الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-05-29 الساعة 10:21:42
كيف نستقبل رمضان؟
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 15 من شعبان 1438 هـ - 12 من أيار 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: إذا جاء أحدنا ضيفٌ عزيز وغالٍ على قلبه جداً، وكان هذا الضيف خفيف الظل، فهو لا يأتيك كل يوم، وإنما يأتيك في السنة مرة واحدة لزيارتك، وعندما يأتي هذا الضيف إليك يأتي معه بهدية كبيرة عظيمة ولها قيمة كبيرة جداً، هدية تكفيك أن تصرف منها على نفسك طيلة العام، مبلغ كبير جداً من المال، طيلة العام تنفق من هذا المبلغ، وأنت بيتك مُتسخ وبيتك غير مرتب، والضيف سيأتي بعد ساعات أو بعد أيام، والسؤال: ما الذي تصنعه؟ قبل كل شيء أعتقد أنك ستُحاول تنظيف بيتك، وبعد عملية التنظيف ستقوم بترتيب هذا المنزل، لتستقبل هذا الإنسان الذي يأتيك في السنة مرة واحدة.

لله المثل الأعلى، وهذا مثال مُصغر عن استقبال شهر رمضان المبارك، شهر رمضان المبارك ضيف خفيف الظل، يأتيك في السنة مرة واحدة، ويأتي معه بعطايا وهدايا ومزايا دنيوية وأخروية:

أما الدنيوية: فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((وهو شهر -أي رمضان- يزاد فيه في رزق المؤمن))، وهذا نَشعر به جميعاً، أن ما نُنفقه ونَصرفه مِن الأموال في رمضان أكثر مِن بقية الشهور، وأن ما يأتينا بفضل الله سبحانه وتعالى مِن الأرزاق في رمضان أكثر مما يأتينا في غيره، هذه فائدة دنيوية واحدة، هي موضوع الرزق.

وهناك فوائد أخروية لا عد ولا حصر لها، من أهمها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر))، تُكفر لك ذنوب السنة كاملة، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ماذا نتكلم عن شهر رمضان، هناك كلام كثير، هذا الضيف يَحتاج مِنَّا إلى شيئين: إلى ترتيب المنزل، وقبل ترتيبه إلى تنظيفه، لذلك جاءت ليلة النصف من شعبان بالأمس، التي قمناها وصلينا فيها لله عز وجل، هذه الليلة التي يقول فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يَغفر للمستغفرين ويَرحم المسترحمين))، وفي رواية ((يغفر لجميع خلقه))، وقُلنا هناك استثناءات: المشاحن الذي في قلبه حقد، يُؤخر أهل الحقد كما هم، الذي في قلبه شحناء وبغضاء، أو هَمُّهُ أن يُجادل ويُماري بالباطل، فيدخل بذلك الحقد على قلوب المؤمنين، قاطع الرحم, العاق لوالديه, المسبل أي المتكبر, كل هؤلاء الناس لا يُغفر لهم في ليلة النصف من شعبان، جاءت تهيئة للقلوب، لِتُهيئ قلبك بأن يكون هذا القلب نظيفاً مِن الأكدار التي تُعكر صفوه، فهذا القلب كما قال أحد الدعاة شَبيه بغرفة، هذه الغرفة إذا كانت مُتسخة تحتاج إلى تنظيف، ولكن يَجب أن تُغلق النوافذ والأبواب عند عملية التنظيف وبعد عملية التنظيف، لأنك إذا نَظفت وتَركت النَّوافذ مَفتوحة والأبواب مفتوحة سَيَتسخ المنزل مرة ثانية، وبالتالي الفائدة لم تَكن فائدة كاملة، الفائدة ناقصة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن القلوب لتصدأ وجلاؤها -كيف نجلي هذه القلوب وننظفها- وجِلاؤها ذكر الله)).

وأحد الدعاة قال: لكن إذا ترك النوافذ والأبواب مَفتوحة، ما هي النوافذ والأبواب؟ قال: الجوارح، ما زالت تنظر عينه إلى الحرام وإلى المحرمات، وتستمع أذنه إلى المنهيات والمخالفات، ويقوم بجوارحه بمعصية لله عز وجل ومخالفة شرعية، إن كان على الصعيد الشخصي وعلى صعيد الصلة بالله عز وجل أو على صعيد التعامل فيما بينك وبين الناس، والدين المعاملة، الكذب، الغش، عدم إتقان العمل، الخيانة، وانعدام الأمانة، أن تُخلف الوعد، وأن تخون بالعهد، وأن يكذب اللسان، هذه الأخلاق التي أُمرنا بأن تكون رَكيزة مِن ركائز هذا الدين، يَجب أن نحافظ عليها، وأن نَعمل على تصحيح أخلاقنا، فهذا الإنسان قَلبه مُتسخ طيلة العام، بمخالفات شرعية، بمعاملات، بكلام تكلم به، فخرج من لسانه، فآذى إنساناً مؤمناً، أو ما شابه ذلك، يَحتاج إلى تنظيف أولاً، سلامة الصدر مِن الحقد، عندما جاء ذلك الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سأله: يا رسول الله، مَن أفضل الناس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((صَدُوق اللسان مخموم القلب))، فقال الصحابة يا رسول الله، قد عرفنا ما صدوق اللسان -الإنسان الصادق- فما مخموم القلب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((التقي النقي، الذي ليس في قلبه حقد ولا غل ولا حسد))، فالإنسان المؤمن لا يَعرف الحقد على أخيه المؤمن أبداً، نُصَفِّي قلوبنا مِن هذه الشوائب ونُصفيها، كذلك مِن الحسد، ومن الضغينة، حتى في الأفكار النفسية، حاول أن تَذهب بأفكارك إلى منطقة راقية من التفكير، أن تَذهب بأفكارك بعيداً، نحو صلاح نفسك وصلاح المجتمع وصلاح الأمة، كل مَا خطر ببالك واحد مِن الناس بحسد أو ضغينة أو فعل فعله معك صَفِّ قلبك واشتغل بما ينفعك، ما ينفعك هو إصلاح نفسك وإصلاح المجتمع وإصلاح الأمة.

ثم بعد ذلك هذه الجوارح يَجب أن نُغلقها عن المحرمات والمخالفات الشرعية، أمامنا موسم لا يتكرر، وهناك حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم يَجب أن يضعهما الإنسان المؤمن في حسابه، حديثان هامان جداً يضعهما في حسابه، لماذا؟ لأن هذين الحديثين إذا كان الإنسان المؤمن قد نزل تحت هذا البند المذكور فيهما فهو ليس بخير ولا على خير.

الحديث الأول: أخرجه الطبراني في معجمه عن سيدنا عبادة بن الصامت يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -صلوا على رسول الله- يقول: ((أتاكم رمضان بركة)) رسول الله يقول: ((أتاكم رمضان بركة)) ما هو تعريف البركة؟ جَعلُ الكثير في القليل، ما القليل؟ استطعتَ أن تشتري به أشياء كثيرة، وقتٌ قليل استطعت أن تَعمل به كثيراً مِن الأعمال، عُمُر بالنسبة لعمر الإنسانية قصير، لكن أنجزت فيه كثيراً من الإنجازات، ورمضان بركة، ((أتاكم رمضان بركة يغشاكم الله فيه، فيُنزل الرحمة ويحط الخطايا، -أي يغفر الذنوب- ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويُباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً))، هذا أمرٌ مِن سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان، ((أروا الله مِن أنفسكم خيراً))، ما هي تتمة الحديث، وما هو ختام الحديث؟ يقول صلى الله عليه وسلم: ((فإن الشقي مَن حُرم فيه رحمة الله عز وجل))، يا ربِّ هذا شقي؟ مَن حُرم رحمة الله عز وجل في شهر رمضان، هذا يَحتاج إلى استعداد، إلى تنظيف المنزل، وإلى ترتيبه، إلى تنظيف القلب، وإلى إغلاق الجوارح: السمع والبصر واللمس، يحتاج إلى عودة صادقة للإنسان، أن ينظر في أخلاقه، وأن يُحسن أخلاقه، أن يُراجع نفسه، أن يُقلع عن العادات السيئة، أن يُقلع عن المعاصي والآثام، وخُصوصاً إذا اعتاد معصية مَا يجب أن يتركها ويتوب إلى الله عز وجل، فرمضان موسم توبة، وموسم مغفرة ورحمة لا يتكرر، هو شهر العتق من النار.

إذاً الحديث الأول لنحفظه: ((فإن الشقي مَن حرم فيه -أي في رمضان- رحمة الله عز وجل)).

الحديث الثاني: الذي يجب أن يقف عنده المؤمن طويلاً، هذا الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجه البخاري ومسلم، عن سيدنا كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه يقول: حضر مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (احضروا المنبر)، أرسل لهم خبراً سيدنا الرسول، لا يوجد وسائل إعلام في ذاك الوقت، لا تلفاز ولا إذاعة، إذا أراد منهم شيئاً يَطلب منهم أن يُحضروا المنبر، ثم يقوم فيهم خطيباً، (احضروا المنبر) يقول سيدنا كعب بن عجرة: فحضرنا المنبر، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ارتقى الدرجة الأولى -والمنبر ثلاث درجات، منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ترك الجذع، وصنعوا له منبراً ثلاث درجات- فلما رقي الدرجة الأولى قال: آمين، ثم رقي ارتقى إلى الدرجة الثانية قال: آمين، ثم ارتقى إلى الدرجة الثالثة قال: آمين، ثم خطب الناس ونزل، قال: فجئنا إليه فقلنا: يا رسول الله، لقد رأينا شيئاً لم تكن تصنعه، فما آمين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد عرض لي جبريل عندما رقيت الدرجة الأولى، فقال: يا محمد، بُعداً لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، فقلت: آمين) أبوك كبير في السن، أمك كبيرة في السن، وهما عندك، وأنت المشرف عليهما، ولم تستطع أن تَكتسب رضاهما، وأن تكسب ودهما، ولم يدخلاك الجنة؟!) يقول سيدنا جبريل: بُعداً لك، أي بُعداً عن رحمة الله، وقال رسول الله: آمين؟ أين تكمن الخطورة، نحن عندما يُريد أحدنا أمراً هاماً يَذهب إلى واحد من الصالحين، يَسأل: مَن يُوجد من الأولياء من الصالحين من الأصفياء، يَذهب إليه يَطلب منه الدعاء، طبعاً يقول له: شيخنا إذا تكرمت نُريد دعوة صالحة منك، يعني الإنسان كثير الذنوب والمعاصي والآثام، وطبعاً الإنسان ليس بينه وبين الله حِجاب، لكن الصحابة كانوا يَطلبون الدعاء مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم كانوا يطلبون من الصحابة، وكانوا يطلبون من التابعين الدعاء، لأنهم يَظنون فيهم الخير والصلاح، فيكون دعاؤهم أقرب إلى القبول من دعاء الإنسان المذنب المستغرق بذنوبه، فالذي يدعو جبريل، وهنا القضية، الخطورة تكمن في الذي يقول: بُعداً، جبريل روح القدس عليه السلام، والذي يقول: آمين، عن الدعاء مَن؟ سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، بُعداً لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، (فقلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال: يا محمد بعداً لمن أدرك رمضان فلم يُغفر له)، لاحظ بُعداً عن رحمة الله، الحديث الأول: ((فإن الشقي من حرم رحمة الله عز وجل))، فيه، أي في رمضان، الحديث الثاني: يَدعو جبريل عليه ورسول الله يقول: آمين، بُعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال جبريل: يا محمد، بُعداً لمن ذُكرتَ عِنده فلم يصل عليك، اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، فقلت: آمين.

هذان حديثان يَجب أن نَقف عندهما، لماذا؟ لأنني سمعت مِن كثير من الناس يَسألون: رمضان الصيام فيه هذا العام كم ساعة؟ 16 ساعة، الله يعيننا، والله حملنا الهم مِن الآن، سبحان الله! في موسم مِن مواسم الخير تقول للناس: إنَّك مُغتم ومهموم، لأن رمضان سيأتي، والله عجيب، رمضان ضيف يأتي في السنة مرة واحدة، رمضان يأتيك في أوله رحمة وفي أوسطه مغفرة وفي آخره عتق من النار، أنت مهموم مغتم؟ رمضان يزاد فيه في رزق المؤمن، وأنت مغتم رمضان؟ يكفر الذنوب وأنتم مغتم؟ )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ( [البقرة: 185] وأنت مغتم؟! هذه الكلمة قبل أن يقولها الإنسان المؤمن يجب أن يقف عندها، لأنها كلمة خطيرة، أنت مهموم من طاعة وعبادة الصيام، مدرسة لتشعر بالفقير، ونحن نأكل ما لذ وطاب كل يوم، والله يا إخواننا في نِعم لا تعد ولا تحصى، نحتار كل يوم ماذا نَطبخ هذه الطبخة، طبخناها في الأمس، غداً ماذا سنطبخ؟ ما هذه النعم؟ نعم لا تعد ولا تحصى، وهناك أناس فقراء جائعون، كيف تشعر بهم إذا لم تكن مِن أهل مدرسة رمضان؟ تشعر بالفقير، ثم بعد ذلك يعني هناك حديث نفسي فيما بينك وبين نفسك، الله يعيننا، والله جاء رمضان 16 ساعة، انظر إلى سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم، كانوا إذا انتهى رمضان يسألون الله عز وجل ستة أشهر أن يتقبل منهم صيام رمضان، ستة أشهر وهم يدعون: يا رب تقبل منا صيام رمضان، فإذا كان قبل رمضان ستة أشهر يقولون ويدعون: اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، وتقبله منا سالماً، ستة أشهر وهم يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم بعد ذلك يَغتم ويهتم الإنسان المؤمن؟ يجد نفسه مهموم ومغتم؟ سبحان الله عجيب!.

الإمام مالك رضي الله تعالى عنه، إمام دار الهجرة، وصاحب المذهب المالكي، مالك بن أنس، كان إذا اقترب رمضان كان طِيلة حياته في الإقراء والتدريس، يعني عِلم، هل هناك أجمل من العلم، وأكثر ثواباً من التعليم والمعلم، يَستغفر له مُن يعلم الناس الخير الحيتان في البحر، الحيتان تستغفر -كما يقول عليه الصلاة والسلام- في البحر في المحيطات لمعلم الناس الخير، لا يُوجد أجمل من العلم، وأول كلمة نزلت في ديننا اقرأ، لكن إذا جاء رمضان كان يَعتزل الإقراء والتعليم ويتفرغ للعبادة، هذا حال الإمام مالك، طبعاً ولكن إذا جمعنا مع العبادة التعليم، فهذا أجمل وأفضل، لأن التعليم يتعدى نفعه للغير، وأما العبادة فيقتصر نفعها لك، أو يقتصر نفعها عليك.

ماذا أحدثكم عن حال الصالحين، واستعدادهم لاستقبال شهر رمضان المبارك، لذلك أيها الإخوة نحن بحاجة إلى توبة نصوح، الآن معك بضعة أيام، مَن كان عنده عادة سيئة ومخالفة شرعية يبدأ بالإقلاع عنها، استعداداً لشهر رمضان، نُريد أن نُنظف البيت ونُرتبه، مَن كان عنده إضاعة للوقت على الإنترنت لساعات طويلة يجب أن يبدأ الآن بتقليص هذه الساعات، من كان يُشاهد التلفاز والرائي بما لا ينفعه يجب أن يبدأ بتقليص هذه المشاهدات، يَجب أن نُعود أطفالنا وأن نزرع في قلوبهم محبة الصيام، بتدريبهم على حسب سِنِّهم وبتشجيعهم على الصيام، ولو بأي أسلوب تراه مناسباً، ولو بالهدية أو المال، مِن أجل أن نعودهم على الصيام، يَجب أن نُغلق النوافذ، محارم الله، البصر السمع، كان سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يقول: (إذا صُمت فليصم سمعك وبصرك)، وهناك أحاديث أخرى نَتطرق إليها في أسابيع قادمة إن شاء الله، يَجب على الإنسان المؤمن أن يبقى دائماً على استحضار لمراقبة الله عز وجل، عندما جاء سيدنا جبريل فسأل رسول الله عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان، قال: فما الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك), وأن نعود أنفسنا ونروضها ونجاهد أنفسنا على تغيير أخلاقنا.

وهذه مسألة جداً ضرورية، أحد الأشخاص يقول لي: والله أنا حاولت عدة مرات أترك الكذب، ولكن لا أستطيع أن أتركه، أحد الأشخاص يمشي بالنميمة، لا يَستطيع أن يترك عادة النميمة.

سيدنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((رَضيت لأمتي ما رضيه لها ابن أم عبد))، كان على جبل الصفا، فأخرج لسانه وأمسكه بيده، قال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، فقال له الناس: يا أبا عبد الرحمن، أهذا شيء تقوله أنت أم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، هذا شيء أقوله، يا لسان: قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، قال هذا شيء: أنا أقوله، لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر خطايا ابن آدم من لسانه، عندما قال سيدنا معاذ: يا رسول الله، أَوَمُؤاخذون نحن بما نقول؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم))، هذا اللسان مشكلة، العين البصر إلى المحارم، النَّظر إلى محرمات، السمع تَضييع الأوقات، أوقات الفراغ عدم سدها بالأشياء النافعة، الإصغار على الصغائر، يَحول الصغائر إلى كبائر، مداومة الإنسان على الكبيرة، يُخشى عليه فيها من سوء الخاتمة، هكذا قال علماؤنا أخذاً مِن القرآن ومن السنة، من داوم على الصغيرة يوشك أن يقع في الكبيرة، ومَن داوم على الكبائر فإنه يُوشك على سوء الخاتمة أن يُختم له بخاتمة سيئة.

هذا موسم خير، نَسأل الله اللطف لنا ولكم ولجميع المؤمنين, هذا موسم خير يحتاج إلى استعداد -أيها الإخوة- فكما قال صلى الله عليه وسلم: أنا سأنقل لكم حديث رسول الله، سيدنا رسول الله قال: ((أروا الله من أنفسكم خيراً)).

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1065
تحميل ملفات
فيديو مصور