كلمة الأسبوع

تقوى الله ..

فضيلة الشيخ عبد الرزق السمان


تقوى الله ..

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

فأيها الأخوة المؤمنون:

إن وصية الله للأولين والآخرين من عباده هي: تقواه سبحانه وتعالى، قال عز وجل:     وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا 

وهي أيضاً: وصية الرسول لأمته ، فعن أبي أمامة صُدى بن عجلان الباهلي ،  قال: سمعت رسول الله   يخطب في حجة الوداع فقال}:  اتقوا ربكم وصلّوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدّوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا أمراءكم ، تدخلوا جنة ربكم.{

 وكان إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً.

ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم ، ومكاتباتهم ، ووصاياهم عند الوفاة.

كتب عمر بن الخطاب   إلى ابنه عبد الله: ( أما بعد... فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لا بد لك من لقائه، ولا منهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة(.

وكتب أحد الصالحين إلى أخ له في الله تعالى: ( أما بعد.. أوصي بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ، ورقيبك في علانيتك ، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك ، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه، لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر وجلك والسلام)

ومعنى التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية، تقيه منه.

وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.

وإليك أخي الكريم: بعض عبارات سلفنا الصالح في توضيح معنى التقوى.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون: الذين يحذرون من الله وعقوبته (

وقال طلق بن حبيب: ( التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله).

وقال ابن مسعود في قوله تعالى:   اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ  قال: ( أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر).

فاحرص يا أخي الكريم على تقوى الله عز وجل فهو سبحانه أهل أن يُخشى ويُجل ، ويعظم في صدرك.

وإليك بيان الفوائد المترتبة على التقوى.

أولاً: الفوائد المترتبة على التقوى في الدنيا

1- إن التقوى : سبب لتيسير أمور الإنسان ، قال تعالى:   وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا    ، وقال تعالى:   فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى  

2- إن التقوى : سبب لحماية الإنسان من ضرر الشيطان ، قال تعالى:   إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ  

3- إن التقوى : سبب لتفتيح البركات من السماء والأرض ، قال تعالى:   وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ  .

4-  إن التقوى : سببٌ في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل ، ومعرفة كل منهما قال تعالى يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ، وقال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ  

5- إن التقوى : سبب للخروج من المأزق، وحصول الرزق ، والسعة للمتقي من حيث لا يحتسب، قال تعالى وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ  

6-  إن التقوى : سبب لنيل الولاية فأولياء الله هم المتقون كما قال تعالى إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ  ،  وقال تعالى وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ  

7-  إنها: سبب لنزول المدد من السماء عند الشدائد ، ولقاء الأعداء، قال تعالى وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ .

وبنزول المدد تكون البشرى ، وتطمئن القلوب ، ويحصل النصر من العزيز الحكيم، قال تعالى بعد ذلك وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ  .

8-  إن التقوى: سبب لتعظيم شعائر الله، قال تعالى وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ  .

9- إنها سبب: لصلاح الأعمال وقبولها، ومغفرة الذنوب، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .

10-إن التقوى: سبب لنيل محبة الله عز وجل وهذه المحبة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة، كما قال  في الحديث القدسي من الله عز وجل}:  ما تقرّب إليّ عبدٌ بشيء بأفضل مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه{   .

11-إن التقوى : سبب قوي تمنع صاحبها من الزيغ، والضلال بعد أن مَنّ الله عليه بالهداية، قال تعالى وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  .

12-إن التقوى : سبب لنيل رحمة الله ، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة ، قال تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ .

13- إن العاقبة تكون لهم ، قال تعالى وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى   وقال تعالى وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ   وقال تعالى إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ  .

14-إن التقوى : سببٌ في عدم ضياع الأجر في الدنيا والآخرة ، قال تعالى بعد أن منّ على يوسف عليه السلام بجمع شمله مع إخوته إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ  .

15-إن التقوى : سببٌ لحصول الهداية. قال تعالى ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ  .

ثانياً: الفوائد المترتبة على التقوى في الآخرة:

1- إن التقوى : سببٌ للإكرام عند الله عز وجل، قال تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  .

2- إن التقوى : سببٌ للفوز والفلاح، قال تعالى وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ  .

3- إنها: سببٌ للنجاة يوم القيامة من عذاب الله، قال تعالى وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا وقال تعالى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى  .

4- إنها: سببٌ لقبول الأعمال ، قال تعالى إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ  .

5- إن التقوى: سببٌ قويٌ لأن يرثوا الجنة ، قال تعالى تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا  .

6- إن المتقين : لهم في الجنة غُرفٌ مبنيةٌ من فوقها غُرف، قال تعالى لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ  .

7- إنها: سببٌ في دخولهم الجنة ، وذلك لأن الجنة أُعدت لهم، قال تعالى وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ   وقال تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ  .

8-  إن التقوى : سببٌ للتكفير من السيئات، والعفو عن الزلات قال تعالى وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا  ، وقال تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ .

9- إن التقوى : سبب لنيل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، قال تعالى جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ  .

10- إن المتقين: تضاعف أجورهم وحسناتهم ، كما قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ  . كفلين: أي أجرين.

والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=1354