الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-04-29 الساعة 07:53:02
لماذا الأخلاق أولاً؟
الشيخ أحمد سامر القباني

19 من رجــــــــــــــــــــــب 1439 هـ - 6 من نـــــيــــســــــــــــــــان 2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فإنني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

سأل سائل مِن الإخوة في هذا المسجد: لماذا التركيز على مَوضوع الأخلاق؟ ولماذا أَطَّلتُم الحديث عن الأخلاق؟ ولماذا تُكررون في بِداية كُلِّ خُطبة أموراً مِن الخطبة السابقة؟.

والجواب أيها الإخوة بَعد شُكر هذا السَّائل الكريم عن أسئلته الإيجابية والجميلة، والتي تستحق أن نُجيب عنها فِيما وضعناه مِن خُطة في خُطب الجمعة في هذا المسجد وفي غيره مِن مساجد القطر العربي السوري، أقول أيها الإخوة: إِنَّ حَالة الأمَّة اليَوم لا يُمكن أن تُوصف، فَهِي بِقدرٍ مِن السَّلبية الكبيرة التي لم يَكد يمر زَمان على هذه الأمة كهذا الزَّمان، وإنما قُلت لم يكد يمر لأنَّه مَرَّ على هذه الأمة أزمنة فيها الكثير مِن الانحطاط والانحلال، وفيها الكثير مِن الضَّعف والتَّجزئة والتَّمزق والفرقة، والحقيقة أنَّ مَا تُعانيه الأمة اليوم بِحاجة إلى عَملية إصلاح شاملة، وما أشبه اليوم بالأمس، فالأمة اليوم كما تَرون على وسائل الإعلام وإن شِئت فافتح أيَّ قَناة إخبارية شِئت فَسَوف تجد أنَّه لا يُوجد مَشاكل مِن العنف والقتل والتَّدمير والخلل إلا في البلدان العربية والإسلامية، افتح القنوات الإخبارية: اليمن، العراق، سوريا، ليبيا، وبقية الكون يعيش في أمان وسلام، أليس هذا مَظَنَّة سؤال هام يجب أن يُطرح؟
لماذا الدُّول العربية والإسلامية؟ في الصومال، وفي ليبيا، وفي العراق، وسوريا واليمن، وغيرها مِن الدول، تُعاني مِن المشاكل، وأوروبا ليس فيها مَشاكل، وأمريكا ليس فيها مشاكل، والصين وروسيا وأمريكا الجنوبية، حتى إفريقيا يا رجل، مَشاكلها بالنسبة لِمشاكل الأمة العربية والإسلامية ما أهونها، هل ثَمَّة شَاكٌّ يَشكُّ أن هذا الذي يحصل جَاء عفو الخاط، اتفاقاً صدفة، أم أنَّ العاقل يَبحث عن الأسباب التي ولدت هذه المآسي في البلدان العربية والإسلامية؟!.

مَا أشبه اليوم بالأمس، حال هذه الأمة اليوم يُشبه حال الأمة عِندما دَخلت الفرنجة عبر حُروبها، وبَقيت مُحتلة للقدس أكثر مِن مئتي عام، حال الأمة اليوم نَفس حال الأمة في ذلك الوقت، وهناك كِتاب هام يَجب أن تقرؤوه أيها الإخوة، واسم هذا الكتاب "هكذا ظَهَرَ جِيل صلاح الدين" لماجد الكيلاني، مَا عنوان الكتاب؟ ابحثوا عنه في النت، مَوجود على النت، "هكذا ظهر جيل صلاح الدين"، كتب الكاتب في هذا الكتاب حَال الأمة التي كانت عليها، حتى استدعى ذلك دخول الفرنجة إلى بلادنا، واستطاعوا التَّغلب على كل هذه الأمة، يعني جاؤوا مِن آخر الدنيا مِن أوروبا، وانتصروا على الناس أهل الأرض وعلى الشعب أهل البلد في كل ما دخلوا إليه، كيف استطاعوا ذلك وعددهم ربما لا يتجاوز خمسين ألفاً أو سبعين ألفاً على بعض التقديرات، وفي تقديرات البعض مئة ألف؟! ألم يَكن يُوجد جَيش يَصُدُّ هذا الجيش في ذلك الوقت، حتى عاثوا في الأرض فساداً، وجعلوا المسجد الأقصى مَربطاً للخيل والإبل، وعَطَّلوا فيه الصَّلاة مئتي عام، تتصور أنت الصَّورة! المسجد الأقصى مَكان للإبل والأفرسة والأحصنة، مئتي سنة لا تُقام فيه الصلاة، تتصور أنت ماذا حَصَل للمسجد الأقصى، مئتي سنة خان للإبل، وبعد ذلك انتصروا على كل هذه الأمة يا رجل، حال تلك الأمة أو حال الأمة في ذلك الوقت كان كحال الأمة في وقتنا، رُبَّما نحن أَحسن حالاً بقليل منهم في ذلك الوقت.

أيهــــــــا الإخــــــــوة:

أولاً: كان هناك فَساد في الحياة الاجتماعية، فهناك قد شاع -وانظر الاجتماعية والسياسية، انظر كيف انتصر الفرنجة علينا، وكيف ظهر جيل صلاح الدين، كان هناك فَساد في الحياة الاجتماعية والسياسية- شاع -يقول الكاتب عبر تأريخ ووثائق لَيس كلاماً، وثائق وتأريخ- شاع مَفهوم العصبية في ذلك الوقت والعشائرية والإقليمية، العصبية: نحن مِن بلد كذا أنتم مِن بلد كذا، والمذهبية: نحن مذهبنا كذا أنتم مذهبكم كذا، والعرقية: نحن أكراد أنتم عرب، نحن أتراك نحن ... الخ، شاع وأصبح كل قوم يَعتزون بأنفسهم مَذهبياً عرقياً عشائرياً عَصبية عائلة، وتَفككت الأمة:

أولاً: أصبح هناك خمس ممالك عندما دخل الفرنجة عوض أن يَكونوا يداً واحدة كانوا خمس ممالك.

ثانياً: انهار في نفوس الناس مَفهوم الأمة العربية والإسلامية، لم يَعد هناك مَفهوم: أنا أعمل لصالح الأمة، لصالح الوطن، لصالح المجتمع، لكي تَكون هذه الأمة الإسلامية والعربية أمة قوية، أصبح كل إنسان يعمل لنفسه ولَيس للأمة، تَفرقة وتجزئة، مفهوم الأمة لم يعد أحد يفكر فيه، كحال الأمة اليوم، تفرقة وتجزئة، الدولة دولتين، والدولة فيها عشر دول، مَا يُريده أعداؤنا مِن الصهيونية العالمية ومَن وراءهم مِن الغرب المتصهين.

ثانياً: مَن يُفكر بيننا الآن بالأمة؟! دقيقتين وانتهى، ما هذه الأمة؟ أي أمة؟ وأي وطن؟ وأي بلد؟ لم يَعد هذا المفهوم سَائداً بين الناس، مصالحي الشخصية، ماذا أريد؟ أنا أين يَكمن المال الذي سأجلبه؟ كيف سأعيش؟ كيف سيمكن أن أَصِلَ إلى بيت وإلى سيارة وإلى مَزرعة وإلى تَرف، مَطالب شخصية مَشروعة لكن ضِمن مَفهوم الأمة، لا تَعزِل نَفسك عن الأمة، فَكِّر بِالأمة.

ثالثاً: تَدمير القامات الكبيرة، كان في وقتها القامات الكبيرة مُدمرة مِن كافة شَرائح المجتمع، العالم الجليل الفلاني، يقولون: مَن هذا، عالم جليل دَمِّره اِسحقه، هذا تاجر كبير اِسحقه، هذا قائد كبير اسحقه، تَدمير القامات الكبيرة في المجتمع، حتى لا يَبقى إنسان له كلمة، هكذا كان سَائداً في وقتها، ويتكلمون عن المثل العليا مِن أجل فقط التَّكسب، أنا مِن عند التَّاجر الفلاني، لِيَتكسب وليأخذ اسمه هو، القائد الفلاني، والعالم الجليل الفلاني، والشيخ الفلاني، والتاجر الفلاني، والوجيه الفلاني، تَحطيم كثير مِن القامات العلمية والنسبية، حتى ابتعد الناس عن محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن محبة آل البيت والصحابة في ذلك الوقت، عادي ماذا يعني؟ مَن هؤلاء؟ هكذا يَبدأ تَدمير الأمة، يُدَمِّرون مَبادئك وقيمك وقاماتك الكبيرة، يَسحقوها كما تَفعل اليوم الصهيونية العالمية.

كان هُناك فَساد في الحياة الاقتصادية، يَقول الكاتب: فلم يَعد يُنفق الناس على المصالح العامة للدولة والأمة، مشفى مثلاً، ماذا يعنيني فيه أُريد أن أعمر بيتي الآن، مستوصف، ماذا يعنيني فيه، مَدرسة، ماذا يعنينا فيها، هذا كله قبل أن يَظهر جِيل صلاح الدين، تَفكك الأمة، يقول: لم يَعد الناس ينفقون على المصالح العامة للأمة والدولة في ذلك الوقت، وكانوا يُنفقون الكثير على الشَّهوات والملذات الشَّخصية، بل ويتفننون في ذلك، هذه الأكلة كيف تطبخ؟ نُريد أن نضع عليها نصف كيلو صنوبر، جارنا لم يَضع نصف كيلو صنوبر، أنا أريد أن أضع نَصف كيلو صنوبر، يَتفنن في الملذات الشَّخصية والمتع الشَّخصية في ذلك الوقت، تَفنُّن التجار في رفع الأسعار، قال: حتى ارتفع سِعر الخبز وسِعر الدقيق ارتفاعاً كبيراً جداً في ذلك الوقت، وَعَمَّ الفقر بين الناس، وانتشرت المجاعات، المدارس العلمية في ذلك الوقت أصبحت مُبددة، لا يوجد علم، المجتمع مُفكك.

قام الغرب في ذلك الوقت بِدراسة هذه الحالة السياسية الاجتماعية العلمية الاقتصادية الثقافية للأمة، وعَلِمَ أنَّ هذا هو الوقت المناسب لِضرب الأمة، فضربوا الأمة في عُقر دارها، واليوم لا يَختلف حال الأمة عن ذلك الوقت.

السؤال: كيف ظهر جيل صلاح الدين بعد أن يَئست الأمة مِئتي سنة مِن أن تحرر القدس، وأصبح مَفهوم الأمة في الناس لا قِيمة له، كيف ظهر جيل صلاح الدين الأيوبي؟!.

ظَهرت الجامعات والمدارس في المدن والأرياف التي عُرفت في ذلك الوقت بالمدارس النظامية، نسبة إلى نظام الدين أو نظام الملك الوزير الذي بَقي في وزارته ثلاثين عاماً، نَشَرَ المدارس في المدن والقرى والأرياف البعيدة والقريبة، مدارس وجامعات، وكان لسيدي أبي حامد محمد بن محمد الغزالي حجة الإسلام تَعرفونه الإمام الغزالي ولِمَدرسته في التَّجديد والإصلاح الدور الكبير في إعادة الناس إلى المفهوم العقلاني المفهوم الفلسفي لِتَعاليم الشرع، وعبر كتابه "إحياء علوم الدين" وبقية الكتب التي ألفها في أصول الفقه وفي الفقه الشافعي وفي الفلسفة، وكان أَسَّسَ مَدرسة الإمام الغزالي، وهنا في الجامع الأموي يوجد زاوية اذهبوا لِزيارتها اسمها زاوية الإمام الغزالي، التي ألف فيها كتابه "إحياء علوم الدين"، هنا في دمشق كان لِمَدرسته وتلامذته دور كبير في صَحوة الأمة في ذلك الوقت، كذلك الشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، هذا الرجل الرباني الذي تُنسب إليه الطريقة القادرية في التَّصوف، بعد أن دَخَلَ التَّشوه إلى التَّصوف عاد مِن جَديد إلى المدرسة العرفانية، مَدرسة الحقيقة والشَّريعة، ونَشَرَ مَذهبه، وكل تلامذته في المستقبل أصبحوا هم أعيان المجتمع في كل مكان وفي كل صِنف مِن صنوف المجتمع، تلاميذه وتلاميذ الإمام الغزالي كذلك، اعتنوا في ذلك الوقت بالمرأة المؤمنة، فأصبحت تُدرس النساء في المدارس الجيلانية والسهروردية، وكانت النِّساء في ذلك الوقت تعَمل عملاً تربوياً داخل الأسرة وعملاً تربوياً خارج الأسرة.

هذا كلام المؤلف بالوثائق والتأريخ وأسماء الشَّخصيات، سوف تعودون إلى النت وتقرؤون هذا الكتاب، لكن أنا ألخص لكم مَفهوم: لماذا الأخلاق؟ ولماذا نخطب عن الأخلاق؟.

وكان هناك تنسيق بين مدارس الإصلاح والتَّجديد، لأن الفكر الإسلامي بِحاجة إلى تجديد في كل وقت، لَيس الإسلام وإنما الخطاب الإسلامي بحاجة إلى تجديد في كل وقت، أسلوب الخطاب، كيفية التَّعامل مع الناس، مع الوقائع، مع ما يَستجد مِن أمور وتطور في هذا المجتمع، كان هناك تَنسيق بين مدارس الإصلاح والتَّجديد، ووحدوا مَشيختها وصار هناك جُهود علمية كبيرة في كافة الاختصاصات: طب، هندسة، صيدلة، فلك، نحو، إعراب، لغة عربية، أصول فقه، فقه، تفسير، حديث، علوم الحديث، مصطلح الحديث، كل أنواع العلوم، أمة مَهزومة عكفت على التأليف وعلى نشر الوعي، كم تتوقعون دامت مُدة هذا الإصلاح حتى ظهر جيل صلاح الدين؟ كم تتوقعون؟ سنة أو سنتين أو ثلاثة أو عشرة؟ دام ذلك مئة عام، كم كم يَجب أن نَعمل إخواننا؟ نأمل مِن الله أن تعود هذه الأمة إلى رُشدها في وقت قريب، لأن ما يَتوفر في زماننا مِن مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة يَجب أن يَكون حافزاً كبيراً لنا إلى أن تَكون هذه الأمة العربية والإسلامية أمَّة مُوحدة لَيست ممزقة، نَأمل ذلك، لكن الإصلاح دام مئة عام، مئة عام مِن التجديد والإصلاح في النفوس، وَقِفْ عِند كلمة النُّفوس، تجديد وإصلاح في النُّفوس والأشخاص والأخلاق، تثبيت العقيدة في نفوس الناس، الآن تَرون انتشر الإلحاد، انتشرت أمور عقائدية خطيرة، مثل إنكار السنة النبوية الشريفة، انتشار الإلحاد فيما بين الناس، الدعوة إلى توحيد الأديان وجعلها ديناً واحداً، وهذه الدعوات الكبرى التي مِن ورائها الصهيونية العالمية، مِن أجل تدمير ديننا وعقيدتنا وأمتنا العربية والإسلامية، عقيدة وأخلاق، التركيز عليها.

وأنتم تعلمون -أيها الإخوة- أنَّ هُناك عامل أساسي لا يُمكن أن نَغض الطَّرف عنه:

العامل هو: إرادة التَّغيير، هل إرادة التغيير مَوجودة؟ يعني هذا مَا يُعرف اليوم بإشكالية التَّطبيق، هل نُطبق، يعني جِئنا حَضَّرنا خطبة الجمعة، الأخ السَّائل الله يجزيه الخير كَلامه جميل: لماذا الأخلاق؟ ولماذا التركيز؟ ولماذا التكرار؟ ولماذا ...؟ طيب السؤال الآن: تكلمنا مثلاً عن حُكم اللسان: الغيبة، النَّميمة، تكلمنا عن موضوعات كثيرة أخلاقية، السؤال: هل طَبَّقنا؟ الإشكالية لَيست في الخطاب، أحياناً تكون في فهم الخطاب، طَيِّب صَدَرَ الخطاب صَحيحاً وفُهم صحيحاً، أصبح يوجد إشكالية ثالثة في تَطبيق ما فَهمته، حتى قال ذلك الصهيوني: {العرب أمة لا تقرأ، وإذا قرأت فإنها لا تَفهم}، هذه إشكالية الخطاب وإشكالية الفهم، {وإذا فَهمت فإنها لا تُطبق}، ويقول الآخر: عندما ترى عدد المسلمين في صلاة الفجر في المساجد كعدد المسلمين في صلاة الجمعة اعلم أن الغرب أصبح في خَطر وأن الصهيونية أصبحت في خطر.

سؤال: لماذا الفجر هو لا يُريد كلمة صلاة الفجر إخواننا، هو يريد قوة الإرادة وإرادة التغيير عندك، إرادة يعني هناك أشخاصاً لا يُريدون أن يُغيروا أنفسهم، يا أخي لماذا يَضعون المشكلة في الخطاب وفي فهم الخطاب، أنت فَهِمت الخطاب وسمعته، كلام الله وكلام رسوله سمعته، المشكلة هي في التطبيق،
يعني في إرادة التَّغيير، عِندك إرادة؟ اليوم كل مواقع التواصل الاجتماعي الجهة السَّلبية فيها تَعلمون، هذا الشيء سلاح ذو حدين، مثل السِّكين، يُمكنك أن تُقشر فيها فاكهة وأن تَقطع فيها لحماً وتطهو اللحم فتأكله، ويمكن أن تَقتل بها إنساناً، الأمور السَّلبية لِمواقع التَّواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة والفضائيات بالآلاف المنتشرة، السَّلبية أنها تُفقدك الإرادة.

قبل موضوع فساد الأخلاق يوجد مُشكلة لا يَفهمها أجيالنا شبابنا وبناتنا ورجالنا، في شيء اسمه العمل على إضعاف الإرادة والهمة عند الأشخاص، يتخذ قراراً وبعد خمس دقائق يُغيره، أنا أريد أن أُصبح مُستقيماً، في اليوم الثاني يتراجع، لا يوجد إرادة، الإرادة عبارة عن قوة كامنة تنبع مِن التفكير، تنبع مِن القلب، التفكير السليم، القلب الذي مُل مِن البعد عن الله سبحانه وتعالى، والانغماس في المعاصي، وتكرار الآثام والمعصية كل يوم، القلب الذي يُريد أن يُصبح طاهراً نقياً، يعمل للأمة لا يعمل لنفسه فقط، يعمل للأمة، الفكر أن يُفكر جيداً، لماذا أوجدت هذه السلبيات في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديث؟ لماذا حصنوا أجيالهم في الغرب وأرسلوها لنا؟ مِن أجل أن يَضربونا في عُقر دارنا، في عُقر أسرتنا، في عُقر أفكارنا، أفكارنا، أفكارنا، تصرفاتنا.

ونحن نعيش كل يوم سُعداء، أهلاً وسهلاً بالحبيب، أهلاً وسهلاً مولانا، على أي شيء يا أخي أنت سعيد، على تدمير الأمة، تمزيق الأمة؟! هذا الحال الذي تعيشه الأمة، أنا لا أتكلم أن يُصبح الإنسان عبوساً قمطريراً، أبداً، لكن أن يَكون هناك جِدِّيَّة في التَّعامل مع وَضع الأمة في التَّغيير وإرادة التَّغيير، هذا أمر هام أيها الإخوة.

والله يُمزقنا مِن الداخل لا يُوجد اكتراث واهتمام بحال الأمة اليوم، بحال الوطن، بحال البلاد، بحال المجتمع، نفسي نفسي، لَن تنهض هذه الأمة بهذه الطريقة، يَجب أن يَكون هناك عمل فردي يُؤدي إلى عمل جماعي، يُؤدي إلى نهضة أمة، فأنت إنسان مُهم، شخص مهم في المجتمع، المشكلة أنك لا تَقدر لِنفسك قدرها، مَن أنا؟ ماذا أستطيع أن أعمل؟ صَح أنت تقول ذلك وأنا أقول ذلك والثالث والرابع، وبعد ذلك كل إنسان يُلقي المسؤولية على الحكام، وعلى وسائل الإعلام، وعلى التجار، وعلى الأشخاص، وأنا وأنت نجلس طوال حياتنا بنقض غيرنا، ما هكذا نهضت الأمة، وما هكذا ظهر جيل صلاح الدين، ظهر بالتركيز على التربية الأخلاقية والسلوكية والعلمية، وأنتم تعلمون أن أول كلمة نَزلت في ديننا (اقرأ)، وتعلمون أنها كُرِّرَت مرتين، وأن (علم) ذُكرت مرتين، وأنَّه ذُكر (القلم) فِيها، هذا لَيس عبثاً.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة ليس هناك هَمُّ عِنده إلا التركيز على العقيدة والأخلاق، الصوم شُرع في المدينة، الزكاة في المدينة، الحج في المدينة، البيوعات في المدينة، الشركات في المدينة، الزواج الطلاق الأحوال الشخصية كلها في المدينة، يعني ديننا 95% مِنه شُرع في المدينة، طَيِّب ماذا كان يَعمل سيدنا الرسول 13 سنة في مكة؟ سؤال يَدعو إلى التفكر، كان يُركز على الأخلاق، أخلاق الناس وعقائد الناس فقط، الصلاة مِن أركان الإسلام، شُرعت فقط في مَكة يَوم الإسراء والمعراج، والباقي كله في المدينة، إذاً رسول الله يقول لك: أولاً: الأخلاق، لأنها جزء من الإيمان، والإيمان جزء من العقيدة، أو الإيمان هو العقيدة. وثانياً: تعال لِنتكلم في العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، والقضاء، وأدب القاضي، وما شئت أن تَتكلم فيه.

لذلك -أيها الإخوة- لا نتكلم جمعتين وثلاثة وشهر عن الأخلاق، نُريد أن نتكلم عشر سنين عن الأخلاق، المشكلة لَيست في الكلام يا سادة، ولا في التكرار، لكي يحفظه هؤلاء الأطفال، نحن نُكرر، هذا شعار، أتعلم ماذا يعني شعار، أنت شعار، شعار يجب أن تكرره 200 / 300 / 5000 / 10000 / 100 ألف مرة، الأخلاق، الأخلاق، الأخلاق، إلى أنَّ هذا الصغير عندما يُصبح عمره عشرين سنة تَكون مَحفورة كلمة الأخلاق في رأسه، لماذا نُكرر ونَتكلم عن الأخلاق، نريد أن نتكلم عشر سنين عن الأخلاق، وعشرين سنة، هذا الجيل اليوم بِحاجة إلى أن تَبحث معه آلامه، وسوف تجد أن مَربط الفرس عند الأخلاق، يَفتقد الأخلاق في مجتمعه وفيمن حوله.

الأخلاق جزء وركن هام أيها الإخوة، هذه الأمة يَجب أن تَنهض، ولكن العمل سيطول، يَجب أن يتم التركيز على كثير مِن المفاهيم الأخلاقية والعقائدية لهذه الأمة، لأن عدونا شرس، الصهيونية العالمية تُريد أن تُحاربنا بأقصى ما تَستطيعه مِن الأدوات الفكرية والإعلامية وليس فقط العسكرية والسياسية، العسكرية والسياسية نتركها للقادة هم أدرى بشؤونهم.

السؤال: ماذا فعلنا نحن في الأمور الفكرية والأخلاقية والعلمية؟ يعني هل إذا تَخرج الطالب وتَخصص يَعود إلى بلده لِكي يَخدم وطنه وبلده، أم يبقى هناك ويُعطونه راتب 30 ألف دولار في الشهر؟ ما هذا المفهوم؟ طبعاً لا نُنكر أن هناك أناساً أخياراً مِن كافة فئات المجتمع، وإلا لَمَا صَمَد هذا الشعب السوري والمجتمع السوري لما صَمَد، نحن نتكلم عن الأمة العربية والإسلامية كلها وليس فقط عن سوريا، انتبهوا، لكن صَمَدنا بهؤلاء الأخيار، لكن المفهوم في النفوس على ماذا نُربي أبناءنا، نحن في البُيوتات أنت وأمهم على ماذا تُركزون في التربية، ماذا تُكررون على مسامعهم، ماذا تَتصرفون أمامهم، لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، هكذا ظهر جيل صلاح الدين، لَيس كلمة صَغيرة عملوا مئة عام ونحن سنعمل، لكن رجاؤنا بالله كبير أن يَكون ذلك في وقت قصير، وما ذلك على الله بعزيز، وجملة الأمر وعموده -أيها الإخوة- قول الله سبحانه وتعالى: }إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم{، والآية الثانية: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَـمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم{، واللهِ كُنَّا في نعيم في هذا البلد، أُقسم بالله كان هذا البلد يَعيش في نعيم، الذي لم يَكن عنده بيت أصبح عنده بيتاً، الذي كان عنده بيت اشترى سيارة، والذي عنده بيت وسيارة بدأ يَبحث عن قطعة أرض لِيَبني مَزرعة، والذي عنده مزرعة أنشأ مَعملاً، وكانت سندويشة الفلافل بــ 10 ليرات، وكانت تنكة المازوت بــ 120 ليرة، وتنكة البنزين بــ 400 ليرة، مِثل المنام أقسم بالله، مِثل المنام إخواننا، نِعَمٌ لا تعد ولا تحصى، خيرات في البلاد وعند العباد، كان هناك نِعمة، كيف تغيرت النِّعمة، قال: تَغَيَّرت نفوس الناس، اترك السياسات يا حبيبي الله يرضى عليك، اترك السياسات ووسائل الإعلام، أنا عِندي الله لما يَقول القرآن شيء هذا يَكون قانون: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَـمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم{، لأننا تَغيرنا تَغيرت النِّعمة.

نسأل الله تعالى أن يُعيد هذه الأمة إلى رُشدها.

اللهم احقن دماء المؤمنين والمسلمين في بلاد العرب والمسلمين.

اللهم أعد نعمة الأمن والأمان إلى هذه الأمة، واجعل هذه الأمة أمة قوية تَنشر العدل وتنشر التَّسامح في هذه الكرة الأرضية وفي هذا الكون يا أكرم الأكرمين.

اللهم زكِّ نَفوسنا فأنت خير من زكاها.

اللهم إنا نسألك أن تكرمنا بأن تُعيد لهذه الأمة رُشدها، عبر شبابها وبناتها ورجالها ونسائها، يا رب العالمين.

يا ربي أنت أكرم مسؤول، إذا يَئِسَ الناس فلا نَيأس يا رب، إذا قنط الناس فلا نقنط، لنا في حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، ونَوَينَا في هذا اليوم التأسي والاقتداء بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تُخيب رجاء كل فرد بَيننا، أعطِ كل واحد مِنَّا سُؤله فيما يُرضيك عنا، وحقق لِكُلٍّ مِنَّا أمله يا أكرم الأكرمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 956
تحميل ملفات
فيديو مصور