الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-05-30 الساعة 09:10:30
رمضان دورة تدريبية لحسن الخلق
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 22 من شعبان 1438 هـ - 19 من أيار 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا الله, وعمنا جميعاً بفضلك الكبير.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربِّ من حَصَر وعيٍّ *** ومن نفس أعالجها علاجاً.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: فما زلنا مع حضراتكم نتكلم عن دعائم وأسس هذا التشريع الإسلامي، من خلال شمائل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فرأينا أن مِن دعائم وأسس وركائز هذا التشريع الإسلامي: العلم: فأول كلمة نزلت في ديننا "اقرأ". ومِن ركائزه ودعائمه: الرحمة: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107]. ومن هذه الأسس أيضاً: اليسر: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه, فيسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وسددوا وقاربوا)). ومن هذه الركائز العظيمة أيضاً: الأخلاق: الأخلاق مفهوم عظيم جداً ركزت عليه الشريعة الإسلامية، وأنتم تعلمون أن كل ما في حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عظيم، ولكن القرآن جاء ليمدح فيه خصلة بعظمتها، فقال سبحانه وتعالى:) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ([القلم: 4], عِلمُ رسول الله لدني من الله من سيدنا جبريل، فهو عظيم، لكن لم تأت الآية "وإنك لعلى عِلم عظيم"،) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم(، وكذلكم كلكم يَحفظ هذا الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه وغيره: ((إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق)) أي: الأخلاق الصالحة، وفي رواية البيهقي في شعب الإيمان: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، الأخلاق شيء عظيم جاء الدين ليركز عليه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما مَدى قيمة الأخلاق في ديننا الإسلامي؟ يَعني هذا الدين مَبني مِن عقيدة قبل كل شيء، العقيدة هي الإيمان بالله وحده لا شريك له، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هذه عقيدتنا، هناك تشريعات كالعبادات، ((بني الإسلام على خمس: -ركن عقائدي وبقية الأركان عبادية- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))، وهناك أيضاً معاملات نتعامل فيها فيما بيننا، هناك إيجارات وبياعات وشركات، وهناك أحوال شخصية في هذا الدين، الطلاق والنكاح والزواج، وهناك القضاء وآداب القضاء وشروط القضاء، هذا هو التشريع الإسلامي، عبارة عن عقيدة وتشريعات، شيء مِنها مُختص بالعبادات، تشريعات مختصة بالمعاملات، تشريعات مختصة بالأحوال الشخصية أو القضاء، وهناك ما يُسمى بالأحكام السلطانية، أي الأحكام المتعلقة بالحاكم، ما مَدى الأخلاق، ما هي قيمة الأخلاق في هذا التشريع، أي هل هي في منزلة عالية، هل هي في منزلة عادية مثلها مثل بقية الأشياء المطلوبة منا؟.

أولاً: هناك في هذا الحديث دلالة كبيرة، وهي "إنما"، إنما عند أهل العربية -في لغتنا العربية، والقرآن نزل بلسان عربي مبين- "إنما" أداة حصر، ما معنى كلمة أداة حصر؟ لِأُبسط المسألة أقول: جاءني زيد، فَمِن المحتمل أن يكون قَد جاءني زيد وغيره، جاءني زيد، رُبما جاء معه عمرو وبكر وخالد بعد قليل، أما عندما أقول: إنما جاءني زيد، أي لم يأتني أحد إلا زيد، هذا أسلوب الحصر والقصر، والاختصاص بـإنما مِن أساليب الحصر، والاختصاص بأداة النفي وإلا: مَا جاءني إلا زيد، أي غيره أبداً ما جاء أحد، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما بُعثت)) سبب البِعثة ((لأتمم مكارم الأخلاق))، لأتمم الأخلاق الصالحة، إنما أنا فقط بُعثت لأتمم الأخلاق، رسول الله بُعث بأشياء كثيرة جداً غير الموضوع الأخلاقي، قال: للدلالة على مكانة الأخلاق في هذا الدين جاءت إنما للحصر، ورسول الله جاء بأكثر من الأخلاق، جاء بكل شيء ينفع الناس في الحياة الدنيا، ويكون سبباً للفوز في الآخرة، لماذا جاءت "إنما"، قال: للتركيز، لتعلموا مكانة الأخلاق في هذا الدين، وكأن رسول الله لم يرسله الله إلا ليتمم مكارم الأخلاق، هذه اللطيفة الأولى نأخذها من الحديث.

الأمر الثاني: أحاديث عديدة سأقرأها لحضراتكم وبعد أن نستمع إلى هذه الأحاديث نَعود إلى جواب السؤال: ما هي مكانة الأخلاق في ديننا الإسلامي؟ في التشريع الإسلامي.

الحديث الأول: أخرجه الإمام الترمذي في سننه، والإمام أحمد في مسنده، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً)) أفضلكم أيها المؤمنون أفضل الناس فيكم ((أحسنكم خلقاً))، ((وخِياركم خياركم لنسائهم خُلقاً))، نعود ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً)) طِيب أكمل المؤمنين إيماناً، يَعني هل يُوجد مؤمن إيمانه كامل ومؤمن إيمانه ناقص؟ طبعاً يوجد، وأنتم تقرؤون ذلك في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى في سورة الأنفال:) إِنَّمَا الـمُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ * الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا( [2-4]، هناك أمران في هذه الآيات: ﴿زادَتهُم إيمانًا﴾ ﴿أُولـئِكَ هُمُ الـمُؤمِنونَ حَقًّا﴾، هناك مُؤمن حقيقي ومؤمن غير حقيقي.

إذاً الإيمان الذي هو الجزم في القلب بالاعتقاد لا يزيد ولا ينقص أبداً، الإنسان المؤمن جازم بوحدة الله سبحانه وتعالى ووحدانيته، جازم بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، جازم بكل هذه الأمور العقائدية، لا يزعزعه شيء، لكن ما تُؤمن به ما تمارسه في حياتك اليومية، كلما التزمت بخُلق كلما ازداد إيمانك اكتمالاً، فالمقصود ما تُؤمن به وما تمارسه، أما الجزم فإنه لا يَزيد ولا ينقص، فأكمل المؤمنين إيماناً يقول عليه الصلاة والسلام: ((أحسنهم خلقاً، وخياركم -أفضلكم- خياركم لنسائهم)) خُلقاً لأزواجهم.

الرواية الثانية في البخاري ومسلم، عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، يقول عليه الصلاة والسلام فيها: ((إن خياركم))، الرواية الأولى أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، الرواية الثانية: ((إن خياركم -إن أفضلكم- أحاسنكم أخلاقاً)).

الرواية الثالثة عند الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان، والهيثمي في مجمع الزوائد، يقول عليه الصلاة والسلام: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً -أي المتواضعون- الذين يألفون ويؤلفون)) أي اللطفاء، الإنسان اللطيف، أولئك أكمل المؤمنين إيماناً، إنسان خُلقه حسن مُتواضع لطيف، إنسان ظريف لطيف، قال عليه الصلاة والسلام في خِتام الحديث، ((وليس مِنَّا مَن لا يَألف ولا يُؤلف))، وفي رواية أخرى: ((ولا خير فيمن لا يَألف ولا يُؤلف)) وهذه رواية: ((ليس مِنَّا مَن لا يَألف ولا يُؤلف))، أي الإنسان الغَليظ، سيدنا الرسول قال هذا لا نُريده.

الحديث الرابع: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن سيدنا جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الفُحش والتَّفَحُّشَ ليسا من الإسلام))، الكلام البذيء والأخلاق الدنيئة ليسا من الإسلام، وإنَّ أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً، ما الفرق بين الحديثين؟ هُناك: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً))، هنا ((أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً)).

الحديث التالي: أخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وابن حبان في صحيحه، وابن ماجه في سننه، عن سيدنا أسامة بن شريك رضي الله تعالى عنه قال: كُنَّا جُلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا مُتكلم -تصور ما معنى كأنما على رؤوسنا الطير، إذا كنت أنت جالس ووقف طير على رأسك ماذا تَفعل لتبقيه واقفاً على رأسك؟ لا تتحرك، وتتنفس بسهولة، وتتنفس بصوت منخفض حتى لا يطير هذا الطير، هذا معنى كأنما على رؤوسنا الطير، انظر إلى أدب وأخلاق الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وفي مجلس العلم- كُنَّا جُلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، -سيدنا الرسول يتكلم، نحن لا نتكلم، كأنما على رؤوسنا الطير- إذ جاءه -إذ ظرف لما مضى من الزمان، كُنا جلوساً حين جاءه- ناس من الأعراب فسألوه عن أشياء من أمور الدين -ناس من البادية، ما كذا، ما كذا، أسئلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبهم، ثم قالوا: هذا السؤال الأخير الذي سألوه لسيدنا الرسول، انظروا إلى السؤال، وانظروا إلى جواب السؤال- ثم قالوا: يا رسول الله، مَن أحب عباد الله إلى الله؟ -أكثرهم صلاة؟ لا، أكثرهم صياماً؟ لا، أكثرهم قياماً لليل؟ لا، أكثرهم زكاة وصدقة؟ لا- مَن أحب عباد الله إلى الله؟ فقال عليه الصلاة والسام ((أحسنهم خُلُقاً)).

الحديث التالي: أخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه أي البخاري ومسلم أيضاً، عن سيدنا أسامة بن شريك رضي الله تعالى عنه قال: شَهِدتُ الأعاريب -نفس الأعراب أي البدو- يَسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله، ما خَير مَا أُعطي العبد المسلم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((خُلُق حَسن)).

الحديث التالي: أخرجه الترمذي في سننه، والحاكم وابن ماجه وابن حبان، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة, ما أكثر شيء ممكن أن يُدخل الناس الجنة؟ كثر الصلاة؟ قيام الليل؟ صيام النهار؟ كثرة الصدقات؟ كثرة الحجج والعُمَر؟ ما أكثر شيء يُدخل الناس إلى الجنة؟ سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((تقوى الله وحُسن الخُلُق))، شيئان: ((تقوى الله وحسن الخُلُق)).

انتهت هذه الأحاديث التي اخترتها، وللحديث تتمة طويلة، لكن جواباً عن هذا السؤال: ما هي مرتبة الأخلاق في التشريع الإسلامي؟ ما هي قيمة الأخلاق في ديننا؟ ما هي ما قيمتها ما منزلتها الأخلاق في ديننا؟

أول شيء: جَعل رسول الله بِعثته كلها كأنها جاءت من أجل الأخلاق.

ثانياً: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً))، رواية أخرى: ((أفضلكم -أفضل الناس- بالمؤمنين أحاسنهم أخلاقاً)).

الثالثة: أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً.

الرابعة: أحب الخلق إلى الله -أحب عباد الله إلى الله- أحسنهم خلقاً.

الخامسة: ما هي أفضل الأخلاق والصفات في الإنسان المؤمن؟ الخلق الحسن، ما أكثر شيء يدخل الجنة؟ الخلق الحسن.

بعد أجوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، برأيكم ما هي منزلة الأخلاق في هذا الدين؟ برأيي بعدما قَرأته وما سمعته هي كل شيء، للحديث تتمة سيمر معنا في أسابيع قادمة إن شاء الله، أن صاحب الخلق الحسن يَبلغ بخلقه درجة الصوام القوام بخلقه، وإنه لقليل العبادة، فقط يُصلي الفرائض يَصوم رمضان فقط، طبعاً هذا ليس تَشجيع على ألا نصوم إلا رمضان، وليس تشجيع ألا نصلي إلا الفرائض، لكن بِخُلُقه الحسن -يقول عليه الصلاة والسلام- بلغ درجة الصوام القوام.

لنا وقفات مع الأخلاق، لكن برأيكم مَرتبة الأخلاق في هذا الدين مَرتبة سطحية أو هي جزئية، أو أن هذا الدين مَثلاً قيمة الأخلاق فيه هي قيمة هامشية، في صلب الدين، في الإيمان، تدخل في صلب الإيمان، تدخل في صلب الإسلام، بسببها يَدخل الإنسان الجنة، بسببها يحبه الله، وهو أحب عباد الله إلى الله؟ شيء كبير جداً الأخلاق أيها الإخوة، وبالتالي نحن قادمون على شهر رمضان المبارك، شهر رمضان المبارك هو مدرسة، دورة تدريبية، البعض يراها ريجيم، البعض يراها هَمّ، كما قُلنا في الأسبوع الماضي، وقلنا أن هذا الإنسان في خَطَرٍ عَظيم، إذا تحمل هم رمضان يجب أن تُفرح نفسه بلقاء رمضان، هذا في خطر عظيم، نحن قادمون على مدرسة مِن خلالها لا نُريد أن نمتنع عن الأكل والشرب فقط من طلوع الفجر إلى غياب الشمس، لا نريد من خلالها أن نجوع فقط، نحن قادمون على دورة تدريبية، يَجب أن نَغتنمها بعد أن عرفنا منزلة الأخلاق في ديننا، وأنتم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم -في الليل في رمضان- ليس له من قيامه إلا التعب))، لكن القضية في الصيام كما قال سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري: (إذا صُمت فليصم سمعك وبصرك) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإن سابه أحد فليقل: إني صائم)).

الدورة التدريبية في رمضان هي للأخلاق، حتى الامتناع عن الطعام والشراب، لِتَشعر بالفقراء، الشعور بالفقراء، الصدقة، هذا موضوع أخلاقي، هذا تكافل اجتماعي، حتى يَشعر الإنسان أن الصيام كله مِن أجل الأخلاق.

البعض يقول: والله أنا أخلاقي صعبة، لا أستطيع أن أغيرها، حاولت مراراً وتكراراً وما استطعت أن أغير أخلاقي، هذا الكلام غير صحيح، لماذا هذا الكلام غير صحيح؟.

سأروي لكم حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم، مِن خلالهما يتبين أن هذا الكلام غير صحيح، الإنسان عندما يقول: أنا ما استطعت أن أغير نفسي، أنا أحاول أن أكون مستقيماً، لكن لم أستطيع، أنا أحاول مَا أتكلم مع بنات على الفيس وعلى الوتس، وما يَكون لي علاقات مشبوهة، لكن يا أخي لم أستطيع، هذا الكلام غير صحيح، أنت لا تُريد أصلاً، أعداء الإسلام وأعداء العرب أوجدوا لنا هذا الإنترنت، وهو سلاح ذو حدين، أوجدوه ليُذهبوا عزيمتكم أيها الشباب، لما تَنتشر هذه المواقع اللأخلاقية، مِن كثرة مَن يتفرج عليها، مَن يتابعها، فتجد الشاب ليس عنده قوة وإرادة بشيء أبداً، لماذا تعيش في هذه الحياة؟ تعيش لتأكل وتلعب وتلبس وتتزوج؟ وأكل وشرب ونوم؟ هكذا تظن الدنيا؟ هناك رسالة حبيبي: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً( [البقرة: 30]، هناك رسالة: ) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن  بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ([الأنبياء: 105]، أعداء الإسلام مخططين لكل شيء ونحن نائمون، وعلى كل حال هذا كلام غير مقبول، وأكبر دليل سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى شبه الجزيرة العربية، فنقل العرب مِن قوم مُتفرقين مُتشرذمين مُتجزئين مُتناحرين، يَقتل بعضهم بعضاً من أجل امرأة ومن أجل فرس، ويقتل بعضهم بعضاً من أجل المال والكلأ، صار هؤلاء اسمهم الصحابة، ما الصحابة؟ أفضل الخلق بعد الأنبياء، مِن بدو إلى أفضل الخلق على الإطلاق، كيف صاروا؟ سيدنا الرسول، غَيَّرهم، صَاغَهُم صِيَاغة جديدة، وهؤلاء الصَّحابة مِن نَاس مِن شبه جزيرة العرب إلى القرآن، يَذكرهم القرآن) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا * مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ (انتهت الآيات؟ قال: لا )وَالَّذِينَ مَعَهُ(، مَن معه؟ آل بيته وصحابته: )وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ( [الفتح: 105]، إلى آخر الآية، مَذكورين في التوراة والإنجيل والقرآن، مِن قوم عاديين، كيف غَيَّرهم الإسلام، صَاغَهُم صِياغة جديدة، لِذلك لا تَقُل: لا أستطيع أن أتغير، وأن أُحَسِّن أخلاقي في رمضان!.

استمع إلى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث أخرجه البزار والبيهقي والطبراني، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والهيثمي في مجمع الزوائد، وابن أبي الدنيا، والخطيب في تاريخه، وهو مِن مُعلقات الإمام البخاري، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلم, ومَن يَتَحَرَّ الخير يُعطه، ومَن يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَه))، ((إنما العلم بالتعلُّم))، يأتي الإنسان جَاهل، كيف يتعلم؟ والحلم، أنا سريع الغضب، ما سريع الغضب! ((وإنما الحلم بالتحلم))، كيف أطول بالي؟ كُن صامتاً، ((يا أبا ذر، ألا أدلك على شيئين هما أخف على الظهر مِن غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: عليك بحسن الخلق وطول الصمت، والله ما أعطي المؤمن مثلهما أبداً))، حسن الخلق وطول الصمت، أَمسِك عليك لسانك، تَعَلَّم الحلم، طَوِّل بالك، هناك أناس كُثُر كانوا أشداء، فأصبحوا مِن أكثر الناس حلماً، عَوَّدُوا أنفسهم على الحلم، سيدنا الرسول يُكذِّب هذه المقولة: أنا لا أستطيع أن أتغير، أنا هكذا الله خلقني، ليس هذا بصحيح، إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ((ومَن يتحر الخير -يقول عليه الصلاة والسلام- يُعطه، ومَن يتوق الشر يُوقه))، ربي يُوقيه الشر، عندما أنت تتحرى الخير تتَحرى مكارم الأخلاق، حاول أن تتعلم الحلم، حاول أن تتعلم الأخلاق، حاول أن تترك الكذب، أمسك لسانك، تُريد أن تدخل على مواقع لا أخلاقية، ليكن عندك قوة إرادة، لا تستجيب للصهاينة المجرمين، الذين يُريدون أن نكون كالأغنام نَنساق وراءهم، اتق الله في نفسك وفيمن حولك، لا تكن سبباً في فَشل الأمة، كن سبباً في نهضة الأمة.

الحديث الثاني الذي يَكذب: أنا لا أستطيع أن أغير نفسي، هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، كلهم في سننهم، عن سيدنا أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم -أي كفيل- أنا زعيم ببيت في ربض الجنة -طرف الجنة- لمن ترك المراء وإن كان محقاً، -لا يحب الجدال- وأنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً))، إذا حَاولتَ تَرك الكذب وأصبحت صادقاً سيدنا الرسول يكفل لك بيتاً في وسط الجنة، ((لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأنا زعيم -أي كفيل- ببيت في أعلى الجنة))، إذاً لدينا طرف الجنة لمن ترك الجدال, وسط الجنة لمن ترك الكذب,  أعلى الجنة، لمن يا رسول الله؟ أنت كفيل ببيت في أعلى الجنة، لمن؟ قال: ((لمن حَسُنَ خُلُقُه))، انظر إلى رواية الحديث، لَيست لمن حسن خلقه كان خلقه حسناً، حَسُنَ، إذاً بإمكان الإنسان أن يُحَسِّنَ خُلقه، ((لمن حَسُنَ خُلُقه)).

أختم هذه الخطبة بهذا الحديث: هذا الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وابن حبان في صحيحه, عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن فلانة تُصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها، يُريدون أنها سليطة اللسان، تَسُبُّ وتَشتِمُ، وتصوم دائماً وتقيم الليل دائماً، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا خير فيها، هي في النار)) قالوا: يا رسول الله، إن فلانة تُصلي المكتوبة وتصوم رمضان، وتتصدق بالأثوار -أي الأقط، نحن نسميه الكشك الآن- وتتصدق بالأثوار، جمع ثور وهو الأقط، لكنها لا تؤذي أحداً، فقال عليه الصلاة والسلام: ((هي في الجنة)).

والآن سؤال هام: أنا يا أما ما بصلي وبدي كون أخلاقي حسنة أو إذا صليت أنا بدو يكون الملازمة الطبيعية لبعض الناس يقول لك لا أريد أن أصلي ولا أن أصوم أنا أخلاقي حسنة والحمد لله، لا أؤذي أحداً ولا أضر أحداً والحمد لله، شخص ثاني ممكن أن يكون مصلي وصائم، لكن أخلاقه سيئة، طيب الإنسان المؤمن مو بدو يجمع بينهما؟ الإنسان المؤمن بدو يجمع بين الصلاة وقيام الليل والصيام وصيام النوافل وصلاة السنن، ويجمع بين عبادة الله عز وجل وبين المعاملة الحسنة مع الخلق والأخلاق الفاضلة، لماذا؟ ليكون في طرف من الطرفين، لنكون نحن نجمع بين الحسنيين.

يا إخواننا: هناك مسألة، نحن كم نعيش في نعم كثيرة من الله سبحانه وتعالى، ألا نشكر الله على هذه النعم؟ طيب علة الصلاة -كما قال ابن الهمام في كتابه التحرير الجامع بين مدرسة الشافعية والحنفية في أصول الفقه- قال: علة وجوب الصلاة شكر المنعم، هناك فرق بين العلة والسبب في أصول الفقه، العلة علة وجوب الصلاة: شكر المنعم، قالت رابعة العدوية: ربي أنا لم أعبدك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك، ولكنني عبدتك لأنك إله تستحق العبادة، هذه مرتبة عالية جداً جداً.

إخواننا: نحن نخاف النار، ونسأل الله تعالى أن يجيرنا من النار، ونرغب بالجنة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها مِن قول أو عمل، ولكن يجب أن نَعبد الله، لأنه إله يَستحق العبادة، وبما أنعم علينا مِن هذه النعم.

أيها الإخوة: نحن قادمون على مدرسة تُصفد فيها الشياطين، الإنسان يجتمع عليه حتى يكون عاص ومخالف للشريعة نفسه الأمارة بالسوء والشيطان، الآن الشيطان مُصفد مُكبل، بقي نفسك الأمارة بالسوء، استثمر ذلك وكُن طائعاً لله، ولنحاول جميعاً أن نُغير أنفسنا في رمضان.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 930
تحميل ملفات
فيديو مصور