بتاريخ: 7 من جمادى الآخرة 1439 هـ - 23 من شباط 2018 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَقُل جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إِنَّ الباطِلَ كانَ زَهوقًا( [الإسراء: 81].
معاشر السادة: هل الحق يمشي في هذه الدنيا بقدرته النظرية، أو بأدلته العقلية، أو ببراهينه الدامغة، أو بالصور السليمة التي يقدمها؟ لا، لم؟ لأن أهل الباطل لهم مواقف يجب أن تُشرح.
إنَّ القرآن الكريم شَرح مَواقف المبطلين أعداء الحق، فَبَيَّن أولاً أنهم يَكرهون أيَّ خَير يُصيبنا، ويريدون مِن أعماق قلوبهم أن تحيط بنا الشرور والآثام، تأمل في قوله سبحانه: )مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ( [البقرة: 105]، وتأمل في قوله سبحانه: )وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ( [آل عمران: 69]، وتأمل في قوله سبحانه: )إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ([الممتحنة: 2].
لكن هل ودادتهم أن نَكفر انتهت إلى التمني القلبي ووقفت؟ لا، إنَّ هذا التَّمني القَلبي تَحول إلى سلوك عملي، كيف؟ إنهم يُريدون أن يُطفؤوا نور الله بأفواههم، فعمدوا إلى تَدمير المساجد حتى لا يُذكر فيها اسم الله، وعمدوا إلى تضييق الخناق على أصحاب الدعوة، والتنكيل بهم وإخراس أصواتهم، وإلى هذه الضغينة السوداء أشار القرآن بقوله سبحانه: )وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا( [الحج: 72]، يكادون يبطشون بهم، هل هذه الرغبة الجامحة في محاربة الحق وقفت عند هذا الحد؟ لا، إنهم لن يرضوا إلا إذا تَرك أصحاب الحق حقهم.
إنَّ هذه الملل والنحل ضَاقت عندما وجدت ديناً جديداً، يفلح حيث خابت، وينجح حيث فشلت، وكما يَكره أدعياء الطب الطبيب الناجح، وكما يكره التجار الفاشلون التاجر النقي الذي لا يغش، كما يقع هذا في الدنيا وجدنا أتباع الملل الشاردة يضيقون بالإسلام ويكرهونه، ويعلمون أنه ما بَقي يعرض نفسه ومبادئه، ويمكن الناس من أن يطلعوا على حقائقه، فلا مجال لهم ولا بقاء لهم، ولذلك كان القرآن واضحاً عندما قال للمؤمنين: )وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا( [البقرة: 217].
لقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان اليهود يسكنونها، فعقد لهم المعاهدة، ولكنهم في ظل معاهدة كفلت حرية العقل والضمير، وضمنت إقامة الشعائر الدينية لكل ذي نحلة، في ظل هذه المعاهدة حقدوا على الإسلام ونبيه الكريم، وسلك اليهود مسلكاً آخر، أخذ شعراؤهم يرسلون القصائد، رئاء في قتلى قريش، وتأبيناً لصرعى الشرك والوثنية.
إن اليهود جاؤوا إلى فلسطين وهم يرون أنفسهم أنهم أولاد الأنبياء، نوع من الجنون الديني، أو الدروشة الدينية نوع من التعصب للدين، بدأ بكاء عند جدار المبكى، نحن العرب فقدنا القدس والأندلس، هل بكينا على فقدانهما؟ لا، أما اليهود فقد أشعروا أنفسهم أن هنا أرضاً فقدوها، وأخذوا يبكون عليها، البكاء بالدموع تحول إلى قطرات دم، وتحولت قطرات الدم إلى احتلال للأرض، إننا لا نشتري الشر ولا نحب أن نملأ الدنيا بالقتال والحروب، ولكن ماذا نصنع ونحن نرى اليهود يحتلون الأرض ويدنسون العرض؟ ألم يقل الإرهابي الصهيوني "بيغن": {إن الطريق أمامنا صعبة، لأننا نريد محو الحضارة العربية وإحلال الحضارة العبرية مكانها}، الأمر إذاً أمر استئصال، إنهم يُريدون الإجهاز علينا وعلى ديننا وأرضنا وتاريخنا وحضارتنا وحاضرنا ومستقبلنا، هذه هي المعركة.
ونحن نريد أن نسأل السَّاسة الأمريكيين: ما الذي يَجعلكم تأمنون إسرائيل وتدافعون عنها، وتتعصبون لها وترسلون الأسلحة إليها؟ وما الذي يَدفعكم أن تفكروا باحتلال قطعة مِن أراضي الجمهورية العربية السورية؟ ولماذا تُسمون مَن يُدافع عن أرضه وعرضه مُتمرداً؟ أنسيتم -أيها الأمريكيون- أنَّ دولتكم الكبرى هذه إنما كانت وليدة ثورة على ظلم، ثورة شعب ذاق مَرارة الاحتلال البريطاني واكتوى بناره، وَمِن ثم فقد كان حَرِيَّاً بِكم وحرياً بدولتكم أن تقدروا تماماً وتشعروا بما كانت، وما زالت الشعوب المغلوبة على أمرها تشعر به وتعاني مِن كابوس الاحتلال الذي جثم على صدرها زمناً طويلاً، إنه لجدير بشعب الولايات المتحدة الأمريكية وبِقادته أن يَستعيدوا ذكريات آلامهم وقسوة احتلالهم، ربما يَسمعون صرخات الشعوب التي تُعاني هذه الآلام.
لقد مَضت أمريكا في صِراعها ضد الاحتلال البريطاني إلى أن كُتب لها النصر وحصلت على استقلالها، وقد تضمنت وثيقة استقلال أمريكا الاعتراف بالحرية والمساواة والأخوة والعدالة بين الجميع، تلك المبادئ التي نادى بها مِن قبل الفلاسفة والعقلاء ودعت إليها رسالات السماء.
في الثامن مِن يَناير من عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر، أرسل الرئيس الأمريكي "ويلسن" رسالة إلى الدول المتحاربة ضَمَّنها النقاط الأربع عشرة لِتحقيق السلام في العالم، تلك الرسالة التي اشتهرت وقتئذ بدعوة الصلح بدون نصر، حيث أفرغ في رسالته هذه كل ما كان يَجيش في نفسه مِن مبادئ وأحاسيس، أعلن فيها أن الاتفاقيات التي تُعقد بين الدول المتحاربة لا يمكن أن تُحقق السلام، وأن العالم في حاجة إلى هَيئة عليا تتمتع بالقسوة التي تمكنها مِن فرض السلام فرضاً، بل تتمتع بقوة لا يمكن أن يتمتع بها أي حلف مِن الدول يمكن أن يتألف ضد هذه الهيئة المرجوة، وقال "ويلسن": إنَّ السلام لن يقوم إلا على الحق الاجتماعي، لا على القوة الفردية لأي دولة من الدول، وأن العَالم يَتطلع إلى حَياة حُرَّة كريمة لا تستند إلى السياسة التي تقوم على توازن القوى بين الدول، والسلام لن يَسود العالم ما لم يترك العالم لكل شعب الحق في اختيار نَوع الحكم الذي يَرضاه، والحكومة التي تحكمه، وبأنه لا تُوجد أية سُلطة تَسمح بنقل الشعوب مِن يد حاكم إلى يد حاكم آخر، كما لو كانت الشعوب سِلعة مُتداولة، وطالب "ويلسن" بحرية الشعوب وباستقلالها وبتطويرها اجتماعياً وصناعياً في حرية تامة، ونَبَّه إلى ما يَكمن وراء تجاهل عواطف الشعوب وإغفالها مِن الخطر، ودعا أيضاً إلى الاعتراف بحق الشعوب جميعاً في تقرير مصيرها بنفسها دون أن تُقام أمامها في هذه السبيل عقبات أو يُوجه إليها تهديد أو إرهاب، كما دعا إلى إفساح السبيل أمام الأمم الصغيرة لِتسير مع الأمم القوية والعظيمة جنباً إلى جنب.
على الرغم مِن كل هذا الكلام المعسول إنَّ الأمريكيين لَديهم عقدة، هُم لا يعرفون كلمة وطن بمعناها الحقيقي، لأنهم جميعاً طُرِحُوا على أرض لم تَكن لهم، هذا ألماني وهذا إنكليزي وهذا فرنسي وهذا استرالي، تركوا بلادهم وذهبوا إلى أرض لا تاريخ لهم فيها ولا حَضارة، فَكَلِمَةُ الوطن عندهم كلمة مُبهمة، لأن إحساسهم بها ضَعيف، هم قوم لَيس لهم وطن، إنهم لُقَطَاء تَجَمَّعُوا من هنا وهناك، وأرادوا أن يَحكموا العالم بأسره، وأن يستذلوا الشعوب الضعيفة بقوتهم المزيفة.
معاشر السادة: إنَّ أمريكا اليوم كما هي عادتها في كل زمان ومكان، وكما هو مَنهجها ومخططها في كل زمان ومكان، تُحاول اليوم أن تحتل قطعة مِن أراضي هذا الوطن الحبيب، بِحُجَّة أنهم يُحاربون داعش، والعالم كله يَعرف، العاقل والمجنون والغبي والذكي يدرك تماماً أنَّ دَاعش وُلِدَت مِن رَحِمِ أمريكا، كما قالت "هيلري كلينتون"، ويُدرك العالم تماماً أنَّ أَمريكا هي التي تُؤوِي الدَّواعش في حِضنها الخبيث لِتَحميهم مِن ضربات رجال الله رجال الجيش العربي السوري، ومِن ضَرَبَات روسيا الاتحادية هذه الدولة المقاومة، هم يَخافون مِن ضربات محور المقاومة في هذا الوطن الحبيب، أرادوا أن يُؤوُوا الدَّواعش ويَجعلونهم في كنفهم، وأمريكا تُريد أن تَضع أيديها على خَيرات وثروات هذا الوطن الحبيب أيضاً، وأرادت أن تجعل مِن الشَّمال كما هو مُخطط "أردوغان" القذر مَنطقة آمنة ومَنطقة عازلة يَحصلون مِن خلالها على تمزيق وتقسيم وتفتيت هذا الوطن، ولكننا بفضل الله جل جلاله نَجد أنَّ الحق يَسير بالخطى التي رسمها الله له، نجد أنَّ الحق يَوماً بعد يوم يَتوسع، يَزداد قوة، يزداد ثقة، يزداد أملاً، يزداد عطاءً، يزداد تضحية، وكان الأمريكيون مع الأسف يُراهنون هم و"أردوغان" القذر، يُراهنون على وطنية أهلنا الأشاوس في عفرين، لكنهم خابوا وفشلوا، ورأينا القوات الشعبية تِلك القوات المباركة كيف دخلت إلى مدينة عفرين، ورأينا أهلنا في عفرين الحبيبة يَستقبلونهم بالأرز والورد والياسمين، ويقولون لهم: أهلاً وسهلاً بكم يا أبناء هذا الوطن الحبيب، ورفعوا جميعاً راية هذا الوطن، وهتفوا جميعاً كما هَتفنا في مؤتمر "سوتشي": {واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد}.
هكذا نحن السوريون على مر العصور والتاريخ، كنا يداً واحدة وسنبقى يداً واحدة، وعزمنا جميعاً أن نقطع ونبتر كل يد وكل لسان وكل قدم يتطاول على شبر من أراضي هذا الوطن الحبيب، أو يتطاول على هذه الراية الشريفة، ونحن بعد أيام قليلة بقوة الله جل جلاله بنصر الله جل جلاله كلنا أمل في الله وكلنا ثقة بإيماننا بربنا جل جلاله أنه سينصر رجاله رجال الجيش العربي السوري في الغوطة الشرقية كما نصرهم في مدينة حلب الأبية، سينصرهم في الغوطة الشرقية كما نصرهم في ريف حماة وفي ريف إدلب، سينصرهم في الغوطة الشرقية كما نصرهم في مدينة تدمر، النصر يمتد يوماً بعد يوم، ورجال الله يضربون ويسحقون بكل ما أوتوا من قوة، كل صهيوني عقله متعفن، وكل خنزير أراد أن يمكر بهذا الوطن الحبيب.
ثورتكم -أيها الملعونون في الغوطة الشرقية، يا من تتمثلون بالثورة الملعونة- التي تقذف مدينة دمشق أطهر مدينة في التاريخ تقذفونها بقذائف حقدكم وغدركم، ثورتكم الملعونة بعد أيام قليلة سنسحقها تحت أقدامنا، تحت أقدام رجال الله رجال الجيش العربي السوري، وسنرفع هذا العلم فوق سماء الغوطة الشرقية وندحركم، وسنمكث في بيوتنا في أحيائنا في قرانا، ونقول لكم: ارحلوا أيها الخنازير، ارحلوا أيها القتلة، ارحلوا أيها الماجنون، ارحلوا يا خذام الأمم المتحدة، ارحلوا يا خدام مجلس الأمن، ارحلوا يا خدام أمريكا وإسرائيل، نحن هنا سوريون، عرب، مسلمون، مسيحيون، لا نخضع لا نركع، وابتزازكم أبداً لن يُضعف مِن عزيمتنا ولا مِن موقفنا ولا مِن مبدئنا، سنزداد يوماً بعد يوم قوة وعزيمة وإصراراً، والويل لكم مِن رجال الله رجال الجيش العربي السوري.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.