كلمة الأسبوع

إن العهد كان مسؤولاً

الدكتور محمد خير الشعال


إن العهد كان مسؤولاً

قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء (34)].

التَّجليات التي طافت بنا في رمضان ، والأنوار التي غمرتنا في رمضان ، والرَّحمات التي نزلت علينا في رمضان نستطيع أن نحافظ عليها طيلة العام إذا اعتنينا بأمور أربعة . نفحاتُ ليلة القدر ، وبركاتُ ليالي العشر ، وخيراتُ قرآن الفجر ، نستطيع أن نُبقيها معنا طيلة العام إذا راعينا أموراً أربعة .

المطلوب منَّا بعد رمضان أربعة أمور:

أوَّلاً- ترك الحرام:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاس) [أخرجه الترمذي] .

شعارُ المسلم "تركُ الحرام" ، هوية المسلم "ترك الحرام" ، عنوان المسلم "ترك الحرام" .

الفارق بين المسلم المنضبط بالشَّرع وغيره ، أن المنضبط بالشَّرع يحلِّلُ ويحرِّم ، وغيرُهُ لا يحلِّلُ ولا يُحَرِّم . الإسلام تُرُوكٌ وأفعال ، أمورٌ ينبغي تركها ، وأمورٌ ينبغي فعلُها ، وتركُ التُّروك بأهميةِ فعلِ الأفعال ، والمتروكات هي المحرمات . الإسلام تخليةٌ وتحلية ، أمورٌ ينبغي أن تتخلَّى عنها ، وأمورٌ ينبغي أن تتحلَّى بها  والتَّخليَةُ هي ترك الحرام . والحرام مُفسدٌ لعلاقتك مع الله ، هادمٌ لصلتِكَ بالله ، مُتْلِفٌ لبضاعتك الصَّالحة التي حصَّلتَها في رمضان ، وقد بايعنا الله على ترك الحرام في رمضان ، فلماذا لا نستمر بعد رمضان ، وإنَّ الذي أعاننا في رمضان سيعيننا بعد رمضان . فالاعتداء على الممتلكات العامة حرام ، وشعار المسلم تركُ الحرام . ورفعُ الأسعار دون مُبَرِّر ، وتبديل منشأ الصُّنع حرام ، وعنوان المسلم تركُ الحرام . وعقوقُ الوالدين وقطيعةُ الأرحام حرام ، وهويةُ المسلم تركُ الحرام . والإساءة إلى أعراض النَّاس وهَتْكِ الحُرمات حرام ، وسِمَةُ المسلم تركُ الحرام . وزرعُ الفُرقةِ والشَّحناء بين أبناء الأمَّة الواحدة حرام ، وصفة المسلم تركُ الحرام . ونشر الرَّذيلة وطي الحياء حرام ، ودينُ المسلم تركُ الحرام . حُكِيَ أن بِشراً الحافي -من كبار الأولياء- كان قبل توبته في داره مع رفاقه يشربون الخمر ويترنَّحون حول الغانيات وآلات اللَّهو والطَّرب ، فمر بهم رجلٌ من الصَّالحين فدقَّ الباب ، فخرجت جارية فسألها: صاحب هذه الدَّار حرٌّ أو عبد ؟ قالت: حرٌّ ، قال: صدقت ، لو كان عبداً لاستعمل أدب العبودية ، ولم يخالف أوامر سيِّده ! سمع بِشرٌ محاورتهما ، فسارع إلى الباب حافياً حاسراً ، وكان الرَّجل قد ولَّى ، فقال للجارية: ويحك ، من كلَّمكِ على الباب ، فأخبرته بما جرى ، فقال: أيَّ ناحية أخذ الرَّجل ؟ قالت: كذا ، فتبعَه بِشر حتَّى لحقَه ، فقال له: يا سيِّدي أنت الذي قرعتَ بابي ؟ قال: نعم ، قال: أعِدْ عليَّ الكلام ، قال: سألت الجارية: صاحب هذه الدَّار حرٌّ أو عبد ؟ قالت: حُرّ ، قلتُ: صدقت ، لو كان عبداً لاستعمل أدب العبودية ، ولم يخالفْ أوامر سيِّده . فنزل بشر على الأرض ومَرَّغَ خَديه بالتُّراب ، وقال: بل عبد ، بل عبد ، وتاب توبةً صادقة .

أيُّها الأخ: أنت حرٌّ أو عبد ؟ إذا كنتَ عبداً فاستعمل أدب العبودية ولا تخالف أوامر سيِّدك ، ودع الحرام وقد تركتَهُ في رمضان ، وعاهدتَ ربَّك أن لا تعود إليه ، فأوفِ بعهدك إنَّ العهد كان مسؤولاً ، ووالله إنَّك لن تدع شيئاً لله إلا عَوَّضك الله خيراً منه في دينك ودنياك . 

ثانياً- إتقان الفرائض:

عن جابر بن عبد الله أنَّ رجلاً سأل رسول الله: أرأيتَ إذا صليتُ المكتوبة ، وصمتُ رمضان ، وأحْلَلْتُ الحلال ، وحرَّمْتُ الحرام ، ولم أزدْ على ذلك شيئاً ، أدخلُ الجنَّة ؟ قال: (نَعَم) قال: والله لا أزيدُ على ذلك شيئاً [أخرجه مسلم] . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّة ، قَالَ: (تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَة ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَة ، وَتَصُومُ رَمَضَان) قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) [أخرجه البخاري] .

أتقِن فرائضك: صلواتك الخمس في اليوم واللَّيلة ، وصلاة الجمعة كلَّ أسبوع ، وصيام رمضان ، وزكاة مالك كل عام ، وحَجَّك مرةً واحدةً في العمر إذا استطعتَ إليه سبيلاً ، وواجباتك تجاه زوجك وأولادك ، وأداءَك لحقوق العباد ... تكنْ من المفلحين . وفي الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه) [أخرجه البخاري] . وفي آيات الصِّيام: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة (183)] . فثمرة الصِّيام التُّقوى: والتُّقوى تركُ المنهيات وفعلُ المأمورات ، ترك الحرام وإتقان الفرائض.

ثالثاً- أداء ما استطعت من النَّوافل:

النَّافلة في اللُّغة الزِّيادة ، وكلُّ ما زاد على الفريضة فهو نافلة ، أدِّ ما استطعتَ من النَّوافل ، وما رغبتَ من السُّنن ، وما قدرتَ عليه من القُرُبات . فصلاةُ الضُّحى نافلة ، وسننُ الصَّلوات نافلة ، مساعدة الجوار نافلة ، قضاءُ حاجات الخلق تَقرُّباً إلى الله تعالى نافلة ، صيام ستة أيام من شوال نافلة ، الصَّدقات الزَّائدة على الزَّكاة نافلة . أدِّ ما استطعت من النَّوافل ، ففي تتمة الحديث القدسي السَّابق ، قال الله تعالى: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه) [أخرجه البخاري] وأي شرف أعظم للعبد من أن يُحبَّه ربه ؟ قال رسول الله: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّه ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيل ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاء: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوه ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاء ، ثمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْض) [أخرجه البخاري] . وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [سورة مريم (96)] . لما حضَرتِ الوفاةُ الصَّحابيَّ الجليل معاذَ بن جبل -وكان معروفاً بالإكثار من النَّوافل-، استقبل القبلة وقال: مرحباً بالموت مرحباً ، زائرٌ جاءَ بعد غياب ، وحبيبُ وَفَدَ على شوق . ثمَّ جعل ينظر إلى السَّماء ويقول: اللَّهم إنَّك كنتَ تعلم أنِّي لم أكن أحب الدُّنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة السَّاعات في القُربات ، ومزاحمة العلماء بالرُّكب عند حِلَقِ الذِّكْرِ والعلم . ثمَّ فاضت روحُهُ.

وقد قال رسول الله عن معاذ بن جبل يوماً: (نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بنُ جَبَل) [أخرجه الترمذي] وفي حديث آخر قال له: (يَا مُعَاذ ، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّك) [أخرجه أبو داود].

رابعاً: حضورُ مجلس علم في الأسبوع:

فمجلس العلم يُذَكِّرُك بالحلال والحرام ، ومجلس العلم يدعوك إلى إتقان الفرائض ، ومجلس العلم يُرغِّبُك في أداء النَّوافل ، ومجلسُ العلم يَجمعك بالصَّالحين ، ومجلسُ العلم يُدنيك من الذَّاكرين ، ومجلس العلم يُقربك من ربِّ العالمين . قال رسول الله: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوْتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى ، وَ يتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُم ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِيْنَة ، وَغَشيَتْهُمُ الرَّحْمَة ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَة ، وَذَكَرهُمُ اللهُ فِيْمَنْ عِنْدَه) [أخرجه مسلم] . وقال النَّبي: (مَن سَلَكَ طريقاً يلتمسُ فيه علماً سَهَّلَ اللهُ له به طريقاً إلى الجنَّة) [أخرجه مسلم] . وقال النَّبي: (يَا أَبَا ذَرّ ، لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّي مِائَةَ رَكْعَة) [أخرجه ابن ماجه] . تعلَّموا العلم ، فإنَّ تعلُّمَهُ لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرتَهُ تسبيح ، والبحثَ عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يَعْلَمه صدقة ، وبَذْلَه لأهله قُربة ؛ لأنَّه معالم الحلال والحرام ، ومنارُ سُبُلِ أهل الجنَّة ، وهو الأنيس في الوحشة ، والصَّاحب في الغُّربة ، والمحدِّث في الخلوة ، والدَّليل على السَّراء والضَّراء ، والسِّلاح على الأعداء ، والزَّين عند الأخلاء ، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة تُقْتَصُّ آثارُهم ، ويُقتدى بفعالهم ، ويُنتَهَى إلى رأيِهِم.

المطلوب منَّا بعد رمضان أربعة أمور:

1)    تركُ الحرام.

2)    إتقانُ الفرائض.

3)    أداء ما استطعنا من النَّوافل.

4)    حضور مجلس علم في الأسبوع.

والحمد لله ربِّ العالمين


 

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=1866