الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-06-05 الساعة 10:26:29
صور من تدبر القرآن
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

  

قال الله تعالى: قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].


وقال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21].


عن علي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ»، فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «كِتَابُ اللهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا

بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى

فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ،

هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنا عَجَبا يَهْدِي إِلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن:1]، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ

بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [الترمذي والبيهقي]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَكْتُمْ

بِهِمَا: كِتَابَ الله، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» [مالك].

أيها الإخوة:

كان عنوان خطب رمضان العام الماضي (الصيام والقرآن يشفعان) وانطلقنا فيه نحو القرآن نتقن تلاوته ولازالت ثماره بيننا بفضل الله في دورة القرآن (يشفعان)؛ وسنجعل عنوان رمضان هذا العام (الصيام والقرآن يشفعان) مرة ثانية ولكن لننطلق هذه المرة

إلى القرآن نتقن تدبره والتفكر فيه والفهم عنه (يتدبرون القرآن)

الهدف من هذه الخطب أن ننطلق جميعا لنتحلق حول القرآن، نعتصم به ونتمسك بأوامره ونواهيه، نحل حلاله ونحرم حرامه، نحفظه ونحفظه أبناءنا، نتلوه ونجوده ونرتله، نعيش معه وبه وله.

والعنوان (الصيام والقرآن يشفعان) مأخوذ من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصِّيَام وَالْقُرْآن يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ،

مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ، وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: رَبِّ، مَنَعْتُهُ النَّوْمَ

بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيَشْفَعَانِ» وفي رواية «فيُشَفَّعان» [أحمد].

وعنوان خطبة اليوم: صور من تدبر القرآن

أيها الإخوة:

التَّدَبُّرُ: هُوَ النَّظَرُ فِي إِدْبَارِ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبِهَا، وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ هُوَ النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي

غَايَاتِهِ وَمَقَاصِدِهِ الَّتِي يَرْمِي إِلَيْهَا، وَعَاقِبَةِ الْعَامِلِ بِهِ وَالْمُخَالِفِ لَهُ.

وقد قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]

وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا

كَثِيرًا} [النساء: 82]

والمعنى – والله أعلم -:  أن المطلوب من قارئ القرآن أن يفهم الكلمة القرآنية ثم

يفهم المعنى المراد من الآية أو الآيات ثم يعرض نفسه على ما قال القرآن لينظر هل عمل به أو لم يعمل ثم يحمل نفسه على فعل المأمورات وترك المنهيات.

وبين يدي صور من هذا التدبر للقرآن الكريم أعرضها عليكم لتكون حافزاً لكل منا

على السير نحوها والتأسي بها:

أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ عُيينة بنُ

حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكانَ من النفر الذين يُدنيهم

عمرُ رضي الله عنه، وكان القرّاءُ أصحابَ مجلسِ عمرَ رضي الله عنه ومشاورته،

كُهُولاً كانوا أو شبّاناً، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجهٌ عندَ هذا الأمير فاستأذنْ لي عليه.  فاستأذنَ، فأذنَ له عمر، فلما دخلَ قال: هيه يا ابن الخطاب، فو الله

ما تُعطينا الجزل، ولا تحكمُ فينا بالعدل، فغضبَ عمرُ رضي الله عنه حتى همّ أن يُوقع

به، فقال له الحرّ: يا أميرَ المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم:

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزَها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب الله تعالى.

لقد سمع سيدنا عمر الكلمة القرآنية ففهمها وفهم المعنى المراد من الآية ثم عرض

نفسه على ما قال القرآن، وتفكر في حاله إن عمل بالآية وحاله إن لم يعمل بها فدعاه ذلك كله لأن ينفذ كلام الله. إنه التدبر..!

رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بن أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. فَدَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُهُ، فَعَلَّمَهُ إِذا زُلْزِلَتِ الأرض زلزالها- حَتَّى

إِذَا بَلَغَ- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ قَالَ: حَسْبِي. فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «دَعُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ».

والظاهر أن الرجل سمع الكلمة القرآنية ففهمها وفهم المعنى المراد من الآية ثم

عرض نفسه على ما قال القرآن، وتفكر في حاله إن عمل بالآية وحاله إن لم يعمل بها، فوجد في ذلك كفايته وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم والفقه. إنه التدبر..!

ويروي الإمام أحمد بإسناده عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ -عَمِّ الْفَرَزْدَقِ-: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ

ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} قَالَ: حَسْبِي! لَا أُبَالِي أَلَّا أَسْمَعَ غَيْرَهَا.

وفي سنن ابن ماجه: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يَقُولُ: «قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا» وَالْآيَةُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، وما كثرة الترداد إلا لطلب التدبر والتفكر والمناجاة.

وذكروا عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، أنه قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ أَوْ كَرُبَ أَنْ يُصْبِحَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُرَدِّدُهَا يَبْكِي، فَيَرْكَعُ عندها وَيَسْجُدُ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ، سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21].

 وفي أخبار مكة للفاكهاني: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عُمَرَ يَقُولُ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ: صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَلَسْتُ فِيهِ طَوِيلًا, فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي

وَهُوَ يُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } [الزخرف: 80] يُرَدِّدُهَا وَيَبْكِي، فَمَكَثْتُ لَيْلًا طَوِيلًا أَسْمَعُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَنِمْتُ، حَتَّى إِذَا كَانَ

آخِرُ اللَّيْلِ أَتَيْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِالرَّجُلِ قَائِمًا وَهُوَ يُرَدِّدُ الْآيَةَ {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } [الزخرف: 80] وَيَبْكِي، حَتَّى إِذَا قُلْتُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ قَرُبَ طُلُوعُهُ، قَالَ: {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80] , فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .

وذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي الدنيا بإسناده قال: خرج عمر يعس بالمدينة

ذات ليلة، فمرّ بدار رجل من المسلمين فوافقه قائماً يصلي، فوقف يستمع قراءته

فقرأ {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 1 - 8] قال: قسمٌ -ورب الكعبة- حق، فنزل عن حماره، واستند إلى حائط،

فمكث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه".

إنه التدبر وهو النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي غَايَاتِ الآية القرآنية وَمَقَاصِدِهِا الَّتِي ترْمِي إِلَيْهَا، وَعَاقِبَةِ الْعَامِلِ بِهِا وَالْمُخَالِفِ لَهُا.

أيها الإخوة:

إذا كان المقصود من تلاوة القرآن تدبرَه والعملَ به وتعليمه، وبه تحصل الفائدة

المرجوة منه، فكيف تعين نفسك على تدبر القرآن؟

1  -  قبل أن تفتح المصحف توجه بقلبك إلى الله تعالى أن يفتح عليك في فهم كتابه

   والعمل بما فيه

2-  اقرأ القرآن كل يوم قراءة صحيحة، لأن القراءة الصحيحة معينة على الفهم، فإن

   لم تكن تحسن القراءة فالحق بمعلم يعلمك، ومن أجل هذا كانت دورة يشفعان.

3-  احرصْ على أن تفهمَ ما تقرأ، فإن لم تفهم معاني بعض الكلمات فَعُد إلى معانيها

    في كُتب التَّفاسير، وأنصحك أولا بكتاب كلمات القرآن للشيخ حسنين مخلوف،

   وقد توافقنا أن يقرأ كل منا ختمة كاملة هذا العام مفسرة تفسير كلمات من هذا

   الكتاب وسنبدأ بعد الصلاة الجلسة الأولى من دورة (يتدبرون القرآن).

4-  كرر بعض الآيات التي فهمتها أو التي تريد أن تفهمها. لأن التكرار مدعاة

    للفهم والتعقل.

5-  اعرض نفسك على ما قرأت، وسلها: هل عملت بما سمعت، وقرر أن تفعل شيئا واحدا مما قرأت في كل مرة.

6-  علِّمْ غيرَكَ ما تعلمتَهُ من القرآن.

أيها الإخوة:

القرآن كلام الله، السعادة كل السعادة والخير كل الخير لنا أفراداً وأسراً ومجتمعات أن نتمسك به ونتحلق حوله ونعيش له وبه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بَيْدِ اللهِ تَعَالَى، وَ

 طَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا». [الطبراني في الكبير]

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 2360
تحميل ملفات
فيديو مصور