الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-04-29 الساعة 08:16:11
المسلم بين القول وحقيقة التطبيق.
الشيخ أحمد سامر القباني

26 من رجــــــــــــــب 1439 هـ - 13 من نـــــيــــســــــــــــــان 2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

كلكم يعلم -أيها الإخوة المؤمنون- أنَّ هذا الدِّين العظيم مِن أهم رَكائزه أنَّه جَاء لِيَترك حُرِّيَّة الاختيار لِلأشخاص في العقائد، يَترك حُرِّيَّة الاختيار لأن مَا يَأتي بِالقوة فإنَّ صَاحبه يَكون مُلتزماً به عن غير قناعة، أمَّا إذا استقر في العَقل واستقر في القلب فآمَنَ بِهِ وأيقن فإنَّه يَتمسك فيه بِقُوَّة، ولذلك في العقائد يقول رب العزة والجلال: {لا إِكرَاهَ في الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيّ}، الصَّواب واضح، والخطأ والضلال واضح، {لا إِكرَاهَ في الدِّين}، وانطلاقاً مِن ذلك فإنَّنا نُشَبِّه هذا الإنسان الحُرَّ الاختيار في عَقيدته بِإِنسانٍ وَلَـجَ وَدَخل إلى سَاحةٍ فَوَجد في هذه السَّاحة طُرقات عديدة تتفرع عنها، فهو الآن يَختار إحدى الطُّرق التي يُريدها، ولكن إذا دخل مِن هذا الطَّريق فإنَّه سَيَلتزم بهذا الطريق، وهكذا الإنسان وهكذا شرع الله في العقائد، {لا إِكرَاهَ في الدِّين}، ولكن إذا اخترت طَريق الإسلام وإذا اخترت طريق الإيمان فيجب أن تَلتزم به، يوجد شاخصات على الطَّريق تقول لك: هنا ممنوع التَّجاوز، يوجد إشارة ضَوئية عندما تُضيء الإشارة الحمراء يَجب أن تقف، لا يمكن أن يقطع المشاة مِن هذا الموضع، لا يمكن لهم مَكان مخصص لِيقطعوا الطَّريق منه، يجب أن يَلتزموا بهذا المكان المخصص، في هذا المكان حدود السُّرعة ثمانين كيلو متر في السَّاعة، يجب أن تكون في حُدود ثمانين كيلو متر في السَّاعة، إذاً تَلتزم بقواعد الطَّريق، فإذا اخترت الإسلام والإيمان وجب عليك الالتزام، لِنَحفظ هذه العبارة: إذا اخترنا الإيمان والإسلام وجب علينا الالتزام، لماذا؟

أولاً: أنت مُختار ولست مكرهاً.

ثانياً: لأنَّك تعلم أنَّك على الدِّين الحقّ.

ثالثاً: لأن هذا الإنسان هو بناية الله كما ورد في الأثر، ماذا يعني بناية الله؟ يعني صنع الله، والله عز وجل أتقن كل شيء خلقه، {لَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ في أَحسَنِ تَقوِيم}، خَالِقُنَا هو الله، وإذا كان عندك مَعمل وهذا المعمل اشتريته مِن الصِّين أو مِن ألمانيا مثلاً، يُرسلون معك الخُبراء لِيَقوموا بِتركيب هذا المعمل، ويُرسلون مع المعمل دَليل وما يُسمونه بـ "الكتالوك"، يُبينون لك فيه مَراحل صِيانة هذا المعمل، يُبينون لك فيه سَاعات العمل لهذا المعمل، مَوعد صيانة الآلات، كل آلة لها عُمُر معين، ويُعطونك التَّعليمات، ويَجب أن تَلتزم بها، إذا خَرجت عن التَّعليمات هُم غَير مُلتزمين معك بِكفالة المعمل، لأنَّك خَرجت عن الشُّروط، يقولون لك: نحن نَعتذر عن الكفالة، قلنا لك أن تُشَغِّل المعمل ثماني ساعات، تشغله أنت  10 أو 15 ساعة، نحن نعتذر، قلنا لك أن هذه القِطعة إذا كُنت تُريد تبديلها فبعد 50 ألف كَبسة، أنت اشتغلت عليها 100 ألف كبسة، انتهى.

إذاً نحن خَلق الله، والله أعلم بِصنعه وخلقه، فلذلك مَن يَظن أنَّ سَعادته في البُعد عن تعاليم الله فهو إنسان واهم، هو إنسان يَظن أنَّه رُبما يَجد السَّعادة إذا شَرَّق وغَرَّب وابتعد عن تعاليم الله ورسوله، هكذا يظن! ولكن الحقيقة أنَّه يَجب أن يُفرق بين اللَّذة وبين السَّعادة، قد يَتَلَذَّذُ بِمعصيةٍ وبِمُخَالفة شَرعية، لَكنَّه لَن يَكون سعيداً، ثِقْ تَمَامَاً وأنت تعلم ماذا أقول، لأنَّ هُناك وازعاً نَفسياً إلهياً داخلياً في الإنسان دائماً يقول له: أنت عَصيت الله وأنت أخطأت، فيبقى هذا الهاجس وهذا الوازع مُلازماً له، فلا يَشعر بالسَّعادة عندما يَبتعد عن الله عز وجل، هذه النُّقطة الأولى.

النقطة الثانية: سَوف يَتَعثر في حياته، ((إنَّ أحدكم لَيُحرم الرِّزق بالذَّنب يُذنبه))، يقول: لماذا؟ أنا هكذا مُقَتَّر عليَّ في الرِّزق كثيراً؟ أضربها يميناً تأتي شمالاً، سَعيت في هذا الاتجاه ولم أُوفق، وفي هذا الاتجاه ولم أوفق، ((إِنَّ أَحدكم لَيُحرم الرِّزق بِالذَّنب يُذنبه))، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام، سَوف يَتعثر في حياته، سوف يَرى أنَّه لَن يَكون ناجحاً تماماً عندما يكون مخالفاً لأمر الله ورسوله، سيأتيني أحدكم الآن ويقول: أنا عِندي نماذج مِن النَّاس لم يُصلوا في حياتهم ولم يصوموا في حياتهم، وعندهم علاقات غير شرعية ومَشبوهة، وما شاء الله شركات وأموال ومُوفقون، فكلامك يحتاج إلى تعديل، لا إذا وجدت إنساناً على هذا الشَّكل غير طائع لله ولا يَكترث لأوامر الله، ووجدت أموره المالية بخير؛ فَمَعنى ذلك عندنا نُقطتان:

النُّقطة الأولى: أنَّ هذا الإنسان مُستدرج، ولكن الإنسان المؤمن عندما يَفعل الذَّنب فَيُعاقب عليه مُباشرة يَجب أن يكون فَرحاً، عَمِلَ مَعصية فَشُجَّ رَأسه، وقع على رجله، جاء فوراً العقاب، لماذا؟ قال: ربنا عز وجل لا يُريد تأجيل عقابه، فوراً جاءه في الدُّنيا، لَكن هُناك نَاسٌ ذُنوبها كثيرة، فكيف يُعاقبهم ربنا عن ذنوبهم الكثيرة، فلذلك تركهم يفعلوا ما شاؤوا، هذا اسمه استدراج، رحم الله شيخنا كان يَقول: الثَّوب الأبيض النُّقطة السَّوداء الواحدة فِيه تَظهر مُباشرة، الثَّوب الأبيض نُقطة واحدة سوداء تَظهر به مباشرة، ولَكن الثَّوب الأسود لا تَظهر عليه النُّقاط السَّوداء، فهذا الثَّوب الأبيض نُقطة فوق نُقطة فَوق نُقطة أصبح كله أسود، فمهما وضعت نُقطاً عليه لا يتأثر، أصبح كله يَحتاج إلى غَسيل، يحتاج إلى غسيل وتنظيف جيد مُرتب، فهذا الإنسان إذاً رُبما يَكون مُستدرجاً، هذا أولاً.

النُّقطة الثَّانية: رُبما يكون هذا الإنسان إنساناً غَير مُلتزم بالتَّعليمات الشَّرعية مِن النَّاحية الدِّينية، ولَكنه مُلتزم أخلاقياً مع النَّاس في معاملته، ولِذلك هو مُوفق، تجده يَعِدُ النَّاس ويَلتزم بِوَعده، يُتقن العمل ويُسلم للناس العمل بِشكل مُتقن، يكون هذا الإنسان عنده System مُعَيَّن، نظام معين يتبعه في عمله، فَوَفَّقَه الله لأنَّ تَعَامُله مع النَّاس كان جَيِّداً وإنَّ كان بَعيداً عن الله في النَّواحي الدِّينية، هذا الاحتمال الثاني.

وهناك رِضا الوالدين فلا تنسه، فالإنسان ولو لم يَكن مُلتزماً ولكنَّه كان مَرضياً مِن أبيه وأمه في حَياته، فإنَّ الله يُوفقه ولو لم يكن مُلتزماً، رأينا نماذج مِن هذا الشَّكل، ولكن ثِقْ تماماً أنَّ هذا الرِّضَا سَيُرافقه، وأنَّه في المستقبل سَيَكُون طائعاً ومُنسجماً مع الاستقامة، وسيعود إلى الله.

وكذلك الإنسان الأخلاقي الذي أتقن عَمله، فَرُزِقَ وَوُفِّق، اِنتَظِر مِنه أن يَكون إنساناً مُلتزماً في المستقبل، لأن الأخلاق عامل أساسي عند الأمم، والله عندما يَرى هذا الإنسان بهذه الأخلاق سَيُوفقه وسَيَهديه.

فإذاً إذا التزمت طَريق الإيمان والإسلام فَعَليك الالتزام، ولِنَعلم أنَّ طَاعة الله ورسوله هي خَيرٌ لَنَا دُنيا وأُخرى، لأنَّنا كُنَّا نَتكلم في الخطبة السَّابقة: "لماذا الأخلاق أولاً"؟ فَتَكلمنا عن أشياء كثيرة، وقلنا: تَكمن الإشكالية في التَّطبيق، فهناك مَن لا يَعلم، نُعَلِّمُه، وهناك مَن يَعلم وهم السَّواد الأكبر مِن المسلمين، ولكنَّهم لا يُطبقون، فَهُنا تَكمن الإشكالية، والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُون}، تُريد رحمةً مِن الله؟! والرَّحمة كلمة عظيمة وواسعة المعاني: في الرِّزق، في التَّوفيق بِالزوجة، في التَّوفيق بالأولاد، في التَّوفيق بالعمل والدراسة، لَعَلكم ترحمون، {وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُون}. وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبْكُمُ اللهُ وَيَغفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيم}، وَيَقول رَبُّ العزة والجلال: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم}، حَياة الأمة بنص القرآن حَياة الأمة بطاعة الله ورسوله، ونُكرر: مَا أحدٌ أَكرَهَكَ، أنت اخترت أن تَكون مُؤمناً، فيجب الالتزام إذا كنت مؤمناً، يوجد عندك شيء كتاب الله وسنة رسول الله، فالحياة لِلأفراد الحياة للمجتمعات الحياة للأمم تكون في طاعة الله ورسوله، {استَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم}، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا}، والله عَزَّ وَجَلَّ عندما يجعل طاعته وطاعة رَسوله سَبباً لِلرَّحمة وسبباً للحياة فإنَّه يُخبرنا ويُنبؤنا بأنَّ هذا هو الطَّريق الصَّحيح الذي سَوف تسَلكه لِتَكون مُوَفَّقاً في الدُّنيا ونَاجياً يوم القيامة.

الصورة المقابلة الصورة الثانية: يقول رَبُّ العِزَّة والجلال في القرآن الكريم: {فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُون} يُقسِمُ رَبُّ العِزَّة والجلال، {لا يُؤمِنُون} أي إيماناً حقيقياً، {فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم}، كُلُّ الأشياء التي نختلف فيها فيما بيننا ونَتشاجر فيها فيما بيننا، كل الأشياء التي قد تَخطر في نُفوسنا: هل أفعله أو لا أفعله؟ المقياس دائماً طاعة الله ورسوله، أيهما الطَّاعة هُنا اِلزم طريق الطَّاعة، لا تَلزم طريق المعصية، لأنَّك إنسان مؤمن، والله تعالى قال: إذا لم تلتزم بذلك فَلَستَ مُؤمناً حقيقياً، {فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم}، انتهت الآية؟ قال: لا، {ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجَاً مِمَّا قَضَيت}، عندما يَقضي الله ورسوله أمراً يَجب أن تَتَقَبَّله بِصَدرٍ رَحبٍ، لا أن تَفعله وكأنَّ أحداً أَكرَهَكَ عليه، {ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجَاً مِمَّا قَضَيت}، لم تَنتَهِ الآية بَعد، قال: {وَيُسَلِّمُوا تَسلِيماً}، هذا هو المؤمن الحقيقي، ما يُريده الله يُسَلِّمُ به، وما يُريده الله هو إِحياء للفرد والمجتمع والأمة، لأنَّ الله لا يَأمر بِسُوء، {قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعلَمُون}.

الرَّسول صلى الله عليه وسلم صَوَّرَ لنا هذا الموضوع بحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، يقول فيه عليه الصلاة والسلام -صلوا على رسول الله يا جماعة، ((البَخيلُ مَن ذُكِرتُ عِندَهَ فَلَم يُصَلِّ عَليّ))، ((مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى عَلَيهِ اللهُ بِهَا عَشرَاً))، والصَّلاة مِن الله عليك إذا قُلت: اللهم صَلِّ على سَيِّدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين، إذا صَلَّيت بهذه الصَّلاة على النَّبي رَبِّي يُصلِّي عليك عشر مرات، ما معنى الصَّلاة؟ أنَّ الله يُصلي عليَّ عَشَّر مرات، لَيس يعني أن يَضَعُوك في التَّابوت ويُصلون عليك عشر مرات، لا، الصَّلاة مِن الله هي الرحمة، رِزق، بركة، فَالزموا الصَّلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم، كُلَّمَا ذُكِر صلوا عليه- يقول: ((كُلُّ أُمَّتي يَدخلون الجنَّة إلا مَن أبى))، يا سلام ((كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّة))، يا ربِّ اللهم اجعلنا وإخواننا ومَن نُحب مِن أهل الجنة، ((إِلا مَن أَبَى))، لا يُوجد أحد، لِذلك استغرب الصَّحابة فقالوا: وَمَن يَأبى يا رسول الله يوم القيامة، هل أحد يَرى جَنَّات وقُصور ولا يُريد الدُّخول، قالوا: وَمَن يَأبى يا رسول الله، ما أحد يأبى، قال: بلى، هُناك أُناس لا يُريدون الجنة، كيف؟ قال: ((كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلا مَن أَبَى))، قالوا: وَمَن يَأبى يا رسول الله؟ قال: ((مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَن عَصَانِي فَقَد أَبَى))، فإذا عصيت فمعنى ذلك أنك لا تُريد الجنة.

الحديث الثاني في صحيح مسلم، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مَثَلِي وَمَثَل مَا بَعَثَنِي الله به))، يعني إنَّ مَثلي ومَثل الإسلام والتَّعاليم الشَّرعية والتَّشريع الإسلامي، ((كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قومه فقال: يا قومي، إني رأيت الجيش بعيني))، قال لهم: أنا كُنت على رأس الجبل، جئت الآن مُحذراً، يوجد جَيش يُريد أن يَغزوكم، جيش كبير عرمرم عظيم، ((إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النَّذير، فالنَّجاة النَّجاة))، لِنَهرب بِسرعة، ((فأطاعه طائفة مِن قومه، فَأَدلَجُوا، فانطلقوا على مهلتهم))، قالوا له: لنجمع أغراضهم، وطلعوا بليل، تركوا القرية وتركوا المدينة في الليل وهربوا، لأنَّه استجابوا لهذا الإنسان النَّذير، قال: ((وَكَذَّبَت طائفة))، قال لهم: جَيش عرمرم، يقول لهم: والله أنا رأيت الجيش بعيني، لا تستطيعون صَدَّه ولا مُقاومته، وسيهلككم وسيقتلكم، كَذَّبَته طائفة، ((وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مَكانهم))، مَا رَضُوا بالهرب، بَقُوا مَكانهم مَوجودين، ((فَصَبَّحَهُم الجيش فأهلكهم واجتاحهم))، ما استمعوا لقوله وكذبوه، فأهلكهم الجيش واجتاحهم، قال رسول الله -في نهاية الحديث- صلى الله عليه وسلم: ((فَذَلِكَ مَثَلُ مَن أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئتُ بِه، وَمَثَلُ مَن عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئتُ بِهِ مِنَ الحَقّ))، الله هذا مثال سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، {يَا أَيُّهَا النّبِيُّ إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِدَاً وَمُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً}، قال هذا الرجل على الجبل: إني أنا النَّذير، فالنَّجاة النَّجاة، فأطاعت طائفة وعَصَت طائفة، ثم ما يُخيف في الأمر -أيها الإخوة- قَول الله سبحانه وتعالى: {فَلْيَحذَرِ الذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ -عن أمر الله وأمر رسوله- أَنْ تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيم}، رَبُّنَا يُحَذِّرُنَا، الذي لا يَستجيب لأوامر الله ورسوله فَليَحذَر أن تُصيبه فتنة أو يُصيبه عذاب أليم في الدنيا وفي الآخرة.

فالإشكالية في التَّطبيق، نحن نعلم ولا نُطبق، لأنَّ طاعة الله ورسوله ضَعُفَت في قلوبنا، وهذه هي الحقيقة،

ولهذه الحقيقة أسباب:

السبب الأول: أنَّ هذا الإنسان هذا الشاب هذه الفتاة هذا الرجل هذه المرأة أنَّ هذا الإنسان يُحِبُّ لَذَّة المعصية، فإذا أراد أن يُقلع عن المعصية وأن يَلتزم بالطَّاعة فإنَّه يُفكر أنَّها سَتَذهب لَذَّة هذه المعصية، وهو يحب هذه اللَّذة، فلا يُريد أن تذهب هذه اللذة، فلذلك لا يُطيع، فآثر هواه وآثر معصيته ولَذَّته على طاعة الله ورسوله، والمشكلة أنَّه ليَس لَدينا فريق ثالث، يعني عِندنا أصحاب اليَمين وعندنا أصحاب الشمال، عِندنا أهل الطَّاعة وعندنا أهل المعصية، وربنا قال: {وَهَدَينَاهُ النَّجدَين}، فَلا يُوجد لَدينا إلا إما هكذا وإما هكذا، فهو وَاقِفٌ على مُفترق طُرُق، فإما أن يَفعل المعصية أو لا يَفعلها، فهو إذاً أولاً يَخاف فوات لذة المعصية.

السبب الثاني: البعض يَنظر إلى الطَّاعة على أنها التزام، إذا أطاع الله ورسوله فهذه تكاليف، صلاة وصيام، والتزام وصدق، ولا يوجد غيبة، ولا يوجد نميمة، وهو هذا الإنسان يعني لا يحب الالتزام كثيراً، أنا أقول لكم عن تفكير بعض الناس أنَّه إذا التزم التزاماً كاملاً يقول: والله أنا لا أستطيع ذلك، قال: يعني صلاة وصيام وزكاة وصدق وأمانة و..، والله شيء كثير، هو بهذا الموضوع يَخاف مِن التَّكاليف والالتزام بهذه التَّكاليف، لأنَّه رُبما يَرى أنَّ هذه التَّكاليف لا يَستطيع الالتزام بها جميعاً.

وأنا أقول لكم -أيها الإخوة-: إنَّ الله سبحانه وتعالى لم يَطلب مِنَّا العِصمة، العِصمة للأنبياء والمرسلين، ولَكن الله طَلَب مِنَّا الاعتصام، فقال: {وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ -قيل هو القرآن، وقيل هو الإسلام- جَمِيعَاً ولا تَفَرَّقوا}، طَلَبَ مِنَّا الاعتصام، والاعتصام هو التَّمسُّك بقوة، كَمَثَلِ إنسان مُمسِكٍ بِحَبل وَتَحته وادٍ عَميق، إن تَرَك هذا الحَبل هَلَك، فهو يتمسك به تمسكاً قوياً، ربما تأتي مَعصية يَضعف عندها الإنسان، وبالتالي يُصبح عِنده استرخاء في التَّمسك بالحبل، لكن فَوراً يَتَمَسَّك، لأنَّه إذا تَرك الحبل سَيَسقط وسيهلك، هكذا مَثَل الإنسان المؤمن، {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفَاً}، قَد يُخطئ وقد يُذنب، لكنَّ السِّمَة الأساسية للإنسان المؤمن طاعة الله ورسوله، والالتزام والاعتصام وليس العِصمة، ما أحد يَطلب مِنك العصمة، يطلب منك الاعتصام، ولكن لا عِصمة ولا اعتصام! تَترك نَفسك على هواها! انظر سوف تَصِل في يوم مِن الأيام إلى مَرحلة، هذه المرحلة تُصبح نفسك محركاً ومُوجهاً لك، ولا يَستطيع أحد أن يُوقف لك مُسلسل الآثام والمعاصي، قال أهل الله: [المواظبة على الصَّغائر والإكثار مِن الصَّغائر
-الذنوب الصَّغيرة- يخشى على صاحبه مِن الوقوع في الكبائر، والإكثار مِن الكبائر يُخشى على صَاحبه مِن سُوء الخاتمة]، والعياذ بالله، انتبه، الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {أَفَرَأَيتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه}، واللهِ آية جداً جداً صعبة، آية فِيها مِنَ التَّعبير القرآني العجيب، لأنَّ الله هو الذي يُوجهك، هو الذي يضع لك الطَّريق الذي تمشي به، هو الذي يُعطيك التَّعاليم للنَّجاة في الدنيا والآخرة، أنت استبدلت طريق الله بهواك، فأصبح الهوى إلهاً لك، القرآن هكذا يقول، الهوى: النَّفس الأمارة بالسُّوء، يَتبعها الإنسان كُلما أمرته نَفسه بمعصية يفعلها، يقول: في العمر بقية، الله يتوب علينا، غدا سأتوب، يقول: ما زلنا في أول شبابنا، {أَفَرَأَيتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه}، طيب ممكن يَكون هذا الإنسان جاهل، تتمة الآية: {وَأَضَلَّهُ اللهُ على عِلم}، يَعلم أنَّ مَا يَفعله خَطأ، فالله سمى الهوى المتبع إلهاً، هل ترُيد أيها الأخ المؤمن أن تجعل إلهك هواك؟! هذا طريق، أو أن تجعل الله عز وجل إلهك، هذا طريق، لا ثالث لهما، فانظر يا أخي المؤمن.

واعلم أنَّ كُلَّ ما يَفعله الغَرب الآن يَصُبُّ في خَانَةٍ واحدة، هي إضعاف إرادتك وتوجيهك إلى المعاصي والآثام مِن خلال كل وسائل الاتصال الحديثة، إضعاف العقيدة في النُّفوس، إضعاف الأخلاق في النفوس، إضعاف طاعة الله ورسوله في النفوس، فَتُحركك مواقع إلكترونية وقنوات فضائية، ويُحركك المال، فَتَنسى الأخلاق، ويُحركك بشعارات زائفة، كالحرية والعدالة، مِن أجل أن تنظر في عقيدتك الإسلامية فترى أن فيها أشياء -كما زعموا- مُخالفة للحُرِّية والعدالة، إضعاف العقيدة وإضعاف الأخلاق، ولا يكونان إلا عندما تَضعف طاعة الله ورسوله، أنت في حَربٍ، إمَّا أن تكون مع الغرب، وإما أن تكون مع الله، وسائل الاتصال الحديثة وكل ما هو حولك إنما هو سلاح ذو حَدَّين، فاستخدمه في طاعة الله ولا تستخدمه في معصية الله.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يَجعلنا وإياكم ممن يَقتدون ويتأسون بِسيِّد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، والله يا إخواننا به النَّجاة، لا يعني أنَّنا سَنَكون مَعصومين، لكن مُلتزمين، ملتزم لكن لست معصوماً، إذا خَرج الإنسان فوراً يَعود إلى الله سبحانه وتعالى، فإشكالية التَّطبيق سَببها ضَعف طاعة الله ورسوله في نفوسنا، والعلاج أن نُكثر مِن ذِكر الله، أن نُكثر مِن قراءة القرآن، أن نُكثر مِن الصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نُكثر مِن فتح فيديوهات الدُّروس والإنشاد على مواقع اليوتيوب ومواقع التَّواصل الاجتماعي، أن نَترك سفاسف الأمور على الوتس وعلى الفايبر وعلى الفيس، وأن نُعنى بكبائر الأمور، الأمور العظيمة، فكرة أعجبتك انقلها للآخرين، موضوع جميل عَمِّمه لكي ينتفع منه النَّاس بعد أن تتوثق منه، وهذا أهم شيء التَّوثق، يجب أن تنتهي هذه الأمة مِن هذه السَّخافات، وأن تنطلق الآن انطلاقة جديدة، وهذه الانطلاقة الجديدة تخرج مِن كُلِّ فَرد مِنَّا، كل واحد مسؤول، ليس مِن إنسان غير مسؤول، فإذاً هناك أشياء يجب أن نفعلها لكي نَتخلص مِن سيطرة الهوى والنفس، ونتخلص من ربقة المعاصي والآثام، أمَّا إنسان ربطه بحبل وألقاه في البحر يعني كيف سيتحرك هذا الإنسان، لا يستطيع السباحة، ولا يستطيع أنت عندما تقيدك المعاصي والآثام وتقول: والله أنا محروق من الداخل، أريد أن أكون طائعاً لله، طيب هنا الطَّريق، والله هذا الطَّريق صَعب، معنى ذلك أنَّك أنت لا تُريد مُشكلة، يَجب أن تَحلها بينك وبين نفسك، أن تتخذ قراراً صائباً، وهذه فرصة اليوم، يوم جمعة مبارك عند الله سبحانه وتعالى، الدعاء فيه مُستجاب، أفضل الأيام عند الله سبحانه وتعالى يوم الجمعة، فما أجمل أن تَعزِمَ اليوم أنَّك اتخذت القرار الصَّحيح بِأنَّه لن تَكون مع الغرب فيما يُريده وفيما يحاول أن يَفعله بك، لا تُريد أن تكون مع الشَّيطان، {إِنَّ الشَّيطان لَكم عَدُوٌّ فَاتخذوه عَدُوَّاً}، لا تُريد أن تَكون مع النَّفس الأمارة بالسُّوء، وأنت تُريد أن تكون مع الله، اتخذ هذا الخيار واستبدله بما قلنا مِن هذه الأشياء: قراءة القرآن، ذكر الله، الصَّلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم، أكثر مِن ارتياد مواقع الدُّروس، أهل الشام عندهم الآن دُروسهم كلها على الإنترنت، لا تُضَيِّع وقتك على الفَضائيات وعلى مَواقع التَّواصل الاجتماعي، صَاحِب الصَّالحين، إذا كان صَاحبك يَسحبك للمعاصي اتركه، واللهِ سَيَجُرُّك إلى النَّار وإلى أيضاً فَساد أمورك في الدنيا في الدنيا، لن تُوَفَّق ويوم القيامة ستكون فاشلاً، ثم بعد ذلك اذهب واحضر الدروس، يعني هذا لا يَذهب ولا يَحضر درس، والجوامع مليئة بدروس ومجالس العلم والذكر، هناك 700 دَرس بِدمشق الآن، لِكُلِّ العلوم، يريد يكون ناجياً وطائعاً لله ولا يَأخذ سبيل النجاة، مشكلةٌ يَجب أن تَحُلَّها بينك وبين نفسك.

استغفروا الله العظيم يغفر لي ولكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 831
تحميل ملفات
فيديو مصور