السبت 06 جمادى الثانية 1446 - 07 ديسمبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-01-29 الساعة 09:45:53
سيدنا أنس بن مالك
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا

 فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح 18].

وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] وجيل الصحابة هم أول من خوطب بهذه الآية الكريمة.

أخرج البخاري ومسلم عن رسول الله : «خَيْرُ الناس قَرْني، ثم الذين يَلُونَهم،

ثم الذين يَلُونَهم»

وأخرج الإمام الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لِيُبَلِّغ

الحاضرُ الغائبَ، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تَتَّخِذُوهُم غَرَضاً بعدي، فمن أحبَّهم

 فَبحبِّي أحبَّهم، ومَنْ أبغضَهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن

آذاني، فقد آذى الله، ومن آذى الله، فيوشك أن يأخذه، ومن يأخذه الله فيوشك

أَن لا يُفْلِتَه»

أيها الإخوة:

وقع لي وأنا أخطب بكم في مسجد سيدنا أنس بن مالك أن أجعل عنوان خطبة اليوم سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

أحدثكم فيها عن شيء من ترجمته ومناقبه لنفيد منها علماً وعملاً، يقول أبو

عمر يوسف بن عبد البر: "وما أظن أهل دين من الأديان إلا وعلماؤهم معتنون بمعرفة أصحاب أنبيائهم لأنهم الواسطة بين النبي وبين أمته"

هو سيدنا أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ ، وَتِلْمِيذُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً بالبصرة.

رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِلْماً جَمّاً، قال الإمام أحمد بن حنبل: "ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثروا الرواية عنه وعُمِّرُوا: أبو هريرة، وابن عمر، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس".

روى المحدثون عن سيدنا أنس أَلْفَينِ وَمائَتَينِ وَسِتَّة وَثَمَانُينَ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

منها:

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين» [البخاري ومسلم].

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حَلاوَةَ الإيمان وطَعْمَهُ: أنْ يكون اللَّهُ

 ورسوله أحبَّ إليه مما سواهُما، وأن يُحِبَّ في الله، ويُبغِضَ في الله، وأن

توقَدَ نارٌ عظيمَةٌ فيقعَ فيها أحبُّ إليه من أن يُشرِكَ بالله شيئًا» [البخاري ومسلم].

- عَن هِشَام بن زيد قَالَ: دخلت مَعَ جدي أنس بن مَالك دَار الحكم بن أَيُّوب،

فَإِذا قومٌ نصبوا دجَاجَة يَرْمُونَهَا، فَقَالَ أنس: نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن تصبر الْبَهَائِم.

 

-    عَن ثَابت البناني عَن أنس قَالَ: مَاتَ ابنٌ لأبي طَلْحَة من أُمُّ سُلَيْمٍ ، فَقَالَت لأَهْلهَا: لَا تحدثُوا أَبَا طَلْحَة بِابْنِهِ حَتَّى أكون أَنا أحدثه. قَالَ: فجَاء فقربت إِلَيْهِ

عشَاء، فَأكل وَشرب، وَقَالَ: ثمَّ تصنعت لَهُ أحسن مَا كَانَ تصنع قبل ذَلِك، فَوَقع

بهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنه قد شبع وَأصَاب مِنْهَا قَالَت: يَا أَبَا طَلْحَة أَرَأَيْت لَو أَن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيتٍ فطلبوا عاريتهم، ألهم أَن يمنعوهم؟ قَالَ: لَا. قَالَت: فاحتسب ابْنك. قَالَ: فَغَضب وَقَالَ: تَرَكتنِي حَتَّى إِذا تلطخت ثمَّ أَخْبَرتنِي بِابْني.

فَانْطَلق حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبرهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «بَارك الله لَكمَا فِي ليلتكما» .

-  عَن أنس بن مَالك عَن رَسُول الله قَالَ: «إِن الله عز وَجل قَالَ: إِذا ابْتليت عَبدِي بحبيبتيه ثمَّ صَبر عوضته مِنْهُمَا الْجنَّة» يُرِيد عَيْنَيْهِ.

صَحِبَ سيدنا أَنَسٌ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمَّ الصُّحْبَةِ، وَلاَزَمَهُ أَكْمَلَ المُلاَزَمَةِ مُنْذُ هَاجَرَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ، وَغَزَا مَعَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

عن أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ

، وفي رواية –عشر سنين-  فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي، فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ:يَا

رَسُوْلَ اللهِ! لَمْ يَبْقَ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلاَّ وَقَدْ أَتْحَفَكَ بِتُحْفَةٍ، وَإِنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفُكَ بِهِ إِلاَّ ابْنِي هَذَا، فَخُذْهُ، فَلْيَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ.

قَالَ أنس: "خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي:

أُفّ قَطُّ، وما قال لشيء صنعتُه: لِمَ صنعته؟ ولا لشيءٍ تركته: لِمَ تركته؟ وكان

رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسنِ الناس خُلُقاً، وما مَسِسْتُ خَزّاً قطُّ و

لا حريراً ولا شيئاً كان ألْيَنَ من كَفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت

 مِسْكاً قطُّ ولا عنبراً أطيب من عَرَق رسول الله صلى الله عليه وسلم" [الترمذي].

وحَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: جَاءتْ بِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ:

يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ. فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ»

قال أنس: فَاللهُ أَكْثَرَ مَالِي، حَتَّى إِنَّ كَرْماً لِي لَتَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنَ، وَكَانَ

فِيْهَا رَيْحَانٌ يَجِيْءُ مِنْهُ رِيحُ المِسْكِ ، وَوُلِدَ لِصُلْبِي مائَةٌ وَسِتَّةٌ".

كان سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه عظيم الحب لرسول الله صلى الله عليه

 وسلم، شديد التعلق به، فقد أخرج الإمام مسلم والبخاري عن أنس رضي الله

عنه "أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه. قال أنس بن

  مالك رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك

 الطعام، فقرَّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً من شعير ومرقاً فيه دُبَّاء وقَدِيد. قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدبّاء من حوالي الصحفة، فلم أزل أحب الدُّبَّاء منذ يومئذٍ".

فمن محبة أنس لرسول الله صلى الله عليه وسلم صار يحب ما يحب رسوله من الطعام.

وأخرج ابن سعد عن المثنَّى بن سعيد الذارع قال: سمعت أنس بن مالك رضي

الله عنه يقول: ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبكي.

وعند ابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما كان اليوم الذي قدم

فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان

اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء.. وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا ".

 

لقد انعكس حب سيدنا أنس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تأسياً واتباعاً:

فقد قَالَ سيدنا أَبُو هُرَيْرَةَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشبَهَ بِصَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أنس".

وعَنْ ثُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يُصَلِّي يُطِيلُ القِيَامَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

وأكرم الله تعالى سيدنا أنساً بكرامات، فقد روى تلميذه ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: جَاءَ قَيِّمُ

أَرْضِ أَنَسٍ، فَقَالَ: عَطِشَتْ أَرَضُوكَ. فَتَرَدَّى أَنَسٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى

، وَدَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ، وَغَشِيتْ أَرْضَهُ، وَمَطَرَتْ، حَتَّى مَلأَتْ صِهْرِيْجَهُ، وَذَلِكَ

فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلهِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ؟ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ

إِلاَّ يَسِيْراً.

أيها الإخوة:

مَاتَ سيدنا أنس رضي الله عنه في البصرة سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. عن عمر جاوز المائة، وهو آخر الصحابة موتاً فيها.

روى ابن الأثير في كتابه أسد الغابة: (وكان عند أنس عصية لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما مات أمر أن تدفن معه، فدفنت معه بين جنبه وقميصه).

اللهم ألحقنا بصحابة نبيك غير خزايا ولا مبدلين وشفعهم فينا وفرج عنا بجاههم يا أرحم الراحمين.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1869
تحميل ملفات
فيديو مصور