة.

الضابط السابع: تجنب الكتابة باللهجة العامية، والألفاظ الهزلية ما استطعت، فهي أيضاً مُسقطة للكلفة، قاتلة للحياء.

الضابط الثامن: اجتنب وضع صورك الخاصة ومعلوماتك الشخصية الخاصة، واجتنبي ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنك لا تدرين من سيأخذ هذه الصورة، وأين سيمضي بها، وكيف سيستخدمها؟

الضابط التاسع: اجتهد أن تتم الكتابة في أوقات النهار: لأن الكتابة ليلاً لغير ضرورة وحاجة، تسقط حواجز الاحترام والعفاف الاجتماعي بين الرجال والنساء.

الضابط العاشر والأخير: إن مما ينصح به نشر منشورات أخلاقية وعلمية ودينية على صفحتك الخاصة لأنها تشكل سدَّاً أدبياً واجتماعياً ونفسياً لمنع الإساءة لصاحب الصفحة.

أيها الإخوة:

مهما استطعنا أن نضبط الاختلاط بين الرجال والنساء بضوابط الشريعة وضوابط الأدب فنحن نحافظ على عفة مجتمعنا، والعكس بالعكس، وإن الخير أن يكون الرجال مع الرجال، والنساء مع النساء، فإن احتجنا إلى الاختلاط فلا بد من هذه الضوابط الشرعية لنحمي أبناءنا ونحمي بناتنا، فنحمي بهم مجتمعنا من أن يصاب بمكروه.

والحمد لله رب العالمين

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=94&id=3439