الخميس 09 شوال 1445 - 18 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-05-08 الساعة 09:30:14
لماذا الأخلاق أولاً؟ /2/
فضيلة الشيخ أحمد سامر القباني

18 من شــــــــــعـــــــبــــــــــان 1439 هـ - 4 من أيــــــــــــــــــــــــــــــار 2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فضمن المنهج العام لخطب الجمعة، نُتابع الحديث -أيها الإخوة المؤمنون- عن موضوع حُسن الخلق، وذلكم أنَّ حُسن الخلق أمر عظيم في ديننا الحنيف، لأنَّه مِن أسباب بِعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، ولأنَّه جُزء مِن الإيمان: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))، ((يا عائشة، إنَّ حُسن العهد مِن الإيمان))، ((لا إيمان لمن لا أمانة له))، ولأنَّ حُسن الخلق -أيها الإخوة- وسيلة عظيمة للوصول إلى الله سبحانه وتعالى، وبها يَكون المجتمع سالماً مِن العيوب خالياً مِن الأخطاء، وبها ترقى الأمم.

فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وجاءنا سؤال: لماذا نُكثر الحديث عن حُسن الخلق؟ فَخَطبنا خُطبة سابقة: لماذا الأخلاق أولاً؟
ونُتمم الحديث -أيها الإخوة- لماذا الأخلاق أولاً؟ بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى والعقيدة الصحيحة، الإيمان والأخلاق متلازمان لا يَنفكان.

أبدأ الخطبة بهذا الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه الكبرى، وكذلك البزار وعبد الرزاق في مصنفه، وأحمد في مسنده، والبيهقي في سننه، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم أيضاً أخرج هذا الحديث، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، يقول سيدنا أنس: كُنَّا جُلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: ((يَطلع الآن عليكم رجل مِن أهل الجنة))، فالكل إلى أين ذهبت أنظارهم؟ إلى الباب، مَن الذي سيدخل وهو مِن أهل الجنة، قال: فَظَهَرَ رَجل مِن الأنصار رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ظَهَرَ رَجل مِن الأنصار تَنقُطُ لِحيته مِن وضوئه، الماء لا يزال على وجهه ويديه، قد عَلَّق نَعليه بشماله، قال: فدخل فصلى معنا، فلما كان الغَد قال عليه الصلاة والسلام نفس مَقالته الأولى: ((يَطلع الآن عليكم رجل مِن أهل الجنة))، يقول سيدنا أنس: فدخل الرجل نفسه على الهيئة نفسها ينقط وجهه أيضاً مِن وضوئه، عَلَّق نَعله بشماله، فصلى مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله مِثلما مَقالته الأولى والثانية، فدخل نفس الرجل، قال: فلما خَرج مِن المسجد تَبِعَهُ سَيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال لهذا الرجل: إنِّي لاحيت أبي فأقسمت ألا أَبيتُ عِنده ثلاث ليال، فإن رأيت أن تُؤويني فَأَبِيتُ عِندك حتى تنقضي الثَّلاث فافعل، قال له: أهلاً وسهلاً تَفضل لا يوجد مانع، قال: فأخذه إلى بيته، قال: فنام معه ثلاث ليال في نفس الغرفة، يَقول سيدنا عبد الله بن عمرو -وقد صَاحَبَهُ لَيلاً في المبيت ونهاراً في بَيته، وعِندما يَخرجان إلى الصلاة- يقول: فَمَا رَأيت مِنه كثير صيام ولا كثير قيام، قال: فَلَمَّا انقضت الليالي الثلاث قلت له: يا عبد الله، ليس بيني وبين أبي شيء، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ثلاثة أيام مُتوالية: ((يَطلع الآن عليكم رجل مِن أهل الجنة))، فَظَهَرتَ أنت، فَطلعت أنت، فَأردت أن أعلم، فما رأيتُ عليك كثيراً مِن الأعمال، لا كثير صيام ولا كثير قيام، فقال: الأمر كما رأيت، وفي معظم روايات الحديث الصحيحة أنَّه مَا رأى عليه كثير صيام ولا كثير قيام، غير أنَّه إذا تَقَلَّب في فِراشه ذكر الله، كلما تَقَلَّب في الفراش مِن طرف لِطرف كلما يَقوم في الليل يقول: لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، كلما تَقَلَّب في فراشه، أي حركة يتقلبها يذكر الله سبحانه وتعالى، فإذا جاء الفَجر قام فَتَوَضَّأ ثم ذهب للصَّلاة، قال: ولكني ما سَمعت مِنه -يَعني مِن لَسانه- ما سمعت منه إلا خيراً، لا سمعته يَسُب إنساناً، ولا يذم إنساناً، ولا يَغتاب إنساناً، ولا يَنُمُّ على إنسان مؤمن، ولا يتكلم في الأعراض، ولا يتكلم الكلام الفارغ، الكلام الذي فيه يعني كما نقول نحن سفاسف الأمور والأمور التي لا تليق بالإنسان المؤمن، ما سمعه يقول إلا خيراً، فقال: ما رأيت مِنك كثير صلاة ولا كثير صيام، قال: الأمر كما رأيت، قال: فَوَلَّيتُ فَدَعَاني، قال: (يا عبد الله، قال: نعم، قال: ما هو إلا ما رَأيت، غير أني لا أجد في نَفسي على أحد مِن المسلمين غِشَّاً)، سَليم الصَّدر، }إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ ]الشعراء: 89[، سليم الصدر تجاه كل المسلمين، يُسامح مَن أساء إليه، وهكذا عَلَّمنا أشياخنا وعلماؤنا أنَّ نَقول في دُعائنا: ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن علمنا، ولمن له حق علينا، ولكل مَن أحسن إلينا أو أحسَنَّا إليه، ولكل مَن أساء إلينا أو أسأنا إليه، شيء عظيم: اللهم اغفر لكل مَن أساء إلينا أو أسأنا إليه، لماذا نقول هذا في دعائنا؟ قال: لأنَّك يوم القيامة أحوج ما تكون إلى كرم الله وفضله وعطائه وعفوه، فإذا كُنت في الدنيا قد سَامحت كل مَن أساء إليك مَهما كانت الإساءة وبَلغت فَرَبُّنَا يَغار يوم القيامة أن يرى واحداً مِن خَلقه قد سَامح كُلَّ خَلقه على كُلِّ إساءاتهم، فيقول الله تعالى: أنا أولى بأن أعفو عن عبدي، فَيَغفر الله له.

عرفتم يا إخواننا، أرجوكم اجعلوها في دعائكم، عندما تدعون ادعُ لك ولوالديك ولمن علمك، ولمن له حق عليك، ولكل مَن أحسن إليك أو أحسنت إليه، ولكل مَن أساء إليك، ادعُ له بالمغفرة، أو أسأت إليه، لِيُلهِمَ اللهُ مَن أسأت إليه أن يُسامحك، قد تقول: أنا لا أُسيء إلى أحد، ولكن الحقيقة أن الإنسان لا يَنتبه أحياناً لِتَصرفاته، رُبَّما يَصدر مِنه مَوقف فيه إساءة دون أن يَقصد، فَلِذلك يُلهِمُ الله الخلق بأن يُسامحوه، قال: (يا عبد الله، ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نَفسي على أحد من المسلمين غشاً، ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه)، وفي رواية: (ولا أحسده على خَير أعطاه الله إياه)، وفي رواية: (غير أني لا أبيت كل يوم -عندما أضع رأسي على الوسادة أسامح كل الناس- غير أني لا أبيت وفي قلبي غِش على مسلم).

هذا الحديث وهذه الحادثة -أيها الإخوة- تُوَضِّح عَظيم حُسن الخلق، هذا الرجل ما دخل الجنة كما سمعتم، سيدنا عبد الله بن عمرو وسيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، ما دخل الجنة بكثير صيام ولا بكثير قيام، دخل الجنة بذكره لله، إذا كان وهو نائم يتقلب يذكر الله، فكيف وهو مُستيقظ، ذكر الله لا تَنزِعه مِن لسانك، لا تتخلف عن ذكر الله، السُّبحَةُ دائماً بيدك، ((إنَّ القلوب لَتَصدأ -يقول عليه الصلاة والسلام- كما يَصدأ الحديد، وجلاؤها ذكر الله))، لماذا أنا ضعيف الإرادة دائماً أمام المعاصي والآثام؟ كيف لا تَكون ضعيفاً وأنت لا تذكر الله في كل أحوالك، لا تُحَصِّن نَفسك مِن الشيطان ومِن نفسك الأمارة بالسوء، لا تذكر الله إلا قليلاً وتُريد أن تكون قوي الإرادة تجاه المخالفات الشرعية التي تأمرك نفسك بها أو يأمرك بها الشيطان؟! هذا الرجل دخل الجنة بِكثرة ذكر الله،
ولأنه مَا سمع مِنه إلا خيراً، ما يَذكر أحداً بسوء، ما يغتاب المسلمين، ولا يُؤذيهم بلسانه، لا يتكلم في أعراضهم وفي أموالهم، لا يحسدهم، هذا الإنسان دخل الجنة لأنه يُسامح كل الخلق.

وأبقى مَعكم في رحاب هذه الأحاديث، وقبل أن أبدأ بِذكرها لكم -ونختم بها الخطبة- أقول لكم
-أيها الإخوة الأماثل الأكابر المؤمنون-: الإنسان المؤمن سبحان الله عندما يَسمع إنساناً مُواظباً على الصلوات مع الجماعة يَحسده حَسَدَ غِبطة، صحيح؟ يقولون: والله فلان ما شاء الله لا يترك وقت صلاة في المسجد، ما أجملها، لأنها مُكفرات للذنوب، له بِكل خطوة يخطوها إلى المسجد حسنة، والحسنة بِعشر أمثالها، طِبت وطاب ممشاك، ما أجمل هذا المشي إلى بيوت الله، تحسده وخصوصاً إذا سَمعت أنَّه يُصلي الفَجر دائماً وراء الإمام، ما أعظمها مِن نعمة يمتن الله بها على عباده المؤمنين، فَهَذا الإنسان مُواظب على الصَّلاة، تَحسده حَسَدَ غِبطة، وأحياناً إنسان يَكون كذلك كثير قيام الليل، مَعروف ما شاء الله فلان قبل الفجر بساعة كل يوم يقوم، يَقوم من الليل ما شاء الله أن يقوم، في هذا الوقت المبارك الذي ينام فيه الخلق هو ساهر ساجد لله، يُجالس الله، يَصح أن نقول ذلك: يُجالس الله، هل أحد يَجلس مع الله، لَست أنا الذي أقول، إنَّه رَب العزة والجلال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي، يقول فيه رب العزة والجلال: ((أنا جليس مَن ذكرني))، الذي يَذكر الله يَكون الله معه، ((أنا جليس مَن ذكرني))، أنت جَالِس مع الله، هل تتفكرون فيها إخواننا كم أنها أمر عظيم جداً وما أجمل أن تكون جالساً مع الله، شيء عظيم جداً، يَسجدون في الليل لله سبحانه وتعالى، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، تَحسده كذلك حَسَدَ غِبطة إذا رأيت إنساناً يصوم دائماً الاثنين والخميس، ويصوم دائماً الأيام البيض، ويصوم عشر ذِي الحجة، ولا يترك صيام نفل إلا ويصومه، أيضاً تحسده حَسَدَ غِبطة، صحيح؟ ولَكن بعض الناس لا يَقدرون، حاولوا مراراً وتكراراً ما استطاعوا أن يَصِلوا إلى هذه الدَّرجة، يُواظبون على الصَّلوات مع الجماعة، يُواظبون على قيام الليل، ويُواظبون كذلك على الصِّيام، وهذه أجرها وثوابها كبير وعظيم مِن الله سبحانه وتعالى، الجواب جاءنا في هذه القصة، (ما رأيت مِنك كثير قيام ولا كثير صيام)، قال: الأمر ما رأيت، ثلاث خصال: ذكر الله، لا يتكلم إلا بخير، يعني يمسك لسانه عليه، والأمر الثالث أنَّه
سليم الصدر، يُسامح كل الناس، طيب إذا كُنت تحسد هؤلاء النَّاس الصَّائمين القائمين، اعلم أنه يُمكنك أن تُعوض عن ذلك، اسمع إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وهو يحدثك هذا الحديث.
 

الحديث الأول: أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد والحاكم، عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أنَّ حَبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ((ما مِن شَيء يُوضع في الميزان يوم القيامة أثقل مِن حُسن الخلق))، يَعني سَنُحضر زكاتك وصدقاتك، لَست أنا المتكلم إخواننا، سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، أليس يوم القيامة توزن الأعمال؟ نحن نُؤمن بالميزان، ورد في القرآن الكريم: }فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ{، }وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ{ ]القارعة: 6/8[، لا إنكار في ذلك، هناك ميزان تُوضع الصدقات وتوضع الزكاة والصلوات والصيام وقراءة القرآن وذكر الله فيه، وَضَعُوا كل ذلك في الميزان، الملائكة تَزِن الأعمال، قال: أثقل شيء مِن كل هذه الأشياء مع عِظمها وأهميتها أثقل شيء -يقول سيدنا محمد- حُسن الخلق، والله هذا الإنسان كان إنساناً لطيفاً، كلمة لَطيف نزلت في الميزان أحسن وأفخم من غيرها من العبادات، يعني كان هذا الإنسان يَألف الناس ويألفه الناس، يا سلام، كان هذا الإنسان صاحب كلمة طيبة، لا يتكلم بكلمة نابية ولا بسوء، لا يسب أحداً، كان هذا الإنسان يُساعد الناس ويخدم الناس، كان هذا الإنسان يَقضي حاجات الأرامل والمساكين والأيتام، كان هذا الإنسان يَدعم الجمعيات الخيرية، يَدعم كل ما فِيها مِن أعمال خيرية، كان هذا الإنسان يَبني المساجد، كان هذا الإنسان... الخ، مَا مِن شيء يُوضع في الميزان أثقل مِن حُسن الخلق، وإنَّ صاحب حُسن الخلق لَيبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة، إذا كُنت لا تَستطيع المواظبة، وتَحسد هؤلاء النَّاس على هذه الأعمال العظيمة جداً التي تحتاج إلى مثابرة كبيرة، فَعَليك بِحُسن الخلق تَبلغ درجة صاحب الصَّوم والصلاة، وانظر ماذا قال الشُّراح عن كلمة صاحب الصوم والصلاة، قالوا: ما قال رسول الله: (لَيَبلغ درجة الصائم المصلي)، قال: صاحب الصوم والصلاة يعني قد عُرِفَ بِكثرة صيامه وكثرة صلاته حتى صار صَاحب الصوم والصلاة.

الحديث الثاني: أخرجه الحاكم وأبو داود وأحمد، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الرَّجل لَيُدرك بِحُسن خلقه درجات قائم الليل صائم النَّهار)).

الحديث الثالث: أخرجه أحمد عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ المسلم الـمُسَدَّد))، معناها عندنا نَوعين مِن أنواع المؤمنين: مُؤمن غير مُسَدَّد وغير مُوَفَّق، ومُؤمن مُسَدَّد مُوَفَّق، لِذلك كان مَشايخنا يقولون: إذا كان لَديك توفيق مِن الله سبحانه وتعالى فَحَافظ عليه، إياك أن يُجانبك التَّوفيق، لأن التَّوفيق نادر في هذه الحياة، لِذلك ذُكِرَ في القرآن بمعنى العِناية الإلهية لك، بمعنى أن يُوفقك الله، وأن يَكون مَا تَفعله صواباً ويَشكرك الناس عليه، وأن تكون امرأً مميزاً بين أقرانك، الحمد لله موفق مِن الله، هناك ناس يَتُوه رأيهم ويَعملون عملاً خاطئاً، يَدخل بأمر خطأ، الحمد لله الذي لم يجعلك الله منهم، مِن الموفقين أنت؟ قال: حَافظ على هذا التوفيق، لأنَّه لم يُذكر بمعنى عِناية الله الإلهية بِك في القرآن إلا مرَّة واحدة: }وَما تَوفيقي إِلّا بِاللَّـهِ{ ]هود: 88[، وجاء التوفيق بمعنى التوفيق بين الناس يعني الإصلاح: }إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا{ ]النساء: 62[، يعني الإصلاح بين الخصوم، قال:
((إنَّ المسلم الـمُسَدَّد لَيُدرك درجة الصُّوام القُّوام بآيات الله عز وجل لِكَرم ضَريبته -أي سجيته وطبيعته- وَحُسن خُلقه))، يَكون طَبعه حُلو، إنسان هادئ، حليم لطيف ظريف، وعِنده أخلاق جميلة، يُساعد الناس، يَخدم المجتمع، يَخدم المؤمنين، قال: يَبلغ درجة الصُّوام القُّوام.

الحديث الرابع: أخرجه أبو يعلى والدارقطني، عن سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وإنَّ حسن الخلق لَيبلغ درجة الصائم المصلي مِن الليل))، وفي رواية ((لَيبلغ درجة الصوم والصلاة)) حسن الخلق.

الحديث الأخير: أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، عن سيدنا أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الرجل لَيُدرك بِحُسن خلقه درجة القائم بالليل الظَّامئ بالهواجر))، أي الصائم بالنهار، الظَّامئ مِن الظَّمأ، الهواجر: شدة الحرّ، يعني لَيس صِياماً عادياً، الله يَكتبه لك بِحُسن خُلقك صِيام الإنسان الذي يَكون النَّهار فِيه طَويل وفيه شِدة الحر، وهو كَثير الظَّمأ، يَعني يُعطيك أعلى الدَّرجات التي يَأخذها الصَّائم مِن الثواب.

وبعد هذا كله -أيها الإخوة- نَعلم لماذا الأخلاق أولاً! أنت إنسان مُؤمن، آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن كتاباً، وبالكعبة قِبلة، آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، أنت إنسان سَعيت أن تَكون مُؤمناً، وبعد هذا كله أنت إنسان حَسَن الخلق، فمعنى ذلك أنك كامل الإيمان، إذا لم تكن حَسن الخلق فَمَعنى ذلك أن إيمانك ناقص.

فِكرة أختم بها هذه الخطبة، وهي أنَّه لا يَفوتكم أن هُناك مَزية للإنسان الحُسن الخلق على الإنسان الصائم في النهار والمصلي في الليل، وما أعظم هذه الأعمال كما قلنا، نحن نأمل أن نكون مِن أصحابها، نرجو أن نكون مِن أصحابها، الصيام والقيام والله العظيم يا إخواننا كل إنسان يَأمل ذلك، يرجو مِن الله أن يكون مِن هؤلاء وما أعظمها، لكن انظر في فائدة حُسن الخلق، تبلغ درجة الصَّوام -أي كثير الصيام- القوام -كثير القيام في الليل-، وهُناك أمر آخر لا يمكن أن يُحصله رُبَّما الصَّائم في النَّهار والمصلي في المسجد، ما هو؟ أنَّك تَكون قُدوة لِمَن وراءك مِن الناس، وما أعظم أن تَكون قُدوة يَقتدي بك النَّاس، لأن كل مَن رأى عَليك خُلقاً حَسناً فَتَعَلَّمه مِنك كُتب في صَحيفتك صدقة جارية، كم مِن إنسان ذَهَب إلى بلاد الغَرب شَرقاً وغَرباً، إلى بلادٍ غير وطنه، وكان بِخُلُقِهِ دَاعية إلى الله، يَضربون فيه المثل، يقولون: والله فلان هذا الإنسان السوري هذا والله أخلاقه عالية جداً، تَعامله دقيق،
إنسان مستقيم، انظر كيف يقول عنك غير المؤمنين وغير المسلمين يقول عنك أهل المشرق والمغرب، أنت صِرت قدوة، يمكن أن يَدخل في الإيمان إنسان مِن نتيجة أخلاقك كما دخل أهل إندونيسيا والفلبين وماليزيا وتايلند في الإسلام مِن وراء التُّجار المسلمين، أكبر دولة إسلامية إندونيسيا 200 مليون إنسان، مَا وصل جيش ولا ذَهب سيف ولا رمح، وإنما بأخلاقك، فإذاً أنت لا تَكون فقط بدرجة الصَّوام القَّوام، ربي يَجعل لك مَزية، هذه المزية أنَّ الناس يَقتدون بك في أخلاقك، وخصوصاً إذا كنت داخل وطنك بين أسرتك ومجتمعك، أو خارج بلدك، هذه مَزية لا تظن أنها سهلة أو أن أجرها وثوابها عند الله عادي، أبداً، كل إنسان رأى عليك خُلقاً حَسناً فاقتدى بك: استقامةً، وفاءَ وعد، إنجازاً بالعهد، إتقاناً للمهنة، إتقاناً للمصلحة، صِناعتك مُحكمة، تجارتك صادقة، لا تغش المسلمين، أنت إنسان في جامعتك طالب مُلتزم أخلاقي، أنت أستاذ في جَامعتك، أنت طبيب ملتزم، أنت مهندس ملتزم بالأخلاق العظيمة، كل مَن يرى عليك هذا الخلق فَيَتبعك كُتب في صحيفتك صدقة جارية، فافعلوا ما شئتم وما تستطيعون مِن الصدقات الجارية أيها الإخوة المؤمنون.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1235
تحميل ملفات
فيديو مصور