الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-05-07 الساعة 12:11:56
أثر قصص الصحابة في نفوس المؤمنين (أبو طلحة الأنصاري) رضي الله عنه.
الشيخ أحمد سامر القباني
4 من شــــــــــعـبــــــــــان 1439 هـ - 20 من نـــــيــــســــــــــــــان 2018 م. الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير. فضمن المنهج العام لخطب الجمعة، أريد أن أبقى مع حضراتكم -أيها الإخوة المؤمنون- في رحاب قِصة جميلة مُثيرة مِن قصص الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم أجمعين، هذه القصة ابتدأت بالعِشق والغرام والحب والهيام، ثم انتهت بالجِنَان، إنَّها قِصة بدأت مِن حب واحد مِن أهل المدينة الكرام يُقال له أبو طلحة، أحب امرأة مِن المسلمين، وهو كان على غير الإسلام والإيمان، تُدعى هذه المرأة أم سليم الرميصاء بنت ملحان أحبها وعَشقها حتى الجنون، وهام بها وأصبحت حَديثه ليلاً ونهاراً، إذا استيقظ يذكرها وإذا نام يذكرها، وبين الاثنين يذكرها، فلا يستطيع نسيانها ولو في جزء مِن الساعة، إنَّه عِشق وهيام، جاء إليها فَطلب يدها، فقالت له: أنت امرؤ على غير الإيمان، تعبد الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، تَنحِتُ حَجراً وتُصلي إليه وتسجد إليه، تصنع صنماً من تمر فإذا جعت أكلته، فما هذا الرَّب الذي تعبده، وأما أنا فامرأة أنعم الله علي بالإسلام والإيمان، ولِذلك أنا أعتذر عن طلبك للزواج، ذَهب وحاول أن ينساها دون جدوى، لقد تغلغلت في عروقه تجري معه جريان الدم، ثم جاء إليها فعرض عليها الزواج، وكان مِن أغنى أهل المدينة، عنده عقارات كثيرة، وعرض عليها أن يمهرها ما شاءت مِن المهر، يا أخي العشق لما يَجيء صاحبه مَعذور، لِذلك يَعني المحب كلامه دائماً يَكون فيه مبالغة، فرفضت، ثم بعد ذلك أرادت أن تَستثمر هذه المرأة طالما في عروض جيدة من أموال وعقارات، سنستثمر، لكن استثمارها لم يَكن كما نُفكر، كان استثمارها في الدعوة إلى الله، في أن تنقذ إنساناً مِن النار إلى الجنة، كان استثمارها بالإيمان، بأن تنقل إنساناً مِن الكفر إلى الإيمان، وانظر إلى عقلية الصحابة، وانظر إلى فِكر الصحابيات، وانظر إلى هذا التَّألق عند نِساء المؤمنين الذين ثَبت على مَرِّ الدُّهور والتَّاريخ أنهن كُنَّ أهلاً لِأن يُنشؤوا هذه الأسرة المسلمة الحقيقية التي تعبد الله وتوحده، وتُنشئ أبناءها على الأخلاق، وعلى حسن الصلة بالله، وحسن التعامل مع المخلوق، وكن عالمات فاضلات كبيرات، حتى إنَّ أَعظم كِتاب لَدينا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم هو البخاري، والبخاري كان له شَيخات مِن المحدثات، فانظر إلى تاريخنا العظيم، ولا يَنضب أبداً هذا المجتمع الإسلامي المؤمن، مِن نساء قادرات على تحمل المسؤولية في كل زمان ومكان، ولكن هل زَوجتك منهن؟ وهل ابنتك منهن؟ لِنُفَكِّر مَلياً، ولنحاول أن نَرتقي بأفكار نسائنا وأفكار بناتنا وأخواتنا، لِيُصبح هذا المجتمع الذي أكثر مِن نصفه مِن النساء مُجتمعاً فاضلاً، أرادت أن تستثمر، فاستثمرت فقالت: إن شِئت تزوجتك وكان مهري الإسلام، تُسلم فأتزوجك، هذا المهر، فرفض، ولكنه لم يَستطع أن ينسى هذه المرأة الفاضلة، ثم جاء مُذعناً وقال: قَبِلت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أفضل النساء مَهراً أم سليم، كان مهرها الإسلام))، هل رأيت هذا الاستثمار العظيم، لم ترض أن تَأخذ منه شيئاً مِن عقاراته وأمواله، كان مهرها الإسلام، فدخل في الإسلام بالعشق والهيام، ولَكن الله عز وجل غَالب على أمره، إذا أراد أمراً يقول له: كن فيكون، ورسول الله في غُزوة حنين، تَعلمون أنَّه كان يُعطي حَدِيثي الإسلام الأموال الكثيرة لِيَتألف قلوبهم بالأموال، ولكن الله غالب على أمره، حَسُنَ إسلامهم، وصارُوا قادة للأمم، وهذا سَهم المؤلفة قلوبهم الوارد في كتاب الله في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين} [60]، وكلكم يَحفظ الآية، إلى أن قَوِيَ الإسلام، فسيدنا عمر ألغى مِن الزكاة سَهم المؤلفة قلوبهم، فدخل في الإسلام بِالعشق والهيام، ثم حَسن إسلامه، فصار مِن خاصة وأحباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كان له أرض فيها أكثر مِن خمسمئة نخلة، وكل نَخلة في ذلك الزمان ثَروة، وكان فِيها بئر مِن ماء عذب في قبلي المسجد النبوي، وكان رسول الله إذا دخل إلى المسجد مَرَّ مِن أرض أبي طلحة، واسم هذه الأرض البيرحاء، فَشَرب مِن ماء فيها عذب بارد، في شبه جزيرة العرب والماء هناك ساخن، فَيَشكر الله عز وجل ويُسَرُّ بِشُربه من هذا البئر، حتى نزل قول الله سبحانه وتعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} [آل عمران 92]، فبلغت هذه الآية سيدنا أبا طلحة الأنصاري، لأنه مِن أهل المدينة مِن الأنصار، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، بلغني أنَّ آية مِن كتاب الله أُنزلت عليك، قال: وما هذه؟ قال: قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون}، قال: نعم، قال: إِنِّي أُشهدك يا رسول الله أنَّ أحب أموالي إلي البيرحاء -هذا البستان العظيم الذي ثمنه كبير جداً، بل لا يُقدر بثمن- إني أشهدك أن أحب أموالي إلي البيرحاء، وإنِّني جَعلتها لله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: ((بَخٍ بَخٍ، هذا مال رابح، هذا مال رابح))، استثمار، استثمار لكن في الآخرة، ما أكثر استثمارات الدنيا، وما أقل الذين يَستثمرون باستثمارات الآخرة، لَكن في بلاد الشام ما أكثرهم، فأنتم مِنهم، يقول رسول الله لأبي طلحة: ((ولكني أرى أن تجعلها في الأقربين))، يعني عندك أقارب فقراء، يقولون: تبرع بأمواله للغرباء ونحن تركنا لا يوجد طعام نأكله، ((إني أرى أن تجعلها في الأقربين))، فجعلها أبو طلحة في أقاربه، كلها وزعها بين أقاربه، تمضي الأيام والسنون، وسيدنا أبو طلحة الغني الكبير في كل يَوم يُنفق، وفي كل شهر ينفق، وفي كل سنة ينفق، إلى أن أصبح هذا الرجل فَقيراً، ولكن عُقول الصحابة وتَفكيرهم يَختلف عن عقولنا وتفكيرنا، لأنهم آمنوا ووثقوا بما عند الله، {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة} [البقرة: 245]، الله يقول في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} [فاطر: 15]، الله الغني، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِم}، معنى مغلولة أي مربوطة إلى العنق بحبل، وهي كناية في كلام العرب عن البُخل، ربط يده لِكَي لا يَدفع نقوداً، {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ -هذا دعاء عليهم- وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا -بسبب قولهم هذا- بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]، الله غني، فكيف يقول الله في كتابه: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله}، الله ليس بحاجة إلى قرضٍ يا سيدي، {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، نُريد تفسيراً لهذه الآية، قرض، قال: جعل الله عز وجل حَاجة عَبده المؤمن عندما يَحتاجك أيها الإنسان المؤمن فتقضي له حاجته وتُعطيه مِن مَالك الذي أعطاك الله إياه، جعله الله قرضاً في ذمته لك، هل أحد يَفعلها اليوم، والله كان مشايخنا يَفعلونها، كان في الحارة سَمَّان، وينظرون إلى العائلات الفقيرة، ويقولون لهذا السَّمان البَّقال: إذا جاء بيت فلان يأخذون وتُسجلهم على حسابي، تعتبرهم دين علي، هذا شَأن الكبار. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، أعطني مِن مال الله الذي أعطاك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجاته وكل زوجة تقول: والله ما عندنا شيء إلا التمر والماء، والبعض قال: ما عندنا إلا الماء، قال له رسول الله: ((اذهب وابتع عَلَيّ))، ابتاع في اللغة العربية عكس باع، يعني اشترى، اذهب واشتري علي، خليهم يسجلوها علي، اذهب إلى السوق وابتع علي، فقال سيدنا عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إنَّ الله لم يُكلفك هذا، يقول راوي الحَديث، فَكَأَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَرِهَ كلام عمر، لم يُسَر مِنه، ما قال له شيء سيدنا الرسول، لكن لم يُعجبه كلامه، فقام واحد مِن الأنصار فقال: أنفق يا رسول الله، ولا تخش مِن ذي العرش إقلالاً، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((بهذا أمرت))، إذاً يقولون لأهل المحلة ولأهل الحارة اذهبوا واشتروا مِن البقال وضعوا الحساب علينا، هكذا كان مشايخنا، وهكذا كان أعيان دمشق الكبار الأغنياء، ينظرون إلى حاراتهم وحَيِّهم إلى فقرائهم فيكفلون لهم أرزاقهم من الطعام والكسوة دائماً، جعل الله عنايتك بأخيك المؤمن قَرضاً على الله، هذا معنى الآية: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّه}، الله لَيس بحاجة إلى الإقراض، أجمع المفسرون على هذا المعنى الذي قلته لكم، إنفاقك على أخيك المؤمن ذي الحاجة يَجعله الله قرضاً له، وأنت إذا اقترض منك إنسان ذُو جاه شيخ قبيلة شيخ عشيرة صاحب منصب صاحب مَكانة، إذا اقترض منك مَالاً هل تَشُكّ أنه سَيُعيد إليك المال، لا أشك، فكيف إذا أقرضت الله؟ سيعيد الله إليك المال، ولكن لا يَجوز إذا اقترض منك غني أو ذو جاه أن يُعيد إليك المال ومعه زيادة، لأن هذا رِبَا، صح؟ ولكن الله أباح الرِّبا معه سبحانه وتعالى، أنت أقرضت اللهَ عندما أعطيت أخوك المؤمن، هذا الرِّبا المحمود، قال: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، لأن الرِّبا معناه في اللغة الفَضل والزِّيادة، {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون}، هَكذا عَقل الصحابة، اليقين بما عند الله سبحانه وتعالى، لا يَشكون ولا لحظة أنهم نازلون في باب الله، جَالسون على أعتاب الله، وما أَنفقوه سَيُعاد إليهم، وكلكم يَعلم قصة سيدنا عبد الرحمن بن عوف، تخلى عن ماله كله ثلاث مرات، وعن سيدنا أبي بكر تخلى عن ماله كله في سبيل الله عدة مرات، ثم مات أبو بكر وهو غني، ومات عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وهو غني، وكان قد طلق امرأة فَتُوُفِّي، فزعمت أنها ما زالت في العِدَّة، وأنه طلقها طلاق الفَارّ مِن مهرها أو مِن نصيبها مِن ميراثها، فَصَالحوها، قالوا: سَنُصَالحك، صَالحوها على جُزءٍ مِن الثُّمُن، بثمانين ألف دينار، ثمانين ألف ليرة ذهب جُزء مِن الثُّمُن، ثلاث مرات خرج عن ماله سيدنا عبد الرحمن بن عوف، فيقين عند أبي طلحة جعله يقول: إن أحب أموالي إلي البيرحاء، وإني جعلتها لله ورسوله، وأصبح مع الأيام فقيراً، وهو مسرور سعيد، سعيد جداً مع فقره، لأنه واثق بما عند الله، فيأتي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سائل وضَيف يطلب أن يتعشى، طلبه بسيط، يرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نسائه كلهن، وكلهن يقلن: ما عندنا إلا الأسودان التمر والماء، وذكر هذه القصة الأستاذ عبد الرحمن رأفت الباشا في صُور من حياة الصحابيات، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صحابته، وكان بينهم أبو طلحة، فقال لهم: ((مَن يُضيف هذا الليلة يرحمه الله))؟ فَوراً رفع سيدنا أبو طلحة يده وقال: أنا يا رسول الله، ما معه أكل يأكل، ما جعل ماله كله في سبيل الله، كان مِن أغنى أهل المدينة، وأصبح مِن أفقر فقراء المدينة، لكن هذا الدُّعاء لا يُريده أن يذهب لواحد آخر، رسول الله يدعو له بالرحمة، ((مَن يُضيف هذا الليلة يرحمه الله))، دعوة مِن سيدنا الرسول ليست قليلة، إذا دَعا رسول الله لك بِالرحمة هذا الدعاء بسيط، دَعاء رسول الله مُستجاب، فقال: أنا يا رسول الله، فأخذ الضيف وذهب إلى بيته، فقال لزوجته التي هام فيها أم سُليم، بعد أن أنجب منها أولاداً كُثُر، قال لها: ما عندك يا أم سليم؟ قالت: ما عندي والله إلا طعام الصِّبية، تَطبخه على النَّار، قال: عَلِّلِيهم حتى يَناموا، قولي لهم: بعد قليل يَستوي الطعام، والأولاد طول النهار يركضون ويلعبون، يأتي وقت المغرب والعشاء يَضع رأسه وينام، عَلِّلِيهم حتى يناموا، فبدأت تُعَلِّلُهم حتى نام الصِّبية، فَجَاء فَنَظر في الطَّعام، فوجده لا يَكفي لهما وللضَّيف، والضَّيف قطع الفَيَافي والقِفار، مَسَافات طويلة، من يومين لم يأكل، لو وَضعت أمامه طعاماً كثيراً لأكله وحده، فقال: ما نَصنع؟ قالت: لا أدري، قال: إذا وَضعتَ الطعام أمام الضَّيف فقومي إلى السِّراج فَتَظاهري أنَّك تُصلحينه فأطفئيه -في زمانهم كان الكاز مَوجود، الذي كان في البيوت العربية القديمة، كان في لكس وكان في كاز- فنتظاهر أنا وأنتِ أنَّنا نَأكل مع الضَّيف، فيأكل الضيف الطعام كله وحده فيشبع منه، قالت: أبشر أصنع ذلك، فجاءت بالطعام وضَعته بين يدي الضَّيف، قامت إلى السراج -هذا ليس قصة ألف ليلة وليلة إخواننا، هذه أَحاديث ثابتة بالإسناد، لكن نحن ربما لِبُعدنا عن عصر الصحابة، ولأننا ننظر كأن هذه القصص مِن الخيال، أنتم تحسبون أن صحابة رسول الله وأن سلفنا الصالح فَتَحوا هذه البلاد شرقاً وغرباً بِقُلوبهم وبأفكارهم النَّيرة، تحسبون أنهم فَتحوها وقد كانوا مثلنا، كان الواحد منهم أمة، لكل واحد قصة لو أنك أردت أن تَرويها على أسماعنا لَظَنَنَّا أنها ضَربٌ مِن الخيال، لَكنها واقع، لأجل ذلك فتحوا قلوب العباد قبل أن يفتحوا أسوار البلاد، تسعين سنة تصل الفتوحات إلى حدود الصين شرقاً وإلى جبال البيرينيه، ومعركة بواتيه في فرنسا تبعد عن باريس 160 كيلو متر، وبلاد الأناضول شمالاً وأواسط إفريقيا جنوباً، وإلى إندونيسيا شرقاً، أنتم تحسبون أنَّ هذا بعالم التكتيك العسكري مقبول؟ غير مقبول أبداً، ما عندهم لا صواريخ عابرة للقارات، وليس عندهم صواريخ أرض جو، كان عندهم أمور بسيطة، لكن كان عندهم يَقين بالله، أخلاق فاضلة عَظيمة، كان عندهم مَبادئ وقِيم، وكانوا يَفتحون قلوب العباد بِحُسن خلقهم وحسن صلتهم بالله سبحانه وتعالى، فَلا تَظن أنَّ هذه القصة وغَيرها ضَربٌ مِن الخيال، إنما هو واقع عاشه المؤمنون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قامت فتظاهرت أنها تُصلح السِّراج فأطفأته، فأصبَحت الغرفة مُظلمة، فَأَكل الضَّيف الطعام كله، فلما أَذَّن الفَجر غدا سيدنا أبو طلحة مع ضيفه إلى مَسجد النَّبي صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَا الفجر، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا طلحة قال له: ((لقد ضَحِك الله مِن صنعكما بضيفكما الليلة))، أي رَضِي الله عما فعلتما، وبعد ذلك تُحَدِّثُك كتب السير أن سيدنا أبا طلحة كان له أولاد كثيرون، ولم يمت إلا وقد أصبح لَديه المال الكثير، جاء كل شيء، لماذا؟ لأنَّ تَعَامُله مع الله سبحانه وتعالى كان صادقاً، وهكذا شأن المؤمن، المؤمن دائماً لا يَشُكُّ بِكلام الله وكلام رسول الله، لِذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة))، الله سوف يَستجيب، أما إذا أنفقت وأنت تَشُكُّ هل سَيُعوض الله عليَّ أو أنَّه لن يُعوض الله عليَّ، فمعنى ذلك أنَّك بدأت بالشَّكّ، والله لا يقبل عملاً تَشُكُّ أو تُكذب الله سبحانه وتعالى فيه، وهو يقول لك: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء -هذه ابتداء سبعمئة ضعف، 7×10= 700- فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّة -7×100= 700، هذا الحد الأدنى، قال:- وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ -وختام الآية- وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [البقرة: 261]. فلذلك أيها الإخوة الكرام هذه النماذج مِن عطاءات الصَّحابة وإنفاقهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين، كفيلة بأن تَكون نِبراساً وقدوة لنا في حياتنا، وخصوصاً في هذه الأزمة، عندما احتاج المؤمن أخاه المؤمن، وعندما فَقَد كثير مِن الناس معاملهم وبيوتهم بعد أن كانوا أغنياء فأصبحوا فقراء، وهكذا شأن الفتن والحروب في كل وقت، تأتي على الأخضر واليابس، ((فـمن كان ذا ظهر فليعد على من لا ظهر له))، هكذا قال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، عندما كان في إحدى الغزوات يَندب الناس إلى التَّبرع، قال لهم: ((من كان ذا ظهر))، الذي عنده دابة ودابة زيادة فليعطي أخاه المؤمن الدَّابة التي هي زِيادة. نَسأل الله عز وجل أن يَجعلنا وإياكم مِن المنفقين الواثقين بوعد الله سبحانه وتعالى، إنه سبحانه وتعالى على ما يَشاء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.
أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1020
تحميل ملفات
فيديو مصور

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *