السبت 11 شوال 1445 - 20 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2018-01-31 الساعة 09:25:33
(يوم الوِشاح)
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء: 76]

وقال سبحانه: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ

الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الصافات: 114 - 116]

أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله

 عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة

 أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه كربة من كربات

يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»

أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى

الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحداً همٌّ ولا حزن قطّ فقال: اللهمّ إنّي عبدك، وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك

سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في

علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب

 همّي. إلّا أذهب الله- عزّ وجلّ- همّه وأبدله مكان حزنه فرحا» قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلّم هؤلاء الكلمات. قال: «أجل، ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ».

عنوان خطبة اليوم: يوم الوِشاح

أصل الوشاح عند العرب خَيطان من لؤلؤ مخالفٌ بينهما تتوشح به المرأة، وربما صنعوه من جلد ورصعوه بالجواهر والخرز، وعنوان هذه الخطبة مستمد من صحيح البخاري وله قصة.

فقد أخرج البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَي مِنَ

 الْعَرَبِ فأعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجتْ صَبِيَّة لَهُمْ عَلَيْهَا وِشاح أحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ أو وَقَعَ مِنْهَا، فَمرَّتْ بِهِ حُدَيَّاة، وهُوَ مُلْقَى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمَاً فخَطَفَتْهُ،

قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ، فلمْ يَجِدُوهُ، قالتْ: فاتَّهَمُونِي به، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حتى

فَتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: وَاللهِ إنِّي لَقَائِمَة مَعَهُمْ، إذْ مَرَّتْ الْحُدَيَّاةُ، فألْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ

بَيْنَهُمْ، قَالَتْ: فقُلْتُ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ وأَنا مِنْهُ بَرِيْئَة، وَهُوَذَا هُوَ،

قَالَتْ: فجاءَتْ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأسْلَمَتْ، قَالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فكانَ لَهَا خِبَاء في الْمَسْجِدِ أو حِفْش، قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأتِيني، فَتَحَدَّثُ عِنْدِي، فَلَا

تَجلِسُ عِنْدي مَجْلِساً إلَّا قَالَتْ: وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أعَاجِيبِ رَبِّنَا... ألَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أنْجَانِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأنُكِ، لا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَداً إلَّا قُلْتِ هَذَا؟ قَالَتْ: فَحَدَّثَتْنِي بهذَا الْحَدِيثِ.

أيها الإخوة:

لا ريب أن لكلِّ واحدٍ منا وواحدةٍ - لو كنا من المتبصِّرين المدَّكِرين - يومَ وشاحٍ

خاصًّا به، ولكنَّ أكثرنا ينسى.

فكم من مرة شفيت بعد وصب، وكم من مرة ارتحت بعد تعب، وكم من مرة سررت

بعد غضب، وكم من مرة سلمت من عطب.

يقول أحد قضاة الشام:  كنا مجموعةَ قضاة نمضي المساء عند أحد الأصدقاء فشعرت بضيق نفس واختناق شديد فاستأذنت أصدقائي للرحيل، فأصروا أن أتم السهرة معهم

ولكني لم أستطع وقلت لهم أريد أن أتمشى لأستنشق هواء نقيا! خرجت ماشياً وحدي في الظلام، وبينما أنا كذلك إذ سمعت نحيباً وابتهالاً يأتي من خلف التلة! نظرت

فوجدت امرأة تبدو عليها مظاهر البؤس كانت تبكي بحرقة وتدعو الله، اقتربت منها وقلت لها: ما الذي يبكيك يا أختي؟ قالت: إن زوجي رجل قاسٍ وظالم طردني من

البيت وأخذ أبنائي وأقسم أن لا أراهم يوماً وأنا ليس لي أحد ولا مكان أذهب له.

 فقلت لها: ولماذا لا ترفعين أمرك للقاضي؟ بكت كثيراً وقالت: كيف لامرأة مثلي أن تصل للقاضي؟!!

ثم يكمل القاضي وهو يبكي يقول: المرأة تقول هذا وهي لا تعلم أن الله قد جر

القاضي (يقصد نفسه) من رقبته ليحضره إليها. فسبحان من أمره بالخروج في ظلمة الليل ليقف أمامها بقدميه ويسألها هو بنفسه عن حاجتها.

أي دعاء دعته تلك المرأة المسكينة ليستجاب لها بهذه السرعة وبهذه الطريقة؟!

إنه يوم الوشاح!

عن عبد الله بن الزّبير رضي الله تعالى عنهما، قال جعل أبي الزبير يوصيني بدَينه ويقول: إنّ من أكبر همّي لدَيني، يا بنيّ بع مالنا، فاقض دَيني. فإن عجزت عن شيء

منه فاستعن عليه بمولاي.

 قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله.

قال: فو الله ما وقعت في كربة من دَينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه.

إنه يوم الوشاح!

روى ابن كثير في تفسيره عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قال: جَاءَ مَالِكٌ الْأَشْجَعِيُّ إِلَى رَسُولِ

 اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَهُ أُسِرَ ابْنِي عَوْفٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسِلْ إِلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكَ أَنْ تُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".

 وَكَانُوا قَدْ شَدُّوهُ بِالْقِدِّ فَسَقَطَ القِد عَنْهُ، فَخَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِنَاقَةٍ لَهُمْ فَرَكِبَهَا، وَأَقْبَلَ فَإِذَا بسَرْح الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ شَدُّوهُ فَصَاحَ بِهِمْ، فَاتَّبَعَ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، فَلَمْ يَفْجَأْ أَبَوَيْهِ إِلَّا وَ

هُوَ يُنَادِي بِالْبَابِ، فَقَالَ أَبُوهُ: عَوْفٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: وَاسَوْأَتَاهْ. وَعَوْفٌ

كَيْفَ يَقْدَمُ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْقِدِّ. فَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَالْخَادِمَ، فَإِذَا عَوْفٌ قَدْ مَلَأَ الْفِنَاءَ

إِبِلًا فَقَصَّ عَلَى أَبِيهِ أَمْرَهُ وَأَمْرَ الْإِبِلِ، فَقَالَ أَبُوهُ: قِفَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

 عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِ عَوْفٍ

وَخَبَرِ الْإِبِلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اصْنَعْ بِهَا مَا أَحْبَبْتَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعاً بِمَالِكَ". وَنَزَلَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].

إنه يوم الوشاح!

فيا أيها الأخ الذي تشعر بالضيق وتحسب أن الأمر لا يتسع اذكر يوم الوشاح.

ويا أيتها الأخت التي أظلمت عليها الدنيا وظنت أنها لن تنكشف، اذكري يوم الوشاح.

قال شارحو حديث يوم الوشاح: (إن ما وقع فيه من اختطاف الحدأة للوشاح، و

 اتهام المرأة به كان من أعاجيب الزمان، وغرائب الأيام وكان من نعم الله عليها

 حيث كان نقطة تحول في حياتها من شقاء إلى سعادة، وسبباً في إسلامها، وهجرتها من دار الكفر إلى دار الإِيمان على حد المثل القائل "رب ضارة نافعة" وربما كان الذى جرى على المرء من المحنة والكرب سبباً لخير يقدره  الله له).

لولا البلاء لكان يوسف مُدلّلا فِي حضن أبيه، ولكنه مع البلاء صار عزيز مصر.

أفتضيق بعد هذا..؟!

لولا البلاء وضنك الجوع والعطش لما تفجرت زمزم ماء معيناً من تحت قدم إسماعيل.

أفتيأس بعد هذا..؟!

أيها الإخوة:

إني وجدت مما يعين على تفريج الكربات عن المكروب ثلاثة أمور:

أولها: التوبة إلى الله تعالى ولزوم الاستغفار: فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» [أبو داود].

ثانيها: اللجأ إلى الله تعالى والضراعة إليه: ومن الأدعية المأثورة أقرأ لكم شيئاً مما

 ذكره الإمام النووي في كتابه الاذكار قال: (بابُ دعاءِ الكَرْبِ والدعاءُ عندَ الأمورِ المهمّة):

 روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول

 الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّه رَبّ العَرْشِ العظيم، لا إله إلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ».

وفي رواية لمسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمر قال ذلك»

قوله: حزبه أمر، أي نزل به أمر مهم، أو أصابه غمّ.

وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم،

أنه كان إذا كربه أمر قال: «يا حَيُّ يا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ».

وروينا في "سنن أبي داود" عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله

عليه وسلم قال: «دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ».

وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، عن أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها،

 قالت: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ

عِنْدَ الكَرْبِ - أو في الكرب - اللَّهُ اللَّهُ رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً».

وروينا في كتاب ابن السني، عن قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله

 عليه وسلم: «مَنْ قَرأ آيَةَ الكُرْسِيّ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ الكَرْبِ، أغاثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»

   وروينا فيه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى

 الله عليه وسلم يقول: «إِني لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فُرِّجَ عَنْهُ: كَلِمَةَ أخي

 يُونُسَ صَلَّى الله عليه وسلَّمَ، {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]».

ثالثها: أن تفرج عن مكروب فيفرج الله عنك، لأن الجزاء من جنس العمل.

كأن تقضي عن مديون ديناً أو تقضي لمحتاج حاجة أو تدفع لمريض فقير ثمن دواء

أو تعين أخرقاً، فيكون الله في عونك لأنك كنت في عون أخيك.

يا صاحب الهم إن الهم منفرج

أبشر بخير فإن الفارج الله

اليأس يقطع أحياناً بصاحبه

لاتياسن فإن الكافي الله

الله يحدث بعد العسر ميسرة

لاتجزعن فان الصانع الله

وإذا إبتليت فثق بالله وأرض

إن الذي يكشف البلوى هو الله

والله .. مالك غيرُ الله من أحد

فحسبك الله في كلٍ لك الله

 

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1496
تحميل ملفات
فيديو مصور