الأحد 30 جمادى الأولى 1446 - 01 ديسمبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-12-21 الساعة 10:56:09
كيف تعامل المسلمون مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

 

قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]

وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [المائدة: 92]

وَقالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]

عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ  رضي الله عنهما قال: (جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ العَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالقَلْبَ

يَقْظَانُ، فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ،

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ العَيْنَ نَائِمَةٌ وَالقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا،

وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ المَأْدُبَةِ، وَمَنْ

لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ المَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، فَقَالَ

بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ العَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: فَالدَّارُ الجَنَّةُ

، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ

أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ) [رواه البخاري]

أيها الإخوة:

بمناسبة دخول شهر ربيع الأول شهر ولادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدأت

سلسلة خطب عنوانها: (سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) لنكثر من الصلاة

والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ولنزداد به علماً وله اتباعاً ومنه قرباً صلوات ربي وسلامه عليه.

تتحدث السلسلة عن معنى السنة ومنزلتها في الإسلام وواجباتنا نحوها.

عنوان خطبة اليوم: كيف تعامل المسلمون مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سبق أيها الإخوة تعريف السنة ومنزلتها..

فالسنة تعريفاً هي: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته ووصفه الخِلقي والخُلقي.

والسنة منزلةً هي: المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقد انعقد الإجماع على وجوب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى كفر منكرها.

كيف لا يكون ذلك وربنا في القرآن يقول: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا

شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]

وها أنا في خطبة اليوم أنقل لكم ثماني صور يسمح بها الوقت تظهر حسن تعامل

المسلمين مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعتهِم أوامره واجتنابِهم نواهيه.

1-  الصلاة في النعال:

روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم

يصلِّي بأصحابه في نَعْليه، إذْ خَلَعهما فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك أصحابُه

أَلقوْا نِعَالَهم، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاتَه، قال: ما حَمَلكم على خَلْعِ نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إن

جبريل أتاني، فأخبرني: أن فيهما قَذَراً، وقال إذا جاء أحدكم المسجدَ، فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً، أو أذى، فليمْسحْه، وليُصَلِّ فيهما» [أبو داود].

2-  تحويل القبلة:

ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَنَّهُ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فِي مَسْجِدِهِ بِالمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى المَسْجِدِ الحَرَامِ فَاسْتَدَارَ إِلَيْهِ وَدَارَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ.

3-  اجلسوا:

أخرج ابن الأثير في أسد الغابة بسنده أن عَبْد اللَّهِ بْن رواحة أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يخطب، فسمعه يقول:  "اجلسوا"، فجلس مكانه خارجًا من المسجد

حتى فرغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خطبته، فبلغ ذلك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: «زادك اللَّه حرصًا عَلَى طواعية اللَّه وطواعية رسوله».

4-  حرمة التختم بالذهب للرجال:

أخرج "البخاري" عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قال: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ نَبَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا"، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.

ذلك لأن تحريم الذهب على الرجال لم يكن مشرعاً ثم شرعه الله، فنبذه رسول الله

صلى الله عليه وسلم فنبذه المسلمون، وبعد حين  رَأى رسول الله صلى الله عليه

وسلم خاتماً من ذهب في يد رَجُلٍ - كما يرويه مسلم - ، فنزعه وطرحه، وقال:

يَعْمِدُ أَحدكم إِلى جَمْرةٍ من نار فيطرحها في يده؟

فقيل للرجل بعدما ذهب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خاتمكَ انْتفِع به، قال:

لا والله، لا آخذُهُ أَبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم" .

فتمسّك الرجل بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عجيباً، فمع أن النبي صلى

الله عليه وسلم لم يرد حرمة الإفادة من الخاتم بيعاً وشراءً ولكن أراد حرمة ارتدائه للرجال، ولكن الرجل لم يشأ أن يرفع ما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5-  إياك أن تقول بغيره:

أخرج البيهقي عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: "إِذا بلغك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث فإياك أَن تَقول بِغَيْرِهِ، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مبلغا عَن الله تَعَالَى"

6-  تمسك الإمام الشافعي بالسنة:

روى الإمام الشَّافِعِي يَوْمًا حَدِيثا فَقَالَ لَهُ رجل: أتأخذ بِهَذَا يَا أَبَا عبد الله؟، فَقَالَ: مَتى

مَا رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا صَحِيحا فَلم آخذ بِهِ، فأشهدكم أَن عَقْلِي قد ذهب" [البيهقي].

 وفي مرة ثانية حدث الإمام الشَّافِعِي بِحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا عبد الله أتأخذ بِهَذَا؟، فَقَالَ: أرأيتني خرجت من كَنِيسَة، ترى عَليّ زنارا حَتَّى لَا أَقُول بِهِ؟ " [أبو نعيم].

وَسَأَلَ رجلٌ الشَّافِعِيَ عَن حَدِيث فَقَالَ هُوَ صَحِيح، فَقَالَ لَهُ الرجل: فَمَا تَقول؟،

فارتعد وانتفض، وَقَالَ: أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِذا رويت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقلت بِغَيْرِهِ!!"

وقَالَ الشَّافِعِي: إِذا صَحَّ الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقلت قولا فَأَنا رَاجع عَن قولي وَقَائِل بذلك".

7-  ضع شطر المال:

 أخرج الشيخان عن كعب بن مالك رضي الله عنه "أنه تقاضى ابنَ أبي حَدْرَد دَيناً

كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما

، حتى سمعهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما، حتى

كشف سِجْفَ حجرته، فنادى: يا كعبُ، قال: قلتُ: لَبَّيك يا رسولَ الله، فأشار بيده: أَنْ ضَع الشَّطْرَ من دَيْنك، قال كعبٌ: قد فعلتُ، يا رسولَ الله، قال: قُم فاقضِه"

فهاهنا يطيع كعب بن مالك رضي الله عنه إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالكم بطاعته لقوله واتباعه لفعله.

8-  استوصوا بالأنصار خيرا:

روى الإمام الذهبي في كتابه العظيم سير أعلام النبلاء عن  عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ

قال: بَلَغَ مُصْعب بن الزبير أمير العراق شَيْءٌ عَنْ عَرِيْفِ الأَنْصَارِ، فَهَمَّ بِهِ، فَأَتَاهُ أَنَسٌ فَقَالَ:

سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: «اسْتَوْصُوا بِالأَنْصَارِ خَيْراً، اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيْئِهِم».

فَأَلْقَى مُصْعَبٌ نَفْسَهُ عَنِ السَّرِيْرَ، وَأَلْزَقَ خَدَّهُ بِالبِسَاطِ، وَقَالَ: أَمْرُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى العَيْنِ وَالرَّأْسِ؛ وَترَكَهُ.

أيها الإخوة:

لمّا عَلِمَ القومُ مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوه وحَرَصوا على تلقي حديثه وسيرته، ثم اجتهدوا في طاعته وامتثال أوامره.

فالاعتصام بالسنة نجاة، ومن أحب الله اتبع رسوله، وما رغب أحد عَن سنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هلك.

أيها الإخوة:

هذه إجابة مختصرة على عنوان الخطبة: كيف تعامل المسلمون مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وأختم بما ختمتُ به الخطبة الماضية: إن حبّ المسلمين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ووعيهم بمنزلة سنته الشريفة جعلهم يبذلون الغالي والرخيص ليحافظوا عليها ويلتزموا العمل بها، وينشروها ويعلموها أولادهم وأحفادهم وتلامذتهم.

وإن هذه الأمانة أعني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصلت إلينا غضَّة

طريّة، وهي اليوم في أيدينا لنوصلها إلى أولادنا وأحفادنا وتلامذتنا وأجيالنا القادمة،

في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، وإنه لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أمر أولها.

كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد إلى وُلاته في الأمصار يقول: (أصلحوا

الناس بالسنَّة، فإذا لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله)

قَالَ الإمام مَالك : "السّنة سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق"

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1554
تحميل ملفات
فيديو مصور