الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-06-06 الساعة 10:48:32
فضائل النصف من شعبان
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 8 من شعبان 1438 هـ - 5 من أيار 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة, وعمنا جميعاً بفضلك الكبير.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: فإن لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، كما قال علماؤنا الأثبات وهذا أخذوه مِن مَعين الهدي العظيم الذي اهتدينا به في هذا الدين من كتاب الله عز وجل وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن الأزمنة الخاصة عند الله سبحانه وتعالى ليلة النصف من شعبان، وها نحن ذا قد شارفنا على هذه الليلة المباركة، هذه الليلة التي فيها مِن المزايا والعطايا الكثير الكثير، الذي لا ينبغي على المؤمن أن يُضيع فيه ذلك الأجر العظيم والثواب الكبير، بل يجب عليه أن يَغتنم كل لحظة مِن لحظات هذه الليلة المباركة، ليلة النصف من شعبان هذه الليلة وردت فيها أحاديث كثيرة في فضلها، وقبل أن أبدأ بالحديث عن فضل هذه الليلة والأحاديث الواردة فيها، لا بد أن أُذكر حضراتكم وهو أمر تعلمونه جيداً ولكن: )وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ( ]الذاريات: 55[، )فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ( ]الغاشية: 21[، أن هذه الليلة المباركة في قول قوي لأهل العلم هي الليلة التي تحولت فيها القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يُصلي اتجاه القبلة يصلي إلى بيت المقدس، فكان اليهود يغيظون المسلمين بقولهم: (يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا)، لأن اليَهود يُصلون إلى بيت المقدس إلى المسجد الأقصى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقلب وجهه في السماء ويدعو الله عز وجل أن تتحول القبلة إلى الكعبة المشرفة إلى بيت الله الحرام، فتحولت القبلة مِن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام على قول قوي جداً في ليلة النصف من شعبان، ولعلكم زُرتم تلك البقاع المقدسة وزرتم في المدينة المنورة مسجداً يسمى مسجد القبلتين، فمسجد القبلتين هو مسجد كان يُصلي فيه المسلمون باتجاه بيت المقدس، فجاء واحد من الصحابة وأخبرهم بأن القبلة تحولت إلى بيت الله الحرام، فتحولوا إلى بيت الله الحرام وإلى الكعبة المشرفة، وسمي ذلك المسجد بمسجد القبلتين، فهذا الحدث العظيم يَدل على أن بيت المقدس مِن البقاع المقدسة العظيمة في نفوس المسلمين، وأن بيت الله الحرام كذلك، وكلكم يَعلم كم مِن الأحاديث الصحيحة ورد في فضل الصلاة في هذه الأماكن، وكيف أن الصلاة في بيت الله الحرام بمائة ألف، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف، وفي المسجد الأقصى الصلاة فيه بألف صلاة، رزقنا الله وإياكم الصلاة في المسجد الأقصى بعد أن ينتهي ذلك العدوان الغاشم الصهيوني على فلسطين الحبيبة، قولوا آمين، إن شاء الله ربي يكرمنا جميعاً بالذهاب إلى المسجد الأقصى بإذن الله.

هذه الليلة -لا أريد أن أطيل الحديث عليكم- ورد في فضلها أحاديث كثيرة، ولها أسماء كثيرة، فمن أسماء هذه الليلة أنها: ليلة البراءة، وليلة الدعاء، وليلة القسمة، وليلة الإجابة، والليلة المباركة، وليلة الشفاعة، وليلة الغفران، وليلة العتق من النيران، ذُكرت لها أسماء كثيرة باعتبار الأحاديث الواردة في فضل هذه الليلة، وكل الأسماء التي ذَكرناها لهذه الليلة سيتضح معناها بعد قليل مِن خلال الأحاديث التي تحدثت عن فضل هذه الليلة.

الحديث الأول: الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وابن أبي شيبة في مصنفه، أخرجوا عن سيدنا الصحابي الجليل أبي ثعلبة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يَطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين))، الذين يَجحدون وُجود الله، وهذه الدنيا صُدفة، وهذا الخلق خُلق صدفة، لا إله والحياة مادة، يجحدون وجود الله، ((فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يَدَعُوه))، هناك عموم وهناك استثناء من هذا العموم, العموم ورد في كل الأحاديث، وكلها صحيحة، ((فيغفر للمؤمنين))، المؤمنين في اللغة العربية جمع مذكر سالم بزيادة الياء والنون، "الـ" في اللغة العربية "الـ" الجنسية، فإنها تدل على الاستغراق والعموم، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم ((فيغفر للمؤمنين)) أي لكل المؤمنين، هذا العموم والاستثناء قال جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه))، كل إنسان في قلبه ذَرة حِقد على مسلم وعلى مؤمن فإنه لا يُغفر له في ليلة النصف من شعبان، وانظروا إلى هذا الاستثناء لأنه مُهم جداً.

الحديث الثاني: وفيه العموم الأكبر، وهذا الحديث نفسه أيضاً في رواية ابن حبان، وراويه أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه))، الحديث الأول: ((فيغفر للمؤمنين))، الحديث الثاني: ((فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن))، نُلاحظ بعد العموم (جميع) مِن أدوات العموم، ثم: ((إلا لمشرك أو مشاحن))، إذاً ((يُؤخر أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه))، وفي الحديث الثاني المشاحن لا يُغفر له في ليلة النصف من شعبان، مَن المشاحن؟ المشاحن الذي يُحب الهذر، والذي يُكثر من الحديث بلا فائدة، والذي يتكلم بكلام يُورث الشحناء والبغضاء في نفوس المؤمنين، ويَضع الحقد في ألبابهم، هذا الإنسان إنسان مُشاحن، عنده من الشحناء والبغضاء والقيل والقال، الذي يتسبب بالحقد فيما بين الناس، ما يجعله عُرضة لانتفاء المغفرة عنه، ما يُغفر له، هذا الإنسان مُشاحن لا يغفر له في ليلة النصف من شعبان، ((إن الله -يقول عليه الصلاة والسلام- إن الله كَرِهَ لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))، قيل وقال، وكثرة السؤال، كثرة الكلام، ((إني زعيم -يقول عليه الصلاة والسلام- ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً))، الجدال لا يُورث إلا الحقد في النفوس، لا يُورث إلا البغضاء في النفوس، المراء: الجدال، وهو كل ما يُورث شحناء وبغضاء وحقد في نفوس المؤمنين، جاء الإسلام فنهى عنه.

الحديث الثالث: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وابن ماجه كذلك في سننه، عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: فَقَدتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الليالي، نَظَرَتْ في الفراش كانت نائمة فلم تجد رسولَ الله، هؤلاء النَّساء تَخاف الواحدة مِنهن لَمَّا يَكون الرجل مُتزوج لأكثر مِن زوجة أن يتركها الزَّوج في الليل ويَذهب إلى الزوجة الثانية، والسيدة عائشة بَشَر، فهي ظَنَّت أنَّ رسول الله تركها وذهب إلى إحدى نسائه، فخرجت تبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فإذا هو بالبقيع، وكلكم يَعرف البقيع الذي دُفن فيه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ودفن فيه آل بيته، فإذا هو بالبقيع رافعاً رأسه يَدعو، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أَخِفتِ يا عائشة أن يَحِيفَ عليك رسول الله؟!))، أي أن يَظلِمَكِ رسولُ الله، فرسول الله أَعلمه الوحي، وهذا أمر يُدرَكُ ربما بكثير أو بقليل مِن الفهم عند الرجال، أن المرأة جُبلت على الغيرة، خِفتِ أَنَّنِي رُبَّما ظَلمتُكِ فذهبت في ليلتك إلى زوجة أخرى؟! ((يا عائشة، هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر مِن عدد شعر غنم كلب))، قَبيلةُ كلب كانت مَشهورة عند العرب بكثرة الشِّيَاه وكثرة الجمال، والشعرة في جِلد هذه الشاة جلد هذا الخروف الشعرة ربما يُوجد في الجلد الواحد مَلايين من الشعرات، وإذا كان عِندهم مِئات الآلاف وألف ألف مِن الأغنام فَاضرب مِليون بملايين، يَغفر الله في هذه الليلة لمليارات النَّاس، باختصار لمليارات الناس يَغفر في ليلة النصف من شعبان.

الحديث الرابع: أخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان، -يُخاطب رسولَ الله سيدُنَا جبريل- هذه ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء مِن النار بعدد شعور غنم بني كلب، -أي مليارات باختصار- لا يَنظر الله فيها -ليلة النصف من شعبان- إلى مشرك ولا إلى مشاحن، -أصبح لدينا الحاقد والمشاحن، كلامه يُورث الشحناء، يمشي بالنميمة بين الناس، والآن جاءت استثناءات أُخرى مِن المغفرة- ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم، -لا يغفر له قاطع الرحم في ليلة النصف من شعبان- ولا إلى مُسبِلٍ -ما معنى مسبل؟ مَن أسبل ثوبه إذا أطال ثوبه وجعله يمشي معه على الأرض، والمقصود فيه المتكبر، الإنسان الذي يُسبل ثيابه كبرياء وعظمة، والعظمة والكبرياء لله، فمن نازع الله في هاتين الصفتين قسمه الله ولا يبالي، هكذا ورد في الحديث القدسي الصحيح، المتكبر لا يُغفر له في ليلة النصف من شعبان- ولا إلى عاق لوالديه -الذي فيه عقوق لأبيه أو لأمه لا يغفر له- ولا إلى مدمن خمر)) -الذي يُدمن على تعاطي الخمر أيضاً لا يُغفر له في ليلة النصف من شعبان- تقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً، أي في ليلة النصف من شعبان، أطال القيام وأطال السجود، ومن هُنا جاءت مَشروعية قيام ليلة النصف من شعبان، وقد ذكر ذلك غَير واحد من الأئمة الأعلام، أخذاً مِن هذه الأحاديث الصحيحة أن يَقوم الإنسان في هذه الليلة، أنت إذا جاء إليك تَاجر وقال لك: معك عشرة آلاف، فقلتَ له: نعم، قال: هل ممكن أن تُعطيني إياها يوم واحد وثاني يوم تأخذها عشرة ملايين، هل ترفض هذا العرض؟! أي عاقل يَرفض هذا العرض الذي قدم له؟ لا أحد يرفض مثل هذا العرض، ليلة واحدة تَقومها يُغفر لك، لكن تخلص مِن هذه الأشياء إذا كنت واحداً منها، مِن هذه المستثنيات، فلذلك نقوم ليلة النصف من شعبان؟ طبعاً نقوم، رسول الله قامها صلى الله عليه وسلم كما ورد في الأحاديث الصحيحة، قالت: (فقام رسول الله فسجد ليلاً طويلاً)، هكذا لفظ الحديث، أطال مِن قيام الليل، وأطال من السجود، وفي رواية أنها ظنَّت السيدة عائشة -عند البيهقي في شعب الإيمان- أنَّه قُبض رسول الله، أنَّه مات، كما حصل مع كثير من الصالحين رضي الله تعالى عنهم، منهم الشيخ سعيد الأحمر رحمه الله، توفي في صلاة الفجر وهو ساجد، كم هو جميل أن يُقبض الإنسان على عمل صالح، تنتهي حياته بعمل صالح، وهو يعبد الله سبحانه وتعالى، وكثير مِن سلفنا الصَّالح قُبض وهو في الصلاة وهو ساجد، رحم الله العلامة الدكتور البوطي لما قَاموا بحمله بعد ذلك التفجير الغاشم، وهذا يعرفه أبناؤه وتلاميذه هم الذين رَوَوا ذلك، كان على قيد الحياة رحمه الله، قال لهم: أنزلوني إلى الأرض، كان واعياً سيدنا الدكتور سعيد رحمه الله، قال: أنزلوني إلى الأرض، فأنزلوه إلى الأرض فسجد، فسقط وهو ساجد، قُبض وهو ساجد، وكثير مِن سلفنا الصالح مِن الصحابة من التابعين من الأولياء والصالحين، قُبض وهو ساجد، فالسيدة عائشة ظنَّت أن النبي صلى الله عليه وسلم مِن طول سجوده قُبض، قالت: فَحَرَّكت إبهامه قالت: فتحرك، فَعَلِمتُ أنَّه حَيّ، قالت: فسمعته يقول في سجوده: ((أعوذ بعفوك من عقابك))، يَدعو اللهَ عز وجل: ((يا رب أعوذ بعفوك مِن عقابك، ونعوذ برضاك من سخط، وبمعافاتك مِن عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك))، هل نَعلم معنى هذا الدعاء؟ عِقابُ الله مَن يُنجيك منه إذا نزل؟ هل يُوجد أحدٌ مِن البشر قادر على أن يُعيذك، يعني يحميك مِن عقاب الله إذا نزل؟ لا يوجد أحد، مَن القادر فقط على أن يحميك مِن عقاب الله إذا نزل؟ الله، هذا معنى الحديث، ((أعوذ برضاك مِن سخطك))، أي إذا سَخِطَ الله مَن الذي يَستطيع مِن البشر أن يُرضي اللهَ عنك؟ لا أحد يا رب، أنت تقول له: يا رب لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، كما ورد في الحديث، أي يا رب نحن نازلون بالأعتاب، نقرع الباب، ويُوشك مَن قرع الباب أن يُفتح له، أَدْمِنْ قَرعَ الباب بالسجود وكثرة الدعاء، ولا بُدَّ أن يُفتح لك الباب، باب المغفرة والرحمة، يا رب أنَّا أعوذ برضاك مِن سخطك، إذَّا نَزَلَ سَخَطُكَ فأرجوك يا ربِّ، وأدعوك أن يَكون رضاك عني هو الذي يَدفع هذا السَّخط عني، تقول: فسمعته يقول: ((أعوذ بعفوك مِن عقابك))، عندما ينزل العقاب يا رب أَنَا أُريد عفوك، لا أريد أحداً مِن البَشَر، ما أحد مِن البشر قادر على أن ينقذني غيرك، ((أعوذ بعفوك مِن عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك -جل وجهك- لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك)).

هذه بَعض الأحاديث التي وردت في فضل ليلة النصف من شعبان, والسؤال الآن: بما أن أهل الحقد لا يُغفر لهم، وأن المشاحن الذي في قلبه الشحناء ويمشي بالشحناء بين المسلمين وبين المؤمنين لا يُغفر له, وكذلك القاطعُ للرحم، وكذلك المتكبر، وكذلك العاق لوالديه، وكذلك مُدمن الخمر، وكذلك الذين يَجحدون وجود الله، بما أن هؤلاء لا يُغفر لهم، يَجب على كل مُؤمن أن يُراجع حساباته، لعلي أكون واحداً مِن هؤلاء وأنا لا أدري، كيف؟ تصدر عن الإنسان المؤمن أحياناً أفعال يتكبر فيها ولا يشعر أنه تكبر، هو مَن رآه خارجاً تصرف هذا التصرف يقول: إنه متكبر، ما هذا الإنسان المتكبر المتعجرف، هو ربما لا يَستيقظ لا يتفطن لا يشعر بأنه تكبر على الناس، بفعل مِن الأفعال، ببعض من الكلمات، فالإنسان يجب أن يتخلى عن كل ذرة من الكبر، لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))، الذي عنده تَكبر ولو ذرة لا يدخل الجنة، وكذلك لا يُغفر له في ليلة النصف من شعبان.

العاق لوالديه، ربما أنت أزعجت والديك بفعل مِن الأفعال، بحادثة من الحوادث، ببعض من الكلام ببعض الكلمات، أسأت فيها وشعرت وقتها أنك أسأت ولم تعتذر، وشعرت أن قلب أبيك أو أنَّ قلب أمك تغلظ عليك مِن جراء هذه الحادثة أو مِن جراء هذه الكلمة، يجب أن تذهب وتُمسك بيد أبيك وأمك وتقبلهما، وتنزل إلى قدم أبوك وأمك وتقبل أقدامهما، وتقول لهم: سامحوني، أنا ربما في ذلك اليوم انزعجتم مني، فأنا أعتذر، أرجوكم، أرجو أن تقبلوا اعتذاري، هذا أبوك وهذه أمك، )وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ( ]الإسراء: 24[، أقبّل قدما أبي وأمي، والله أنا أعرف شباب مرضيين، والله لا يَرضون إلا كل ما دخل وكل ما خرج يُقبل يد أبيه، والده مريض، لكن أليس هذا ذُل؟ وربنا لا يُحب الذُّل، ربنا قال لك: )وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ(.

الكبر، عقوق الوالدين، قطع الرحم، كل ذلك يجب أن تتخلص منه قبل أن تأتي ليلة النصف من شعبان، موسم خير، قُمْ ليلة واحدة تُغفر ذنوبك كلها، حتى ناقش العلماء أنَّه في ليلة النصف مِن شعبان تُغفر الصغائر والكبائر؟ قال: تُغفر الكبائر، فلديك موسم قوي، ناقَشوها لأنَّه ورد أحاديث: ((رمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والصلاة إلى الصلاة، مُكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر))، لكن ليلة النصف من شعبان قال هذا العموم يُفيد أن الله يَغفر كل شيء، فموسم عظيم، ليلة واحدة وفيها كل هذا الأجر والثواب من الله؟ نَعَم، لكن نحن -أيها الإخوة الكرام- رُبما كان في نُفوسنا حقد، يَحقد أحدنا على أخيه، ويَحقد الشريك على شريكه، ويَحقد بعض الأصدقاء على أصدقائهم، بسبب فعل فعلوه، فيجب أن نتخلص من هذا الحقد.

طيب يا أخي أساء لي، أساء لك؟ نعم أساء لك، أنت بادل إساءته بالإحسان، كيف؟ سَامِحهُ، كما علمنا مشايخنا، أننا عندما نَأوي إلى الفراش بعد أن نَقرأ الأذكار الواردة في السُّنة، نَضع رأسنا على الوسادة، نقول: (اللهم إني أُشهدك أني قد سامحت كل مَن أساء إلي، فألهم كل مَن أسأتُ إليه أن يُسامحني)، الإنسان يعيش سنوات طوال، وكل يوم تمر معك أحداث كثيرة، أنت تُحصي وتَعلم كل إنسان أسأتَ له ولو بكلمة أو بنظرة، ليس كل الناس عندهم إحصاء، طَيِّب هُناك أُناس أسأتَ لهم وإلى الآن لم يُسامحوك، كيف ستأتي يوم القيامة يُوقفونك عند الميزان، يوجد في وزن أعمال يا أخي يوم القيامة، قال بهذا الدعاء ربما ربي عز وجل بما أنك سامحت كل مَن أساء إليك وسوف يُلهم الله كل مَن أسأتَ إليه أن يُسامحك، وهذا مِن مَعين النبوة ليس كلام مشايخ وعلماء فقط، لا يأتي المشايخ والعلماء بالكلام مِن تلقاء أنفسهم.

لذلك أختم الخطبة بهذا الحديث الذي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، والدار قطني في سننه، وعبد الرزاق في مصنفه، والكثير مِن الحفاظ تكلم عليه، الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، وكذلك الحافظ المزي وابن حجر، وهذا الحديث صحيح، هذا الحديث يَرويه سيدنا أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة))، كانوا في المسجد ينتظرون صلاة الفجر، فقال عليه الصلاة والسلام: ((يَطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة))، يقول سيدنا أنس: فَدَخل رجل يَقطر الماء مِن لحيته مِن وُضوئه، قال: وقد عَلَّق نعله بشماله، قال: فصلى مع الناس ثم انصرف، قال: فلما كان الغَد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة))، يقول سيدنا أنس: فَدَخَل ذات الرجل، قال: فلما كان اليوم الثالث قال عليه الصلاة والسلام: ((يَطلع الآن عليكم رجل مِن أهل الجنة))، قال: فدخل هذا الرجل فصلى، قال: فلما انصرف مِن صلاته ثالث يومٍ جاء سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: جاء إلى هذا الرجل، قال: إني لاحَيت أبي -تجادلت معه- فَحلفتُ أن لا أكلمه ثلاثاً ولا أبيت عنده، فهل لي أن أُقيم عندك هذه الثلاث حتى تنقضي؟ قال: فقال لي: هَلُمَّ، قال: فأقمتُ عنده ثلاثة أيام بلياليها، فما رأيت منه كثير صلاة ولا كثير صيام، قال: فلما كان اليوم الثالث قلت له: ما رأيت منك كثير صلاة ولا كثير صيام، فقال: نعم، هو ما رأيت، قال: -غير أنه نَسيتُ قطعة مِن الحديث- غير أنه إذا قام مِن الليل يَتقلب في فراشه ذكر الله، قال: فقلت له: ما رأيت منك كثير صلاة ولا كثير صيام، قال: هو ما رأيت، ولم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة))، فدخلتَ أنت، قال: هو ما رأيت، إلا أنني أَبِيتُ كل ليلة أَبِيتُ ولا أحمل حقداً على مؤمن، ولا أحمل لمؤمن غلاً ولا حسداً.

بهذا الصَّدر السَّليم دخل هذا الرجل الجنة، فأخذوها علماؤنا لما قالوا: كل ليلة الله يرضى عليكم قبل أن تناموا بعد أن تَقرؤوا الأوراد تقولوا: اللهم إني أشهدك أني قد سامحت كل مَن أساء إلي، فألهم كل مَن أسأتُ إليه أن يُسامحني، أخذوه مِن هذا الحديث ومن غيره.

الحديث الأخير: هو حديث رائع، أخرجه ابن ماجه في سننه، عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: مَن أفضل الناس؟ فقال: ((كلُّ مَخمومِ القلب صدوق اللسان))، قالوا: يا رسول الله، قد عرفنا صدوق اللسان، فما مخموم القلب؟ قال: ((التقي النقي، الذي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غِلَّ ولا حسد فيه))، الذي قلبه وسريرته طيبة وجميلة تجاه كل الناس وتجاه كل الخلق، هذا أفضل الناس، ((مخموم القلب صدوق اللسان)).

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم مِن هؤلاء، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1106
تحميل ملفات
فيديو مصور