كلمة الأسبوع

صــاحــب الــذكـــرى رسول رب العالميــن مـحـمــد

فضيلة الشيخ : محمد الفحّام


صــاحــب الــذكـــرى رسول رب العالميــن مـحـمــد

الحمد لله حمد الذاكرين الشاكرين والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهٌ تفرَّد بالوحدانية, وتنزَّه عن النقائص بالقدوسية فأحسن َكلَّ شيء خلقَه ثم هدى, وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيُّه من بين الخلق وخليله أرسلَه على فترة من الرسل _والخلق في شرود ومَحْلٍ, وعمايةٍ بظلمةِ الجهل  ليخرج الناس من جَور الطغيان إلى عدلِ القرآن, ومن عبادةِ الأوثان إلى العبودية للديّان, فهداهم بسراجه المنير, ونوره المبين, هذا النبي الأمين صلى الله عليه وسلم الذي أيَّده بالخوارق و كلمة الصدق, وقوةِ الحجة وبيان, الحق, وبعد؛ ففي بيان الله تعالى أوفى مظاهرِ التكريم لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم حيث عَظَّمَ سبحانه ذاته بكلامه القديم في معرض إبرازه رحمةً مُهداة للعالمين بفضله العميم وقوله المبين: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)

هذا؛ وإنَّ الكلامَ عن صاحب الذكرى في رياض ربيعها إنما هو استحضارٌ لواقعِ الألق المتجدِّد في الأمة وتجْليةٌ لفيوضات جليلة وبركات وفيرة لا يَسَعُها إلا قلبُ مَن أحبَّه فاتَّبعه على نور ذلك الحبِّ الآسر ترجمةً لحقيقة الالتزام على هدى وهداية ومنهجٍ ودراية.

وإنه لمعلومٌ أنَّ صفحاتٍ يسيرةً لا يمكن أن تسع ذلك الاستحضار لذا فدونَك أيها المحبُّ هذا الغَيْضَ من فيضها, والقليلَ من كثيرها عبرَ جولة في واحات رياضها نستخلص الحكمة والعبرة ممن طوى الله في جوهره محامدَ ومكارمَ وَسِعَتِ العالمين وفاضت وأثمرت على الأمم أجمعين. ولعلَّ ذلك من أجلِّ أسباب اهتمام المحبين بسيد العالمين, ونبي الله صلوات الله عليه وآلِه وصحبه بيوم مولده الأغر لاسيما في بلادنا الشامية حرسها الله تعالى وزادها شرفاً آمين. أجَلْ؛ في بلادنا الشامية التي متَّعَها المولى سبحانه بشرف النسبة إليه صلى الله عليه وسلم ودعائه المبارك بنور حرفه الممتد (اللهم بارك لنا في شامنا) وهو شعور مستمرٌّ لدينا نحن أهلَ الشام لم لا؟ وقد متَّعنا الله تعالى بطَيْفِ ذلك ربيعاً أزهرَ عُمْرَنا كلَّه فلله الحمد والمنة.

ألا فليعلم كلُّ متسائل أنَّ الارتباط به صلى الله عليه وسلم موصولُ العقد والعهد عبر عرض سيرته من الولادة إلى (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ..) أنَّ مولانا جعل رحمته ظاهرةً في هديته للعالمين منذ حمله, وعند ولادته, وحالَ رضاعه, ثم في لطائف نشأته, وحياته في شبابه, إلى أن بُعث نبياً هادياً للناس أجمعين. ففي حملِه كان عوناً لأمِّه ويُسراً لم تشعر يثقل ولا وَحَمٍ ولا تعب.. وفي ولادته لم تشعر بألمٍ ولا عُسْرٍ ولا شِدة.. وفي رضاعه بركةُ الرزق بِدَرِّ الضرع, ونبت الزرع وإمعارِ الأرض, وغزارة العشب في زمن الجدب.. وفي نشأته بركةُ الرزق للحاضرين وبين يدي المطعَمين فيشبعون مع بقاء فيضِ البركة ما يدفَعُ عمَّه أبا طالب أن يقول أشهد أنك نسمةٌ مباركة, قحطتْ مكةُ يوماً فاستسقى الناسُ حول الكعبة وخرج أبوطالب ومعه غلامٌ كأنه شمسُ دجىً تجلَّت عنه سحابة قتماء حول أُغَيْلِمَةٌ فأخذه أبوطالب فأَلْصَقَ ظهره بالكعبة ولاذَ الغلام _أي سيدنا محمداً_ بأصبُعه _إلى السماء كالمتضرع الملتجئ_ وما في السماء قَزْعَةٌ _قطعة من سحاب_ فأقبل السحابُ من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق _كَثُرَ مَطَرُهُ_ وانفجر الوادي وأخْصَبَ النادي وفي ذلك يقول أبوطالب مادحاً النبي صلى الله عليه وسلم :

وأبيضُ يُسْتَسْقى الغمامُ بوجهه          ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

يلوذُ به الهُلاّكُ مِن آلِ  هاشمٍ           فهم عنده في نعمةٍ  وفواضلِ

وفي شبابه أظهر الله تعالى حفظه وعصمتَه من مثالبِ الجاهليه وأبرز كمالَ عقلِه ونورَ قلبِه إلى يوم البعثة ونزولِ الوحي إرهاصاً مُشيراً إلى سيادته وعمومِ رسالتِه المقبلة على العالمين

وعليه؛ فإن الاهتمام بيوم مولده صلى الله عليه وسلم إنما هو إلا للتذكير بفضل الله تعالى حيالَ هديته المباركة سبحانه, وكرامةً لكلِّ محبِّ اتَّبَعَ على نظام ذلك الحبِّ وتوليداً لطاقات ذلك الحب الخالص في رحاب قرعِ بابِ محرابِ مدارسةِ سيرته العطرة وشمائله المجيدة وشريعته الغراء ومواقفه الهادية كمنطلق دائم لتجديد العهد في رحاب ما جاء به صلى الله عليه وسلم من عقيدة وشريعة ومنهج.

هذا ومن جماليات تلك المظاهر الزاهرة عند أهل الشام أنهم يتقلبون في رياض الاحتفال بذكرى مولده الشريف السنةَ كلَّها عبرَ المناسبات متوِّجين إياها بذكره فيها, والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم من خلالها, وعرضِ شمائله في رحابها, ويجعلون أوجَ فرحِهم فرحَهم به عليه الصلاة والسلام وهم يذكرون ويذكِّرون أنفسهم بنعم الله وأفضاله والتي أعلاها النبي المختار, وعبر مظاهر شرعية آنسة راشدة تنهض بالحاضرين نهضةَ ذلك التجديد استمساكاً بحبل الله المتين  ونور هدي نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم. هي من الروائع التي تميَّز بها أهل الشام لعنصر الحبِّ كما أشرت كدلالة على صفاء التوحيد ونقاءِ العقيدة ترجمةً لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) أخرجه مسلم وغيره

لذا فلا يخفى على أيِّ عاقل أنَّ إعطاء النِّعَمِ حقَّها أمرٌ مشروع وعملٌ مبرور وأنَّ أعظم النعم ذلكم النبيُّ الأكرمُ صلى الله عليه وسلم الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور ومن الجهالة إلى العلم, ومن العِماية إلى ضياء الهدى والحق. إنها لقاءاتُ مدارسة لسيرته مبدوءة بتلاوة القرآن مزينة بالصلاة على سيد ولد عدنان عليه الصلاة والسلام مُمتَّنَة بالعلم النافع محاطة بمظاهر التطبيق الرصين لأحكام الشرع المبين تزكيةً للقلب المحب من ران الغفلة عن تلك النعمة الجليلة التي جعلها الحق منبعَ الخيرات ومصدرَ النجاة ومنطلقَ العافية القلبية للعباد. ذلك أنَّ أعمال أمته معروضة عليه, وأنه هو الشفيع لها وهو صاحب الحوض الشريف والمشرف على اجتياز الصراط ورحم الله الإمام النبهاني الناظم في نظمه البديع؛

كم جَمَّعُوا في حبِّه الجُمُوعا          وفرَّقوا في   حبِّه    المجموعا

وزينوا     الديارَ   والربوعا           وأكثروا الأضواءَ والشمُوعا

وطيَّبوا الكلَّ بعَرْفْ الندِ

وفرحوا    بذكره     وطَرِبُوا             وأكلوا على  اسمِه   وشربوا

وابتهلوا    لربهم     وطلبوا             واستشفعوا  له  به  وانتسبوا

معتقدين نيلَ  كل قصدِ

كم عمَّر الله به     الديارا              ويسَّر السرور     واليسارا

إذْ بذلوا الدرهم   والدينارا               وذكروا  الرحمن  والمختارا

بين صلاة   ودُعا وحمدِ

ياهل ترى هذا يسوء أحمدا            أوهل تراه ليس يرضي الصمدا

        فدتك نفسي اعمل ولاتخشَ الردى      وكرِّرِ   المولد   ثم المولدا

تَعِشْ سعيدا وتَمُتْ في سَعْدِ

        ختاماً أخي المحب؛ احرص على  أن تلقى الله متلبساً بأنوار حبه وضياء حكمه وميزان شرعه ليشهد لك فيما عُرض عليه ويعرض من أعمالك زمن التكليف فإن أبرز مظهرِ أمانٍ يومَها أنْ يأخذ بيدك عند الحوض والميزان وعلى الصراط وحاذِر أنْ يعرض عليه عنك ما يُحزنُه فيكون ذلك سبباً لخطاب السَّحق أعاذنا الله تعالى

أما بعد؛ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)

(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=2741