كلمة الأسبوع

مــن رمــضــان جــائـــزة الـعــيـــد

فضيلة الشيخ محمد الفحَّام


مــن رمــضــان جــائـــزة الـعــيـــد

 

الحمد لله الذي مَنَّ على أمة الهادي الأمين بالمكْرُمات، وخَصَّها بخالص العطايا والبركات, وهيَّأَها لسبيل المعارف ومقاصد الغايات، والصلاةُ والسلام على مَن رَفَعَهُ اللهُ أعْلى الدَّرجاتِ وجَعَله واسطةَ العِقدِ للوصول إلى منتهى الغايات, وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرِّدُ بالأفعال والأقوال والصفات المنَزَّه عن النقائص بأقصى الكمالات. وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسولُه القاسم بأمر ربه للعطيَّات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بأتمِّ الصلوات وأكمل التسليمات، وبعد؛ فيقول مولانا الجليل في بيانه الكريم: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)  فها هي الأيام تتسارع، وها هو الزمان يَطْوِي، وهكذا العمر ينقلب ويمضي, ودائماً؛ على المرءِ أولَهُ أَمْسُه الذاهب, وبين يديه يومُه الحاضر، والقادمُ غيبٌ قاهر.

ها هي أيامُ رمضان قد مضت وها نحن في رحاب الوداع لِلَياليه. تُرى هل وفَّينا نعمة الله حقَّها بالشكر الفعلي هل صُمنا وقمنا وتلَونا وذكرنا وعَبَدْنا إيماناً واحتساباً؟ هل سيُطوى شهرُنا كنزناً مُخَبَّأً في عرش الرحمن ليبرز يوم العرض بمنطوق البيان الإلهي: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ* إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ).

أخي المؤمن! اعلم أنَّ الطريق أمامك وأنَّ مسيرة التكليف لاتقف إلا عند حدِّ الموت فإذا كان الخطاب لسيد الخلق  (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فكيف ينبغي أنْ يكون في حقنا وهو أسوتنا. لذا فإنه لَمِنَ العقل بمكان المثابرةُ على الدوام, والمتابعة للعبادة بانتظام, فقد قيل: "من كان أمسُه كيومه فهو مغبون"، ولا يَغُرَّنَّك ما قدمت من عمل ذلك أنَّ المغيَّبَ خطير والمكتوب من الناقد البصير, والأمورَ بمقدور اللطيف الخبير.

فلو تأمَّلنا توجيه النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) لأدركنا المعنى المترجم بما ورد من الإشارة إلى محبوب الله تعالى من منهجية العمل المتواصل على قاعدة "إنَّ الله يحب العبد الحالَّ المرتحل" أي الذي ما إنْ ينتهي من عبادة حتى يستهلَّ أخرى إلى نهاية الأجل, وهذا يقتضينا فعل الصالحات على الدوام, و ابتدار الخيرات من غير انصرام, وتصحيح المعاملة مع ربِّ الأنام، وما رمضان إلا معهدُ الثلاثين يوماً الذي ينبغي أنْ يكون منطلقَ معراج في نظام الهداية المُرَقِّية فإنَّ الربانيين يُشيرون إلى جوهر الإثمار في العبادة بمدلولٍ هادف وهو أنَّ مِنْ علاماتِ القبول أنْ يغدو العبدُ في عبادته فورَ انتهائه مِن أدائها أفضل من ذي قبل وإلا لكان كمَن يدور في حلقة مُفرغة يعودُ لما بدأ، ذلك أنَّ الراحلَ إلى الحق هو الذي لا يفوته خط العمر من أوله إلى أخره.

وعليه؛ فماذا بعد رمضان؟ هل عَوْدٌ إلى غفلاتٍ تُنسينا نفحاتِه وبركاتِه كيف ونحن نعلم أن مولانا سبحانه ربُّ رمضان وكلِّ الزمان؟, أم هل سيكون خروجُنا مِن محرابه فكاً  لوثيق العلاقة بين العبد وربِّه !!؟ أم هل سيكون عيدُنا وهو يوم الجائزة من ربنا باباً من أبواب الهبوط  والبُعد عن محراب الأدب في نظام العبودية للمعبود الذي أهدانا رمضان ؟؟

ألا فلنجعلْ من العيد شهوداً ليوم الجائزة بِشُكْرِ المنعم، ورابطاً بينها وبين اليومِ الموعود يوم الفوز الأكبر بحمل الكتاب باليمين، وليكن العيدُ مشهدَ الجمال الآسر لذوي الألباب والأفئدة وذلك بصلةِ الأرحام والرتْع في ساحة المكارم المعبِّرة عن سلامة العقيدة بزيادة الإيمان لاسيما حينما نّصِلُ ما قطع مِن أرحامنا ونحن نتمثل هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله:( ليس الواصل بالمكافئ ولكنَّ الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)) رواه البخاري.

كذلك في نظام بيان الله الحق على المراقبة الهادية القائل  (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) .

والقائل: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) .

وعلى المنهج النبوي الراشد القائل في الحديث القدسي: (أنا الرحمن وهي الرحم) والقائل في الحديث الشريف: (الرحم معلقةٌ بالعرش تقول: مَن وصلني وصلَهُ الله ومَنْ قطعني قطعه الله) متفق عليه.  وليكن العيد استجداء لفوائد الإحسان من الحنان المنان عبر الأعمال الصالحات، وليكن ما بعد العيد روضةَ الإثمار المُزهرة بين يدي العلاقات الإنسانية بأكملها على ميزان قول المولى سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً).

فإنَّ العامل ببيان الله عابدٌ موحِّدٌ, ومُحْسِنٌ واصل, و شفيقٌ راحم, وحافظٌ لبنيان المجتمع على مستوى الفرد والجماعة ثم _بإذن الله تعالى_ ضامنٌ العاقبةَ الحسنى ففي قوله تعالى: (اعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ) تطبيق للإسلام .

وفي قوله تعالى: (وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئا) تطبيق للإيمان

وفي قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً...إلخ) صلة العبد بربه وتجليات الربِّ على العبد, والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه... إلخ .

فأَعِنَّا اللهمَّ على ما يرضيك عنا من العمل والقول في عافية الإيمان وسلامة العقيدة بإحسان غامر وفيضٍ عامر آمين يا رب العالمين.

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=3358