الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-05-08 الساعة 09:15:45
تـربـيـة أبـنـاء الـثـالـثـة والـرابـعـة والخـامـسـة عـشـرة -1 -
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال
 

الحمد لله، الحمد لله ثمَّ الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه

 ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله

  فهو المهتَدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مُرْشِداً، وأشهد أن لا اله إلا الله

وحده  لاشريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّداً عبده ورسوله،

وصفيُّه وخليله، خيرُنبيٍّ اجتباه،

وهدىً ورحمةً للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق

 ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَرِه الكافرون، ولو كَرِهَ المشركون، ولو كَرهَ

 مَن كَرِه، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

 أمَّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله تعالى، وأحثُّكم وإيَّاي

 على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.

  قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا

النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم : 6]

قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: قوا أهليكم نَارًا علّموهم وأدّبوهم.

أخرج الترمذي بإسناد مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».

عنوان خطبة اليوم: تربية أبناء الثالثة والرابعة والخامسة عشرة (1)

 واسمحوا لي أن اجعل خطبة اليوم مقدمة مهمة عن هذه المرحلة العمرية

 المهمة ، مرحلة البلوغ وبدء مرحلة المراهقة وسن التكليف الشرعي.

أجيب فيها عن هذا السؤال:  هل المراهقة مغنم أو مغرم، وهل البلوغ

 طيش أو ثروة؟

هناك من التربويين من يجعل البلوغ والمراهقة مترادفين ، وهناك من

 يجعل المراهقة أعم، فالبلوغ يشير إلى التغيرات الجسدية وهو بدء

 المراهقة، والمراهقة تشير إلى التغيرات النفسية وغيرها.

وتمتد المراهقة في علم النفس المعاصر من الثانية عشرة إلى التاسعة

عشرة أو الحادية والعشرين.

 ومهما يكن من أمر فإن كثيراً من الآباء والأمهات  ينظر إلى هذه

 المرحلة العمرية وما بعدها على أنها مشكلة، ويشير عدد من المربين إلى

 إرهاق المراهق لهم، بل ويماشي الفتى والفتاة في هذه السن ما قيل له

 وعنه فيذهب بعيداً في عناده وابتعاده وهواه.

 فهل حقاً ما يقال عن المراهقة أنها صبوة، وهل حقاً ما يقال بأن

سن البلوغ بداية سن الطيش.

 بهذه المقدمة المهمة سأبدأ الحديث عن هذه المرحلة العمرية المهمة.

 ولئن كنت فيما مضى أحدث الآباء والأمهات فإنني منذ اليوم سأحدثهم

 وأ حدث الأبناء معهم من الفتيان والفتيات.

 ولئن كنت في خطب ماضيات أحدثكم عن كتب مفيدة تفيدون منها في

 التربية فإنني اليوم سأحيلكم – أيها الآباء والأمهات وأيها الفتيان

 والفتيات- إلى موقع على الشابكة مفيد جداً في التربية اسمه (موقع

 المربي) يشرف عليه الدكتور محمد عبد الله الدويش الحائز على شهادة

 الدكتوراه في التربية.

 قرأت في الموقع مقالاً مفيداً عنوانه (المراهقون الوجه الآخر) أحببت أن

 أختصره متصرفاً في بعض ما فيه، لأقدمه بين أيديكم في خطبة اليوم.

 يقول الكاتب:

(سيطر على كثير من الناس - وتدعم هذا دراسات كثيرة في علم النفس

 المعاصر- أن مرحلة المراهقة أزمة ومشكلة، وحين يُطلق لفظ المراهق

 فهو يعني عند الكثير الطيش والانحراف والشطط، وأدى الغلو في هذا

 المفهوم إلى نتائج خاطئة؛ فصار الأب يعتذر عن انحراف ابنه وعن

 صبوته بأنه مراهق، وصارت الأم تبيح لابنتها ما لا يليق وتعتذر عنها

 بأنها مراهقة)، وصار المراهق يصدق أنه مراهق ،  وغدت عند البعض

 مرحلة المراهقة عذراً لارتكاب الأخطاء، وعذراً للانحراف، وعذراً

 للصبوة والشطط والغفلة.

 ولعل أباً يُطْلَب منه أن يرتقي بابنه أو بمن يتولى تربيته إلى مستوى

 أعلى مما هو عليه، فيعتذر بأنه مراهق،  ولعل فتى أو فتاة يُطلب منهما

 النهوض إلى القمم والشد في الهمم فيبرران التقاعس بخدعة انطلت

  عليهما: إنني مراهق.

فما مدى صحة هذه النظرة؟ وهل ثمة وجه آخر للمراهقين؟

  أيها الإخوة:

إن ثمة عوامل عدة وفدت علينا من غيرنا تدعونا إلى إعادة النظر في قبول هذه النظرة للمراهق

 فنحن نقرأ في القرآن الكريم أن أصحاب الكهف كانوا فتية والفتى هو

  البالغ وهو المراهق، ونحن نقرأ في القرآن أن إبراهيم عليه السلام عندما

 حطم الأصنام كان فتى {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}

 [الأنبياء: 60] ، ونحن نقرأ أن إسماعيل عندما صار آية في البر وأسلم

 نفسه لربه للذبح بين يدي أبيه كان فتى مراهقاً {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ

  يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } [الصافات: 102]

ونحن نقرأأن السيدة مريم كانت فتاة في سن المراهقة

عندما بلغت رتبة الولاية

 وصارت تأتيها فاكهة الصيف بالشتاء والشتاء بالصيف {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا

 زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] ،

ونحن نقرأ

 في سورة البروج قصة الغلام والملك والساحر في أصحاب الأخدود،

وقد أسلم على يد الغلام أهل القرية.

 وكل هؤلاء كانوا في سن البلوغ والمراهقة، وقل مثل ذلك في أصحاب

 رسول الله صلى الله عليه وسلم، سجلوا عندكم إذا سمحتم[1]:

- جابر بن عبدالله رضي الله عنه من المكثرين من رواية الحديث، كان

 عمره عند الهجرة ستة عشر عاما، مراهق.!

- عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه، بايع بيعة الرضوان وعمره

 سبعة عشر عاماً، قال الله تعالى فيه :(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ

 يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم

 فتحا قريبا)  إنه مراهق.!

- عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عُرِض على النبي صلى

  الله عليه وسلّم في أحد فلم يجزه ، وعُرِض يوم الخندق وهو ابن خمس

   عشرة سنة فأجازه، وهو ممن بايع تحت الشجرة، مراهق.!

- معاذ بن جبل رضي الله عنه أسلم وله من العمر ثمان عشرة سنة ،

 مراهق.! وكان من أفضل شباب الأنصار حِلْمًا وحياء وسخاء، وكان

    جميلًا وسيمًا.

- عبد الله بن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وحين توفي رسول الله

 صلى الله عليه وسلم، لم يزد عمره على الثالثة عشرة، ومع ذلك حفظ عن

 النبي صلى الله عليه وسلم (1660) حديثاً، وكان ترتيبه الخامس من بين

  السبعة المكثرين لرواية الحديث الشريف. مراهق.!

 وكثير غيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  كسمرة بن

 جندب ورافع بن خديج وأسامة بن زيد وزيد بن ثابت والبراء بن عازب

 والزبير بن العوام وزيد بن الأرقم وغيرهم كثير أبلوا بلاء حسنا وكانوا

  مراهقين .!

إذا كانت هذه هي المراهقة والبلوغ عند المسلمين فمن أين جاءتنا النظرة

  إلى المراهقة بأنها طيش وصبوة وضياع؟

يقول المقال: (إنها مجموعة عوامل وفدت علينا من غيرنا، تدعونا إلى

    إعادة النظر في قبول هذه النظرة للمراهق. منها:

1-  إن علم النفس المعاصر نشأ نشأة غربية، وترجم الكثير منه العرب

 المسلمون من دون تمحيص ، وراحوا يدرِّسونه في جامعاتنا. بالنَّفَس

  والروح الغربية.

 وقُلْ مِثْلَ ذلك في الكتب المؤلفة في علم النفس المعاصر باللغة العربية،

 كثير منها لا يعدو أن يكون نقلا حرفيًّا لما قرره علماء الغرب، ولا يعدو

 أن يكون ترجمة ركيكة –في الأغلب- لعلم النفس الغربي.

 قد يكون من المقبول أن تترجم علوم مادية بحتة كالطب والفيزياء

 والكيمياء والهندسة ونحوها، لكن العلوم الإنسانية لا يليق أن ننقلها من

  تلك المجتمعات نقلاً حرفياً.

2 -  العلوم الإنسانية تتأثر بشخصية الباحث: فعلم النفس المعاصر

 المترجَم عن الغربيين لا يعدو أن يكون انعكاساً لنظرتهم تجاه الدين

   والأخلاق.

 ومن أوائل علماء النفس الغربيين الذين عنوا بالمراهقة عالم غربي اسمه:

  (ستانلي هول). ألف كتابه عام 1917م يقول فيه عن مرحلة المراهقة:"

  المراهقة فترة عواصف وتوتر وشدة تكتنفها الأزمات النفسية، وتسودها

 المعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق".

 ويرى آخر أن المراهقة مجموعة من التناقضات، ويصف البعض حياة

  المراهق بأنها مرحلة جنون.!

 إن هذه الأقوال وغيرها لا يمكن أن تفصلها عن شخصية أولئك الذين

 قالوها فهم ممن نشأ في تلك المجتمعات وعاش فيها وتشرب قيمها.

3-  الدراسات الإنسانية تمثل المجتمعات التي أجريت فيها، ولا يسوغ أن

 يعمم نموذج الرجل الغربي على سائر المجتمعات فضلاً عن المجتمعات

  المسلمة.

هل يسوغ أن نقيس المراهق الذي عاش في بلد مسلم يتسم بقدر كبير من

 المحافظة على المراهق الذي عاش في مجتمع غربي متحلل؟

 جون كنيدي أطلق تصريحه المشهور (عام 1962م) الذي يقول فيه:" إن

 مستقبل أمريكا في خطر لأن شبابها منحل غارق في الشهوات، لا يقدِّر

 المسؤولية الملقاة على عاتقه، وإنه من بين كل سبعة شبان يتقدمون

 للتجنيد يوجد ستة غير صالحين لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت

  لياقتهم الطبية والنفسية "

 وفي نفس العام أصدر الرئيس السوفيتي خروتشوف تصريحاً شبيهاً بهذا

 فيقول: "إن مستقبل روسيا في خطر وإن شباب روسيا لا يؤمن على

 مستقبله لأنه منحل غارق في الشهوات، وأهم أسباب ذلك: الفوضى

 الجنسية، والخيانة الزوجية".

 المقصود من هذا أن هذا الجيل من الشباب الذي يصفه قادته هذا الوصف

 هو الذي تجرى عليه الدراسات النفسية وتستورد بعد ذلك إلى مجتمعاتنا،

 فهم حين يتحدثون عن طبيعة المراهق أو عن مشكلاته وشخصيته

   يتحدثون عن أولئك المراهقين والمراهقات.

       أيها الإخوة:

  ليس في تاريخنا الإسلامي مشكلة مع المراهقين ولا أزمة،  إذ كنت

  تجدهم في حِلَق العلم والذكر والأدب ، فما إن يبلغ أحدهم السابعة أو

  الثامنة حتى تراه قد أتم حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، أو قطع مرحلة

  فيه، ثم أصبح يثني ركبه في مجالس العلم مستمعاً ومقيداً لما يسمعه.

  وإننا اليوم ومع ما نعيش الآن من أزمات المراهقين ومشكلاتهم بسبب ما  جاءنا من فكر مستورد غريب فصدَّقْنَاه، مع هذا  نرى نماذج من

  البالغين والمراهقين تثبت خطأ هذه النظرة.

 فمن هم عُمَّار المساجد؟ ومن حفّاظ القرآن الكريم؟ ومن روّاد مجالس

  العلم ودروس العلماء؟)

 لو نظرتم في حفاظ القرآن الكريم في مسجدكم هذا وفي سائر مساجد البلد

 بل وفي العالم الإسلامي عامتهم من المراهقين والبالغين. ومثلهم حفاظ

  الحديث النبوي الشريف.

  ولو أجريتم جولة سريعة على مجالس العلم لرأيت أن معظم روّادها من

 هؤلاء. من الذكور والإناث.

 يقول الدكتور عبدالرحمن العيسوي: "جدير بالذكر أن النمو في مرحلة

 المراهقة لا يؤدي بالضرورة إلى أزمات، ولكن النظم الحديثة هي

  المسؤولة عن أزمة المراهقة".

 

 

 

 

أيها الآباء والأمهات أيها الفتيان والفتيات:

 اذكروا أن السبعة الذين يظلهم الله في ظله ثانيهم شاب مراهق أو بالغ نشأ

 في طاعة الله، واذكروا أن الله تعالى يحب الشاب التائب مراهقاً أو بالغاً،

 واذكروا أن رجالات غزة معظمهم من الشباب المراهق أو البالغ.

 والنتيجة المهمة من هذه الخطبة الدقيقة والتي سنبني عليها الكثير الكثير

 فيما يأتي من سلسلة تربية الأبناء؛ تقول:  إن المراهقة مغنم لا مغرم وأن

  البلوغ قوة لا هُوَّة.

 

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن 

رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، 

وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي 

مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها،...والرجلُ في مالِ أبيهِ راعٍ، ومَسْؤولٌ عن 

رعيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّتِهِ» البخاري ومسلم.

والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1679
تحميل ملفات
فيديو مصور