تقع تربة درويش باشا في مدينة دمشق القديمة مجاورة لأسوارها الغربية ، في منطقة قنوات جادة ، على الضلع الغربي لجادة الدرويشية (شارع سعد زغلول) عند زاوية التقائها مع زقاق الدرويشية ، شمالي جامع المدرسة السيبائية وجنوبي جامع درويش باشا. والتربة مشيّدة عثمانية ، أنشأها والي دمشق درويش باشا بن رستم باشا. تصدّر ولايتها من سنة 979هــــ/1571م إلى سنة 982 هــــ/1574م ، ثم تولّى نيابة مرعش ثم قرامان ثم ديار بكر فمات بها سنة 987هــــ/1579م ، فحُمل تابوته إلى دمشق بناءً على وصيّته ، ودُفن في تربته التي أنشأها قبلي جامعه. وقد كان من خيار الولاة العثمانيين ، وهو الوزير الأعظم صاحب الخيرات والحسنات ، سار بأهل دمشق سيرة حسنة. وفي طاعون دمشق سنة 981هــــ/1573م صالح أرباب الديون عن المتدينين وأخرجهم من السجن ، وأمر أن لا يُحبس أحد بتلك الأيام ، فأحبّه أهل دمشق. وكان شجاعاً يعسّ ليلاً ويتعقّب المجرمين وقطاع الطرق ، فأصبحت دمشق في زمانه أمان واطمئنان. بنى جامعه المشهور ، وشيّد حمام القاشاني وخان الحرير والسوق ، وعمّر الجسر على نهر بردى بالمرجة ، وأنشأ الأسبلة وأجرى إليها الماء. يحيط بالتربة سور لطيف من جهتها الرئيسية الشرقية ، وهو مؤلّف من جزأين : الجزء الجنوبي معدني بارتفاع 3,05م ؛ والجزء الشمالي منه حجري بارتفاع 3,90م مبنيّ من مداميك الحجر الأبلق ، وتـنصّفه كتلة المدخل الخارجي والسبيل ، والذي يؤكدّ عليهما ارتفاع واجهتهما عن باقي الواجهة بمقدار 30سم. والسبيل موضوع في تجويف بعرض 1,80م ضمن عقد مدبب من الحجر الأبلق يعلوه شريط من الزخارف الهندسية ، وقد احتوى على لوحة تعريفية تأريخية في ثلاثة أبيات من الشعر ما نصّها: هــــــــــــــــــذا ســــــــــــــــــــبيل بل ســــــــــــــــــلسبيل يشــــــــــــــــفي غليلا يشـــــــــــــفي عليلا وزمــــــــــــــزم الماء فيــــــــــــــــــه يجـــــــــــــــــــــــري لــــــــــــــــــــدى مقام حــــــــــــــــــوى خليـــــــــــــلا أجـــــــــــــــزاه أجـــــــــــــــــــــــــراً فــــــــــــــــأرّخـــــــــــــــــــوه درويــــــــــــــــــــــــــــش باشا بنـــــى ســـــــبيلا ويصب ماء السبيل في بركة شبه نصف دائرية من الحجر البازلتي الأسود ، ولكن السبيل أُلغي وفُك ّ جداره الخلفي وأضحى مسيّجاً بالقضبان المعدنية! والمدخل الخارجي للتربة يقع عن يسار السبيل ضمن دخلة جدارية معقودة بعقد مدبب متجاوز من الحجر الأبلق ، تستند رجلاه على نصفي تاجين مقرنصين ، ويحيط بالعقد شريط زخرفي يعلوه شريط زخرفي آخر محيطي ينتهي بإفريز حجري. والباب مستطيل ذو ساكف حجري كلسي مستقيم يعلوه شريط حجري ذي زخارف هندسية تعلوه بالتالي مداميك شعاعية من الحجر الأبلق. والباب خشبي ذي مصراعين ، يُصعد منه عبر درجتين إلى فناء التربة ذي الشكل المضلّع تبعاً لشكل العقار ، وأرضيّته مرصوفة بالحجر المزّي تتوسطها بركة مياه مستطيلة ذات زوايا مشطوفة ، وقد أُحيطت بزخارف أرضية هندسية من الحجر البازلتي الأسود. ويوجد درج حجري في الواجهة الشمالية للفناء يُصعد منه إلى غرفة المكتب الأثرية ، وكذلك يوجد زخارف هندسية في أرضية الزاويتين الجنوبيتين الخارجيتين للتربة.
وأما التربة فيتم الوصول إليها عن يسار الداخل للفناء ، وهي ذات مسقط مثمن وذات جدران سميكة (1م) ، بُنيت من مداميك الحجر الأبلق والمشهّر. وإن جميع أضلاعها الثمانية متماثلة في عناصرها المعمارية والزخرفية سوى وجود بروز المحراب في ضلعها الجنوبي. ويتوسط كل ضلع منها شباك مستطيل مغشّى بالمصبّعات المعدنية ، وذي ساكف مستقيم من الحجر الكلسي يعلوه عقد مدبب من الحجر الأبلق ، يحيط به شريط زخرفي يزنّر الشباك كله. ثم يوجد شريط حجري زخرفي يلتف حول جدران التربة كلها. ثم تتتابع المداميك الحجرية للأعلى متضمنة شباكاً علوياً مستطيلاً معقوداً بعقدٍ وتري يعلوه افريز حجري بسيط. وتحمل جدران التربة قبة نصف كروية مدببة واسعة وملساء متوجّة بالهلال ، ترتكز على قبة ذات ست عشر ضلعاً ، تتوسّط كل ضلع منها نافذة مستطيلة معقودة بعقدٍ نصف دائري. ويتم الولوج إلى داخل التربة عبر ثلاث درجات حجرية نصف دائرية تصل إلى باب التربة الموجود في الضلع الشمالي منها. والباب خشبي ذو مصراعين فوقه ساكف مستقيم يعلوه مدماك حجري تزيّنه ثلاث حشوات مستديرة ، الوسطى منها ذات زخارف مجدولة وفي مركزها قمرية ، وأما الحشوتان على طرفيها فهما ذات زخارف نجمية. والباب يفتح على قاعة التربة المثمنة ذات الأرضية المرصوفة بالحجر المزّي ، يتوسطها القبر الرخامي الأبيض للوالي درويش باشا والمؤلّف من طبقتين مستطيلتين فوق طبقة من الرخام السمّاقي ، يعلوهم القبر السنامي المحتوي على الشاهدة الأثرية التأريخية في طرفه الشرقي ، وعلى جزء أسطواني صغير متوّج بمنحوتة ترمز إلى عمامة الوالي في طرفه الغربي. والواجهات الثماني الداخلية للتربة متماثلة عدا الواجهة القبلية للمحراب ؛ وهي مزدانة بالزخارف الرخامية الملونة ذات الأشكال الهندسية وبوجود لوحات من القاشاني الأزرق البديع في منتصف أضلاعها ، وهي ذات زخارف كتابية نصها "لا اله إلا الله الملك الحق المبين" ، وفي التقاء زواياها لوحات قاشانية ذات زخارف نباتية. وأما المحراب فهو ذو حنية نصف دائرية من مداميك الحجر المزّي ، تعلوها طاسة ذات عقد نصف دائري مدبب يستـند على عموديين رخاميين من اللون الأبيض ذواتا قاعدتين وتاجين مقرنصين ، ويحيط به شريطين رأسيين من الزخارف الرخامية الملونة. ويزّنر أسفل الشبابيك الثمانية العلوية ذات المشبكات الخشبية لوحات من القاشاني الأزرق ذات الزخارف الكتابية المحتوية على الآيات الكريمة لسورة الواقعة. وأما شبابيك رقبة القبة فهي ذات مشبكات بيضاوية. ويحيط بمركز القبة دائرة زخرفية كتابية تحوي النص: "قل كل يعمل على شاكلته" ، كعادة الطراز العثماني في معظم قباب المساجد العثمانية".
مراجع للإستزادة: - نجم الدين الغزي , الكواكب السائرة-جـــــــــ3 ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت 1979م. -محمد المقّار , ولاة دمشق في العهد العثماني , تحقيق صلاح الدين المنجد , دمشق 1949م. -قتيبة الشهابي , مشيدات دمشق ذوات الأضرحة وعناصرها الجمالية , منشورات وزارة الثقافة , دمشق 1995م. |
||||||||
|